أدب

موجز رواية “الحاج مراد” والأسباب التي دعت تولستوي إلى تأليفها


  • 29 مايو 2024

شارك الموضوع

تتناول هذه الرواية قصة الحاج مراد، وهو جندي حَظِيَ بتقدير كبير في الحركة الانفصالية القوقازية، لكنها تبدأ بانضمام الحاج مراد إلى معسكر الروس بسبب اختطاف الإمام شامل لعائلته.

يوافق الروس على مساعدة مراد، ويلتقي بهم. وقبل وصوله تدور معركة بين القوات الشيشانية والداغستانية، وعندما يصلون يكون هناك ضحايا.

يلتقي مراد بالأمير والعائلة المالكة. يُعد مراد محاربًا مثيرًا للإعجاب؛ ولهذا تهدي إليه العائلة المالكة ساعة متطورة أذهلته. وفي أحد الأيام، طلب مكتب الحاكم العسكري من الحاج مراد تدوين قصته.

في قصة مراد علمنا أنه ولد في تسيلميس. كان صديقًا لآل خان؛ لأن والدته كانت تعمل ممرضتهم الملكية. طلب القوم مساعدته في الجهاد ضد روسيا. تردد لكنه وافق. كان شامل (الرجل الذي اختطف عائلة مراد) قائدًا لهم، وفي هجماتهم الأولى، هاجموا خنزاخ، وقتلوا المسؤولين الروس هناك. كان هجوم شامل متهورًا، ومات شقيق مراد، لذلك عندما طلب شامل من مراد مواصلة القتال، قال إنه لن يتبع شامل؛ لأن شامل تسبب في مقتل شقيقه، ولهذا السبب أخذ شامل عائلة مراد رهينة.

يوافق الروس على مساعدة مراد في الانتقام من شامل، لكن الوزير يقف ضده. يتحدثون عن القيصر، ويوضح الراوي أن القيصر رجل كسول يفكر كثيرًا في نفسه، ويسيء معاملة النساء. يخبر الوزير القيصر أن مراد جاسوس؛ لذلك عندما يهاجمون القوقازيين، قد تكون عائلة مراد في خطر، ويهرب من القلعة لإنقاذ عائلته.

تتسارع وتيرة القصة حتى نصل إلى لحظة الغدر بالحاج مراد والجنود يرفعون رأس مراد المقطوع في الهواء. تنتهز ماريا، صديقة مراد، الفرصة لانتقاد قسوة الحرب البشرية ووحشيتها. ومع أنه قاتل ببطولة، فإن الروس انتصروا على القوقازيين، وقطعوا رأس الحاج مراد في النهاية.

تاريخ كتابة الراوية

خدم تولستوي في القوقاز خلال الحرب. وصل إلى هناك وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وذكر مرارًا وتكرارًا في مذكراته ورسائله قصة انتقال الحاج مراد. في عام 1875، قرأ “مجموعة المعلومات عن سكان المرتفعات القوقازية”، وتواصل لاحقًا مع الباحث في حرب القوقاز أرنولد زيسرمان.

ولدت فكرة الرواية في يوليو (تموز) 1896عندما رأى تولستوي نبات الأرقطيون المشوه، وكتب في مذكراته أن هذا النبات يذكّره بالحاج مراد. يعود تاريخ المسودة الأولى إلى أغسطس (آب) من ذلك العام. بعد ذلك بدأ تولستوي بدراسة الأدبيات المتعلقة بتاريخ الحاج مراد والقتال في القوقاز، وأكمل مسودة الرواية الثانية والثالثة في نهاية عام 1897. في بداية عام 1898 كتب تولستوي نسختين أخريين، ثم لمدة ثلاث سنوات لم يرد ذكر “الحاج مراد” في مذكراته. كان معظم الرواية جاهزًا في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) 1902، لكن تولستوي قرر إضافة جزء مخصص لنيكولاس الأول، وقضى بعض الوقت في دراسة المصادر. يبدو أن التعديلات الأخيرة تعود إلى ديسمبر (كانون الأول) 1904.

لم تُنشر الرواية خلال حياة تولستوي بقرار من الكاتب. نشرت لأول مرة في “الأعمال الفنية لتولستوي” في موسكو عام 1912، مع استثناءات الرقابة، وفي العام نفسه نشرت بدون تعديلات الرقابة في برلين، ثم نُشرت لأول مرة في روسيا كاملةً عام 1917.

موضوعات الرواية

تعد رواية “الحاج مراد” تصويرًا لصراع عسكري حقيقي: المواجهة بين الإمبراطورية الروسية والقوقاز. وصفت منطقة شمال القوقاز من وجهات نظر مختلفة، من خلال عيون الجنود والجنرالات، الرجال والنساء، من سانت بطرسبورغ، ومن الخطوط الأمامية للمعارك. يدخل تولستوي إلى رؤوس متخذي القرارات، ويكشف الجانب العاطفي الكامن وراء أفعالهم المصيرية، سواء الرغبات الواضحة، أو المخاوف المخفية.

كما أن الرواية مثال على النقد الواضح لمؤسسات الدولة. لا يروي تولستوي قصة البطل فحسب؛ بل يكشف أيضًا عن أفكاره بشأن السلطة والعدالة. وإحدى نتائج فكرة مهاجمة سياسات الدولة تظهر بوضوح في وصف مشهد مقتل الحاج مراد.

وهناك أفكار أخرى تخللت الرواية والشخصيات، منها الولاء. سؤال الولاء في هذه الرواية تحديدًا يحيط بالأبطال في زمن الحرب والفتن. مراد محارب قوي، ويدافع عن شعب القوقاز، لكنه ينتقل إلى جانب الروس لحماية عائلته من إيذاء شامل الذي اختطفهم. يجب على مراد أن يختار بين قوميته وعائلته التي تطالبه بالولاء. كما ظل كثير من شعبه موالين له على الرغم من انشقاقه إلى روسيا، حتى عندما هددهم شامل وقتلهم. قُدم مفهوم الولاء على نحو غامض، فأولئك الذين على الجانب الروسي يظهرون في بعض الأحيان علامات عدم الولاء لقيصرهم المتهور، كما يظهر مسلمو القوقاز في بعض الأحيان ولاءً مشكوكًا فيه أيضًا. يبدو أن تولستوي يلمح إلى أن الولاء ليس مثل الأخلاق، وأن هناك- في كثير من الأحيان- كثيرًا من الفروق الدقيقة المخفية تحت سطح الصراع.

فكرة أخرى فرضتها ظروف الحرب في الرواية؛ هي “القيادة”، يتراوح القادة الذين نلتقي بهم في رواية الحاج مراد من قادة أقوياء ومهتمين وأخلاقيين إلى قادة قاسيين بلا رحمة. تظهر القيادة كمهارة يمتلكها بعض الذين لديهم التعاطف والبصيرة. أبرز الأمثلة القيصر نيكولاس الأول، الذي يبدو غير متكيف- إلى حد كبير- مع متطلبات القيادة في زمن الحرب، ولم يُظهر سوى قليل من الاهتمام بالإستراتيجية، واتخاذ القرارات.

وتظهر عواقب هذا الإهمال في أهوال الحرب والمآسي غير الضرورية التي تحدث نتيجة إهمال القيصر وقسوته. شامل هو أيضًا زعيم قاسٍ، وعديم الرحمة، لكنه يتمتع بروح الخطابة التي يفتقر إليها القيصر. وباسم هدفه ينظم مجازر ضخمة، كما ينتقم من مراد. يمثل هؤلاء الأشخاص تناقضًا صارخًا مع مثال مراد. تمكن مراد من فهم وجهة نظر الروس؛ لأنه اختبر الجانب المظلم من حرب العصابات. يؤدي تخطيط شامل الأحمق ونفاد صبره إلى اتخاذ قرارات متهورة تؤدي إلى وفاة شقيق مراد؛ مما يسبب شقاقًا بينهما. تهور شامل يدفعه إلى اختطاف عائلة مراد إذا لم يقاتل، وهذا يسمح لمراد أن يرى من خلال تجربته الخاصة ما يمكن أن يتوقعه القوقازيون في حالة النصر – الصراع على السلطة والقيادة على نحو غير عقلاني مثل شامل، لكن هذا لا يثنيه عن الموت من أجل الحرية.

لاحظ أيضًا أن مراد يعد صديقًا وعدوًا لكلا الجانبين. الانقسام في شخصيته هو إشارة للقارئ بأن مراد يرى الخير والشر في الناس، بغض النظر عن أي جانب من الصراع هم فيه، وهذا يعني أن الناس يحبونه، ولديهم خبرة جيدة معه، ولكنه يعني أيضًا أن هناك دائمًا مشكلة؛ وهي أن مراد يمثل تهديدًا، والأشخاص المتعطشون للسلطة يواجهون أشخاصًا أقوياء بطبيعتهم مثل مراد.

والحقيقة هي أنه على جانبي المعركة، فإن اتخاذ القرار الأحمق والمتسرع يكلف الجميع غاليًا.

أما عن وجود الحرب فيتم التعبير عن شر الحرب من خلال الأطراف البريئة التي تعاني عندما يتقاتل الروس والقوقازيون. تولستوي الذي كان ذات يوم جنديًّا، جسّد أهوال الحرب. كتب هذه الرواية بعد نحو نصف قرن من تجربته الحربية، وهو يستخدم القصة من أجل التحذير بشأن كيفية تأثير الحرب في المجتمع. يعرف القارئ العنف عن كثب من خلال قصة مراد الشخصية؛ فقد قُتل شقيقه بسبب شامل، كما قُتل كثير من أصدقائه الشباب.

تشرح هذه الخلفية الدرامية كيف أسهم العنف في تشكيل حياة مراد وكثير من القوقازيين الآخرين، وكيف أن الحرب تكلفهم أكثر من حياتهم، فمشاهد القتال الوحشية يرونها وتحدث لعائلاتهم، وموت الحاج مراد نفسه هو صورة قوية للدمار الذي تجلبه الحرب.

الشخصية الحقيقية وراء الرواية

بطل قصة تولستوي هو مشارك حقيقي في حرب القوقاز، وشخصية فولكلورية، وهو رجل تشكلت عنه الأساطير خلال حياته. ولد في قرية خنزاخ داغستان عام 1818، وقاتل في البداية إلى جانب جيش الآفار، ⁠الذي كان مرتبطا ارتباطًا وثيقًا بالإدارة الروسية. في عام 1840، نتيجة للصراع مع السلطان أحمد خان، انتقل الحاج مراد إلى جانب شامل، وأصبح يده اليمنى. اشتهر بغاراته الجريئة على الحاميات الروسية، وحصل على لقب “الشبح”؛ لقدرته على الظهور والاختفاء بسرعة. في خريف عام 1851، اتهم شامل الحاج مراد بالإخفاقات العسكرية، وأسر عائلته. وفي 23 نوفمبر (تشرين الثاني) فر الحاج مراد إلى الروس على أمل مساعدتهم العسكرية، دون انتظار المساعدة، ثم انتقل في مايو (أيار) 1852 إلى الجبال، ⁠ولقي مصرعه في اشتباك مع خفر الجبال الروس الذين قطعوا رأسه وأرسلوه إلى سانت بطرسبورغ.

كان الشاب تولستوي متشككًا بشأن الحاج مراد، بعد قراءته في صحيفة “القوقاز” ⁠عن خلافه مع شامل وانشقاقه إلى الجانب الروسي، في ديسمبر (كانون الأول) 1851، كتب تولستوي إلى شقيقه سيرجي يحدثه عن هذا الفارس القوي. في أثناء خدمته في القوقاز لم يلتق تولستوي بالحاج مراد، بل فكر فيه كثيرًا، حكى عن “اللص القوقازي” لطلاب مدرسته في ياسنايا بوليانا عام 1862، وقرأ عن الحاج مراد في “مجموعة المعلومات عن سكان المرتفعات القوقازية”. وفي 19 يوليو (تموز) 1896، كتب في مذكراته عن الرواية التي بدأ يتخيل أحداثها عن القوقاز والحاج مراد، وهكذا بدأ العمل على القصة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع