قد يبدو أمر انتقال قادة حماس إلى قطر أو تركيا خطة مشكوكًا فيها، لكنها في الحقيقة واقعية جدًا. بدأت الهدنة في قطاع غزة ثم انتهت، وهو ما يؤكد أن شبح حرب كبيرة في الشرق الأوسط لم يختف، ونحن لا نتحدث عن المواجهة بين حماس وإسرائيل. قد يتسبب الصراع الدائر في تدفق اللاجئين الفلسطينيين من الجزء الشمالي من قطاع غزة إلى الجزء الجنوبي. يبقى السؤال عما سيحدث بعد أن يشن الجيش الإسرائيلي عملية مفتوحة في الجنوب.
من الناحية الفنية، كل شيء واضح في هذه الحالة، سيضطر سكان قطاع غزة (سواء المقاتلون أو غير المقاتلين) إلى اختراق الحدود مع مصر إلى شبه جزيرة سيناء، لكن القاهرة تعارض ذلك معارضة قاطعة. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد القاهرة أن خطة إسرائيل الحقيقية هي تطهير قطاع غزة من الفلسطينيين من خلال دفعهم عمدًا إلى سيناء.
وإذا بدأ تنفيذ هذا السيناريو عمليًّا، فإن مصر ربما تنخرط في صراع مع إسرائيل، رغم كل المناشدات الأمريكية عدم القيام بذلك. لن تقبل مصر بوجود مليوني فلسطيني مع حماس في سيناء التي تعاني مشاكلات أصلًا. وبالمناسبة، فإن الأردن يتمسك بالموقف نفسه، إذ يشتبه في أن إسرائيل تريد دفع الفلسطينيين من الضفة الغربية لنهر الأردن إلى الشرق (أي إلى الأراضي الأردنية).
ومع ذلك، بعد الانتهاء من العملية العسكرية في شمال قطاع غزة (عاجلًا أو آجلًا، سيضغط الجيش الإسرائيلي الأكبر حجمًا والأفضل تجهيزًا تقنيًّا على حماس)، مع درجة عالية من الاحتمال أن يبدأ الشيء نفسه في الجنوب. وفي هذه اللحظة سيزداد خطر التصعيد في الشرق الأوسط، الذي لن تنخرط فيه مصر فقط؛ بل ربما إيران أيضًا.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة، التي لا تزال تحاول أداء دور القائد الرئيس في سياسة الشرق الأوسط، ربما تبحث عن خطة بديلة، من شأنها أن تساعد على حصر الصراع في قطاع غزة.
لكن السؤال: ما الحل؟ إذا تذكرنا أوجه التشابه التاريخية، فإن الخيار الذي استُخدِمَ عام 1982 في لبنان قد يتكرر. آنذاك، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية “سلامة الجليل” للتخلص من منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة في الأراضي اللبنانية (مقرها كان في بيروت). إن القصف الشامل لغزة يذكرنا- في كثير من النواحي- بالحصار الذي فُرِضَ على بيروت الغربية، والذي أثار أيضًا غضبًا شديدًا في كثير من البلدان في مختلف أنحاء العالم.
كيف انتهى كل ذلك؟ من خلال وساطة إدارة ريغان، وتحت غطاء قوة متعددة الجنسيات، مكونة من وحدات أمريكية وفرنسية وإيطالية، انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس. ومع أن إسرائيل خرقت الاتفاق في نهاية المطاف؛ من خلال التسبب في مذابح في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، فإن الجيش الإسرائيلي انسحب- في نهاية المطاف- من لبنان (باستثناء المنطقة الأمنية في الجنوب).
لكن اللافت آنذاك هو أن الحرب العربية الإسرائيلية الخامسة لم تقع، مع أن كل شيء كان يؤدي إلى هذا، وكانت هناك وحدة عسكرية سورية كبيرة في لبنان، وكانت إيران قد بدأت بالفعل بإنشاء القوة الرئيسة التابعة لها، حزب الله. فهل مثل هذا التطور ممكن؟ من يدري، لكن إدارة بايدن لا يسعها إلا أن تضع ذلك في الحسبان؛ إجلاء حماس إلى قطر أو تركيا، مع انسحاب متزامن للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وإدخال قوة لحفظ السلام (تحت رعاية الأمم المتحدة، أو بدونها).
لكن هذا كله يعد بمنزلة “تجميد” للصراع. ومن الممكن التوصل إلى تسوية إذا استعادت السلطة الوطنية الفلسطينية السيطرة السياسية على غزة، وسيُعلَن قطاع غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية مستقلة، لكن إسرائيل لن تسمح بهذا التطور للأحداث أن يمر بأي ثمن.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.