إستراتيجيات عسكريةتقدير موقف

هل تتغير “العقيدة النووية” الإيرانية؟


  • 16 أكتوبر 2024

شارك الموضوع

لم تترك الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل خيارات كثيرة أمام إيران التي قد تضطر إلى تغيير “عقيدتها النووية” التي تقوم -في الوقت الحالي- على حق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية “السلمية”، مع تحريم قاطع لامتلاك القنبلة النووية، بناء على فتوى من المرشد علي خامنئي، منذ عام 2003، وبرر المرشد هذا التحريم بأن مبادئ الجمهورية الإسلامية ترفض امتلاك الأسلحة النووية، لكن اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في شمال غرب طهران في 31 يوليو (تموز ) الماضي دفع بعضهم في إيران إلى الحديث عن حاجة طهران إلى تجاوز “العتبة النووية”، ودخول “النادي النووي”، الذي يضم في الوقت الحالي 9 دول، بينها إسرائيل، ثم جاء اغتيال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في سبتمبر (أيلول) الماضي ليؤكد ضرورة تغيير “العقيدة النووية الإيرانية” وحتميته، خاصة أن هذا الحديث الجديد جاء من مسؤولين رسميين كبار في النظام والحكومة الإيرانية. ومع الحسابات والسيناريوهات التي تتوقع مهاجمة إسرائيل “للمنشآت النووية”، تجدد الحديث عن حتمية إعادة النظر في فتوى المرشد الإيراني، وظهرت تفسيرات جديدة لهذه الفتوى تقول إن المقصود منها هو تحريم “استخدام” السلاح النووي، وليس تحريم امتلاكه أو إنتاجه، وتنطلق هذه الفرضية من معادلة تقول إن إيران لم يتبقَ لها ما تردع به أعداءها بعد الضربات التي لحقت بمحور المقاومة، خاصة حماس، وحزب الله. ووفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة النووية، فإن لدى إيران مخزونًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 % يكفي لإنتاج 3 قنابل نووية إذا ما أرادت رفع التخصيب إلى 90%، ومخزونها المخصب بنسبة 20% يكفي لنحو 10 قنابل نووية أخرى، فما الآفاق التي وصل إليها البرنامج النووي الإيراني؟ وما السيناريوهات التي يمكن أن تدفع طهران إلى تجاوز “العتبة النووية”؟ وإلى أي مدى يمكن للضربات الإسرائيلية المنتظرة أن تدمر أو تعطل البرنامج النووي الإيراني؟

مفارقة أمريكية

المفارقة التي يتوقف أمامها الجميع الآن أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية هي التي ساعدت إيران على بناء برنامجها النووي منذ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وهي اليوم التي تعارض الخطوات النووية الإيرانية. وعندما جاء المرشد الأول للثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979، أوقف البرنامج النووي الإيراني، ولم يسمح إلا لأبحاث بسيطة قرب نهاية الحرب الإيرانية العراقية عام 1988. ويقوم تقدير الوكالة الدولية للطاقة النووية على أن إيران كان لديها برنامج نووي عسكري حتى عام 2003، حيث صدرت فتوى المرشد الحالي علي خامنئي بتحريم استخدام السلاح النووي، وتشكلت الطفرة الكبرى في برنامج إيران النووي عندما افتتحت طهران بمساعدة موسكو “محطة بوشهر”، التي تقع قرب الخليج العربي عام 2011، واليوم أصبح لدى إيران سلسلة من المفاعلات النووية العملاقة، منها على سبيل المثال مفاعلات فرودو ونطنز وأراك، وهناك عشرات المنشآت النووية الأصغر في كل مساحة إيران العملاقة التي تصل إلى نحو 1.7 مليون كم.

ووفق الاتفاق النووي “5+1 ” في يوليو (تموز) 2015 بين إيران من جانب، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، يحق لإيران أن تخصب اليورانيوم بنسبة 3.7% فقط، وكان هدف هذا الاتفاق هو رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران مقابل التزامها بشروط وقيود كثيرة بشأن برنامجها النووي، لكن انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب -من جانب واحد- من الاتفاق النووي في 8 مايو (أيار) 2018 سمح لإيران بالتقدم في برنامجها النووي، وبعد تركيب ايران أجهزة طرد مركزي متقدمة من طراز “أي أر 6″، نجحت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%؛ وبذلك أصبحت قريبة جدًّا من إنتاج القنبلة النووية التي تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، وهناك تباين في وجهات النظر الأمريكية بشأن مدى استعداد إيران لإنتاج القنبلة النووية؛ فالمخابرات المركزية الأمريكية بقيادة وليم بيرنز قالت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أن طهران تحتاج إلى أسبوع واحد فقط لإنتاج القنبلة النووية، لكن تصنيع الرأس النووي ووضعه على رأس صاروخ يحتاج من 6 إلى 12 شهرًا، في حين قالت المخابرات العامة الأمريكية بقيادة أفريل هاينز -أكثر من مرة- إنه لا يوجد قرار سياسي في إيران بتصنيع القنبلة النووية، وإن برنامج إيران سلمي، وإنها توصي دائمًا بضرورة وجود اتفاق مع طهران على غرار اتفاق 2015؛ لتقييد أي تقدم في برنامج إيران النووي.

ثلاثة سيناريوهات

سوف تلعب الجغرافيا 3 مرات في طريقة رد إسرائيل على الهجوم الإيراني بداية هذا الشهر بنحو 200 صاروخ بالستي، الذي استهدف قاعدتين عسكريتين إسرائيليتين، الأولى أن المسافة التي تفصل إسرائيل عن إيران تصل إلى نحو 1800 كم، وهذا ما يفرض على إسرائيل خيارات محدده في الأدوات التي سوف تستخدمها، سواء أكانت طائرات “إف 15- 35″، أو إطلاق صواريخ من بعيد على المنشآت النووية. والمرة الثانية التي ستلعب فيها الجغرافيا دورًا حيويًّا في طريقة الرد الإسرائيلي، أن المنشآت النووية الإيرانية تنتشر على نحو 1.7 مليون كم؛  وهو ما سيؤدي إلى تشتيت الهجوم الإسرائيلي، وثالثًا: يصعب على إسرائيل استهداف “مفاعل بوشهر” على الخليج العربي؛ لأن انبعاث الشعاع النووي من هذا المفاعل الذي يبعد فقط 60 كم عن دولة الكويت، سوف يؤثر في نحو 30 ألف جندي أمريكي ينتشرون في مناطق قريبة من بوشهر؛ ولهذا يمكن رسم 3 سيناريوهات يمكن أن يأخذها الرد الإسرائيلي إذا اختارت تل أبيب الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، والسيناريوهات الثلاثة هي:

الأول: التدمير الكامل

وهذا السيناريو يحتاج إلى موارد وأدوات غير موجودة لدى إسرائيل، فوجود مفاعلات نطنز، وأراك، وفوردو، في وسط إيران، وفي قلب الصحراء، وعلى أعماق بعيدة، يجعل من الصعب على الطائرات الإسرائيلية استهداف تلك المفاعلات من بعيد، ومن خارج الأراضي الإيرانية، وإذا دخلت الطائرات الإسرائيلية العمق الإيراني فسوف تواجه الصواريخ الإيرانية والمضادات الأرضية، وهي مضادات غير موجودة في مسارح الحرب الأخرى، مثل اليمن، وجنوب لبنان، ويضاف إلى كل ذلك أن الوصول إلى التحصينات في مفاعل نطنز يحتاج إلى قنابل وزنها نحو 34 ألف رطل لاختراق تلك التحصينات، وإسرائيل لا تملك هذه القنابل، ويمكن للولايات المتحدةفقط أن تسلم لها هذه القنابل قبل الهجوم، وكل التقديرات، ومنها المعادلات الأمريكية، تقول إن لدى إسرائيل قنابل وزنها 2000 رطل، مثل تلك التي استُخدمت في اغتيال حسن نصر الله، وهي غير كافية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

السيناريو الثاني: التعطيل والتأجيل

وهو نفس هدف الاتفاق الذي وقعه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكان يهدف إلى تأجيل حصول إيران على القنبلة النووية لنحو 10 سنوات، ويمكن أن يتحقق هذا الأمر بالتدمير “الجزئي” للمنشآت النووية الإيرانية وفق ما لدى إسرائيل من أدوات وإمكانات، بإلقاء القنابل التي لا يزيد وزنها على 2000 رطل لإحداث “تدمير جزئي” لتعطيل البرنامج النووي 10 أو 15 عامًا.

السيناريو الثالث: هجوم ثنائي

ويعتمد هذا السيناريو على التنسيق بين هجوم سيبراني قبل إطلاق صواريخ دقيقة من الطائرات، أو حتى من إسرائيل على إيران، ويعتمد نجاح هذا السيناريو على وجود معلومات استخباراتية لدى إسرائيل تشبه تلك التي استخدمتها في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي في تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي في جنوب لبنان، ويمكن لهذا السيناريو أن يدمر كل المعادلات الرياضية والفيزيائية النووية لدى طهران، بالإضافة إلى تدمير جزء رئيس من البنية التحتية للمنشآت النووية الإيرانية، وتأثير هذا السيناريو سوف يكون كبيرًا، لكنه لن يكون مدمرًا للبرنامج النووي الإيراني بكامله.

خيارات ايران

لعل تزويد الولايات المتحدة إسرائيل بمنظومة الدفاع الصاروخية الأغلى في العالم، وهي “ثاد”، تؤكد أن لدى واشنطن وتل أبيب يقينًا بأنه سيكون هناك رد إيراني على الرد الإسرائيلي على هجوم الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، لكن ايران يمكن أن يكون لها رود إضافية إذا ما استُهدفت منشآتها النووية، وهي:

1-الانسحاب من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية

وهو خيار لوح به أكثر من مسؤول إيراني، لعل أبرزهم النائب في البرلمان الإيراني منان رئيسي، والانسحاب من هذه الاتفاقية يعني أن طهران لن تكون ملتزمة بأي قيود في المستقبل، كما لا يمكن للمفتشين الدوليين زيارة البرنامج النووي لطهران، أو مراقبته.

2- استهداف ديمونة

التحليل الدقيق للهجوم الصاروخي الايراني على إسرائيل في بداية الشهر الجاري يقول إن كثيرًا من الصواريخ البالستية وصلت بالفعل إلى إسرائيل، واخترقت الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية ذات المديات المختلفة، وهو ما يشجع ايران على تكرار هذا الهجوم على المنشآت النووية الإسرائيلية، وفي المقدمة منها مفاعل ديمونة. ووفق بنك الأهداف الذي نشره الحرس الثوري الإيراني، فإنه إذا هاجمت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، فإن إيران سوف تهاجم المفاعلات النووية الإسرائيلية في ديمونة، وهناك حديث إيراني يقول إن طائرة مسيرة صوّرت -في السابق- كل المباني والمنشآت التي تحويها منشأة ديمونة النووية.

المؤكد أن الجميع يتمنى أن تصدق الولايات المتحدة مرة واحدة، ويتأكد رفضها استهداف المنشآت النووية الإيرانية في الرد الإسرائيلي القادم على إيران، لكن الثابت أن أي هجوم إسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني سوف يمحو كل الخطوط الحمراء التي حافظت على الاستقرار الهش في الشرق الأوسط خلال العقود الأربعة الأخيرة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع