في مركز الدراسات العربية الأوراسية، قدم عاطف معتمد مقالًا بعنوان “رفعت سلام عن ألكسندر بوشكين”، وأشار فيه إلى الكتاب المهم “الغجر وأعمال أخرى”. وفيما يلي ملخص القصائد التي وردت في الكتاب.
1- الفارس البرونزي
تقع أحداث “الفارس البرونزي” في سانت بطرسبورغ، المدينة التي أسسها القيصر بطرس الأكبر. تبدأ القصيدة بمقدمة تحكي عن تأسيس المدينة، حيث يصف بوشكين طموحات بطرس الأكبر في بناء مدينة قوية ومجيدة تعكس قوة روسيا المتنامية؛ ومن هنا يأتي تمثال الفارس البرونزي الذي يمثل بطرس الأكبر على حصانه، والذي أصبح رمزًا لقوة المدينة وعظمتها.
القصة الرئيسة تدور حول شخصية “يفغيني”، وهو شاب بسيط يعيش في سانت بطرسبورغ. يصف بوشكين حياته العادية وحبه لفتاة، ولكن في ليلة من الليالي، يحدث فيضان كبير يجتاح المدينة، مدمرًا المنازل، وجاعلًا من المستحيل على السكان النجاة. يجوب يفغيني الشوارع المدمرة بحثًا عن حبيبته ومنزلها، لكنه يجد كل شيء قد اختفى تحت مياه النهر الجارفة.
بعد اكتشافه موت حبيبته، يفقد يفغيني عقله، ويدخل في معاناة نفسية شديدة. وفي لحظة من الجنون واليأس، يرى تمثال الفارس البرونزي، الذي كان رمزًا للقيصر بطرس الأكبر. يوجه يفغيني غضبه نحو التمثال، معتبرًا أن القيصر هو المسؤول عن بناء المدينة في هذا المكان الخطر، مما أدى إلى هذا الدمار الكبير.
في لحظة درامية، يبدو التمثال يتحرك ويطارد يفغيني في شوارع المدينة. يهرب يفغيني مرعوبًا من التمثال الذي يمثل السلطة والقوة التي لا ترحم، حتى يموت في النهاية منهارًا على ضفاف النهر.
“الفارس البرونزي” ليست مجرد قصة عن مأساة شخصية؛ بل هي قصيدة تتناول موضوعات أعمق عن القوة والمصير. الفارس البرونزي رمز بطرس الأكبر، يمثل القوة الكبيرة للسلطة والدولة التي يمكن أن تكون بناءة ومدمرة في الوقت نفسه. سانت بطرسبورغ نفسها هي رمز لطموحات الإنسان التي قد تتحدى قوى الطبيعة، ولكنها في النهاية تتعرض للهزيمة أمامها. يفغيني يمثل الفرد البسيط الذي يُسحق تحت وطأة تلك القوى. رحلته من الحب والسعادة إلى الجنون والموت تعكس مأساة الإنسان في مواجهة قوى تتجاوز فهمه وسيطرته.
2- الغجر
تعد القصيدة من أشهر أعماله الشعرية التي تجمع بين الرومانسية والتأمل في الطبيعة الإنسانية. تدور الأحداث حول شاب روسي يدعى “أليكو”، يهرب من المجتمع المدني وحياته المعقدة إلى حياة الغجر البسيطة. يجد أليكو في هذه الحياة الجديدة الحرية والراحة التي كان يتوق إليها، بعيدًا عن قيود المجتمع الذي يشعر فيه بالضياع. مع مرور الوقت، يتبنى أليكو حياة الغجر، ويتعرف إلى فتاة شابة تدعى “زمفيرا”، ويقع في حبها. هذه العلاقة تبدو في البداية ملأى بالعواطف والحب الحقيقي، وهي تعبير عن رغبته في الانسجام مع هذا المجتمع الجديد.
ومع ذلك، تكشف القصيدة عن صراع داخلي لدى أليكو. ومع أنه يعيش بين الغجر، فإنه لا يستطيع التخلص من جذوره، ومن القيم التي نشأ عليها. يغار بشدة على زمفيرا، ويرغب في التحكم بها؛ مما يجعله يتصرف بطرائق تتعارض مع طبيعة حياة الغجر التي تعتمد على الحرية والاستقلالية.
تصبح الأمور أكثر تعقيدًا عندما تبدأ زمفيرا بالتعبير عن رغبتها في الابتعاد عن أليكو. يتصاعد الصراع بينهما حتى يصل إلى ذروته عندما تتركه زمفيرا من أجل حبيب جديد. في لحظة من الغضب واليأس، يرتكب أليكو جريمة قتل، حيث يقتل زمفيرا وحبيبها الجديد. هذه الحادثة تعبر عن العجز الذي يشعر به أليكو في محاولته فرض قيمه على مجتمع لا يؤمن بها. بعد الجريمة، يواجه أليكو العقاب ليس من خلال القانون المدني، ولكن من خلال قوانين الغجر، حيث يُطرد من بينهم ويترك ليعيش وحيدًا. تنتهي القصيدة بتأملات عن مصير الإنسان الذي لا يستطيع التكيف مع الحياة البسيطة، ولا مع الحياة المدنية، محكومًا بالعيش في عزلة أبدية.
قصيدة “الغجر” ملأى بالرمزية والدلالات العميقة. أليكو يرمز إلى الإنسان المثقف الذي يشعر بالاختناق من قيود المجتمع، ويحلم بالحرية، لكنه غير قادر على التخلي عن تلك القيود بالكامل. يمثل الغجر في القصيدة الحرية المطلقة والطبيعة البدائية للحياة، ولكن حتى هذه الحياة لها قواعدها التي لا يمكن لأليكو فهمها، أو قبولها. زمفيرا تجسد الروح الحرة التي لا يمكن تقييدها، وتعكس فكرة أن الحب الحقيقي يجب أن يكون خاليًا من الغيرة والسيطرة، ومقتلها على يد أليكو يمثل الفشل التام لمحاولته فرض قيمه وسلوكه على مجتمع مختلف تمامًا.
3- موزارت وساليري
استلهم بوشكين موضوع هذه القصيدة من الأسطورة الشهيرة التي تروي أن الملحن الإيطالي أنطونيو ساليري سمّم الموسيقار العبقري أماديوس موزارت بدافع الغيرة. تستكشف القصيدة موضوعات الحسد، والعبقرية، والشر الأخلاقي، وتطرح تساؤلات عن العلاقة بين الفن والأخلاق.
تدور أحداث القصيدة حول لقاء بين موزارت وساليري، وتصف النقاشات التي تدور بينهما. يبدأ النص بتأملات ساليري عن حسده العميق لموزارت، الذي يرى فيه عبقرية لا يمكن أن يصل إليها. ساليري الذي أوقف حياته على الفن والموسيقى، يشعر بمرارة لأنه رغم كل اجتهاده ومهارته، لا يستطيع أن يصل إلى مستوى الإبداع الذي يمتلكه موزارت.
يعبر ساليري عن اعتقاده بأنه يمكن أن يكون هناك عدل في هذا العالم، وأن العمل الجاد يجب أن يكافأ، لكنه يشعر بأن موزارت، مع أنه شخص مرح، ولا يأخذ الحياة بجدية، قد مُنِحَ موهبة خارقة للطبيعة. هذه الموهبة تجعل ساليري يشعر بالمرارة ويغرق في الغيرة، حيث يعتقد أن موزارت لا يستحق هذه العبقرية الإلهية. يتعمق ساليري في أفكاره المظلمة، ويبدأ في التخطيط لقتل موزارت. مع أنه يدرك أن ما يخطط له هو شر مطلق، فإنه يقنع نفسه بأن التخلص من موزارت قد يكون نوعًا من العدالة؛ لأنه يشعر أن العالم لا يجب أن يكون فيه هذا التفاوت الكبير في الموهبة.
في المشهد المحوري للقصيدة، يدعو ساليري موزارت إلى تناول العشاء معه، ويضع السم في شراب موزارت. خلال هذا اللقاء، يعزف موزارت لحنًا جديدًا أمام ساليري، وهو لحن يحمل من الجمال والنقاء ما يجعل ساليري يدرك تمامًا مدى تفوق موزارت، ومع ذلك يمضي قدمًا في خطته. في النهاية، يتناول موزارت الشراب المسموم دون أن يشك في شيء، ويتركنا بوشكين مع ساليري وحيدًا، يتأمل في فعلته. يظهر ساليري في النهاية إنسانًا محطمًا، يدرك أن جريمته لم تحل مشكلته، بل أضافت إليه شعورًا بالذنب والخواء الداخلي.
قصيدة “موزارت وساليري” لألكسندر بوشكين تقدم رؤية عميقة ومعقدة عن النفس البشرية، حيث يكشف بوشكين عن تأثير الحسد والكراهية في الروح الإنسانية. من خلال سرد درامي مركز، ينقل إلينا بوشكين فكرة أن العبقرية قد تكون مرهقة ومؤلمة لأولئك الذين يفتقرون إليها، مما يقودهم إلى ارتكاب أفعال لا يمكن تصورها. هذه القصيدة تظل من الأعمال الأدبية التي تستمر في إثارة الأسئلة والتفكير عن طبيعة العبقرية والشر، وعلاقة الفن بالأخلاق في حياة الإنسان.
4- حورية البحر
في هذه القصيدة يحكي بوشكين قصة أشبه بالقصص الخرافية، تبدأ بابنة الطحان التي تنتظر أميرها الحبيب بفارغ الصبر، ولم تره منذ أكثر من أسبوع. حاول والدها أن يوضح لها أن آمالها في الزواج بالأمير بلا معنى، لكن الحب الذي يغمر قلبها منعها من الاستماع إلى أي شيء آخر سوى صوت قعقعة حوافر الخيل، متوقعة أن ترى حبيبها عند الباب.
يصل الأمير، لكنه لم يحمل معه الأمل الذي كانت تتوقعه. جلب لها الهدايا، وأخبرها بقراره الحزين: لقد تزوج امرأة أخرى. حتى عندما كشفت الفتاة أنها حامل بطفله، لم يُغير الأمير موقفه. وعدها بالمساعدة، وترك لها المال ثم رحل.
تركت الفتاة وحيدة، بقلب مكسور ودموع لا تنتهي. لم تستطع تحمل خيانة حبها الأول والأخير، فتوجهت إلى نهر دنيبر لتغرق نفسها، هربًا من ألمها الكبير. الأسطورة تقول إن الفتيات اللاتي يغرقن أنفسهن بسبب الحب يصبحن حوريات البحر، وهكذا حدث مع ابنة الطحان؛ تحولت إلى حورية بحر، لكنها لم تكن حورية عادية، بل أصبحت ملكة كل حوريات البحر، حملت حقدًا كبيرًا تجاه الأمير الذي دمر حياتها، وعاشت فقط من أجل الانتقام، وكان كل ما يشغل بالها هو كيفية إغراء الأمير الخائن ليأتي إلى قاع النهر.
لم تكن ملكة حوريات البحر تهتم بحياة ابنتها الصغيرة التي أنجبتها من الأمير، بل استخدمتها فقط لتحقيق انتقامها. وفي هذه الأثناء، كان الأمير يعيش مع زوجته الجديدة، لكنه فقد الاهتمام بها سريعًا، وأصبح يقضي وقته بعيدًا عن المنزل. مرت سبع سنوات، ولم يُرزق الزوجان بأطفال. في إحدى رحلاته، مرّ الأمير بالطاحونة المهجورة، وبدأت ذكريات الماضي تعود إليه. رأى والد الفتاة، الذي تحول إلى شبح من الحزن. أدرك الأمير أنه تسبب في كثير من الألم، وبدأ شعور الذنب يسيطر عليه.
وعلى ضفاف النهر، كانت ملكة حوريات البحر تراقب، وأمرت ابنتها الحورية الصغيرة بأن تستدرج والدها إلى قاع النهر. في تلك اللحظة، كان الأمير يجلس على الشاطئ ممزقًا بين آلام ضميره. ظهرت الحورية الصغيرة أمامه، بجمالها الباهر…
مع الأسف، لم يكمل بوشكين هذا العمل، لكن القصة تترك لنا مجالًا للتخيل. “حورية الماء” هي قصة مأساوية عن الحب والخيانة والانتقام، تعكس الصراع الأبدي بين الطبيعة والإنسان. بوشكين يبرز في هذه القصيدة قوة العواطف البشرية وتأثيرها المدمر؛ مما يجعلها إحدى روائعه الشعرية.
5- النصب التذكاري
في هذه القصيدة يعبر بوشكين عن فكرة خلود الشعر والفن، ويتحدث عن النصب التذكاري الذي سيبنيه لنفسه، ليس من الحجر أو المعدن؛ بل من كلماته وأشعاره التي ستعيش إلى الأبد. يشير في القصيدة إلى أن شهرته لن تتلاشى، وستكون شهرته أشهر من تماثيل الإسكندر العظيمة. يرى بوشكين أن القوة الحقيقية للأدب تكمن في قدرته على تجاوز الزمن والمكان، حيث إن الشعر سيظل دائمًا مصدر إلهام للأجيال المقبلة، حتى بعد أن يتحول إلى رفات، وتعرفه كل الثقافات، السلافية والفنلندية.
القصيدة تعكس ثقة بوشكين العميقة بقيمة عمله الأدبي ورسالته الخالدة، وفي الوقت نفسه تبرز تواضعه، حيث يعترف بأن مجده ليس بفضل قوته الشخصية فقط؛ بل بفضل ارتباطه بالجماهير، وتقديرهم لفنه والمودة بينهما. إنها قصيدة تتحدث عن الفن بوصفه قوة غير مادية تتحدى الفناء، وتظل حية في قلوب الناس وعقولهم.
6- إلى شاداييف
كتب بوشكين هذه القصيدة لصديقه بيتر شاداييف (1794- 1856) الفيلسوف والمفكر الروسي. في القصيدة، يعبر بوشكين عن مشاعره الوطنية ورغبته في رؤية روسيا تتغير نحو الأفضل.
القصيدة تعبر عن الروح الثورية للشباب المثقف في تلك الفترة، إذ كان الشاعر يحلم بمستقبل أفضل لروسيا، حيث تكون البلاد أكثر حرية وتقدمًا. يبدأ بوشكين بالاعتراف بحزن الحاضر وألمه، ولكنه يتبع ذلك بتفاؤل كبير بالمستقبل، ويؤكد أن “الحرية ستأتي”، وأن الشعب الروسي سيستيقظ من سباته ويحقق أحلامه وتكتب أسماءهم في التاريخ لنضالهم وحبهم لوطنهم.
7- أمنية
في هذه القصيدة يعبر بوشكين عن بؤس أيامه وثقلها، وعن حزنه وميله إلى البكاء بسبب آسي قلبه. ورغم قصر القصيدة فإنها حافلة بالتعبيرات الحساسة الرقيقة عن دواخل الشاعر وأفكاره عن الحب ومصاعبه، ويختتم القصيدة بأمنيته أن يموت عاشقًا، فيتمني أن يموت.
8- رسالة إلى كيرن
هي واحدة من قصائد ألكسندر بوشكين الرومانسية. واسم “كيرن” يشير إلى آنا بتروفنا كيرن، التي كانت واحدة من النساء اللواتي أحبهن بوشكين.
يبدأ بوشكين القصيدة بوصف اللحظة الأولى التي رأى فيها حبيبته، حيث يصور هذا اللقاء بوصفه لحظة ساحرة غيّرت حياته، وأثرت فيه على نحو عميق. ويشير إلى أنها كانت مصدر إلهام له، وبدونها كان يشعر بأن الحياة فارغة. كما يعبر عن الفرح والبهجة التي جلبتها لحياته، ويستخدم صورًا جميلة لوصف مشاعره، مثل السعادة التي تملأ قلبه، والضوء الذي أضاء حياته بوجودها. ثم يتحدث أيضًا عن الذكريات الجميلة التي تجمعه بها، والتي تظل محفورة في قلبه، حتى لو افترقا.
9- أغنية باخوسية
في البداية يجب أن نعرف أن كلمة “باخوسية” التي بني عليها بوشكين القصيدة تعني الجوقة الترتيلية، وهي فرق إنشادية ترتل قصيدة، أو مرثية، أو صلاة إنشادية على أحد أنواع المسرح الإغريقي.
القصيدة تعبر عن رؤية بوشكين للحياة على أنها فرصة للتمتع باللحظات الجميلة، دون قلق من الغد، أو الهموم اليومية، وتدعو إلى التحرر من القيود، والانطلاق نحو حياة مملوءة بالفرح والاحتفال. يعكس هذا استخدام بوشكين للرموز الأسطورية، واحتفاءه بالمتعة الحسية، مع تركيز على فكرة الحرية الشخصية، والتمتع بالحاضر، دون التفكير في المستقبل؛ ففيها يدعو الشاعر إلى شرب الخمر، ورفع الكؤوس. القصيدة تجسيد لشخصية بوشكين المتحررة والمتمردة.
10- إلى..
هي قصيدة تأملية عن الحب، يتحدث الكاتب فيها عن شعوره بالوحدة، وعدم استمتاعه بالحياة بعد الآن، وهذا التشويش بسبب فقدان الآمل في الحب، فالحب نعمة تجعل الناس يستمتعون بالشباب، ويشعرون بالمتعة والبهجة، لكن الآن، بعد أن فقدها الشاعر، فإنه لا يستطيع أن يحب مرة أخرى وإلا شعر بالحزن والآسي الذي يلازم انتهاء العلاقات.
11- النبي
القصيدة تصف تجربة روحية، وتحولًا عميقًا للشاعر من إنسان عادي إلى نبي. تبدأ القصة عندما يلتقي الشاعر بملاك في الصحراء. الملاك يجري عليه سلسلة من التحولات الجسدية والروحية، حيث يُطهَّر لسانه بالنار، وتُستبدَل بعينيه عينان قادرتان على رؤية ما وراء العالم المادي، وتُطهَّر أذناه لسماع الأصوات السماوية. في نهاية هذه العملية، يصبح الشاعر نبيًّا قادرًا على رؤية الحقائق الإلهية.
من خلال هذه القصيدة، يعبر بوشكين عن رؤيته الخاصة للشاعر بوصفه منارة للحقائق الإلهية، وعن التضحيات والألم الذي يواجهه في سعيه وراء هذه الحقائق. Top of Form
12-الوصية العاشرة
اسم القصيدة مستوحى من الوصية العاشرة من الوصايا العشر في الكتاب المقدس، التي تحث على عدم الاشتهاء.
الشاعر يتأمل الصراع الداخلي الذي يواجهه الإنسان عندما تسيطر عليه الرغبات المحرمة، ويسلط الضوء على كيفية تأثير هذه الرغبات في النفس البشرية، وكيف يمكن أن تؤدي إلى المعاناة. في القصيدة يذكر الشاعر كثيرًا من الأمثلة؛ كالنظر إلى بيت الصديق وممتلكاته وحيواناته، وامراته أيضا، ويتحدث عن مقاومة هذه الشهوة والرغبة ليكون إنسانًا شريفًا في النهاية.
13- الشياطين
تغوص قصيدة “الشياطين” في أعماق النفس البشرية، حيث يجسد الشاعر صراعًا داخليًّا عميقًا بين نور الإلهام وظلام الشكوك. يشعر الشاعر وكأنه يسير في متاهة مظلمة، تحيط به أشباح الشياطين التي تمثل قوى الشر والفساد التي تحاول إغواءه وإضلاله. يتصارع مع نفسه، بين رغبته في الوصول إلى الحقيقة والمعرفة والخوف من المجهول. الطبيعة، في هذه القصيدة، ليست مجرد منظر خلاب؛ بل هي مرآة تعكس صراعاته الداخلية، فهي أحيانًا ملاذ يسعى إليه، وأحيانًا أخرى تعكس عواصف روحه المضطربة. الشاعر يبحث عن المعنى في عالم يبدو خاليًا منه، ويتساءل عن حقيقة وجوده وهدفه. قصيدة “الشياطين” ليست مجرد سرد لقصة؛ بل هي دعوة للتأمل في أعماق النفس البشرية، واستكشاف تلك الزوايا المظلمة التي يحاول كل منا إخفاءها.
14- مرثية
يتحدث الشاعر عن أفكاره عن الموت، فيقول إن الموت يقبض قلبه، وهو لا يريد أن يموت؛ بل يريد أن يعيش ليفكر وينتج، وأن يذوق من الحياة كل شيء، بداية من السعادة والنشوة حتى الهم والغم، فالحياة كما يراها هي مزيج من الخيال والحياة الممتعة، وأيضًا من البكاء والضنك.
تمثل هذه القصيدة القصيرة رؤية الشاعر عن الحياة بكل تناقضاتها، وأنها تحمل بداخلها الحزن، لكن بجانبه هناك الحب والتوق إلى المعرفة، ومحبة العيش.
15- منسية بصمات الحقبة
تكشف القصيدة عن تعقيدات العلاقة بين الماضي والحاضر، والحكمة التي تأتي مع التجربة. الشاعر يوجه خطابه إلى صديق شاب، يحاول من خلاله نقل حكمة العمر، وتجارب الحياة.
يبدأ الشاعر بإعلان نسيانه لآثار السنوات الماضية، وكأنها صفحة طويت في كتاب حياته. يطلب من صديقه ألا يستعيد ذكريات الماضي المؤلمة أو السعيدة؛ فالحاضر هو الأهم. هذه الرغبة في نسيان الماضي ربما تعكس رغبة في تجاوز الآلام والأحزان، والبدء من جديد. ثم يصف الشاعر صديقه بأنه بريء وسعيد، يعيش اللحظة الحاضرة بكل ما فيها من حيوية وشغف، يشجعه على الاستمتاع بالصداقة، والحب، والعلاقات الإنسانية، مؤكدًا أهمية العيش في الحاضر، والتفاؤل بالمستقبل.
16- ماذا يعني لك اسمي؟
الشاعر بربط الاسم بصوت يتلاشى مع الزمن، مثل صوت موجة تتلاشى على الشاطئ، أو صوت الليل في الغابة. هذا الارتباط يعكس فكرة أن الأسماء، مهما كانت قوية ومعبرة، هي في النهاية مجرد أصوات تتلاشى مع مرور الزمن، ثم يقارن الاسم بنقش على شاهد قبر، وهو نقش مكتوب بلغة غير مفهومة. هذه المقارنة تعكس فكرة أن الأسماء تصبح مع مرور الزمن مجرد رموز فارغة، تفقد معناها الأصلي.
على الرغم من هذا الشعور بالزوال والنسيان، فإن الشاعر يعود ليؤكد أن الاسم يحمل في طياته ذكريات وأحاسيس؛ ففي لحظات الحزن والصمت، يتذكر الشاعر اسمه بوصفه رمزًا لوجوده في العالم، ودليلًا على أنه كان هنا يومًا ما.
17- قوامك النحيل
هي قصيدة رومانسية أخرى، فيها يرسم الشاعر موقفًا رومانسيًّا بينه وبين حبيبته، يبدأ بفكرة احتضانها بين ذراعيه، وكيف أنه يرى ذلك غنيمة لا تقدر بثمن، ثم يحكي كيف تتسارع تعبيراتهما، فتهرب منه الحبيبة، وترسم على شفتيها ابتسامة، ثم تتملل، ويحاول استمالتها والدفاع عن نفسه كثيرًا حتى يلعن ليالي الحب المحمومة تلك، وفي النهاية يتذكر قبلات حبيباته الفائتات، ونواحهن.
18- الصدى
تبدأ القصيدة بربط عميق بين الإنسان والطبيعة، فالشاعر لا يرى الطبيعة مجرد ظواهر خارجية؛ بل يراها أشبه بكائن حي يتفاعل مع الإنسان ويستجيب له، سواء أكانت أصوات الطبيعة هادئة أم عنيفة، فإنها تجد صدى لها في نفس الشاعر، وتستحضر رد فعل منه.
ثم يقارن الشاعر بين استجابة الطبيعة والصديق، فالصديق، مثله مثل الطبيعة، يستمع إلى كل ما يقال له، ويرد عليه دون تردد، أو تفكير. هذه الاستجابة الفورية والصادقة هي ما يميز الصداقة الحقيقية.
19- الرغبة تتلاشي
تتحدث قصيدة “الرغبة تتلاشي” عن كبر السن، وأفكار الشاعر عن الكهولة، فعنوان القصيدة يعني تلاشي الرغبة في الحياة، أو في فعل أي جديد، فقد عاش الحياة ببطء، وهو الآن ينتظر الرحيل.
ويشبه الشاعر نفسه في نهاية أيامه بورقة شجر وحيدة على غصن عارٍ بلا رفاق، وسط عاصفة ثلجية، تلك الورقة مثله تعاني الوحدة والآلام أيضًا. هذه القصيدة تصور معاناة كبار السن في الوحدة، وفقدانهم رغبة الحياة.
20- إذا ما خُدعت بالحياة
في هذه القصيدة التي تتكون من ثمانية أبيات فقط يعطي الشاعر نصيحة غالية لكل متشائم في الحياة، فهو يقول إذا خدعتك الحياة يومًا ورأيتها سوداوية، فلا تقلق، ولا تكتئب؛ بل عش ببساطة؛ لأن الأيام الحزينة سرعان ما سترحل وستحل محلها أيام سعيدة، فلِمَ يكلف الإنسان نفسه بالعيش فقط في الأيام التعيسة؟ فالحزن يأتي في لحظة، ويرحل أيضًا في لحظة. وهذه القصيدة على قصرها فإنها تقدم خطابًا واضحًا عن التشاؤم، والنظر دائمًا إلى الماضي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.