
يبدو أن إدارة ترمب مصممة على تحقيق السلام في غزة، لكن الناس ما زالوا يعانون الهجمات الإسرائيلية، ونقص المساعدات الإنسانية، وعواصف الأمطار الشتوية الشديدة البرودة. تساءل كثيرون من سكان غزة عما إذا كانت هناك أي خطة سلام متفق عليها؛ لأنهم لا يشعرون بها.
أجرى ستيفن صهيوني (وكالة MidEastDiscourse) مقابلة مع مالك نبيل الجعبري، الصحفي والكاتب في الشؤون الفلسطينية.
س. ستيفن صهيوني: كيف نُفِّذَ اتفاق وقف إطلاق النار والسلام على الأرض في غزة؟ وما التحديات أو الانتهاكات التي أُبلغ عنها منذ اعتماده؟
ج. مالك نبيل الجعبري: لم يُنفَّذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بالدقة المتوقعة. شهدت الأراضي الفلسطينية انتهاكات إسرائيلية واسعة النطاق منذ اعتماده. قُتل أكثر من 380 فلسطينيًا، وأصيب نحو 900 آخرين نتيجة لضربات صاروخية، وهجمات بالطائرات المسيرة، وقصف بحري، تحت ذرائع مثل “استهداف مجموعات تخطط لمهاجمة الجيش الإسرائيلي”. ومع ذلك، فإن غالبية الضحايا كانوا من الأطفال والنساء، مما يقوض هذه الادعاءات.
على الصعيد الإنساني، ظل الاتفاق هشًا. كان منصوصًا على دخول 600 شاحنة مساعدات يوميًا، لكن العدد الفعلي لم يتجاوز نصف ذلك. بالإضافة إلى ذلك، لم يُفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين للسماح للمرضى بالمغادرة أو العالقين بالعودة. كما عانى القطاع نقصًا حادًا في الأدوية والإمدادات الطبية، والوقود اللازم لتشغيل المستشفيات. لم تدخل سوى نحو خمس شاحنات وقود يوميًا بدلًا من الخمسين المتفق عليها.
سُجِّلَ أكثر من 730 انتهاكًا للاتفاق، شملت إطلاق نار مباشرًا على المدنيين، وتوغلات بمركبات عسكرية في مناطق سكنية، وتوسيع “الخط الأصفر” ليغطي ما يقرب من 60% من قطاع غزة.
مع أن عملية تبادل الأسرى كانت ناجحة جزئيًا، فإنها شابتها تأخيرات إسرائيلية بذريعة وجود جثة أسير مفقود، مما أعاق التنفيذ الكامل للأحكام الإنسانية للاتفاق، على الرغم من تأكيد الفصائل الفلسطينية أن هذه القضية لن تعرقل استمرار الاتفاق. لا تزال التحديات الكبرى قائمة، خاصة مع اقتراب المرحلة الثانية، حيث تثير المؤشرات الحالية مخاوف من توسع أوسع للانتهاكات الإسرائيلية.
س. صهيوني: ما الدور الذي تؤديه الجهات الفاعلة الدولية (مثل الأمم المتحدة ومصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) في دعم عملية السلام في غزة وجهود الإغاثة الإنسانية؟
ج. الجعبري: في دعم جهود الإغاثة الإنسانية، هناك مؤسسات إغاثية تابعة لدول عربية نشطة في غزة. على سبيل المثال، لدى مصر “اللجنة المصرية”، التي شاركت في البحث عن جثث الأسرى في غزة، وأدخلت معدات إغاثة، وأقامت مخيمات للنازحين. كما تدير بعض الدول الأوروبية مشروعات مستشفيات ميدانية وإغاثية. وتشارك الأمم المتحدة أيضًا من خلال وكالاتها المعروفة، مثل برنامج الأغذية العالمي، واليونيسف، والأونروا. ومع ذلك، تعرضت الأونروا -على وجه الخصوص- لحملات تحريض من جانب الاحتلال، ومُنعت من إدخال شاحنات المساعدات، على الرغم من كونها مؤسسة تابعة للأمم المتحدة.
أما عملية السلام، فلا توجد قيمة حقيقية لجهود جميع الأطراف المذكورة ما لم تُترجم إلى أفعال على الأرض. وهذه الترجمة مستحيلة دون تعاون من سلطة الاحتلال. لا أحد قادرًا على إجبار الاحتلال سوى الولايات المتحدة، ويبدو أنها -حتى يومنا هذا- لا ترغب في إجبار إسرائيل على الانخراط في عملية سلام حقيقية. إن استمرار الانتهاكات في غزة وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الحرب لم تنتهِ هما دليل واضح على ذلك.
لذلك، فإن أي ادعاء بوجود عملية سلام حقيقية في المنطقة هو غير دقيق إلى حد كبير. لم تشهد غزة سلامًا، ولم يُعَد بناؤها، ولم يتوقف القتل. بالإضافة إلى ذلك، تغرق غزة حاليًا في أمطار الشتاء، وقد توفي ما لا يقل عن 14 شخصًا -معظمهم من الأطفال- بسبب المطر والبرد.
س. صهيوني: ما الشروط الرئيسة والقضايا العالقة التي تُناقش للانتقال إلى المراحل التالية من اتفاق السلام، بما في ذلك المطالب الأمنية الإسرائيلية، والاعتبارات السياسية والجغرافية الفلسطينية؟
ج. الجعبري: المشكلة الآن هي أن المحادثات للانتقال إلى المرحلة الثانية لا تزال معلقة. تحدث ترمب عن تشكيل ما يسمى “مجلس السلام” لإدارة الترتيبات الخاصة بالمرحلة الثانية من الاتفاق. اجتمعت الفصائل الفلسطينية المشاركة في حرب غزة -تحديدًا حماس والجهاد الإسلامي وست فصائل أخرى (ثماني فصائل في المجموع)-في القاهرة أواخر نوفمبر (تشرين الثاني). رفضت جميعها فكرة “مجلس السلام” رفضًا تامًا. وما رفضوه بقوة أكبر هو إدراج رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في المجلس، مع أن تقارير لاحقة أشارت إلى استبعاده.
كما تظل قضية “قوة تحقيق الاستقرار الدولية” دون حل. لا يوجد بروتوكول متفق عليه لعملياتها، ولم تُشكَّل القوة بعد، على الرغم من مرور أكثر من شهرين على توقيع الاتفاق. لن تشارك الدول العربية في قوة قد يُطلب منها الاشتباك مع الفلسطينيين، خاصة أن مهمة هذه القوة -من منظور الولايات المتحدة وإسرائيل- ستكون “نزع سلاح حماس”. هذه مهمة فشلت إسرائيل في تحقيقها خلال حربها على غزة، مما يجعل من غير المرجح أن تتمكن قوة دولية مكلفة بحماية الاتفاق والمدنيين من إنجاز ما عجزت عنه القوة العسكرية الإسرائيلية. ترفض التصريحات الأوروبية والعربية -بوضوح- المشاركة في قوة يتضمن دورها الاشتباك مع الفلسطينيين.
أعلنت الفصائل الفلسطينية مرارًا وتكرارًا أن أي قوة دولية تعمل في غزة يجب أن تُنشر في منطقة غلاف غزة، وليس داخل القطاع، وأن هدفها يجب أن يكون حماية المدنيين من العدوان الإسرائيلي. هذان الشرطان أساسيان لدور القوة. وتتفق الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية على هذه النقطة، وهي إحدى القضايا القليلة التي يوجد حولها توافق فلسطيني واسع. ومع ذلك، فإن الأطراف الوسيطة لا تتفق على ذلك، مما يجعلها نقطة خلاف جوهرية.
باختصار، تشمل القضايا العالقة قبل المرحلة الثانية ما يلي: دور مجلس السلام، الذي ترفضه فصائل غزة، وقوة تحقيق الاستقرار الدولية، التي لم تُشكَّل بسبب الخلافات بشأن ولايتها وسلطتها، وأسلحة فصائل غزة، خاصة حماس. ترى إسرائيل أن نزع سلاح الفصائل هو رمز للانتصار، وهو ما رفضته الفصائل رفضًا قاطعًا طوال عامين من الحرب. وتشير تصريحات الوسطاء المصريين والأتراك أيضًا -على نحو مباشر- إلى رفض فكرة نزع السلاح.
يعود جزء من التأخير في الانتقال إلى المرحلة الثانية إلى المناقشات التي تُعقد خلف الكواليس بين الفصائل -خاصة حماس- والوسطاء بشأن قضية “أسلحة المقاومة”. تعتقد الفصائل أنه يمكن تبني صيغة “وضع الأسلحة أو تخزينها”، مع الاعتراف بها كحق مشروع للمقاومة، في حين تصر إسرائيل على نزع السلاح الكامل.
فيما يتعلق بهذا الأمر، هناك قضية أخرى عالقة تتعلق بمقاتلي حماس والجهاد الإسلامي الذين لا يزالون خلف الخط الأصفر (مناطق الانتشار العسكري الإسرائيلي) في أنفاق تحت الأرض. عددهم غير واضح، لكن التقديرات تتراوح بين 60 على الأقل، ولا يزيد على 300. لم تسفر المفاوضات بشأنهم عن نتائج. وقعت عدة اشتباكات مع القوات الإسرائيلية، أسفرت عن مقتل بعضهم، وأسر آخرين. فشلت محاولات الوسطاء للتفاوض على خروجهم، عبر الصليب الأحمر، أو طرف ثالث. حاول كل جانب تأطير هذه القضية كمعاينة للمرحلة التالية. طالبت إسرائيل المقاتلين بتسليم أنفسهم للاستجواب، وهو ما رفضوه، معلنين أنهم سيقاتلون حتى النهاية. لو وافقت حماس على طلب إسرائيل وسلّمت المقاتلين بأسلحتهم، لاكتسبت إسرائيل نفوذًا للإصرار على نزع السلاح. بدلًا من ذلك، أرسلت حماس رسالة واضحة: سيموتون بدلًا من تسليم أسلحتهم، وردت إسرائيل بأن رفض نزع السلاح سيعني استمرار الاستهداف والقصف. أكدت حماس مجددًا أن الأسلحة غير قابلة للتفاوض، حتى على حساب حياة أعضائها. وهكذا، تبرز “أسلحة المقاومة” بوصفها أبرز نقطة خلاف في المرحلة التالية.
س صهيوني: ما المواقف الرئيسة للفصائل السياسية الفلسطينية (ومنها حماس وغيرها) بشأن اتفاق السلام مع إسرائيل، وترتيبات الحكم المستقبلية في غزة؟
ج. الجعبري: صرحت حماس في مناسبات كثيرة بأنها لا تعارض أي اتفاق سلام مؤقت مرتبط بإطار زمني محدد، شريطة عدم وجود مواجهات أو انتهاكات، وعدم المساس بأسلحتها. ومع ذلك، لن تقبل إسرائيل بهذا أبدًا، خاصة بالنظر إلى الهدنة الطويلة بين عامي 2014 و2021، التي أعلنت حماس بعدها الحرب في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على المسجد الأقصى. في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنت حماس عملية ضد الاحتلال ردًا على التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، واستمرار حصار غزة. لهذه الأسباب، لم يتحقق السلام قط بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الحرب أنه عندما تكون إسرائيل قد قتلت وجرحت وسجنت أكثر من ربع مليون فلسطيني في غزة، يصبح السلام بين الضحية والجلاد مستحيلًا.
فيما يتعلق بترتيبات الحكم، لا تسعى حماس إلى حكم غزة، حيث أصبح الحكم عبئًا ثقيلًا على من يتولاه. تسعى إسرائيل إلى سلطة حاكمة موالية لها، وحاولت -منذ بداية الحرب- أن تستبدل بحماس العشائر أو العائلات المؤثرة، أو التجار، أو العصابات الإجرامية، لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل. عمليًا، لا تزال حكومة تابعة لحماس تدير غزة، حيث يرتبط نقل الحكم بالمرحلة الثانية، التي لم تبدأ بعد.
إحدى القضايا القليلة المتفق عليها من جميع الهيئات والفصائل الفلسطينية الرسمية هي الحكم المستقبلي. كان هناك توافق في الآراء على ثماني شخصيات من غزة لإدارة القطاع خلال فترة انتقالية من خلال لجنة تكنوقراطية تابعة لحكومة السلطة الفلسطينية في رام الله. وقد رعت مصر هذا الاقتراح، بموافقة قطرية وتركية. حتى الآن، لم تُعلن الولايات المتحدة موقفًا واضحًا بشأنه.
س. صهيوني: لم تتوحد القوى السياسية الفلسطينية قط. في رأيك، هل هناك فرصة لظهور صوت فلسطيني موحد للتفاوض مع العالم؟
ج. الجعبري: ليس من السهل أن يظهر صوت فلسطيني موحد؛ لأن المجتمع الفلسطيني منقسم إلى اتجاهين؛ أحدهما يؤمن بالخيارات السلمية، والحوار مع الاحتلال، واللجوء إلى القانون الدولي. يمثل هذا الاتجاه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وإذا كان هذا المسار يتمتع بشرعية دولية، فإنه يفتقر إلى الدعم الشعبي الواسع، حيث أجريت الانتخابات الرئاسية آخر مرة في عام 2005 ولم تتكرر. ونتيجة لذلك، تعارض شريحة كبيرة من المجتمع هذا النهج، وتدعم المسار البديل لمقاومة الاحتلال. اكتسب هذا التيار الموجه نحو المقاومة الشرعية أيضًا من خلال المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة، ومن خلال الوساطة من مصر وقطر وتركيا مع حماس. حصلت حماس على تفويض من الفصائل الفلسطينية الكبرى، مثل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، من بين فصائل أخرى، وتستمد الشرعية أيضًا من فوزها في الانتخابات التشريعية لعام 2006؛ ومن ثم يمتلك كلا جانبي الانقسام الفلسطيني أشكالًا مختلفة من الشرعية، ويتبعان برامج مختلفة. توحيدهما صعب لأن أحد الجانبين يرفض الكفاح المسلح، في حين يراه الآخر الخيار الأساسي.
الطريقة الوحيدة لوضع الفلسطينيين في موقف موحد هي من خلال إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تكون ملزمة لجميع الأطراف. ستمثل النتائج حينئذ جميع الفلسطينيين. هذه هي الفرصة الحقيقية الوحيدة إذا كان العالم مستعدًا لدعم إجراء انتخابات في جميع الأراضي الفلسطينية. بخلاف ذلك، من المستحيل -في رأيي- أن يظهر صوت فلسطيني متفق عليه من الجميع. الانتخابات هي الحل الوحيد، كما هي الحال مع جميع شعوب العالم.
ما ورد في المقابلة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير