أدب

“آنا كارينينا”.. موجز الرواية وأفكارها الرئيسة


  • 24 مايو 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: respublica.ru

تبدو رواية تولستوي “آنا كارينينا”، وكأنها تحكي قصة علاقة الحب المأساوية لسيدة متزوجة. لكن المؤلف تمكن من تقديم صورة واسعة النطاق عن حياة الطبقة النبيلة في موسكو وسانت بطرسبورغ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وعاداتها.

“آنا كارينينا” في نظر بعضنا هي نموذج لامرأة خاطئة، وفي نظر بعضنا الآخر هي صورة لامرأة قوية وصادقة وفخورة، في حين يراها آخرون مجرد قصة حب مأساوية متكررة بين آنا كارينينا المتزوجة والضابط اللامع أليكسي فرونسكي، ووقوفهما ضد المجتمع.

مسلسل الأحداث

تبدأ رواية “آنا كارينينا” بقصة خيانة، واشتعال الحياة في منزل زوجين، حين تكتشف الزوجة “داريا” أن زوجها “ستيفان” يخونها.

في هذه الأثناء تصل بطلتنا آنا كارينينا، وهي سيدة جميلة وساحرة ولطيفة، معروفة في المجتمع بسبب منصب زوجها الرفيع، ووجودها في كل المنتديات الاجتماعية والأندية، وتسعى آنا للصلح بين الزوجين والتهوين عليهما، وتنجح بالفعل في إنقاذ الزواج.

لكن هذه الرحلة تكون سببًا في مقابلة الضابط الشاب فرونسكي، الذي يُسحر بآنا من النظرة الأولى، فيترك الفتاة التي يواعدها “كيتي”، ويسعى وراء آنا كارينينا، ملاحقًا إياها من مدينة إلى أخرى.

سريعًا ما يحب كل منهما الآخر ويتقابلان في كل مكان، حتى يعلم المجتمع بكامله، وكذلك عائلاتهما، بالشائعات الدائرة. في البداية ينكر زوج آنا الشائعات؛ في محاولة للحفاظ على منصبة الرفيع، لكن الزوجة تعترف بنفسها بعد حملها، وهنا تصبح الحياة بين الزوجين مستحيلة. رغم عدم طلاقها تسافر مع عشيقها في رحلة طويلة إلى أوروبا، متنقلين من بلد إلى أخرى، متجنبين العودة إلى أراضي الوطن حيث يعاملهما الجميع معاملة سيئة.

يبدأ كلا العاشقين بإدراك ما خسره بسبب هذا الحب، ففرونسكي تخلى عن منصبه، وقاطع عائلته، وهو الآن محروم من كثير من المناصب العليا. أما آنا فقد خسرت ابنها، ورماها المجتمع بعداء كبير، ولم تعد قادرة على الظهور في أي مكان عام دون التعرض للإذلال والإهانة، وهما مع ذلك مصران على التمسك بحبهما، وحججهما في تقرير مصيرهما إلى النهاية.

مع القصة الرئيسة التي اختار الكاتب أن يسمي الرواية باسمها، هناك قصة أخرى رويت بالتوازي؛ وهي قصة “كيتي وليفين”.

في بداية القصة نعرف كيتي، وهي شابة رائعة الجمال ولطيفة، وهي تخرج كثيرًا مع فرونسكي، وتنتظر أن يطلب يدها؛ لذا ترفض عرض الزواج الذي قدمه لها الشاب ليفين. لكن الأمور تنقلب، ويسير فرونسكي وراء آنا.  تنقسم القصة من هنا لنرى عودة ليفين إلى الريف، وإغراق نفسه بالعمل بين الزراعة ومشكلات الأقنان والفلاحين.

أما كيتي فلا تتحمل هجران فرونسكي وتمرض، وتنتقل الأسرة إلى الخارج لعلاجها. في الخارج، يعرض الكاتب من منظور كيتي وضع الروس في المصحات، وتعاملهم بعضهم مع بعض، ومشكلاتهم المتجددة. تشفى كيتي في النهاية، وتعود إلى روسيا لتقابل ليفين مرة أخرى ويتزوجا. لا تنتهي المعضلة بالزواج؛ بل تستمر متجلية في مصاعب يواجهها الزوجان، بداية من الثقافة والاهتمامات المختلفة، وكذلك حياة الريف الصعبة، وبعدهما عن التمدن؛ ما يوقع الزوجين في مشكلات مختلفة تمتد إلى الغيرة، والواجبات اليومية المعتادة.

تنتهي القصة الأولى التي تتحدي أعراف المجتمع نهاية مأساوية، لا تتحمل آنا كارينينا الضغط العصبي من رفضها ممن حولها، وكذلك منعها من رؤية ابنها، وفي النهاية تقتل نفسها تحت القطار، ويحاول فرونسكي الانتحار بعدها، لكنه في النهاية يكمل حياته.

أما القصة الثانية “كيتي وليفين” فتنتهي نهاية سعيدة؛ حيث يستمر زواجهما أعوامًا طويلة، وينغمس كل منهما في دوره، سواء خارج البيت، أو داخله.

تاريخ كتابة الرواية

بدأ تولستوي كتابة روايته في الأشهر الأولى من عام 1873، وخلال فترة كتابة العمل أعرب في عدد من رسائله أنه لا يحب رواية آنا، ويراها مملة في الحقيقة، لكن المشكلات المادية تجبره على إكمال مسودتها إلى النهاية عندما تعرض مجلة “الرسول الروسي” عليه 20 ألف روبل مقدمًا مقابل الكتاب غير المكتمل.

نشرت رواية “كارينينا” على أجزاء في مجلة “الرسول الروسي” عام 1875. وخرجت في كتاب مطبوع في أبريل عام 1877، لكن حتى الجزء السابع فقط، المنتهي بوفاة آنا كارينينا، لكن رئيس تحرير المجلة ميخائيل كاتكوف رفض نشر الجزء الثامن، فاضطر تولستوي إلى إصدار النهاية في كتاب منفصل. وفي العام التالي 1878، نُشرت الرواية في طبعة منفصلة من ثلاثة مجلدات.

بعد نشرها عام 1878، حتى نهاية حياة تولستوي، نُشرت الرواية في الأعمال المجمعة فقط، ومنذ عام 1912 بدأ نشرها مرة أخرى في كتب منفصلة، واتخذت مكانة كأحد أعظم الأعمال في تاريخ الأدب مع بداية القرن العشرين، ونُشرت باللغات الأوروبية الرئيسة، وهناك ما لا يقل عن 24 نسخة من الترجمة الإنجليزية وحدها، واقتبست منها عشرات الأفلام، والمسلسلات التليفزيونية، والمسرحيات الموسيقية، والقصص المصورة كذلك.

خمس أفكار رئيسة في الرواية

تناولت الرواية عددًا من الأفكار تبعًا لاختيار المؤلف بإدراج شخصيات ثانوية كثيرة ذات آراء متماسكة عن المجتمع والسياسة والدين.

1- أولى الأفكار هي شكل العلاقات العاطفية، وهي تختلف عن الزواج والأسرة، لكن قصة آنا الرئيسة تميل أكثر إلى الجانب الشاعري المتعلق بالحب من النظرة الأولى، والانجراف وراء الحفلات والرقصات والهمسات، وانجراف حاد للمشاعر دون تفكير واضح في العواقب. ربما أراد تولستوي نقد هذا النوع من العلاقات غير المبررة إلا بلهب الحب.

2- الفكرة الثانية التي تختلف عن الأولى، بل تكاد تناقضها، هي الزواج وحياة الأسرة. في خط موازٍ، يصف تولستوي تاريخ عائلة مالك الأرض ليفين وزوجته كيتي، وقد خصص تولستوي جزءًا كبيرًا من العمل لوصف رحلتهما وحياتهما، من التعارف إلى وصف بداية حياتهما العائلية. تتحول كيتي من فتاة اجتماعية متقلبة إلى زوجة وأم رائعة، وتظهر في حياتها العائلية صفات مختلفة، مثل الصبر، والتفاهم، والإخلاص، والرحمة. يتعلم ليفين أيضًا التحلي بالصبر، ويدرك أن السعادة العائلية لا تنشأ بالرغبة وحدها؛ بل يتطلب تحقيقها كثيرًا من العمل بين شخصين. بالطبع لا يمكنهم تجنب الخلافات والمشاجرات الصغيرة، لكن في الوقت نفسه يعرف كل منهما الآخر تدريجيًّا، ويتعلمان التفاوض، ويصبحان مستعدين للتغيير من أجل تحقيق السعادة، والحفاظ على زواجهما.

يتميز ليفين وكيتي عن عائلات الرواية الأخرى بموقفهما تجاه الزواج، وليس من خلال النجاح الخاص لمؤسستهما العائلية. الزواج في نظرهما ليس شكلًا اجتماعيًّا رسميًّا كما هي الحال مع كارينينا، وليس شكلًا من أشكال اللياقة الاجتماعية، كما هي الحال مع ستيفان، وليس مجرد عمل قائم على الشعور بالواجب كما هي الحال مع داريا.

الأسرة لدى تولستوي طريق إلى التصحيح الأخلاقي وإنكار الذات؛ إذ تظهر الأشهر الأولى من حياة كيتي وليفين مدى صعوبة التخلي عن شيء مهم في أنفسهما، وتقبل شيء آخر، حتى لعاشقين مثلهما. وهناك رأي حديث أن نسبة إنكار الذات ليست متساوية في الزوجين؛ فكيتي تتخلى تمامًا عن أسلوب حياتها المعتاد من أجل المنزل والأطفال، وتترك المدينة وتبتعد عن عائلتها، وتتعلم أعمال التدبير المنزلي والصيد بجانب اهتمامها بالأطفال. من كل قصص الزواج في الرواية، يمكننا أن نستخلص- بوضوح- رأي تولستوي أن الزواج واستقرار الطرفين هو قرار شخصي صعب، يتطلب الحوار بين الشريكين، والرغبة والمسؤولية، ونرى أن باقي عائلات الرواية أصبح زواجهم تعيسًا بسبب الضعف، وعدم المواجهة.

3- الموضوع الثالث هو دور النبلاء في حياة الشعب والوطن ككل. طبقًا لأماكن وقوع الأحداث بين الندوات والاحتفالات في المجتمع الراقي، أرانا الكاتب الحياة الفارغة والخاملة للطبقات العليا، الخالية من الهدف السامي؛ ما جعل الناس غير سعداء. أظهرت الرواية أسلوب حياة النبلاء الطفيلي، فبعضهم لا يحب العمل، ولا ينتج أي شيء مفيد، ويعتمد على الدخل القادم من زراعة الأراضي في الريف، دون حتى وجود إشراف، أو بيع الممتلكات للإبقاء على شكل حياته المرفهة، وهذا ما رأيناه بالفعل في كثير من الأمثلة، وهذا يمثل سخط الكاتب على الطبقة الثرية التي لا تسعى إلى الإصلاح، وهو ما يفسر اهتمام تلك الطبقة من النبلاء بالنميمة، وصغائر أمور العائلات وأخبارهم. ورغم وجود عينة من الشخصيات ذات الآراء الإصلاحية والثورية، فإن الأغلب جاء إما معارضًا لها، أو غير مهتم من الأساس.

4- والفكرة الرابعة الرئيسة هي دور الإيمان في حياة أبطال العمل، وخاصة في قصة ليفين وكيتي. في بداية القصة نرى كيتي مريضة وفاقدة للأمل، لكن وجودها حول الشابة فارنكا المضحية يعلمها الكثير، وتعلم كيتي أن الخير النابع من فارنكا ما هو إلا إيمانها العميق الذي يساعدها على الحياة، وبهذا تستجمع كيتي قواها من الشعور القوي للإيمان من جديد، رغم اختيارها ألا تشارك هذا الشعور. على الجانب الآخر، نرى ليفين الملحد، لكن مشكلة ليفين روحية أكثر منها إلحادًا لمجرد السخط على الدين، فهو أيضًا يبحث عن الراحة، ولا مانع لديه من مواربة الطقوس الدينية كي يتم الزواج. وفي نهاية القصة نرى الضابط البطل يعود إلى الحياة بعد مقابلته فلاحًا يعيد إليه الإيمان بالحياة، وهذا التناول المملوء بالروحانيات ليس غريبًا على تولستوي.

5- الفكرة الخامسة نجدها في سؤال “أين نعيش؟”، فقد تنقلت الرواية على مدى أجزائها بين المدن والريف، في البداية قد نرى أن التمدن أفضل، هناك حيث توجد الوزارات والمباني الحكومية، ووسائل العيش الرغيد، ويمكن للشخص أن يلتقي المفكرين ليتناقشوا، لكن الحقيقة أن تولستوي رسم الريف في البداية على نحو صعب، ثم أصبح هو مكان الإنتاج الحقيقي. في البداية كانت حياة كيتي وليفين صعبة بسبب نقص مستلزمات البيت، والبعد المكاني عن أي نقطة حضارية، لكننا في النهاية نرى العائلة سعيدة، وقد لبت احتياجاتها مع الوقت، وغرق ليفين في دراسته، واستثمار أرضه. لدينا هنا فكرتان؛ إما أن تولستوي أراد تفضيل العزلة نفسها متمثلة في الريف، وإما أنه أراد فقط نقد تجمعات النبلاء الروس في القرن التاسع عشر متمثلة في المدن.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع