في بداية الرواية، يُدخلنا دوستويفسكي مباشرة إلى أجواء عائلة كارامازوف، تلك العائلة التي تصبح نموذجًا لتفكك الروابط العائلية وانهيار القيم. رب العائلة هو فيودور بافلوفيتش كارامازوف، رجل فاسد بطبعه، عبثي في سلوكه، وشهواني في رغباته، عاش حياته غارقًا في الملذات، ولم يُعر اهتمامًا لمسؤولياته تجاه عائلته، ما جعل أبناءه يدفعون ثمن إهماله وأنانيته في مراحل مختلفة من حياتهم.
تزوج فيودور مرتين، لكنه لم يكن يومًا زوجًا صالحًا، أو أبًا مهتمًّا. كانت زوجته الأولى، أديلايدا إيفانوفنا، امرأة قوية وجميلة، تنتمي إلى طبقة نبيلة، أغواها بالهروب معه ليتزوجها، لكن فيودور لم يستطع مجاراة شخصيتها، وبدلًا من ذلك، أمعن في سلوكه الطائش. سرعان ما انهار زواجهما بعدما تعبت أديلايدا من العيش معه. في لحظة يأس، هربت مع رجل آخر، تاركة ابنها ديمتري في عهدة والده. لكن فيودور لم يهتم بابنه، بل تخلى عنه كما تخلى عن كل مسؤولياته الأخرى، وتركه لينشأ بين الخدم والأقارب الذين عاملوه بإهمال؛ مما أثّر في تكوين شخصيته لاحقًا.
بعد رحيل أديلايدا، قرر فيودور الزواج مرة أخرى، وهذه المرة بـصوفيا إيفانوفنا، وهي فتاة يتيمة، بلا عائلة، وضعيفة الشخصية، وكرر معها سيناريو الهروب من أجل الزواج، لكن صوفيا الضعيفة عانت نوبات عصبية، وعاشت في خوف دائم بسبب طباع زوجها المستهترة، ومع ذلك أنجبت له طفلين، هما: إيفان وأليكسي. لم يدم هذا الزواج طويلًا؛ فقد توفيت صوفيا بعد سنوات قليلة، تاركة الطفلين الصغيرين بلا رعاية حقيقية.
مرة أخرى، يواصل فيودور إهماله لأبنائه. ترك إيفان وأليوشا ليربيهما الخدم وأقارب وأصدقاء للعائلة. إيفان الذي نشأ بعيدًا عن والده، أظهر منذ طفولته ذكاءً لامعًا، لكنه كان يعاني شعورًا بالوحدة والغربة. أصبح شابًا منطويًّا، يبحث في الفلسفة والدين عن إجابات لتساؤلاته العميقة عن الخير والشر. أما أليوشا الذي يعدّه الكاتب بطل الأحداث، فقد كان على النقيض منه. أليوشا فتى ذو روح نقية، مفعم بالإيمان، وقريب من الناس بسبب رقته وطيبة قلبه. عندما كبر، اختار الانضمام إلى دير، وأصبح تلميذًا للراهب الأب زوسيما، الذي كان له أثر كبير في حياته.
أما الابن الأكبر ديمتري، فقد كان أكثر الأبناء تأثرًا بحياة الفوضى التي عاشها في طفولته. لم يتلقَّ تعليمًا مستقرًا، وتربى في بيئات متناقضة بين قسوة الأقارب ولا مبالاة والده، ونتيجة لذلك، أصبح شابًا مندفعًا وعاطفيًّا، يتبع رغباته دون تفكير، ويطارد الفتيات، ويسبب الفضائح مثل والده، بل أُعفِيَ من رتبته في الجيش. كان غضبه وسلوكه الفوضوي يعكسان الصراع الداخلي الذي نشأ بسبب إحساسه بالرفض والخذلان من والده.
بعد سنين طويلة، يعود الأبناء الثلاثة بعد أن كبروا إلى المقاطعة حيث يعيش والدهم، يعود إيفان وأليوشا طمعًا في رؤية والدهم، لكن ديمتري يعود بسبب مشكلات مالية مع والده الذي يرفض إعطاءه ورث والدته الضخم، ويكون هذا التجمع هو الأول للعائلة، حيث يبدأ الصراع بين أفرادها على المال والأخلاق بسبب الأب الفاسد.
يُعقد اجتماع في دير الأب زوسيما الراهب الحكيم المعروف بتأثيره الروحي العميق. كان الأمل من هذا اللقاء هو تحقيق نوع من المصالحة بين الأب وابنه الأكبر ديمتري، الذي دخل في صراع حاد مع والده بسبب إرث الأم، وأيضًا بسبب جروشينكا، المرأة التي يرغب فيها كل من الأب والابن.
بدأ اللقاء في جو متوتر منذ اللحظة الأولى، إذ دخل الأب فيودور بافلوفيتش الاجتماع وهو في حالة من العبث والاستهزاء. لم تكن هناك أي نية حقيقية من الأب للتصالح مع ديمتري، أو حتى مناقشة القضايا الجدية. وبأسلوبه المعتاد، بدأ فيودور يسخر من الجميع، من الرهبان الموجودين في الدير، ومن أبنائه. كان الدير في نظره مكانًا سخيفًا لا يُؤخذ بجدية، وما زاد الأمر سوءًا هو استهزاؤه بمساعي الأب زوسيما للمصالحة.
بينما كان الحاضرون يحاولون بدء الحديث بهدوء، قاطعهم فيودور بإطلاق تعليقات لاذعة، زاعمًا أنه جاء إلى الاجتماع فقط ليرى “المعجزات” التي يُقال إن الأب زوسيما قادر على صنعها. لم تكن هذه السخرية إلا بدايةً لمزيد من التوتر، خاصةً حين بدأ ديمتري يشعر أن والده لا ينوي سوى السخرية من مشاعره ومطالبه.
لم يتمالك ديمتري أعصابه طويلًا. كان غاضبًا بشدة من والده بسبب نزاعهما على المال، إذ شعر أن والده يحرمه من نصيبه الشرعي من الإرث، لكن ما أثار غضبه أكثر هو أن والده يحاول استمالة جروشينكا؛ المرأة التي كان ديمتري يحبها بجنون.
في هذا اللقاء، تفجر كل هذا الغضب المكبوت، وبدأ ديمتري يهاجم والده علنًا، متهمًا إياه بالخيانة والطمع، واصفًا إياه بالأب غير المسؤول الذي لا يهتم إلا بمتعته الشخصية.
لم يكن فيودور مستعدًا للاستماع إلى ديمتري بجدية، وبدلًا من ذلك، استمر في الاستهزاء به، مدعيًا أن ابنه عاطفي وغير ناضج، ولا يستحق أي نصيب من الإرث. أثار هذا الرد جنون ديمتري، الذي بدأ يرفع صوته ويتلفظ بعبارات غاضبة، محذرًا والده من عواقب الاستمرار في استفزازه.
في ظل هذه التوترات المتصاعدة، كان الابن الثاني إيفان كارامازوف جالسًا في صمت. لم يكن إيفان مهتمًا بالدخول في هذا الصراع العائلي، وفضل مراقبة ما يجري بنظرة محايدة. بدا وكأنه منفصل عن المشاعر الحادة التي اجتاحت الاجتماع، مكتفيًا بمراقبة والده وأخيه وهما يتبادلان الإهانات. لم يكن إيفان يرغب في التدخل؛ لأنه لم يكن يشعر بانتماء حقيقي، لا إلى والده ولا إلى أخيه، بل كان أقرب إلى مراقب خارجي يدرس سلوك البشر.
وسط هذا التصاعد في التوتر، حاول الابن الأصغر أليوشا أن يتدخل لتهدئة الأوضاع، وكان يأمل أن يتمكن من إصلاح العلاقة بين والده وأخيه. حاول الحديث بلطف إلى كل من والده وديمتري، داعيًا إياهما إلى التفاهم والتسامح، لكنه سرعان ما أدرك أن جهوده كانت بلا جدوى.
وبينما أبدى الأب زوسيما دعوته إلى الغفران والتسامح، قوبلت هذه الدعوة بالسخرية من فيودور بافلوفيتش، الذي اعتبر هذه النصائح الروحية مجرد كلام فارغ. كان واضحًا أن فيودور لا يأخذ الدين على محمل الجد، واعتبر كلمات الأب زوسيما محاولة يائسة لا تستحق الاهتمام.
في النهاية، لم يصل اجتماعهم إلى أي نتيجة. غادر فيودور بافلوفيتش الدير بعد أن تسبب في فضيحة على مائدة الغداء في غرفة رئيس الدير، في حين خرج ديمتري وهو يغلي من الغضب، بعد أن أدرك أن والده لا ينوي التنازل عن أي شيء. كان واضحًا أن الخلاف بين الأب والابن لم ينتهِ، بل ازداد تعقيدًا، وسيؤدي لاحقًا إلى أحداث درامية خطيرة.
يبدأ الفصل بالحديث عن الخدم الذين عملوا لدى عائلة كارامازوف، أهمهم غريغوري الذي عمل في منزل فيودور بافلوفيتش كارامازوف خادمًا أساسيًّا، ورافقه في جميع مراحل حياته تقريبًا. على الرغم من فساد فيودور بافلوفيتش وانحطاطه الأخلاقي، يظل غريغوري مخلصًا له، معتقدًا أن من واجبه أداء خدمته حتى النهاية، مهما كان سيده سيئًا. يظهر غريغوري كشخص يتحمل سوء معاملة سيده بدافع من شعور راسخ بالواجب.
الخادم الثاني هو الشاب سمردياكوف، تم تبني سمردياكوف بعد أن عثر عليه غريغوري رضيعًا حديث الولادة، وكان ابنًا لامرأة فقيرة ومختلة تُدعى ليزافيتا، عاشت وحيدة هائمة في الطرقات، وماتت بعد ولادته، وقد انتشرت الشائعات كثيرًا أن فيودور كارامازوف هو الأب الذي انتهك الفتاة. بموافقة فيودور بافلوفيتش، ربَّى الخدمُ الطفل، ليصبح فيما بعد خادمًا في منزل كارامازوف. سمردياكوف شاب غامض وقاسٍ، يعاني نوبات مرضية، ولا يُظهر أي مشاعر صادقة تجاه الآخرين؛ مما يثير القلق بشأن نيّاته.
نعود مرة أخرى إلى الإخوة، حيث يلتقي أليوشا بأخيه الأكبر ديمتري، الذي يفتح له قلبه، ويعترف بخطاياه. يخبره ديمتري عن سقوطه في حياة الفجور والفساد، لكنه يعترف بذلك باندفاع صادق.
في وقت سابق، التقى ديمتري بكاترينا إيفانوفنا، وتأثر بشدة بمأساتها. والدها، وهو ضابط عسكري، كان متهمًا باختلاس أموال الدولة، وكانت الأسرة تعاني فضيحة قاسية. بدافع من شهامة مؤقتة، عرض ديمتري تقديم المال لمساعدتها، لكنه مقابل ذلك اشترط حبها وخطبتها. مع أن كاترينا كانت مستعدة لقبول عرضه لإنقاذ والدها، فإن ديمتري، الذي أُعجب بنقاء روحها وتضحيتها، تراجع عن طلبه الدنيء، وقدم لها المال دون مقابل.
مع مرور الوقت، تحصل كاترينا على إرث كبير، وتقرر إعادة المال إلى ديمتري، لكنها في الوقت نفسه تعبر عن حبها العميق له في رسالة. تأثر ديمتري برسالتها، ووافق على الزواج منها. بدا أن الأمور تسير نحو السعادة، لكن القدر كان يخبئ له مفاجآت.
في لحظة غير متوقعة، تدخل جروشينكا حياة ديمتري وتغير كل شيء. نعلم فيما بعد أنها حين كانت في سن صغيرة، خدعها شاب أوهمها بالحب، فهربت معه، لكن حياتها انحدرت منذ ذلك الحين، وتعيش مع تاجر كبير في السن كخليلته. جروشينكا، بملامحها الجميلة، وسحرها الخادع، تأسر قلبه، وتجعله على استعداد للتخلي عن كاترينا، مع أنه يعلم أنها تتلاعب به. يصبح ديمتري مستعدًا لفعل أي شيء من أجل جروشينكا، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن خطيبته كاترينا، أو مواجهة والده، الذي كان ينافسه على حب هذه المرأة.
يعلم ديمتري من سمردياكوف أن والده يحتفظ بمبلغ من المال في المنزل، مخصص لإغراء جروشينكا في حال قدومها. يطلب ديمتري من سمردياكوف أن يخبره فورًا بزيارة جروشينكا إلى بيت والده.
يبدو سمردياكوف شابًا مراوغًا وغامضًا، يحمل خططًا خفية لا يعلمها أحد؛ مما يزيد توتر الأحداث، ويهيئ القارئ لحدوث مأساة قادمة.
يزور أليوشا بيت والده، ليجد هناك إيفان، وغريغوري، وسمردياكوف. ينخرط الجميع في نقاش حاد عن الدين والإيمان، يظهر فيه سمردياكوف تحديًا صريحًا للإيمان؛ مما يزيد التوتر بين الشخصيات.
في جلسة مع أليوشا وإيفان، وتحت تأثير الكحول، يبدأ فيودور بافلوفيتش في الحديث عن أمهم على نحو قاسٍ، ويكشف كيف كان يسيء إليها بوحشية في الماضي. هذه الاعترافات الصادمة تؤدي إلى انهيار عصبي عند أليوشا، الذي يغادر المنزل وهو يشعر بألم عميق. في تلك اللحظة، يدخل ديمتري إلى المنزل غاضبًا، متأكدًا أن والده يخفي عنه جروشينكا، وفي حالة من الجنون، يهجم على والده ويضربه بقسوة؛ مما يعكس الغضب والكراهية اللذين يملآن قلبه.
يذهب أليوشا إلى كاترينا لينقل إليها رسالة ديمتري بخصوص انفصاله عنها، لكن كاترينا علمت بالأمر من قبل، بعد أن زارتها جروشينكا بنفسها وأخبرتها بكل شيء. يندلع شجار حاد بين المرأتين، حيث تظهر جروشينكا طبيعتها الحقيقية كامرأة مغرية لا تتردد في تحطيم حياة الآخرين.
في نهاية الفصل، يتلقى أليوشا رسالة من ليزا، ابنة السيدة خخالاكوفا. في الرسالة، تعبر ليزا عن مشاعر حبها تجاه أليوشا. يقرأ أليوشا الرسالة عدة مرات، ويشعر بالسعادة والطمأنينة، لينتهي الجزء الأول على مشهد أليوشا غارقًا في النوم الهادئ.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.