مقالات المركز

مشاركة واسعة في الانتخابات البرلمانية العراقية تحدد مستقبل البلاد


  • 11 نوفمبر 2025

شارك الموضوع

في الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، توجّه عشرات الآلاف من الناخبين العراقيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، في سادس انتخابات تشريعية تشهدها البلاد منذ الغزو الأمريكي عام 2003 الذي أطاح بنظام الرئيس الراحل صدام حسين.

أُتيح لأكثر من 20 مليون عراقي الإدلاء بأصواتهم لاختيار 329 نائبًا في البرلمان، من بينهم 46 مقعدًا خُصصت لإقليم كردستان، بينها خمسة مقاعد مخصصة للأقليات.

ووفقًا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات (IHEC)، تجاوزت نسبة المشاركة 55% من إجمالي الناخبين المسجلين، وهي نسبة وصفها المراقبون بأنها مؤشر إيجابي على تجدد التفاعل الشعبي مع العملية السياسية.

شارك في الانتخابات 7,743 مرشحًا ضمن تحالفات وائتلافات متعددة، وكانت قرابة ثلثهم من النساء. وينصّ الدستور العراقي على ألا تقل نسبة تمثيل النساء في البرلمان عن 25%.

كما خاض 75 مرشحًا مستقلًا الانتخابات، في مشاركة متواضعة من حيث العدد، لكنها تحمل دلالات رمزية مهمة على وجود محاولات لتجاوز هيمنة الكتل السياسية التقليدية.

تمت عملية التصويت في 8,703 مركز اقتراع، و39,285 محطة انتخابية موزعة على محافظات العراق الثماني عشرة.

وشهدت الانتخابات رقابة من 25 منظمة دولية ومحلية لضمان الشفافية والمصداقية.

ومن المتوقع صدور النتائج الأولية خلال 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع. ويتوقع محللون أن يحقق ائتلاف “الإعمار والتنمية” بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أداءً قويًّا، وإن كان ذلك لا يضمن بالضرورة بقاءه في منصبه.

يطالب الناخبون عمومًا بتحسين الأوضاع الاقتصادية، لا سيما توفير فرص العمل، وزيادة الدخل.

غير أن كثيرًا من الناخبين في مدينة الصدر، المعقل الرئيس للزعيم الديني مقتدى الصدر، امتنعوا عن التصويت استجابةً لدعوته إلى مقاطعة ما وصفها بـ”العملية الفاسدة”.

وكان تيار الصدر قد فاز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات عام 2021 (73 مقعدًا) قبل أن ينسحب من البرلمان إثر خلافات مع “الإطار التنسيقي”، وهو ائتلاف من الأحزاب الشيعية المقربة من إيران، ما أدى إلى حالة من الجمود السياسي استمرت أشهرًا، وأفضت إلى اضطرابات دامية.

لا يزال المشهد السياسي في العراق خاضعًا لهيمنة الفصائل الشيعية، التي يربط  كثيرًا منها علاقات وثيقة مع إيران.

وتُعدّ هذه الانتخابات تمهيدًا لاختيار رئيس الجمهورية -وهو منصب فخري تقليديًّا يُمنح للأكراد- ورئيس الوزراء الذي يمتلك السلطة التنفيذية. وغالبًا ما تستغرق عملية التوافق على هذين المنصبين عدة أشهر من المفاوضات والمساومات السياسية.

تولى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منصبه عام 2022 بعد أكثر من عام من الشلل السياسي الناجم عن الخلافات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي. وقد نُسبت إلى حكومته المحافظة على قدر من الاستقرار النسبي في البلاد رغم التوترات الإقليمية المتصاعدة.

ومع أن الأحزاب الشيعية خاضت الانتخابات هذا العام منفصلة، يُتوقع أن تتوحد لاحقًا تحت كتلة واحدة لتشكيل الائتلاف البرلماني الأكبر.

أما في المعسكر السني، فمن المتوقع أن يحقق رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي مكاسب ملحوظة.

وفي إقليم كردستان، لا تزال المنافسة محتدمة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) والاتحاد الوطني الكردستاني (PUK)، في استمرارٍ للصراع التقليدي الذي يشكّل ملامح السياسة الكردية.

وقد تزايد دور العراق بوصفه وسيط توازن بين طهران وواشنطن في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة منذ اندلاع حرب غزة عام 2023.

وعلى الرغم من الاضطرابات الإقليمية، شهد العراق هدوءًا نسبيًّا، حتى في ظل شنّ الميليشيات المدعومة من إيران هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على مواقع أمريكية في العراق وسوريا، وردّ واشنطن باستهداف عدد من تلك الجماعات داخل الأراضي العراقية.

تواصل الولايات المتحدة مطالبة بغداد بنزع سلاح الجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، وهو مطلب لا يزال من أكثر الملفات حساسية بين الجانبين.

وأكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى العراق، في عهد الرئيس دونالد ترمب، مارك سافايا، موقف واشنطن الرافض لوجود جماعات مسلحة تعمل خارج سيطرة الحكومة الشرعية، قائلًا إن “جميع الأسلحة -لا سيما أسلحة وكلاء إيران- يجب أن تكون تحت سلطة الحكومة العراقية الشرعية”.

ورحبت الحكومة العراقية بهذه التصريحات، ووصفتها بأنها “فهم دقيق لديناميكيات العراق الداخلية وسيادته”.

وكشفت النتائج الأولية للانتخابات أن ائتلاف “الإعمار والتنمية”، بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تصدّر النتائج في بغداد، بحصوله على 15 مقعدًا من أصل 71، يليه ائتلاف “دولة القانون”، بزعامة نوري المالكي، بـ11 مقعدًا.

أما بقية النتائج في بغداد فكانت على النحو التالي:

“تقدّم” بزعامة محمد الحلبوسي: 9 مقاعد.

“صادقون” (عصائب أهل الحق): 5 مقاعد.

“قوى الدولة الوطنية” بزعامة عمار الحكيم: 5 مقاعد.

“منظمة بدر” بزعامة هادي العامري: مقعدان.

“الأساس”: 4 مقاعد.

“عزم”: 4 مقاعد.

“سيادة”: 4 مقاعد.

“الحل الوطني” بزعامة وزير الدفاع ثابت العباسي: 3 مقاعد.

“حقوق” (المرتبطة بكتائب حزب الله): مقعد واحد.

قائمة الأقليات المسيحية: مقعد واحد.

أما المقاعد السبعة المتبقية فقد توزعت بين أحزاب صغيرة ومستقلين.

وسجّلت الانتخابات مفاجأة لافتة بخسارة وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي -وهو شخصية بارزة في ائتلاف السوداني- مقعده بعد أن حصل على 3,500 صوت فقط، وهو عدد أقل بكثير من العتبة الانتخابية المقدّرة بـ20,000 صوت للفوز بمقعد في بغداد.

وفي البصرة، التي تضم 25 مقعدًا برلمانيًّا، تصدّر ائتلاف “تصميم” بزعامة أسعد العيداني النتائج بحصوله على 95,000 صوت، وفاز بستة مقاعد. تلاه “صادقون” بخمسة مقاعد، وائتلاف السوداني بثلاثة مقاعد، فيما حصل “دولة القانون” على أربعة مقاعد، و”منظمة بدر” على مقعدين.

وفي محافظة بابل (17 مقعدًا) تصدّر ائتلاف السوداني بثلاثة مقاعد، في حين فازت “منظمة بدر” بثلاثة مقاعد في محافظة ديالى (14 مقعدًا)، وتقاسمت بقية التحالفات الصغيرة المقاعد الأخرى.

وبحسب مصادر انتخابية، فإن الكتل الثلاث الأكبر على مستوى البلاد هي:

  1. ائتلاف الإعمار والتنمية (السوداني).
  2. ائتلاف دولة القانون (المالكي).
  3. تحالف تقدّم (الحلبوسي).

وتشير النتائج المتقاربة إلى أن أيًّا من التحالفات لن يحقق أغلبية مطلقة؛ ما يمهّد لمفاوضات طويلة ومكثفة لتشكيل الحكومة المقبلة.

وأشاد رئيس الوزراء السوداني بنسبة المشاركة العالية، واصفًا إياها بأنها “نجاح جديد في المسيرة الديمقراطية للعراق.”

وقال في بيان: “إن هذه المشاركة الواسعة تعكس تجدد ثقة مواطنينا بالعملية الانتخابية، وهو الهدف الذي عملت حكومتي بلا كلل على تحقيقه”.

فصل سياسي جديد

يرى المحللون أن النتائج الأولية تشير إلى خريطة سياسية جديدة وبرلمان أكثر توازنًا، مع تقدم القوى المعتدلة والمدنية على حساب الأحزاب التقليدية.

ومع ذلك، يُتوقع أن تكون عملية تشكيل الحكومة طويلة ومعقدة، تتطلب تحالفات متعددة وتسويات بين الكتل المتنافسة.

ومع استمرار العراق في مواجهة الضغوط الإقليمية وتحديات الإصلاح الداخلي، قد تمثل الانتخابات البرلمانية لعام 2025 بداية مرحلة جديدة تتسم بحذر وأمل في آنٍ واحد، ضمن تجربة العراق الديمقراطية المتطورة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع