في أعقاب ضم/ استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وتدخلها في الصراع في شرق أوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفاؤهما سلسلة من العقوبات على روسيا. وعادة ما يكون هناك اهتمام بضمان أن تضر العقوبات أولئك الذين يخضعون للعقوبات بدرجة أكبر بكثير مما تفعل بأولئك الذين بدأوا العقوبات، وتم تجاهل أن تأثير العقوبات محدود من حيث الوقت؛ بسبب ميل المتضررين إلى التكيف وإيجاد طرق للتغلب عليها. وبينما يمكن اعتبار التأثير الاقتصادي للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه روسيا في الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي إيجابيًا، فإن تأثير هذه السياسات في اقتصادات دول الاتحاد داخليًّا يعد أمرًا آخر تمامًا، يمكن تقييمه بشديد السلبية.
مرة أخرى، ومنذ بدء النزاع العسكري الروسي مع أوكرانيا عام 2022، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على روسيا، مستهدفين ثلاثة محاور رئيسية، كالتالي:
على الرغم من الزخم الإعلامي المُرافق لفرض عقوبات غربية على روسيا منذ اندلاع الصراع المسلح في أوكرانيا، فإن قلة مِن الخبراء اهتموا بدراسة الأثر الذي ستحدثه هذه العقوبات على الغرب نفسه، وخاصةً الاتحاد الأوربي، علمًا بأن تعقيد المتغيرات ذات الصلة بالصراع الروسي- الأطلسي يُصعّب جدًّا التنبؤ بنتيجة العقوبات، لكن مِن شأن تقييم دقيق لهذه العقوبات أن يكون بمنزلة أداة لا تقدر بثمن لصانعي القرارات، خاصةً إذا كانت قرارتهم الأخيرة المتعلقة بالسياسة الخارجية لم تُراعِ التأثر الاقتصادي على المستوى الداخلي للدول، وعلى العالم كله.
تاريخيًّا، وبينما كانت الشيوعية تنهار، وافقت الدول الأوروبية على توقيع معاهدة ماستريخت، التي تضمنت خلق إطار عمل موحد لتقوية الاتحاد الأوروبي، وكان سقوط الاتحاد السوفيتي، أواخر عام 1991، خطوة إلى الأمام نحو تحقيق التقارب بين الدول الأوروبية وسياساتها المشتركة وبين ما سيعرف بالاتحاد الروسي. وعَرِفَت العلاقة بين الطرفين بالتطورات الجيوستراتيجية المتمثلة في تأثيرهما النسبي، أحدهما في الآخر، وخاصةً في ظل توسع البناء السياسي الجديد للاتحاد الأوروبي ليضم ما كان يُعرف من قبل باسم البلدان “الشيوعية”، أو “الشرقية”، أو السوفيتية؛ لذا فقد أصبح في الوقت الحاضر الاتحاد الأوروبي جارًا لروسيا، وأصبح التعاون والتنسيق بينهما أمرًا لا مفر منه.
أتاح توسع الاتحاد الأوروبي نحو الشرق الفرصة لإعادة تقييم الإطار الإستراتيجي والقانوني للعلاقة الاقتصادية مع روسيا؛ لذا اتفق صانعو القرار الأوروبيون والروس في قمة بطرسبرج، عام 2003، على إنشاء الفضاء الاقتصادي المشترك، وهي خطوة نحو سوق أكثر انفتاحًا وتكاملًا بين روسيا والاتحاد الأوروبي. والغرض من هذا الفضاء الاقتصادي هو توفير الوسائل اللازمة لتجارة أكثر حُرية من خلال خلق فرص استثمار على أساس التكامل الاقتصادي، وإزالة الحواجز الجمركية، والتقارب التنظيمي، وتطوير البنية التحتية. ويهدف التقارب التنظيمي إلى السماح للوكلاء الاقتصاديين بالتعاون، بموجب مجموعة مشتركة من القواعد، في كثير من المجالات من خلال سوق موسعة تضم أكثر من (600) مليون مستهلك في الاتحاد الأوروبي وروسيا. وحددت خريطة الطريق بشأن الفضاء الاقتصادي المشترك، التي تم الاتفاق عليها عام 2005، الأهداف العامة، ومجالات التعاون بين الاتحاد الأوروبي وروسيا على المديين القصير والمتوسط. كما حددت أيضًا حوارات بشأن قضايا إضافية، مثل سياسات الصناعة والمؤسسات، والطاقة ، والمنافسة ، والاقتصاد الكلي، والخدمات المالية.
في قمة خانتي- مانسييسك، عام 2008، انطلقت مفاوضات بشأن اتفاقية جديدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا من شأنها أن توفر إطارًا أكثر فاعلية للشراكة الإستراتيجية، مما يعكس التعاون المتزايد، ويتضمن التزامات مُلزمة قانونًا في المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والبحثية، والتعليمية، ومجالات التجارة، والاستثمار، والطاقة.
في النصف الأول من عام 2014، وبعد التطبيق التدريجي لعقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو، نشأ نقاش سريع جدًا بشأن التكاليف الاقتصادية، خاصة بالنسبة إلى الدول الأوروبية. في البداية، ركز النقاش على العواقب السلبية لتعطيل التجارة. ولا جدال بين الاقتصاديين- إلى حد كبير- أن الحواجز الإضافية أمام التجارة والاستثمار، التي نشأت في هذه الحالة بسبب القيود المفروضة على صادرات بعض السلع، وكذلك القيود المالية، ستقلل حجم التجارة والاستثمار الأجنبي؛ ومن ثم الإنتاج، والقيمة المضافة، والتوظيف لجميع الشركاء التجاريين داخل الاتحاد مع روسيا.
لذا نجد اليوم تعاملًا سريعًا نحو تسوية أزمة النزاع المُسلح في أوكرانيا، بعيدًا عن لغة التصعيد العسكري، والتلويح بالعقوبات، خاصةً من الدول المركزية الفاعلة في الاتحاد الأوروبي، حيث أعلن قادة روسيا وألمانيا وفرنسا اتفاقًا على استمرار التواصل، وأكد كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضرورة حل الصراع في أوكرانيا من خلال المفاوضات.
جعلت بداية القرن الحادي والعشرين من روسيا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لألمانيا. ويوفر تعاونهما الواردات والصادرات لكلا الجانبين، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والموارد المالية، وجميع أنواع الخدمات، مثل التكنولوجيا الجديدة، ونقل المعرفة.
تحتل روسيا المركز السابع في قائمة الواردات الألمانية، وتعد موسكو هي السوق الحادية عشرة لصادرات السلع والخدمات. وبالنظر إلى الفترة من عام 2000 إلى عام 2012، من السهل تقييم الاتجاه التصاعدي في الواردات والصادرات بين البلدين؛ ففي عام 2000 بلغت قيمة الصادرات من روسيا إلى ألمانيا (9.2) مليار دولار، لتصل عام 2010 إلى (25.6) مليار دولار؛ وفي عام 2012 وصلت إلى (34.9) مليار دولار. ويمكن ملاحظة الاتجاه نفس فيما يتعلق بقيمة الواردات من (3.8) مليار دولار عام 2000، إلى (38.3) مليار دولار عام 2012.
وفي عام 2013، انخفضت التجارة بين ألمانيا وروسيا بنسبة (5.4٪)، بما في ذلك الصادرات الروسية، ويعود السبب الرئيسي في انخفاض الأداء التجاري إلى السياق السياسي الصعب.
في هيكل الواردات الألمانية- الروسية فإن أحد أهم العناصر هو إنتاج صناعة الطاقة، الذي يصل إلى (86.7٪). وبالمضي قدمًا، فإن مجموعات الصناعة الرئيسية الأخرى تشمل: صناعات السلع، وتمثل المرتبة الأولى من حيث الصادرات (نحو 55٪)؛ وصناعة المواد (الخام ونصف المصنعة)، وتحتل المركز الثاني من حيث الصادرات (23.7٪) و الواردات؛ وصناعات السلع الاستهلاكية، التي تمثل (18.1٪) من الصادرات.
تطور التعاون بين ألمانيا وروسيا ليس في التجارة الخارجية فقط، ولكن أيضًا في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة. في السنوات الأخيرة، عززت ألمانيا دورها مستثمرًا أجنبيًّا رئيسيًّا في روسيا. في نهاية عام 2012، بلغت جميع استثمارات ألمانيا في روسيا (25) مليار دولار، في حين بلغت (21.3) مليار دولار في نهاية عام 2013. ويمكن تقسيم هذه الاستثمارات إلى استثمار أجنبي مباشر بقيمة (13.5) مليار دولار، واستثمارات مالية أخرى بقيمة (13.5) مليار دولار.
عام 2012، تم تسجيل أكثر من (6000) شركة ألمانية في روسيا. ولقد تداولت مليارات الدولارات ولديها طاقم عمل من نحو (270.000) شخص. وفي ألمانيا، تشير التقديرات إلى أن نحو (350) ألف وظيفة تعتمد على التعامل مع روسيا.
في السنوات الأخيرة، يمكننا ملاحظة الاتجاهات الجديدة فيما يتعلق بهذه الشراكة الثنائية بين ألمانيا وروسيا، خاصةً أن موسكو أصبحت أكثر جاذبية لمزيد من التطوير للتكنولوجيات الجديدة. وهناك اتجاه تصاعدي للمؤشرات الرئيسية في التعاون التجاري والاقتصادي، حتى في فترة الأزمة الأوكرانية.
تعد فرنسا خامس أكبر شريك تجاري لروسيا في الاتحاد الأوروبي، وفقًا لإحصاءات عام 2012. وتمثل التجارة مع فرنسا نسبة (2.9٪) من تجارة روسيا، ومعدل (5.9٪) من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي. كما كانت الحال مع ألمانيا، عام (2013)، تراجعت التجارة الخارجية بين روسيا وفرنسا بنسبة (4٪) مقارنة بالفترة نفسها من عام 2012، حيث بلغت (22) مليار دولار، بما في ذلك الصادرات (9 مليارات دولار)، والواردات (13 مليار دولار).
بالنظر إلى الواردات الفرنسية من روسيا، وفقًا لإحصاءات عام 2012، تتمثل الفئة الرئيسية للسلع الواردة في المنتجات المعدنية (إلى جانب منتجات الوقود والطاقة)، التي تصل إلى (89.3٪) من إجمالي الواردات؛ ومن ثم فإن السلع الأساسية المصدرة من روسيا إلى فرنسا هي البترول، والفحم، والغاز الطبيعي، والنفط.
بالانتقال إلى الصادرات الفرنسية، تهيمن الآلات والمعدات والمركبات على مجموعة المنتجات بنسبة (54.2٪) من إجمالي الصادرات، والمنتجات الغذائية والمواد الزراعية بنسبة (11٪). وتشمل سلع التصدير الرئيسية: معدات الطيران، والمنتجات الطبية، ومستحضرات التجميل والعطور، والمنتجات الغذائية الفرنسية، مثل النبيذ، والجبن، واللحوم، كما تشمل السيارات، والمعدات، وغير ذلك.
تُعرف فرنسا تقليديًّا بأنها أحد المستثمرين الأوروبيين الرئيسيين في السوق الروسية. عام 2012، كانت فرنسا من أكبر (10) مستثمرين في السوق الروسية.
خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2018، تشير التقديرات إلى خسارة (-0.2٪) من الناتج المحلي الإجمالي الألماني بسبب انخفاض الصادرات إلى روسيا، وقدرت النمسا خسارة تراكمية للناتج المحلي الإجمالي بنسبة (-0.5٪). وكانت جمهورية التشيك والمجر الأكثر تضررًا (كل منهما [-0.6٪] من الناتج المحلي الإجمالي)، وكذلك سلوفاكيا التي لديها تعاون مرتفع نسبيًّا مع السوق الروسية (خسارة أكثر من [-1٪] من الناتج المحلي الإجمالي). ومع ذلك، من حيث القيمة المطلقة، تكبدت ألمانيا أكبر خسارة (خسارة في الصادرات تجاوزت 14 مليار يورو خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2016)، وتكبدت إيطاليا وفرنسا وبولندا خسائر تصدير كبيرة مطلقة في روسيا كذلك.
كانت القطاعات الأوروبية الخمسة الأكثر تعرضًا للسوق الروسية في وقت فرض العقوبات هي المنسوجات، والأدوية، والآلات الكهربائية، والآلات ومعدات النقل، فجميع هذه القطاعات شكلت صادرات البضائع إلى روسيا بأكثر من (3٪) من الإجمالي عام 2013، وما زالت الآلات ومعدات النقل والأدوية تؤدي دورًا مهمًّا في الصادرات النمساوية والألمانية إلى روسيا.
على النقيض من ذلك، لم تؤدِّ المواد الغذائية (واردات اللحوم والألبان والأسماك والفواكه والخضراوات من الغرب، التي تم حظرها بموجب الحظر الروسي منذ عام 2014) دورًا رئيسيًّا في صادرات الاتحاد الأوروبي (باستثناء دول البلطيق، وفنلندا، وألمانيا، وهولندا، وبولندا). وقد بلغت الصادرات النمساوية من هذه المنتجات إلى روسيا 100 مليون يورو فقط عام 2013، وتم تحويل جزء من هذه الصادرات إلى أسواق أخرى، أو وجدت طريقها إلى روسيا عبر بيلاروسيا، أو صربيا، على سبيل المثال.
أجرى المعهد النمساوي للبحوث الاقتصادية (WIFO) ثلاث دراسات منذ عام 2014؛ لتحليل العواقب الاقتصادية الأوسع على الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات على روسيا، ولهذا الغرض تم تحويل خسائر الصادرات أولًا إلى قيمة مضافة مباشرة وتأثيرات في العمالة، ثم بعد ذلك قُدِّرت الآثار الاقتصادية غير المباشرة من خلال الربط بين مختلف القطاعات والبلدان باستخدام نموذج المدخلات والمخرجات العالمي للاقتصاد القياسي، الذي يغطي 27 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى اقتصاديات أهم الشركاء التجاريين (في المقام الأول روسيا، ثم أيضًا الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وكوريا الجنوبية، إلخ).
أخذت الدراستان الأوليان الانخفاض الملحوظ في صادرات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا نقطة انطلاق لتقدير تأثيرات القيمة المضافة المباشرة وغير المباشرة والتأثير في العمالة لتكشفا أن التأثيرات الاقتصادية الكلية (الخسائر) الناجمة عن العقوبات بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي الـسبع والعشرين (بدون كرواتيا) بلغت (27.8) مليار يورو، وبلغت خسائر القيمة المضافة نحو (33.5) مليار يورو، وانخفض معدل التوظيف بمقدار (500000 – 870000) فرصة عمل. على سبيل المثال، عانت الشركات النمساوية المنضمة إلى سلاسل التوريد الأوروبية لصناعة السيارات بشدة انخفاضًا في صادرات السيارات الألمانية إلى روسيا [1] [2].
هناك دراسة أخرى نُشرت عام 2016، حاولت فصل التأثيرات الناجمة عن العقوبات عن الآثار التي تسببها عوامل أخرى. وبشكل عام، قارنت أرقام عام 2015، وتوصلت إلى أن نحو ثلث خسائر نتائج الاقتصاد الكلي- على وجه التحديد- كان بسبب العقوبات، حيث حللت الدراسة نحو (2016) مؤشرًا على الانخفاض في مجموع مالي، مثل (17.6) مليار دولار من القيمة المضافة، ونحو (400000) وظيفة معرضة للخطر في جميع دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل (0.2٪) من إجمالي القيمة المضافة والعمالة، على التوالي[3].
كما كان للحظر الروسي المفروض على دول غربية مختارة تأثير كبير في تجارة الأغذية الزراعية، إذ تم قياس المنتجات المتأثرة بالقيود المفروضة على الواردات على أساس حجم التجارة لعام 2013، حيث شكلت أكثر من (50٪) من واردات روسيا من الأغذية الزراعية، بما يعادل (9.6) مليار دولار أمريكي. بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، تشكل روسيا ثاني أهم سوق للسلع الغذائية الزراعية، ولا تتفوق عليها سوى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بلغت صادراتها (15.5) مليار دولار أمريكي في المجموع، أو (2.9٪) من إجمالي صادرات الأغذية الزراعية في الاتحاد. وبلغت قيمة صادرات الاتحاد الأوروبي التي استهدفها حظر الاستيراد الروسي (7.3) مليار دولار أمريكي عام 2013، أي (47.3٪) من إجمالي صادرات الأغذية الزراعية إلى روسيا في ذلك العام؛ لذا يؤثر الحظر التجاري في نحو (1.4٪) من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي من المنتجات الزراعية، ويختلف التأثير بشكل كبير بين الدول الأعضاء. بالقياس إلى القيمة المطلقة للسلع المحظورة عام 2013، تأثرت ليتوانيا وبولندا أكثر من غيرهما، تليهما ألمانيا وهولندا والدنمارك وإسبانيا وفنلندا وبلجيكا وفرنسا.
بالنسبة إلى ست دول (قبرص، ولاتفيا، والدنمارك، واليونان، وأيرلندا، وليتوانيا)، هناك ما لا يقل عن (30٪) من صادرات الأغذية الزراعية توجهت إلى السوق الروسية عام 2013. وبالمقارنة، بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ولا سيما ألمانيا، والسويد، ورومانيا، وسلوفينيا، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا، ومالطا، تمثل السوق الروسية أقل من (5٪) من إجمالي صادراتها الغذائية. ونتيجة لانخفاض صادرات الأغذية الزراعية إلى روسيا بسبب الحظر التجاري، انخفضت أهمية السوق الروسية في إجمالي الصادرات الغذائية الزراعية بشكل كبير في جميع دول الاتحاد الأوروبي تقريبًا. وقد تناولت دراسة عواقب حظر الاستيراد الروسي لعدد من المنتجات الزراعية من الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، وقدمت تحليلًا للنتائج المباشرة وغير المباشرة لهذه القيود على الزراعة وصناعات الأغذية. في النمسا مثلًا، على المديين القصير والطويل، قُدر انخفاض الصادرات إلى روسيا بنحو (50) مليون يورو سنويًّا، ما يعني انخفاضًا نسبيًّا بنحو (50٪)[4].
أدت العقوبات الأوروبية على روسيا إلى ظهور انعكاسات على دول الاتحاد تمثلت في التالي:
لم تتأثر صادرات الأغذية الزراعية إلى روسيا سلبًا فقط بالقيود التجارية التقديرية الخاصة بمنتج معين؛ ولكن أيضًا من خلال تحركات أسعار الصرف غير المواتية. في أوائل عام 2014، كان سعر الصرف الذي يقل قليلًا عن (50) روبلًا لليورو الواحد مستقرًا نسبيًّا. وعندما انتهى العام ، لوحظ انخفاض كبير في قيمة العملة إلى ما يزيد على (70) روبلًا لكل يورو، حيث يؤدي الانخفاض المفاجئ وغير المتوقع في الطلب إلى انخفاض الأسعار عندما يتعذر تعديل العرض. وقد تأثر منتجو الخضراوات بشدة لأنه لا يمكن تخزين هذه المنتجات. وينطبق الشيء نفسه على أنواع كثيرة من الفاكهة.
في روسيا، كان هناك ارتفاع طفيف في تضخم أسعار الغذاء في الفترة بين عامي 2014 و2015، لكن الاستبدال المتزامن للواردات أسهم في إحياء الزراعة المحلية التي كانت أحد النجاحات النادرة للاقتصاد المحلي. وعلى مستوى الخدمات، تأثرت السياحة- بشكل خاص- سلبًا؛ حيث انخفض عدد السياح الروس انخفاضًا كبيرًا بعد عام 2014، مع أن هذا ليس بسبب العقوبات، ويمكن أن يُعزى ذلك- إلى حد كبير- إلى انخفاض قيمة الروبل في (2014- 2015)؛ مما جعل الرحلات الخارجية للروس أكثر تكلفة.
خلال عام 2016، بدأ الاقتصاد الروسي بالاستقرار، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (0.2٪) فقط، على الرغم من استمرار العقوبات. إضافة إلى ذلك، شهد مناخ الاستثمار تحسنًا طفيفًا، حيث تمكنت الحكومة الروسية من بيع سندات جديدة في أسواق رأس المال الدولية، وتباطأ خروج رأس المال من السوق، وبدأت عودة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى روسيا، الذي توقف بين عامي 2014 و2015. وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الروسي استفاد من ارتفاع سعر النفط من (43.7) دولارًا للبرميل إلى (53) دولارًا للبرميل؛ لذا وجب التنويه أن سعر برميل النفط في أثناء كتابة هذه الدراسة بلغ (128.46) دولارًا للبرميل.
وقد شهد عام 2017 انتعاشًا قويًا للواردات الروسية ([+ 22٪] مقارنة بعام 2016). وشمل ذلك ارتفاع الواردات من الاتحاد الأوروبي، حيث عاد الاقتصاد الروسي إلى النمو، وارتفعت قيمة الروبل، دون أي تغيير جوهري في سياسات العقوبات خلال ذلك العام، واستمر تعافي الواردات الروسية في عام 2018، ووصل النمو الاقتصادي إلى مستوى مرتفع بشكل لافت للنظر، بلغ (+ 2.3٪).
وبالانتقال إلى دراسة أثر العقوبات في تحويل التجارة من الاتحاد الأوروبي وإليه، خاصةً فيما يتعلق بالشركات الأوروبية التي تعمل مع روسيا، فقد درست مؤلفات أكاديمية قليلة، ولكنها متنامية، في مجال التجارة الدولية، آثار العقوبات على مستوى الشركات. وتركز هذه الدراسات عادةً على ثلاث نقاط مهمة؛ هي:
وعلى الرغم من عدم وجود دراسة- حتى الآن- عن التأثيرات على مستوى الشركات للعقوبات في الاقتصاد المستهدف في حالة روسيا مثلًا، فقد توافرت دراستان حديثتان تقدمان أدلة جزئية في هذا الصدد[5]. تقدم إحدى هاتين الدراستين قراءة مفيدة بشأن الحالة الأكثر قابلية للمقارنة، وهي نظام العقوبات تجاه إيران، حيث وُجِدَ أن الشركات الكبيرة في إيران كانت أكثر قدرة على التعامل مع الصدمة، وفعلت ذلك من خلال تحويل مبيعاتها من الدول الغربية إلى الصين والهند؛ ومن ثم، في الحالة الإيرانية، غالبًا ما كانت الشركات الكبيرة قادرة على تعويض الخسائر المتكبدة في الأسواق المتأثرة من جراء العقوبات، مثل الاتحاد الأوروبي، وأمريكا الشمالية[6].
هناك دراسة أخرى تناولت التأثيرات على مستوى الشركات لنظام العقوبات بين روسيا والدول الغربية، وبصرف النظر عن التحليل العالمي “للتكلفة” الإجمالية للعقوبات الروسية، فإنها اعتمدت على البيانات الفرنسية للإجابة عن النقاط الثلاث التي أثيرت أعلاه[7]. ويكشف تحليلها عن نتائج متعددة ذات صلة، وهي:
تحليل الخسائر على مستوى الشركات الغربية بسبب عقوبات عام 2014، يقدم دليلًا تجريبيًّا على ما ستعيشه هذه الشركات مرة أخرى بسبب عقوبات 2022.
ما سبق من علاقات أوروبية- روسية يُفسر لماذا في غضون أيام قليلة فقط من العمل العسكري الروسي في أوكرانيا أصبحت الآفاق الاقتصادية العالمية مظلمة، وكانت العقوبات المالية الغربية القوية التي استهدفت هز الاقتصاد الروسي هي سبب زيادة التضخم في جميع أنحاء العالم.
حيث ارتفعت أسعار النفط، والغاز الطبيعي، والسلع الأساسية الأخرى. في الوقت نفسه، اختلت سلاسل التوريد العالمية، التي لم تتعافَ من الوباء. و أن روسيا تعد لاعبًا ثانويًّا نسبيًّا في الاقتصاد العالمي، حيث تمثل (1.7٪) فقط من إجمالي الناتج العالمي، فإن العمل العسكري والعقوبات معًا مثّلا جرعة كبيرة من عدم اليقين والتقلب في عملية صنع القرار الاقتصادي، مما يزيد الأخطار على الاقتصاد العالمي.
حاول الاتحاد الأوروبي أن يتجنب تعطيل صادرات الطاقة الأساسية من روسيا، التي يعتمد عليها على وجه الخصوص لتدفئة المنازل والمصانع، لكن هذا لم يحد من الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة بسبب الحرب، والمخاوف من حدوث اضطرابات في تدفق النفط والغاز. كما أدت المخاوف بشأن نقص السلع إلى ارتفاع أسعار بعض الحبوب والمعادن، مما سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين والشركات، حيث تعد روسيا وأوكرانيا من كبار المصدرين للقمح والذرة، فضلًا عن المعادن الأساسية، مثل البلاديوم والألمنيوم والنيكل، التي تُستخدم في كل شيء، من الهواتف المحمولة إلى السيارات.
وقد أدت عقوبات الحظر الجوي الغربي على روسيا إلى إجراءات مماثلة؛ ما يعني أن طائرات الشحن الأوروبية ستضطر إلى تحويل مسارها إلى طرق ملتوية، مما يؤدي إلى إنفاق المزيد على الوقود، وربما تشجيعها على تقليل حجم حمولاتها؛ ما سبب ارتفاعًا كبيرًا في أسعار النقل عبر المحيطات والجو، في ظل تحذيرات دولية من أن أسعار الشحن في المحيطات يمكنها أن تتضاعف ثلاث مرات لتصل إلى 30 ألف دولار للحاوية، من 10 آلاف دولار للحاوية، ومن المتوقع أن تقفز تكاليف الشحن الجوي إلى معدلات أعلى.
ومع استمرار العمل العسكري، كانت أسعار النفط هي الأعلى منذ عام 2014، حيث تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط؛ لذا فإن مزيدًا من الزيادات في الأسعار هو أمر لا مفر منه. وبالمثل حدث هذا في أسعار الغاز، خاصةً في أوروبا التي تحصل على ما يقرب من (40٪) من غازها الطبيعي من موسكو، ومن المرجح أن تتعرض فواتير التدفئة لزيادات جنونية، ويخشى القادة الأوروبيون من أن تخفض موسكو تدفقات الطاقة نتيجة دعم الاتحاد لأوكرانيا، وهذا مستبعد؛ لأن موسكو لا تريد أن تخرج من سوق الطاقة، أو أن تخل بعقودها.
كما أن روسيا هي أكبر مورد للقمح في العالم. وتمثل مع الهند وأوكرانيا ما يقرب من ربع إجمالي الصادرات العالمية. هذا بالإضافة إلى نقص المعادن الأساسية. وقد ارتفع سعر البلاديوم، المستخدم في أنظمة عوادم السيارات والهواتف المحمولة، فروسيا هي أكبر مصدر في العالم للمعدن، وقد ينقطع عن الأسواق العالمية، هذا إلى جانب ارتفاع سعر النيكل، وهو أحد الصادرات الروسية الرئيسية الأخرى.
أقر كثير من المحللين والاقتصاديين في “وول ستريت” بأنهم قد استهانوا بمدى الأثر الاقتصادي لعمل عسكري روسي في أوكرانيا، والاستجابة الدولية بالعقوبات. ومع تراكم الأحداث سريعًا، تراوحت تقييمات التداعيات الاقتصادية المحتملة من المعتدلة إلى الكارثية، حيث كان التضخم بالفعل مصدر قلق، إذ وصل في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته منذ الثمانينيات. وأصبح السؤال الآن: كيف يستجيب الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى لهذا الأمر؟ فإذا لجأ الغرب إلى رفع أسعار الفائدة، فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار الأسواق، ما يعني أن العمل العسكري، وما تبعه من عقوبات غربية على موسكو، تسبب في إخراج الاقتصاد العالمي عن مسار التعافي بعد صدمة الأسواق بسبب جائحة كوفيد- 19؛ مما يعقد الأمور لصانعي السياسة الذين يتوقع منهم احتواء التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ عقود في بلدان مثل الولايات المتحدة وألمانيا حتى قبل الحرب.
السؤال الأكثر شيوعًا المتعلق بالعقوبات الغربية هو ما إذا كانت تحقق هدفها. الجواب يعتمد على الهدف. تسعى العقوبات- بشكل عام- إلى تحقيق هدف واحد على الأقل من ثلاثة أهداف (معظم الوقت- الثلاثة جميعها):
كان الهدف من الإجماع الدولي على العقوبات هو إظهار موقف سلبي تجاه مختلف أنشطة روسيا. وقد يمكن الإشارة إلى أنه تم تحقيق هذا الهدف بالكامل. أما هدف منع روسيا من زيادة الوضع سوءًا في أوكرانيا، أو إجبار موسكو على تغيير سياستها الخارجية، فهذا لم تحرز فيه العقوبات أي تقدم حتى الآن.
على العكس من ذلك، بررت العقوبات الغربية كلًا من حدة السلوك العسكري الروسي، وشدة نبرتها في الخطاب السياسي. كما أدت العقوبات إلى توحيد الدولة والمجتمع في روسيا. فعلى سبيل المثال، زادت العقوبات المفروضة على روسيا عام 2014 معدل الموافقة على قرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى مستوى قياسي بلغ (89٪) بحلول عام 2015. لقد غذى بوتين التعبئة المجتمعية من خلال ربط استطرادي لحملة العقوبات الحالية مع التصورات الراسخة للروس الذين يظهرون شخصية وطبيعة لا تُقهران عبر التاريخ، وبخاصةٍ منذ الحرب العالمية الثانية. ومع أن الصعوبات الاقتصادية محسوسة بشكل كبير الآن، فإن قلة من الناس تربط التضخم، والركود الاقتصادي، وانخفاض مستويات المعيشة بالسياسة الخارجية لروسيا، ويظل فساد الحكومة تفسيرًا أكثر شيوعًا، حيث يقع عبء عدم الشعبية على عاتق الحكومة الروسية، وهو ما يعزز الارتباط بين السياسة الخارجية والمصاعب الاقتصادية الداخلية.
هناك مسائل أخرى تُسهم في إخفاق العقوبات المفروضة على روسيا في تحقيق هدفها القسري، مثل:
أدت سياسات استبدال الواردات الروسية، وتوجهها نحو الشرق، إلى الحد تدريجيًّا من الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. ويتم تعزيز هذه العملية بشكل أكبر من خلال محاولات الاتحاد الأوروبي إيجاد بدائل للطاقة الروسية. على المدى الطويل، تفضل بعض البلدان الأوروبية مصادر الطاقة المتجددة؛ ما يعني التخلص التدريجي من النفط والغاز الطبيعي (الذي يمثل حاليًا 70٪ من الميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا). وليس من المؤكد كيف يمكن إعادة الثقة إلى النشاط الاقتصادي المتبادل بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. وقبل اندلاع النزاع العسكري في أوكرانيا، تم تكثيف المحادثات بشأن مشاركة روسيا في الاتفاقية الخضراء للاتحاد الأوروبي (شارك الاتحاد الأوروبي وروسيا في تنظيم كثير من المؤتمرات والمناقشات الأخرى بشأن هذا الموضوع). ومع ذلك، هناك كثير من الغموض بشأن ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيعتمد على الغاز الطبيعي على المدى الطويل، أو ما إذا كان سيُستَخدَم فقط حتى عام 2030 كوقود وسيط، مع قليل من التمويل المتاح له من المصادر العامة (مثل بنك الاستثمار الأوروبي).
بعد الصدام العسكري في أوكرانيا، سيصبح التحول العام إلى مصادر الطاقة المتجددة، من خلال ربط هذا الهدف بالهدف المتمثل في تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا في الطاقة، لكن يجب الإشارة أنه لا توجد خطط محددة للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بشأن انتقال الطاقة والهيدروجين (على النقيض من خطط الاتحاد الأوروبي وإفريقيا على سبيل المثال).
يعتمد استخدام الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل أيضًا على ما إذا كانت هناك تقنيات تجارية لإنتاج الهيدروجين من الغاز الطبيعي مع انبعاثات منخفضة من غازات الاحتباس الحراري. في الوقت الحالي، وصلت هذه التقنيات إلى مرحلة تجريبية فقط. تؤخر شركات الطاقة الروسية تسويق هذه التقنيات، وتقلل في كثير من الأحيان من أهمية الصفقة الخضراء، فضلًا عن الجدوى التجارية لمصادر الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، يختلف اللاعبون في السوق الأوروبية والروسية بشأن ما إذا كان سيتم إنتاج الهيدروجين في روسيا (الخيار المفضل من جانب الاتحاد الأوروبي)، أو تصدير الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي وتحويله إلى هيدروجين فور وجوده (الخيار الذي طوره خبراء الطاقة الروس). على الرغم من وجود أسباب تكنولوجية لكل خيار من الخيارات، فإن الاختلاف بين الجهات الفاعلة في الاتحاد الأوروبي وروسيا هو أيضًا نتيجة عدم اليقين في العلاقات الثنائية، ورغبتهما في تجنب النتائج غير المواتية (على سبيل المثال، الأصول التي تقطعت بها السبل، أو عدم استكمال المشروعات نتيجة العقوبات). تقلل العقوبات الحالية، وأي عقوبات جديدة محتملة، من استعداد الشركاء للاستثمار في مشروعات طويلة الأجل.
تحد العقوبات من الموارد المالية المتاحة (وكذلك رغبة البنوك في الانخراط في العمليات ذات الصلة). بالإضافة إلى ذلك، فإن الهيكل الغامض للملكية في روسيا يجعل من الصعب إثبات ما إذا كان الأفراد أو الكيانات المحددة (المدرجة في القائمة السوداء) تتحكم في شركة معينة، وهذا يعزز الموقف الحذر، والابتعاد عن المخاطرة من جانب مستثمري الاتحاد الأوروبي عندما يختارون عدم التعامل مع الشركاء الروس. إضافة إلى ذلك، تدمر العقوبات الثقة، وهو أمر ضروري لأي تعاون.
باختصار، إعادة بناء العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا على أساس انتقال الطاقة، والتخفيف من آثار تغير المناخ، لم تعد مؤكدة، هذا إلى جانب توقف أي تعاون في الاقتصاد الرقمي والطب/ الأدوية، وهما مجالان آخران مهمان للانتعاش الاقتصادي الحالي واقتصاد المستقبل، وستؤدي الشكوك العميقة المتبادلة إلى تفاقم مشكلات التعاون الاقتصادي في هذه المجالات. ونظرًا إلى الصدمة التي أحدثتها العقوبات في روسيا، ستكون قيادة البلاد متشككة بشأن إعادة إنشاء الترابط الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي.
أخيرًا، قللت العقوبات من أهمية الاتحاد الأوروبي لروسيا، وفي النهاية، القوة الناعمة للاتحاد الأوروبي. جاء هذا نتيجة التحالف الوثيق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن العقوبات. وتتسم العقوبات الأمريكية بطابع أكثر شمولًا من تلك التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، وهي تغطي مزيدًا من الكيانات الروسية، ويتم تعزيز القيود على القائمة السوداء، وغيرها من القيود، في أعمال مختلفة، لأسباب مختلفة. لا تؤثر الإجراءات الأمريكية في العقود المستقبلية فحسب؛ بل تؤثر أيضًا في العقود الحالية؛ ومن ثم تغطي مزيدًا من المعاملات التجارية. ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي يمثل نحو (40 ٪) من التجارة الخارجية لروسيا، أصبح في موقف يشبه موقف من يطلق الرصاص على قدمه.
حرمت العقوبات الأمريكية الاتحاد الأوروبي من قدر كبير من استقلاليته في بناء علاقاته الاقتصادية مع روسيا. تجري الولايات المتحدة تحققًا صارمًا من امتثال جميع الكيانات (بما في ذلك تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي) للتدابير الأمريكية. وتحتفظ واشنطن أيضًا بالحق في فرض عقوبات على انتهاك نظام العقوبات الخاص بها. لقد أثبتت هذه الإستراتيجية أنها وسيلة ضغط فعالة جدًّا على مختلف الأفراد والكيانات في جميع أنحاء العالم (بما في ذلك شركات الاتحاد الأوروبي وبنوكه). حتى إذا قرر الاتحاد الأوروبي تقديم بعض المرونة في عقوباته، ستحد العقوبات الأمريكية بشكل فعال من تأثير مبادرات الاتحاد الأوروبي؛ لأن شركات الاتحاد الأوروبي ستظل ملتزمة بالعقوبات الأمريكية. وبالنظر إلى حالة العلاقات الأمريكية الروسية اليوم، فمن غير المرجح أن تُخفَّف العقوبات الأمريكية، أو تُلغى على المدى المتوسط. لقد أصبح الاتحاد الأوروبي مدركًا بالفعل لهذا التأثير خارج الحدود الإقليمية لسياسات الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن مناقشات الاتحاد الأوروبي بشأن أي آلية لتجاوز العقوبات الأمريكية لا تبدو أنها ستكون ذات مصداقية.