مراجعة وتحرير: عاطف معتمد
تبدأ أحداث الرواية في سانت بطرسبورغ عام 1805 على خلفية اجتياح نابليون بونبرت للبلاد الأوروبية، وتهديده حدود روسيا. رغم تهديدات الحرب التي تلوح في الأفق فإننا نرى أن الجزء الأول يجري بين صالونات المجتمع الراقي ومناقشاتهم بشأن الوضع المضطرب في البلاد.
يمكننا اعتبار الجزء الأول بفصوله الثمانية والعشرين تمهيدًا تعريفيًّا لشخصيات الرواية الضخمة، وفيما يلي صورة هذه العائلات كما قدمتها الرواية في اللقاء الذي تم بينها جميعًا في حفل أقامته وصيفة الإمبراطورة الروسية. في هذا الحفل نتعرف على العائلات الكبرى على النحو التالي:
أولًا: عائلة كورغين
تتألف هذه العائلة من:
ثانيًا: عائلة بولكونسكي
تتألف هذه العائلة من:
وتخبرنا الرواية أن عائلة كورغين تخطط لتزويج أحد أبنائها- عديمي الفائدة- بالفتاة النقية الساذجة ماريا؛ طمعًا في ثروة والدها الضخمة (بولكونسكي) التي ستؤول إليها في النهاية.
ثالثًا: عائلة بيزوخوف
تعطينا الرواية بعضًا من معالم هذه العائلة ممثلة في:
رابعًا: عائلة دروبيتسكي
وتتمثل في:
ورغم لقب الأميرة فإن آنا دروبتسكايا هي سيدة مسنة مفلسة، ولا مانع لديها من تسول الخدمات من معارفها أو ذوي الشأن الرفيع، والإلحاح في طلباتها مرارًا وتكرارًا، فقد ذهبت إلى الحفلة لمقابلة بازل كورغين لتطلب منه نقل ابنها إلى رتبة أعلى، وفيما بعد ستذهب إلى الكونت المحتضر بيزوخوف لتحصل على المال من أجل تهيئة ابنها للسفر.
بعد أحداث تلك الحفلة التي أعدتها وصيفة الإمبراطورة، التي نتعرف فيها على كثير من الشخصيات، ينتقل السرد من سانت بطرسبورغ إلى موسكو في منزل عائلة روستوف.
خامسًا: عائلة روستوف
تتكون عائلة روستوف من:
الحياة في منزل عائلة روستوف تعني وجود ضيوف طوال الوقت، كما أن الأميرة آنا دروبيتسكايا، وابنة عمهم سونيا، تقيمان معهم إقامة دائمة. داخل العائلة نرى تفاعل الأبناء معًا، وعلاقات الحب والصداقة.
بعد هذا العرض التعريفي، ندخل في مسار الأحداث الحياتية، فتعرفنا الرواية بحدثين؛ الأول هو مرض الكونت بيزخوف، فينتقل ابنه بيير إلى قصره، لكن الجميع يعاملونه بجفاء، ويمنعونه من زيارته لأنه ابن غير شرعي، لكن بعد وفاة الكونت يحاولون سرقة الوصية التي يعترف فيها الكونت بيزخوف بأبوة بيير لكيلا يحصل بيير على ميراثه، ولحسن الحظ يفشل مخططهم، وتصل الوصية إلى مكانها الصحيح.
أما الحدث الآخر فهو الاستعدادات الأخيرة للذهاب إلى الحرب في منزل أسرة بولكونسكي، حيث يصل الابن أندريه إلى منزل والده ليترك زوجته الحامل ليزا هناك ويودعهم لينطلق إلى الحرب.
ننتقل إلى ميدان الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 1805، حين وصلت القوات الروسية المتحالفة تحت إمرة القائد العسكري الشهير كوتوزوف إلى النمسا، وكوتوزف هو قائد روسي مرموق في منتصف العمر، بدين، ذو عين واحدة، حكيم، وبعيد النظر.
بعد مراجعة القوات تبين أن جيش نابليون هزم النمساويين. تُركت القوات الروسية بدون دعم من الحلفاء، ووجدت نفسها في وضع صعب جدًّا.
كان كوتوزوف صديقًا قديمًا لبولكونسكي الأب؛ لذلك أمر على الفور بتعيين ابنه الأمير أندريه بولكونسكي في منصب مرموق، بل اتخذه مساعدًا له، وقدّره كثيرًا لذكائه وشجاعته. عاش الأمير أندريه عيشة جيدة ومريحة في الجيش، وحلم بإنجاز الكثير في الحرب.
على جبهة الاستعداد للحرب في النمسا، نال نيكولاي روستوف محبة جميع الجيش الروسي، بل أحبه النمساوي صاحب المنزل الذي كان يقيم فيه ضباط الفوج. ذات يوم، سُرقت أموال الفوج من قائد السرب، فاكتشف روستوف أن اللص كان أحد الضباط، وأجبره على إعادة المسروقات.
أراد العقيد إخفاء هذه القصة حتى لا يلحق العار بالفوج بكامله، لكن روستوف لم يرغب في الكذب، وتحدى العقيد بتهور في مبارزة، ورفض الاعتذار، لكنه وعد بالتزام الصمت بشأن السرقة وطرد اللص من الفوج.
باستكمال الأحداث تأخذنا الرواية إلى تراجع القائد كوتوزوف أمام الفرنسيين، واضطراره إلى إحراق الجسور من خلفه لكيلا يستخدمها الفرنسيون.
انسحب الجيش الروسي، وطارده الفرنسيون، وحُرم من دعم النمساويين. في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 1805، عند نهر الدانوب، هزم الروس فرقة فرنسية لأول مرة، ثم أصبح من المعروف أن نابليون قد استولى على فيينا، واستمر التراجع الروسي.
تجنب القائد كوتوزوف الصدام مع جيش نابليون خلال الحملة؛ لأن القوات في حالة من الفوضى، وكان الجنود متعبين وجائعين، فأرسل كوتوزوف جنرالًا إلى الأمام مع مفرزة صغيرة لتأخير الفرنسيين يومًا على الأقل. وبسبب حلم الأمير أندريه بالبطولة؛ انضم إلى هذه المفرزة.
وقعت المعركة في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 1805، بالقرب من قرية شنغرابين. نظر الأمير أندريه إلى الفوضى التي سادت القوات، واعتقد أن أوامر القادة لا فائدة منها، وأن نتيجة المعركة حُسمت.
شارك روستوف في المعركة، وخلال الهجوم قتل الحصان الذي تحته، فهرب روستوف بنفسه بعد أن جُرحت ذراعه في ساحة المعركة.
كان هناك شعور واحد لا ينفصل عنه؛ وهو الخوف على حياته كشاب صغير… جرى عبر الحقل، وشعر بقشعريرة من الرعب في عموده الفقري. في تلك اللحظات المرتبكة نسى الجميع بطارية توشين، وتوشين هو قائد بطارية المدافع، شخص نحيف، بسيط وخجول، لكنه شجاع جدًّا.
دون تلقي أمر بالتراجع، صمد توشين طوال المعركة تقريبًا، وتمكن من إيقاف الفرنسيين وإشعال النار في شنغرابين. أرسل الأمير أندريه بولكونسكي إلى البطارية بأمر بالتراجع، ومساعدة الجرحى.
بعد المعركة، استُدعي توشين إلى الجنرال. لقد كان محرجًا وخائفًا جدًّا إلى درجة أنه تعثر بعمود لافتة فرنسية تم الاستيلاء عليها. أراد الجنرال توبيخ توشين بسبب الأسلحة المفقودة، لكن الأمير أندريه بولكونسكي دافع عنه، موضحًا أنه لم يكن هناك ما يكفي من الأشخاص أو الخيول للتراجع، ووصف توشين بالبطل.
لم يهاجم الفرنسيون مرة أخرى، وسرعان ما انضمت المفرزة إلى جيش كوتوزوف.
يحصل بيير على ثروة والده الراحل، ويصبح غنيًّا بين ليلة وضحاها؛ وحينئذ تتبدل معاملة الناس له، بعد أن كان منبوذًا ومدعاة إلى السخرية والتندر، صاروا يعاملونه كشخص ذكي وجذاب، ويلتفون حوله ليسمعوا آراءه. يصاحب الأمير بازل بيير دائمًا، ويدير له كل أملاكه حاصلًا على الكثير من ورائه دون معرفة بيير، ثم يسعى إلى تقديم ابنته هيلين إليه، ويتآمر عدد من الأشخاص على بيير لتزويجه هيلين، فيعيدون على مسامعه مزاياها ويذكرونه بجمالها الخلاب. رغم معرفة بيير أن هيلين خاوية وجاهلة، ولا تمتلك أي مزايا، فإنه يسحر بجمالها وجسدها الرائع، ويعلن الأمير بازل الخطبة، ويجد بيير نفسه ينتقل رغمًا عنه إلى قصر والده كي يتزوجها.
بعد أن زوج بازل كورجين ابنته، يذهب مع ابنه أناتول في ديسمبر (كانون الأول) 1805 إلى قصر بولكونسكي ليطلب يد الوريثة الغنية الأميرة ماريا.
لم يرغب بولكونسكي العجوز في الانفصال عن ابنته، لكن الأميرة ماريا أحبت أناتول الوسيم، وسمح الأب لابنته أن تقرر بنفسها. كادت الأميرة ماريا توافق على هذا الزواج، لكنها رأت بالمصادفة أناتول يعانق رفيقتها الفرنسية اللعوب؛ ولهذا رفضت الزواج.
أما في منزل عائلة روستوف فتتلقى الأسرة رسالة من ابنهم، وصف فيها بدقة شديدة معركة شنغرابين، وأبلغ عن إصابته، وترقيته إلى رتبة أخرى. من خلال صديق الطفولة، أرسل إليه والديه مبلغًا كبيرًا لزيه الرسمي. بعد أن التقى بصديق والده، أعاد روستوف على مسامعه كيف قاتل بشجاعة مع العدو في معركة شنغرابين.
في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1805، اتحد الجيشان الروسي والنمساوي. جرى حصر كبير للقوات حضره كلا القائدين. عند رؤية ألكسندر الأول، شعر روستوف بسعادة لم يسبق لها مثيل.
قرر القيصران الروسي والنمساوي استخدام تفوقهما في القوة وهزيمة الجيش الفرنسي. نصحهما القائد كوتوزوف بالانتظار، لكنهما استمعا إليه ولم يسمحا له بالمشاركة في وضع خطة المعركة. تبين أن الخطة مربكة جدًّا إلى درجة أنه لم يتمكن أحد من فهمها.
وقعت معركة أوسترليتز في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1805، وتوقع كوتوزوف الخسارة حتى قبل أن تبدأ.
خلال المعركة أصبح روستوف مساعد الجنرال، وكان يأمل رؤية القيصر الروسي ألكسندر الأول وتقديم خدمة له. في نهاية المعركة، أُرسل روستوف في مهمة إلى كوتوزوف. وفي الطريق رأى الإمبراطور، لكنه لم يجرؤ على الاقتراب.
وجد كوتوزوف والأمير أندريه بولكونسكي نفسيهما بالمصادفة في خضم المعركة على جبل براتسينسكايا. تقدم الفرنسيون، وهربت القوات الروسية. لجذب الجنود إلى الهجوم، أمسك الأمير أندريه بسارية، وقاد القوات إلى المعركة، وأصيب بجروح خطيرة.
بعد أن سقط، رأى الأمير أندريه بولكونسكي السماء الزرقاء العالية، وأحس بعدم فائدة كل الأفكار أمام تلك السماء الزرقاء المنبسطة، حتى هو كشخص ضئيل وصغير أمام البساط الأزرق الهادئ.
انحنى نابليون على الأمير أندريه وهو يدور حول ساحة المعركة. بدا له بطله السابق الآن “رجلًا صغيرًا غير مهم”، لكن الأمير أندريه تأوه، موضحًا أنه على قيد الحياة.
أمر نابليون بنقل الجريح إلى مركز الإسعافات. هناك رأى الأمير أندريه مرة أخرى نابليون، الذي ابتهج بالنصر. في الطريق إلى المستشفى، فكر الأمير في عدم أهمية المجد، والعظمة، والحياة، والمعنى الذي لا يمكن لأحد أن يفهمه… الموت، وهو معني لن يفهمه أحد على قيد الحياة، وحلم بحياة عائلية هادئة وسعيدة.
قرر الأطباء الفرنسيون في جيش نابليون أن الأمير أندريه لن يبقى على قيد الحياة، وسلموه إلى رعاية السكان المحليين.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.