تقدير موقف

شبكة تطبيع أوراسية.. هل تحفز كازاخستان دول آسيا الوسطى للتطبيع مع إسرائيل؟


  • 24 نوفمبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: timesca.com

في السنوات القليلة الماضية، شهدت منطقة آسيا الوسطى تحولات إستراتيجية غير مسبوقة، فلم تعد العلاقات الدولية محصورة ضمن جغرافيا محددة؛ بل امتدت لتشمل تحالفات جديدة وغير تقليدية، وفي هذا السياق تبرز خطوة كازاخستان نحو التطبيع مع إسرائيل بوصفها حدثًا استثنائيًّا، لكونها أول دولة مركزية في آسيا الوسطى تنخرط رسميًا في اتفاقات أبراهام، ما يعكس اختبارًا  صعبًا لقدرة الدولة على إعادة صياغة مصالحها الوطنية ضمن شبكة التحالفات الإقليمية والدولية، حيث يثير توقيت إعلان التطبيع التساؤلات عن مستقبل النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وهل يمكن أن يكون نموذج كازاخستان محفزًا لدول آسيا الوسطى الأخرى لخطوات مماثلة؟ وما مدى قدرة هذه الشراكة على إعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية وتعزيز الأمن الإقليمي؟ إضافة إلى ذلك، يبرز الجدل بشأن التوازن بين المكاسب الاقتصادية والأمنية من جهة، والأخطار السياسية والاجتماعية من جهة أخرى، لكل من كازاخستان وإسرائيل والولايات المتحدة، وتحديدًا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بوصفه الراعي الرسمي لاتفاقيات التطبيع.

خصوصية العلاقات الكازاخية الإسرائيلية

مع أن العلاقات الرسمية بين إسرائيل وكازاخستان بدأت بعد استقلال كازاخستان عن الاتحاد السوفيتي في ديسمبر (كانون الأول) 1991، فإن التفاعل بين الشعبين له جذور أقدم، فخلال الحقبة السوفيتية، استقر عدد محدود من اليهود في كازاخستان نتيجة التهجير القسري خلال الحرب العالمية الثانية، وسياسات التوطين السوفيتية، مما خلق مجتمعًا يهوديًا صغيرًا أثر في روابط ثقافية لاحقًا، وبعد الاستقلال عملت كازاخستان على إعادة بناء علاقاتها مع الدول الغربية والشرق أوسطية -ومنها إسرائيل- ضمن سياستها المتعددة المحاور.

بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين في أوائل التسعينيات بعد استقلال كازاخستان، وشهدت تبادل السفراء وتوقيع اتفاقيات تعاون متعددة المجالات. شملت هذه الاتفاقيات مجالات التجارة والاستثمار من خلال اتفاقيات لتعزيز التبادل التجاري وخاصة في التكنولوجيا والزراعة، ومجال التعليم والعلوم من خلال برامج تبادل أكاديمي وبحثي بين الجامعات الإسرائيلية والكازاخستانية، كما ترسخت الثقافة والدبلوماسية الشعبية عن طريق أنشطة مشتركة للجاليات اليهودية والكازاخستانية للتقارب بين الشعبين.

وخلال العقد الأول من استقلال كازاخستان، ركز التعاون مع إسرائيل على الزراعة وإدارة المياه والطاقة الشمسية، حيث استفادت أستانا من خبرة تل أبيب في التقنيات الزراعية، كما بدأت شركات إسرائيلية بالدخول إلى كازاخستان في مشروعات المدن الذكية والمراقبة الأمنية، وهو ما أرسى ركيزة لعلاقات إستراتيجية أكثر عمقًا. ومع أن التعاون العسكري كان محدودًا نسبيًا في التسعينيات، فإن إسرائيل وكازاخستان بدأتا تنسيقًا في مجالات الأمن والاستخبارات منذ منتصف العقد الأول من الألفية، مع التركيز على مراقبة الحدود، خاصةً الحدود الجنوبية مع أفغانستان، وتدريب القوات الأمنية الكازاخستانية على مكافحة الإرهاب، فضلًا عن تبادل الخبرات في الأمن السيبراني، ومكافحة التهديدات غير التقليدية.

ولكن مع دخول أستانا مرحلة الانفتاح الاقتصادي والسياسي، توسعت العلاقات بين إسرائيل وكازاخستان لتشمل الطاقة والتكنولوجيا المتقدمة ومشروعات الطاقة الشمسية والطاقة النووية والشراكات اللوجستية والتجارية من خلال دخول شركات إسرائيلية في البنى التحتية، ما جعل إسرائيل تؤسس لشراكة إستراتيجية مع كازاخستان لمواجهة النفوذ الروسي والصيني والتركي في قلب آسيا الوسطى.

أهداف كازاخستان

  • ترسيخ مكانة كازاخستان كلاعب إقليمي: الانضمام إلى اتفاقات أبراهام قد لا يكون مجرد تطبيع رمزي داخلي، بل يعبر عن رغبة كازاخستان في إرسال رسالة إلى واشنطن مفادها الاستعداد لتعميق التعاون الغربي، وهذه الخطوة تضع أستانا في موقع يمكنها فيه أن تكون وسيطًا إقليميًا، أو لاعبًا محوريًا بين العالم الإسلامي والغربي؛ ما يعزز نفوذها الدبلوماسي على الساحة الدولية.
  • الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة: يمثل انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام خطوة ذات تكلفة منخفضة وعائد إستراتيجي مرتفع تجاه الإدارة الأمريكية، فمن خلال هذه الخطوة يمكن لأستانا أن تكتسب رصيدًا دبلوماسيًا مهمًا مع واشنطن، خاصة في ظل المنافسة الجيوسياسية المتصاعدة في آسيا الوسطى بين النفوذ الغربي والروسي والصيني، كما أن الانضمام إلى اتفاقات أبراهام يمنح كازاخستان رمزية إستراتيجية في نظر الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بوصفها جزءًا من جهود إحياء هذه المبادرة؛ ما قد يترجم إلى دعم سياسي واقتصادي أوروبي- أمريكي أوسع لكازاخستان.
  • تعزيز التعددية في السياسة الخارجية: تعد خطوة كازاخستان نحو التطبيع مع إسرائيل إشارة سياسية أن أستانا تسعى إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية وتوازنًا، وهذا النهج يُمكن كازاخستان من تقليل تبعيتها للمحيط الإقليمي الضاغط (روسيا والصين)، ويُظهر أنها لاعب إقليمي لا يخضع بالكامل لمحور واحد، كما تمثل هذه الخطوة تمسك بسياسة دبلوماسية الحوار البناء التي تؤكدها القيادة الكازاخستانية كجزء من هوية سياستها الخارجية المتعددة الاتجاهات.
  • العوائد الاقتصادية: التطبيع مع إسرائيل يفتح أمام كازاخستان فرصًا للاستفادة من خبرات إسرائيل في التكنولوجيا المتقدمة، مثل الأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، ما يمكن أن يُعزز تدفق الاستثمارات الأجنبية نحو المشروعات التكنولوجية والإستراتيجية في كازاخستان، وهو ما يتماشى مع طموح أستانا في تحديث اقتصادها وتنويع مصادره، كما أن التطبيع قد يُحفز شراكات اقتصادية في مجال المعادن الحرجة، حيث تسعى أستانا إلى القيمة المضافة، وليس التصدير الخام فقط.
  • تنمية القدرات الدفاعية: يمكن أن تستفيد كازاخستان من القدرات الإسرائيلية في مجال الاستخبارات والمراقبة لمواجهة التحديات الأمنية على حدودها الجنوبية، لا سيما في ضوء الأخطار المتصلة بتهريب الأسلحة، أو تنامي نشاط الجماعات المتطرفة، حيث يوفر التعاون مع إسرائيل لأستانا خبرات أمنية متقدمة وتقنيات مراقبة متطورة، ما يسهم في تعزيز استقرارها الداخلي وقدرتها على التصدي للتهديدات غير التقليدية.

المكاسب الأمريكية

  • تعزيز النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى: ترى الولايات المتحدة في آسيا الوسطى، ولا سيما كازاخستان، رقعة إستراتيجية مهمة تشمل موارد طبيعية حيوية، وموقعًا جغرافيًا محوريًا بين روسيا والصين؛ ومن ثم فإن انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام يمنح واشنطن أداة دبلوماسية إضافية لتعميق وجودها في المنطقة، ويُعد رسالة إستراتيجية بأن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على بناء تحالفات في آسيا الوسطى بعيدًا عن تبعية كاملة لموسكو أو بكين، وهذه الخطوة تُترجم عمليًا إلى تعزيز صيغة “C+1” (دول آسيا الوسطى + الولايات المتحدة) بوصفها إطارًا للتعاون الإقليمي، ما يعزز الممر الإستراتيجي الذي تريده واشنطن لتوفير بدائل لسلاسل التوريد خاصة في المعادن النادرة والطاقة.
  • شرعنة إسرائيل: ضم كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام يُعد رمزيًا، لكنه مهم جدًا لاستعادة زخم هذه الاتفاقيات، لا سيما بعد طوفان الأقصى وتأثيره في إحياء الزخم بالقضية الفلسطينية؛ لذا تسعى الولايات المتحدة إلى استغلال هذه الشرعية الرمزية لتوسيع شبكة التطبيع خارج الشرق الأوسط التقليدي، ما قد يعزز من رؤية واشنطن لدورها كوسيط إقليمي بين العالم الإسلامي وإسرائيل؛ ومن ثم توسيع قبول العلاقات الإسرائيلية في بلدان مسلمة.
  • استغلال الموارد الإستراتيجية: تمتلك كازاخستان ثروات كبيرة من المعادن الحيوية، وهي عناصر تحظى باهتمام كبير من الولايات المتحدة، خاصة في ظل المنافسة التكنولوجية والجيو ‑اقتصادية مع الصين؛ لذا من خلال دعم تطبيع كازاخستان مع إسرائيل، تستطيع واشنطن تأمين شراكات إستراتيجية اقتصادية في قطاعات مثل تكنولوجيا التعدين والطاقة المتجددة، ما يخدم أهدافها الطويلة الأمد في تنويع سلاسل الإمداد، وتقليل الاعتماد على الصين وروسيا.
  • إقامة شبكات استخباراتية: يمكن أن يسهل التطبيع بين كازاخستان وإسرائيل تبادل معلومات استخبارية وتقنيات أمنية، مما يخدم المصالح الأمريكية في مراقبة الأنشطة الإقليمية غير المستقرة في تلك المنطقة، كما أن تقوية الربط بين دول آسيا الوسطى وإسرائيل عبر واشنطن يسهم في بناء جدار أمني يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه للتأثير في مستقبل الاستقرار في المنطقة، خاصة في ظل المنافسة مع النفوذ الروسي والصيني.
  • ترسيخ دور واشنطن بوصفها ضامنًا للأمن الإقليمي: الخطوة التي تقودها الولايات المتحدة لدعم انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام تمنح واشنطن دور الضامن الإستراتيجي، ما يعزز نفوذها الدبلوماسي في وسط آسيا، وهذا الدور يمكن أن يُترجم إلى مكاسب سياسية للولايات المتحدة، خاصةً إذا استخدمت واشنطن هذا الزخم لدفع دول أخرى في آسيا الوسطى أو الشرق الأوسط نحو تطبيع أوسع، وإشراكهم في مبادرات تدعم المصالح الأمريكية في المنطقة.

المصالح الإسرائيلية

  • تطويق إيران: تتمتع دول آسيا الوسطى بموقع حيوي يشكل الحلقة الأقرب إلى الحدود الشمالية لإيران؛ ومن ثم -ومن هذا المنطلق- فإن التطبيع مع كازاخستان بوصفه مقدمة للتطبيع مع الجمهوريات الأربع يعني بناء شبكة دفاع متقدمة تعمل لصالح إسرائيل في حال اندلاع حرب إقليمية واسعة، حيث تسعى إسرائيل إلى إيجاد موطئ قدم استخباري وعسكري في دول قريبة من إيران، بحيث يمكنها مراقبة الأنشطة الإيرانية، وربما في مراحل لاحقة إنشاء قواعد أو محطات مراقبة إلكترونية بالتعاون مع الولايات المتحدة في تلك الدول.
  • الوصول إلى الموارد الإستراتيجية: كازاخستان غنية بالعناصر الأرضية النادرة والمعادن الإستراتيجية، مثل اليورانيوم، ما يجعلها بيئة استثمارية جاذبة لإسرائيل التي تبحث عن أسواق جديدة وشركاء جدد بعد توتر علاقاتها في الإقليم العربي؛ لذا فإن تعزيز العلاقات مع كازاخستان يوفر إمكانية تأمين إمدادات مهمة لهذه الموارد، ما يدعم الصناعات التكنولوجية والعسكرية الإسرائيلية، ومن خلال الانضمام إلى اتفاقات أبراهام يمكن لتل أبيب ترسيخ تعاون طويل الأمد في المعادن مع أستانا، في إطار أكثر استقرارًا وقانونية دولية.
  • تعزيز البعد الدبلوماسي لاتفاقات أبراهام: دخول كازاخستان، وهي دولة مركزية في آسيا الوسطى ذات أغلبية مسلمة، إلى إطار أبراهام يمنح الاتفاقات بعدًا جيوستراتيجيًّا أوسع؛ فمن منظور إسرائيلي، يرسل رسالة بأن العلاقات مع إسرائيل لم تعد محصورة في الشرق الأوسط فقط، بل تمتد إلى دول مهمة في أوراسيا؛ مما يعزز شرعية الاتفاقات، كما أن هذا التوسع يمكن أن يساعد إسرائيل على بناء شبكة تحالفات في العالم الإسلامي لا تعتمد فقط على الدول العربية.
  • بديل مؤقت للسعودية: يُقرأ دخول كازاخستان على خط التطبيع على أنه جزء من محاولة تعويضية، فالدول الإسلامية في آسيا الوسطى -رغم بعدها الجغرافي- تمثل كتلة ديموغرافية ذات أغلبية مسلمة، وتتيح لإسرائيل الادعاء بأنها قادرة على نسج علاقات مع العالم الإسلامي، بعيدًا عن الشرق الأوسط، بعد أن علقت السعودية تطبيعها مع إسرائيل على شرط الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحل الدولتين.
  • تعزيز النفوذ الإقليمي للمحور الأمريكي: تقع دول آسيا الوسطى في منطقة تنافس حاد بين روسيا والصين والولايات المتحدة، ما يجعلها ساحة مناسبة للنفوذ المرن، حيث تعمل إسرائيل لصالح واشنطن، إذ تتيح لها هذه التحالفات الجديدة تعزيز حضورها في وجه تمدد بكين وموسكو في المنطقة، كما أن كازاخستان تحديدًا تعد ممرًا مهمًا لمشروع الحزام والطريق الصيني، ما يمنح إسرائيل فرصة للتموضع ضمن شبكات النقل والطاقة العابرة للقارات.

تداعيات التطبيع مع كازاخستان من منظور الأمن الإقليمي

يُعد انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام تحولًا رمزيًا وإستراتيجيًا، لأنه يوسع دائرة التطبيع الإسرائيلي خارج الشرق الأوسط إلى قلب آسيا الوسطى. هذا التوسع قد يعزز قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على بناء نظام إقليمي بديل في أوراسيا، ما قد يقيد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة. ومن منظور أمني، تتيح هذه العلاقة الجديدة لإسرائيل شريكًا إستراتيجيًا في آسيا الوسطى يمكنه تقديم معلومات استخباراتية، ونقاط وصول لوجستية، ودعم لوجود دبلوماسي وأمني أوسع، لكن في مقابل هذا فإن التطبيع قد يراه بعض الفاعلين في المنطقة محاولة لشرعنة علاقات مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، مما قد يولد توترات داخلية في بعض الدول الإسلامية، أو ضغط شعبي ضد الحكومات التي تنضم إلى هذه الاتفاقات.

وعلى المستوى الإقليمي، قد يعطي التقارب مع كازاخستان دفعة لخطاب التطبيع بوصفه أداة دبلوماسية، لكنه في الوقت نفسه قد يعزز الشعور بأن بعض الدول تُخضع قضيتها الفلسطينية للتوازنات الجيوسياسية، ما قد يثير تهديدًا محتملاً لموازين القوى في آسيا الوسطى إذا ما استخدم لترسيخ نفوذ أجنبي في دول تراها بعض القوى التقليدية ضمن منطقة نفوذها. فانضمام دولة مسلمة كبرى وغير عربية مثل كازاخستان إلى اتفاقيات أبراهام يشكل رسالة قوية من إسرائيل إلى العالمين الإسلامي والأوراسي بأنها قادرة على إقامة شراكات أوسع من مجرد العلاقات مع دول الخليج، وهذا التحول الرمزي يمكن أن تستخدمه إسرائيل والولايات المتحدة لتسويق نموذج السلام الاقتصادي والدبلوماسي بوصفه بديلًا للصراع التقليدي، ما قد يشكل ضغطًا على الدول الأخرى لتبني النهج نفسه.

بالإضافة إلى ما سبق فإن وجود شراكة أعمق بين كازاخستان وإسرائيل قد يُثير قلقًا من احتمالية استخدام التكنولوجيا الأمنية العالية، أو القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية، للتدخل في القضايا الإقليمية، أو دعم أجندات قد لا تكون في مصلحة بعض الدول المجاورة، ما قد يؤدي إلى سباق تأثير دبلوماسي بين القوى الكبرى (روسيا، والصين، والولايات المتحدة) على حساب استقرار آسيا الوسطى، خاصةً إذا رأت هذه القوى أن التطبيع يغير ميزان النفوذ في المنطقة، ولعل الارتداد الأهم للتطبيع بين كازخستان وإسرائيل احتمالية استغلال الأخيرة وجودها المتزايد في آسيا الوسطى في بناء قدرات دفاعية لتلك الدول لتكوين محور دفاعي يخدم أمن تل أبيب.

مستقبل التطبيع مع دول آسيا الوسطى

يثير قيام كازاخستان بخطوات رسمية نحو التطبيع مع إسرائيل ضمن إطار اتفاقات أبراهام الجدل بشأن مستقبل العلاقات بين إسرائيل ودول آسيا الوسطى الأربع، فمع أن أوزبكستان تتبنى سياسة خارجية براغماتية، لم تصدر حتى الآن خطوات رسمية نحو التطبيع الكامل، لكنها بدأت علاقات تجارية واستثمارية محدودة مع إسرائيل؛ ومن ثم فإن التطبيع الرسمي مع إسرائيل قد يتم تدريجيًّا ضمن إطار مبادرات اقتصادية وتجارية، خاصة في مجالات الزراعة والطاقة المتجددة، حيث يمكن لأوزبكستان أن تصبح محورًا محايدًا لتعزيز نفوذ إسرائيل والغرب في آسيا الوسطى دون مواجهة مباشرة مع روسيا.

تركمانستان التي تنتهج سياسة الحياد الدائم، وهي الأكثر تحفظًا في دول آسيا الوسطى، من المرجح أن تظل حذرة، مفضلةً تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل دون خطوات سياسية واضحة نحو التطبيع الكامل؛ ما يجبر إسرائيل على التركيز على التعاون في القطاعات الاقتصادية، مثل الطاقة والغاز الطبيعي، والاستثمار في المشروعات اللوجستية، بديلًا عن التطبيع السياسي.

ولعل العلاقات المتواضعة بين قرغيزستان وإسرائيل التي تعتمد على التعاون الفني والثقافي ومبادرات تجارية محدودة تجعل التطبيع الرسمي مع إسرائيل يواجه تحديات اجتماعية وسياسية نظرًا إلى الحساسية الدينية والضغط الشعبي على الحكومة، ما يجعل إسرائيل تستخدم نموذج التعاون الاقتصادي لتأسيس ثقة تدريجية مع قرغيزستان قبل أي خطوات رسمية للتقارب. وبالنظر إلى طاجيكستان التي تجمعها علاقات غير رسمية مع إسرائيل، بسبب السياسات الداخلية المحافظة، واعتماد الحكومة الطاجيكية على روسيا بوصفها حليفًا رئيسًا، فإن التطبيع الرسمي غير محتمل على المدى القصير، لكن التعاون الاقتصادي والفني يمكن أن ينمو تدريجيًا بين البلدين.

الخاتمة

مما سبق يمكن القول إن التطبيع المحتمل بين إسرائيل ودول آسيا الوسطى الذي بدأ بكازاخستان يشكل تحولًا جيوستراتيجيًا مهمًا في المنطقة، ويعكس نهجًا متعدد المحاور يجمع بين المصالح الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية، لكنه في المقابل اختبار دقيق للتوازن بين النفوذ الإقليمي والضغوط الداخلية والتحديات الجيوسياسية للجمهوريات الخمس؛ ومن ثم فإن نجاح هذا النموذج يمكن أن يمنح إسرائيل فرصة ذهبية لنسج شبكة أوسع من التطبيع، تمتد خارج الشرق الأوسط التقليدي لتشمل قلب أوراسيا، غير أن النفوذ الروسي والصيني في الجمهوريات الخمس يؤدي دورًا رئيسًا في تحديد سرعة التطبيع وعمقه، كما أن المصالح الاقتصادية والتكنولوجية بين دول آسيا الوسطى وإسرائيل قد تسرع مسار التقارب، حيث تسعى الجمهوريات الخمس -بتباين توجهاتها- للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في الزراعة والطاقة والأمن السيبراني والتنمية المستدامة. فضلًا عن هذا، فإن الانخراط الأمريكي عبر الشراكات الاقتصادية، خاصة في مجال المعادن الحرجة والطاقة، يمكن أن يدعم مسار التطبيع، ويقلل الأخطار الإقليمية، لكن العامل الديني والاجتماعي سيظل العائق الأول الذي يحد من خطوات التطبيع السياسي المباشر، خاصة في أوزبكستان وقرغيزستان على المدى المنظور.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع