مع دخول الولايات المتحدة دائرة الحرب الإسرائيلية الإيرانية بضربها، صباح الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران الجاري، قلب المنظومة النووية الإيرانية، تنتقل الحرب الإقليمية إلى مواجهة ذات أبعاد دولية متعددة، وبينما يستعد الشرق الأوسط -بطبيعة الحال- لتحمل تكلفة تلك المواجهة والعواقب المباشرة للصراع المحتدم، فإن تداعيات تلك الحرب تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إلى قلب القارة الآسيوية، وتحديدًا إلى دول آسيا الوسطى التي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها بعيدة جيوسياسيًّا عن أزمات الشرق الأوسط.
ومن أمن الطاقة واضطرابات التجارة إلى تقاطع المصالح الإقليمية والدولية بشأن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، فإن الانعكاسات المنتظرة على الجمهوريات الخمس قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية، واختبار التوازنات الدبلوماسية القائمة منذ فترة طويلة في تلك المنطقة الحيوية، وتطرح تساؤلات جوهرية عن الأبعاد الجيوسياسية والإستراتيجية للحرب الإسرائيلية الإيرانية من منظور دول آسيا الوسطى، والآليات التي تنتهجها تل أبيب وطهران لتوظيف دول آسيا الوسطى كساحة بديلة في الحرب الدائرة بين الطرفين؟ والأهم كيف ستتمكن دول المنطقة من الحفاظ على سياساتها الراسخة للحياد الدبلوماسي في ظل المصالح الوطنية المتضاربة، وحدة الاستقطاب السياسي؟
محورية دول آسيا الوسطى في معادلة الحرب الإسرائيلية الإيرانية
يكشف الصراع الإيراني الإسرائيلي عن دور غير مباشر، ولكنه إستراتيجي لدول آسيا الوسطي في موازين القوى الإقليمية، هذه المحورية لا تتجلى في مشاركة عسكرية أو سياسية مباشرة، بل في موقعها الجغرافي، وشبكاتها اللوجستية، وعلاقاتها الثنائية، وارتباطاتها بمشروعات دولية؛ ما يجعلها ساحة تنافس خفي بين الفاعلين الإقليمين والدوليين، وتتضح ملامح هذا فيما يلي:
- الموقع الجغرافي الإستراتيجي: تقع آسيا الوسطى في تقاطع حيوي بين إيران وروسيا والصين، وتشكل بوابة للمرور نحو أفغانستان وجنوب آسيا، وهذا الموقع يجعلها مهمة في أي ممر بديل تستخدمه إيران لتجاوز العقوبات، أو لإيصال الدعم إلى حلفائها. فضلًا عن هذا، فإن دولًا مثل كازاخستان وتركمانستان تطل على بحر قزوين؛ ما يمنحها أهمية في نقل الطاقة والسلع، وكذلك في تحركات بحرية قد تهم إسرائيل أو إيران في حالة توسع الصراع ليشمل البعد البحري.
- العامل الأمني والاستخباراتي: تعد منطقة آسيا الوسطى منطقة عبور لشبكات إيران غير النظامية، فلدى طهران نفوذ غير مباشر في بعض هذه الدول عن طريق المذهب الشيعي، أو المصالح الاقتصادية، وهي تسعى إلى إيجاد نقاط ارتكاز خلفية يمكن أن تستخدمها لأغراض لوجستية أو استخباراتية، خاصة في طاجيكستان وتركمانستان.
- سياسة التطويق الإسرائيلية: سعت تل أبيب في السنوات الأخيرة إلى تقوية علاقاتها مع كازاخستان وأوزبكستان تحديدًا، في إطار سياسة الطوق المحيط بإيران من خلال دعم الدول الإسلامية غير العربية التي تنافس إيران على النفوذ، حيث ترى إسرائيل في آسيا الوسطى فرصة لمراقبة إيران من حدودها الشمالية، وربما تأسيس منصات استخبارية أو تكنولوجية متقدمة.
- الممرات البديلة: في حالة استهداف منشآت النفط والغاز في الخليج أو إيران، قد تكتسب خطوط الطاقة القادمة من آسيا الوسطى، خاصة كازاخستان وتركمانستان، أهمية متزايدة لتأمين الأسواق الدولية، فأي اضطراب في إيران قد يدفع الصين إلى تفعيل البدائل في آسيا الوسطى على نحو أكبر، مما يزيد محورية هذه الدول بوصفها بوابات استقرار لخطوط التجارة والطاقة الصينية الأوروبية.
- منقذ اقتصادي: أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان لها علاقات تجارية نشطة نسبيًّا مع إيران، وفي حالة تطبيق عقوبات جديدة، أو توسع الحرب بين إسرائيل وإيران، قد تؤدي تلك الدول دورًا محوريًّا في كسر العزلة الإيرانية.
- المحورية الدبلوماسية: مارست دول آسيا الوسطى، خاصةً كازاخستان، دور الوسيط المحايد في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني تاريخيًّا، ما قد يجعلها مرشحة لأداء دور وسيط إقليمي بين الغرب وإيران في حال تطور الصراع الحالي، لا سيما أن جميع دول آسيا الوسطى أعضاء في منظمة شنغهاي، إلى جانب إيران والصين وروسيا؛ ما يسهم في احتواء دول آسيا الوسطى للتصعيد، أو تشكيل موقف جماعي في المنظمات الإقليمية لصالح أحد الطرفين.
موقف دول آسيا الوسطى من الحرب الإسرائيلية الإيرانية:
إن نظرة دول آسيا الوسطى تجاه الحرب مدفوعة بشبكة معقدة من الاعتبارات المتداخلة، حيث أثار الصراع الإسرائيلي الإيراني مخاوف في آسيا الوسطى من تداعيات تلك المواجهة العنيفة على الأمن الإقليمي لتلك المنطقة؛ لذا سرعان ما علقت حكومات المنطقة ببيانات رسمية، لحث الطرفين على ضبط النفس والحل الدبلوماسي، وأعربت وزارات الخارجية لدول آسيا الوسطى عن استيائهم من التصعيد العسكري، ودعت إلى وقف فوري للأعمال العدائية وأهمية السعي إلى حلول سلمية بين الطرفين، كما نصحت سفارات آسيا الوسطى رعاياها في مناطق الصراع باتباع بروتوكولات السلامة، مثل الاحتماء في أثناء الغارات الجوية، والحصول على التحديثات من المصادر الرسمية، والبقاء على اتصال مع سفاراتهم.
يأتي هذا الموقف الرسمي لحكومات آسيا الوسطى في إطار سياسة تجمع بين البراغماتية والحياد الحذر، إذ تسعى هذه الدول إلى تحقيق توازن بين انتمائها الإسلامي من جهة، ومصالحها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل والغرب من جهة أخرى، فقد سبق في بداية حرب إسرائيل على غزة أن عبرت تلك الدول عن دعم رمزي محسوب من خلال مواقف ضعيفة لحقوق الشعب الفلسطيني بما يُراعي المزاج الإسلامي العام، لكنه لا يتصادم في الوقت نفسه مع مصالحها الإستراتيجية الأوسع.
وفي مقابل محاولة الحياد الرسمي للجمهوريات الخمس، كشف الرأي العام في آسيا الوسطى عن رؤية مغايرة، حيث أظهر استطلاع رأي بشأن الحرب الدائرة معارضة كبيرة لتقديم مساعدات عسكرية لإيران، وفيما يتعلق بالدعم السياسي، أظهرت كازاخستان وطاجيكستان مستويات أعلى من التعاطف مع إيران مقارنة بتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزستان، ويمكن تفسير تلك النتائج في إطار التخوف الثقافي والديني لشعوب آسيا الوسطى من التمدد الإيراني في البلاد، حيث تظل الدول ذات الأغلبية السنية، مثل تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان، متيقظة تجاه الدعاية الإيرانية والجماعات المسلحة الشيعية.
انعكاسات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على الجمهوريات الخمس:
تحمل الحرب الراهنة بين إيران وإسرائيل على دول آسيا الوسطى جُملة من التداعيات المتشابكة والمعقدة ذات الطبيعة الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية؛ بسبب موقع هذه الدول الجيوسياسي الحساس، وصلاتها السياسية والأمنية والاقتصادية مع كل من روسيا والصين وتركيا من جهة، والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى. وفيما يلي تحليل لأبرز تلك التداعيات:
- توسع نشاط الجماعات الإرهابية: أي حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، خاصةً إذا امتدت لتشمل الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة، وفي مقدمتهم الفصائل العراقية والسورية والأفغانية، قد تدفع بعض هذه الجماعات إلى نقل نشاطها، أو فتح جبهات جديدة في دول آسيا الوسطى، لا سيما في طاجيكستان، وقد تحاول طهران استخدام هذه الشبكات لنشر نفوذها، أو الضغط على خصومها، كما قد يحفز عدم الاستقرار في آسيا الوسطى على تزايد معدلات الجريمة المنظمة المرتبطة بتجارة المخدرات، وغسل الأموال، وتهريب المعادن النادرة.
- تمدد عمل الاستخبارات الإسرائيلية والإيرانية: بسبب أهمية آسيا الوسطى بوصفها منطقة عبور ومراقبة، من المرجح أن تزيد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والإيرانية نشاطها هناك؛ مما قد يهدد استقرار الدول الضعيفة مؤسسيًّا، مثل قرغيزستان وطاجيكستان.
- تأثر ممرات الطاقة والنقل: إيران تمثل أحد المعابر الحيوية لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ ومن ثم إذا توسعت الحرب الحالية، ستتضرر خطوط النقل والبنية التحتية التي تمر عبرها من آسيا الوسطى نحو الخليج أو البحر الأبيض المتوسط، ومن جهة أخرى قد تتأثر مشروعات الطاقة في بحر قزوين، لا سيما في تركمانستان وكازاخستان، التي ترتبط جزئيًّا بشبكات نقل عبر إيران أو أذربيجان.
- تذبذب أسعار الطاقة: معظم دول آسيا الوسطى تعتمد في اقتصادها على صادرات النفط والغاز، مثل كازاخستان وتركمانستان، وأي تصعيد عسكري بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًّا؛ مما يفيد هذه الدول اقتصاديًّا على المدى القصير، لكنه قد يؤدي إلى ضغوط دولية عليها لإعادة هيكلة صادراتها ومساراتها.
- تراجع التبادل التجاري: تُعد إيران شريكًا تجاريًّا مهمًّا لبعض دول آسيا الوسطى، خاصة أوزبكستان وتركمانستان؛ ومن ثم فإن اندلاع حرب مفتوحة قد يؤدي إلى انقطاع هذه العلاقات، أو فرض عقوبات إضافية على التجارة معها؛ مما يضر بالمصالح الاقتصادية لدول آسيا الوسطى.
- تنامي الضغوط الخارجية: قد تستغل الصين وروسيا الحرب الراهنة لتعزيز وجودهما الأمني والسياسي في آسيا الوسطى تحت ذريعة الاستقرار الإقليمي، إذ قد توظفان منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم إيران وجميع دول آسيا الوسطى، كمنصة للتنسيق الأمني، أو لإدانة إسرائيل على نحو غير مباشر؛ مما يخلق توترًا إضافيًّا في علاقات الجمهوريات الخمس مع الغرب. ومن الجهة المقابلة، قد تواجه هذه الدول ضغوطًا من الولايات المتحدة والدول الأوروبية لمساندة إسرائيل في الحرب، أو -في أحسن تقدير- التخلي عن دعم إيران اقتصاديًّا، وهو ما يضع حكومات آسيا الوسطى في موقف صعب.
- تصاعد الاستقطاب الطائفي: مع أن شعوب آسيا الوسطى في أغلبها سنية، فإن تصاعد الحرب بين إيران الشيعية وإسرائيل قد يثير خطابًا طائفيًّا في المنطقة، خاصة مع نشاط الجماعات السلفية المتشددة في منطقة آسيا الوسطى.
- تزايد أعداد اللاجئين: في حال تفاقم الحرب ووصولها إلى حدود أفغانستان أو بحر قزوين، قد تفتح موجات لجوء جديدة إيرانية، أو أفغانية، أو إسرائيلية، نحو آسيا الوسطى؛ مما يشكل عبئًا على قدرات هذه الدول المحدودة.
دول آسيا الوسطى بين الاستقطاب الإيراني والإسرائيلي
تسعى إيران وإسرائيل إلى توظيف دول آسيا الوسطى لصالحها في الحرب، وتنتهج كلتا الدولتين لتحقيق هذا الهدف آليات متعددة وغير تقليدية، حيث توظف إيران هذه الدول ساحةً خلفيةً لتأمين مصالحها وضمان أمنها، كما يلي:
- الاختراق الاقتصادي واللوجستي: قد تستخدم طهران دول آسيا الوسطى لتجاوز العقوبات الغربية من خلال التبادل التجاري الثنائي بالعملات المحلية، أو باستخدام شركات وسيطة، ونقل بضائع عسكرية مزدوجة الاستخدام عبر دول الحزام والطريق تحت غطاء شركات محلية أو أجنبية، وقد تعتمد طهران في حربها الحالية مع إسرائيل على دول آسيا الوسطى في التخزين المؤقت ونقل الطاقة، خصوصًا من تركمانستان إلى إيران، أو عبر بحر قزوين.
- تأمين العمق الجغرافي: قد تستغل إيران أراضي هذه الدول، خاصة طاجيكستان وتركمانستان، لتأمين خطوط اتصال خلفية بعيدًا عن رقابة الغرب، وهذا العمق مهم في حالة توجيه إسرائيل ضربات مباشرة إلى الداخل الإيراني، حيث تحتاج إيران إلى منطقة احتياط لإعادة التمركز، أو تمرير الإمدادات.
- الدعم الديني والثقافي الناعم: تسعى طهران إلى نشر التأثير الثقافي الفارسي في طاجيكستان تحديدًا، عن طريق دعم شبكات فكرية شيعية محدودة في بعض المناطق الهامشية، من خلال الجامعات، والمنح الدراسية، أو المراكز الثقافية، ما يمكن أن يكون وسيلة لإرسال رسائل رمزية سياسية معادية لإسرائيل، دون تبني الخطاب العسكري المباشر.
- استخدام آسيا الوسطى كمسرح رمزي: يمكن لإيران أن تدفع بدول آسيا الوسطى، خاصةً كازاخستان وأوزبكستان، في المحافل الدولية لاتخاذ مواقف متوازنة ترفض العدوان الإسرائيلي، أو تدعو إلى التهدئة، مما يكسر عزلة إيران دبلوماسيًّا.
- التوظيف الاستخباراتي: يمكن لإيران زرع نقاط مراقبة في آسيا الوسطى لرصد التحركات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، كما قد تستخدم شبكة النقل الجوي أو البري عبر الممر الدولي الشمالي- الجنوبي لتأمين وصول مواد عسكرية، أو معلومات استخباراتية.
توظف إسرائيل -من جهتها- دول آسيا الوسطى الخمس في إطار حربها مع إيران، ضمن إستراتيجية إسرائيلية أوسع تُعنى بالتطويق غير العربي لإيران، وتثبيت التفوق المعلوماتي والاستخباراتي من خلال العمق الأوراسي الإسلامي، وتتضح أبرز أدواتها فيما يلي:
- التكنولوجيا الأمنية والاستخباراتية: تقدم تل أبيب أنظمة مراقبة وطائرات بدون طيار، وأدوات تحليل بيانات للحكومات المحلية في آسيا الوسطى بذريعة مكافحة الإرهاب أو أمن الحدود، كما تنشئ إسرائيل قنوات تعاون مع وزارات الداخلية والدفاع؛ ما يفتح الباب أمام زرع بنية معلوماتية إسرائيلية داخل أنظمة هذه الدول يمكن استغلالها في الحرب الدائرة مع إيران، خاصة في طاجيكستان.
- القوة الناعمة: تسعى تل أبيب إلى نسج علاقات وثيقة مع شعوب آسيا الوسطى انطلاقًا من أوزبكستان التي تعد سوقًا نخبوية علمانية ترحب بالتعاون مع إسرائيل دون حساسيات دينية؛ مما يتيح بناء شبكات نفوذ طويلة الأمد؛ ما يجعلها مرشحة لدعم تل أبيب في مواجهة إيران دبلوماسيًّا في المحافل الدولية ضمن سياسات الحياد النشط.
- التحالفات الاقتصادية: الدفع باستثمارات إسرائيلية، أو عن طريق شركات دولية محسوبة على إسرائيل، في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتمويل، خاصة في كازاخستان؛ بهدف المساعدة على ربط دول آسيا الوسطى بأسواق غربية عن طريق النافذة الإسرائيلية، فضلًا عن تكثيف تل أبيب المشروعات الزراعية والمائية للجمهوريات الخمس، لا سيما في أوزبكستان.
- التنسيق مع القوى الإسلامية: ترمي إسرائيل إلى الاستفادة من النفوذ التركي والخليجي في آسيا الوسطى لدعم النفوذ الإسرائيلي تحت مظلة تحالف إسلامي معتدل، غير أن الهدف الحقيقي لهذا التنسيق هو العمل مع الولايات المتحدة لمراقبة النشاط الإيراني، وتحويل آسيا الوسطى إلى نقطة ضغط إقليمي على طهران، من خلال الترويج لنموذج الدولة التكنولوجية غير الاستعمارية.
واستنادًا إلى ما سبق، يمكن القول إن دول آسيا الوسطى تواجه معضلة إستراتيجية دقيقة في الحرب الراهنة بين إسرائيل وإيران، لا سيما بعد أن انخرطت فيها أطراف دولية كبرى كالولايات المتحدة، فمع أن معظم الجمهوريات الخمس تنتهج رسميًّا سياسات خارجية حيادية، فإن موقعها الجيوسياسي يجعلها عرضة لضغوط متزايدة من القوى المتصارعة، وإذا مالت هذه الدول إلى الانحياز لصالح المعسكر الإسرائيلي- الأمريكي، فقد تتيح تسهيلات لوجستية أو استخباراتية غير معلنة، أو تتبنى خطابًا سياسيًّا مناهضًا للتوسع الإيراني؛ ما قد يجلب لها دعمًا اقتصاديًّا وأمنيًّا غربيًّا، لكنه في المقابل سيعرضها لردود فعل عنيفة من طهران، أو وكلائها الإقليميين، وربما من موسكو وبكين أيضًا. أما إذا اختارت الانحياز ضمنيًّا إلى إيران -بدافع ديني، أو لموازنة الضغوط الغربية- فستواجه عزلة قاصمة، واحتمال تراجع الاستثمارات الأوروبية الضخمة، وتوترات داخلية بفعل ارتدادات الحرب على الاستقرار السياسي، وبين هذين الخيارين، تبقى المعادلة الأكثر ترجيحًا وأمانًا لدول آسيا الوسطى هي تبني مواقف رمادية ومرنة، تقوم على خطاب محايد، ورفض علني للتدخل، مع استعداد خفي لتقديم تنازلات محسوبة للقوة الأكثر تأثيرًا في أمنها الداخلي، ومصالحها الاقتصادية.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.