ألكسندر رومانوفيتش بيليايف (1884- 1942) كاتب روسي، وصحفي ومحامٍ، من أهم الكتاب الروس، ويعد أول كاتب روسي أوقف كتاباته على أدب الخيال العلمي.
ولد ألكسندر في أسرة متدينة، لأب يعمل قسيسًا، أراد أن يكون ابنه خليفته.
منذ الطفولة كان ألسكندر صاحب خيال خصب، وأمنيات شبة مستحيلة، حاول الطيران عدة مرات من فوق سطح منزله مثبتًا مكنسة خلف ظهره مع بعض الأربطة والمفارش.. أراد صنع طائرة شراعية، وفي إحدى المرات سقط فوق حظيرة، وأصيب ظهره بإصابات خطيرة ظل يعاني آثارها بقية حياته.. ألحقه والده بالمدارس الدينية المخصصة لتأهيل الفتية، لكن بيليايف الذي كان ميالًا إلى الموسيقى، وتعلم اللغات، لم يكمل مسيرة والده، واختار أن يدرس الحقوق.
في عام 1905 توفي والده، وحاجته إلى المال كانت بداية عمله في الصحف والمجلات لكتابة المقالات الأدبية النقدية. في العام نفسه حين اشتعلت الثورة الروسية الأولى اشترك ألكسندر في المظاهرات الطلابية، وتعرف إلى بعض الاشتراكيين الثوريين، وكانت تلك بداية خضوعه للمراقبة من الشرطة، والتعرض للاعتقال عدة مرات.
بعد أن تخرج عمل بالمحاماة، وأثبت براعته، وذاع صيته، وخلال فترة قصيرة أصبح لديه عملاء ثابتون. خلال هذا الوقت كان بيليايف متعاقدًا بدوام جزئي لدى عدد من الصحف والمجلات لكتابة تقارير عن العروض المسرحية والموسيقية، وتحرير ملاحظات نقدية، ومقالات عن الحياة الثقافية، وخلال السنوات التي تلت تخرجه تلك عمل أيضًا رئيسًا لتحرير عدة مجلات بجانب أعمال أخرى مكّنته من الحصول على بعض المبالغ المالية لتأثيث منزل مناسب، والذهاب في رحلة حول أوروبا، حيث حقق حلمه أخيرًا بالطيران.
بدأ بيليايف الكتابة الأدبية في بداية العشرينيات، بين عامي 1923 و1924. حتى وفاته في الأربعينيات من القرن نفسه، أنتج نحو سبعين عملًا أدبيًّا في مجال الخيال العلمي، منها 17 رواية، والباقي من الروايات القصيرة، وقصص ذات أفكار فريدة متشعبة التفاصيل. من أكثر أعماله شهرة سلسلة “مغامرات البروفيسور فاغنر”، وهي مجموعة من الأفكار الخيالية في شتى المجالات، مثل الجاذبية، ونقل الأعضاء، والتحكم بالجاذبية، والتلاعب بالذرات
وكيمياء الجسد.
تعد سلسلة فاغنر نتاج قصص كثيرة غير مكتملة لنفس الأفكار، وحتى شخصية فاغنر نفسها، أو البروفيسور العبقري الغريب الأطوار هي شخصية متكررة في جميع أعمال بيليايف، لكنه هذه المرة نجح في رسم الشخصية على مدار أكثر من ثماني قصص من تاريخ، وأفكار، وانتماء.
وتعد رواية “البرمائي” من أعماله المشهورة التي تدور خارج روسيا، وهي تتحدث عن أحد العلماء المشغولين بإجراء تجارب لمنح البشر صفات أو أجسادًا حيوانية للاستفادة من تلك الخصائص. ونجح هذا العالِم في خلق “البرمائي”، وهو صبي تربي في المعمل، ويستطيع العيش على الأرض وتحت الماء؛ لاحتواء جسده على خياشيم مثل الأسماك. لكن بيليايف يعطي للرواية بعدًا إنسانيًّا اجتماعيًّا بجانب الخيال العلمي، وننطلق مع الشاب لاستكشاف العالم الذي يراه لأول مرة خارج المعمل.
“البرمائي” ليست الرواية الوحيدة عن القدرات الخارقة التي يكتسبها البشر بسبب العلم؛ ففي رواية “آرييل” يكتسب الشاب القدرة على الطيران بلا أي معدات؛ مما يجعله يهرب من الوصاية.
وهناك كثير من الروايات الأخرى ذات الحبكات الرائعة، مثل “آخر رجال أطلانتس”، التي تقدم سردية جديدة لما حدث في البلد المفقود، وروايات مثل “الرجل الذي فقد وجهه”، و”المزارعون تحت الماء”. إلى جانب عدد كبير من القصص القصيرة التي نشرها في المجلات التي عمل بها، مثل “حول العالم”، و”المعرفة قوة”، و”ليننغراد”.
يعد الخيال العلمي هو الموضوع المفضل لبيليايف، إلى درجة أنه كان سببًا في شهرته باسم ” جول فيرن Jules Verne ” روسيا؛ تشبيهًا بالأديب الفرنسي الشهير في الخيال العلمي، المولود عام 1828، والمتوفى عام 1905.
ورغم إسهاماته في أدب الخيال العلمي فإنه كتب بعض القصص الاجتماعية المباشرة، مثل “الرجل الذي وجد وجهه”، وبعض القصص الأخرى عن مزارع العمل السوفيتية. وفي شبابه عمل صحفيًّا في تغطية العروض المسرحية، وكتابة المقالات النقدية عن المسرحيات والفعاليات الاجتماعية المختلفة. إلى جانب كتابه التقارير، التحق ألكسندر بيليايف في إحدى فترات حياته بفرقة مسرحية كتب لها، وفي أحيان أخرى كان يخرج ويمثل أيضًا.
ومن الزوايا غير المعروفة في إنتاج بيليايف الثقافي اشتغاله بأدب الأطفال، فقد قدم إحدى مسرحياته التي كتبها ولم يضع نصها بعد وفاته، تحت عنوان “الجدة مويرا”، كما خصص سلسلة للأطفال تنقسم بين القصة واللغز العلمي، باسم “المغامرات الغريبة للبروفيسور نيبفالوف”، وهي سلسلة ألغاز علمية نشرت في إحدى مجلات الأطفال، ولم تكن “المغامرات الغريبة للبروفيسور نيبفالوف” هي الصيغة الأولى للألغاز؛ بل كتب ونشر عددًا من تلك القصص بأسماء وحبكات مختلفة، ثم طوّرها لتلائم القراء الأصغر سنًا.
حظيت أعمال ألكسندر بيليايف بشهرة كبيرة في أثناء حياته، وبعد موته بفترة طويلة، وإلى الآن تطبع أعماله طبعات كثيرة، خاصةً الروايات الكبيرة، مثل “البرمائي”، و”أرييل”.
وبالرغم من تقديمه سيناريو واحدًا فقط للسينما لفيلم يدعي “عندما تنطفئ الأنوار”، فإن كثيرًا من كتاب السيناريو اقتبسوا من أعماله أدق تفاصيلها، وحُولت أعماله الأدبية إلى أكثر من 10 أفلام، أشهرها “الرجل البرمائي” في الستينيات، و”الرجل الأخير في أطلانتس” عام 2015.
رغم شهرة بيليايف في روسيا، وتلقيبه بجول فيرن روسيا، فإن ترجمة أعماله إلى العربية قليلة، أولها رواية “البرمائي”، ترجمة رامي القليوبي عام 2011، عن المركز القومي للترجمة بمصر، ثم ترجمة “الخبز الأبدي”، و”لا حياة.. لا موت” عن دار بوك لاند الكويت 2022، بترجمة آية حسن حسان، ورواية “رأس البروفيسور دويل”، ترجمة محمد خميس، عن دار المتنبي 2022، إلى جانب ترجمة آية حسن لبعض القصص القصيرة، مثل “عالم لا يتحلل”، و”اتجه غربًا”، و”ذو الجسد المضيء”، و”مغامرات البروفيسور نيبفالوف”، عن منشورات ويلز.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.