تقدير موقف

كيف تنظر تركيا إلى مستقبل “قسد” في سوريا؟


  • 28 ديسمبر 2024

شارك الموضوع

عاشت “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية) في شمال سوريا على مدار السنوات الماضية في نشوة التميّز، وغلبة نموذجها على النماذج الأخرى المحيطة بها، وفي أي مقارنة كانت تجري بينها وبين هذه النماذج كانت الكفة تميل إلى مصلحتها، لأنّها كانت تتم مع الأحقر والأسوأ على الإطلاق: (السلطة الأسدية البعثيّة في سوريا، والتنظيمات الدينية الأشد تطرفًا كداعش وأمثاله)؛ ولذلك كانت “قسد”، على مدار السنوات الماضية، في زهوّ انتصارها، كالجدار الأصم، لا تلتفت إلى نصيحة، ولا تسمعها من الأساس. بُح صوت العقلاء والمناضلين الشرفاء من الكرد وهم ينادون قادتهم الذين ثبت انتماؤهم إلى تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) بأن يعلنوا انسحابهم من هذا التنظيم حتى يثبتوا أنهم وطنيون، وأن قرارهم وطني لا يأتي من وراء الحدود، فلم يستجب أحد.

لم تستوعب “قسد” أن النظر إليها لا يتم من خلال المقارنة مع الأسوأ فقط؛ ولكن من خلال أدائها نفسه، وهو الأداء الذي لم يقدّم للسوريين إلا نموذجًا شائهًا بمناهجه التعليمية المرفوضة، وبسياسته التثقيفية المرذولة بعبادة عبد الله أوجلان -رئيس  حزب العمال الكردستاني- بأنه القائد الصامد الزاهد المناضل المُفاصل الذي يحب الطبيعة والأشجار والمزروعات والأغنام، ويُخرج الشعوب من ضيق الدكتاتورية إلى سعة الديمقراطية، ولكن بديمقراطية متذاكية، توزّع المناصب صوريًّا على الكرد والعرب والسريان والآشوريين، ثم يقف فوق كل مسؤول من هؤلاء رجل غير مرئي من كوادر “قسد” يحرّكه كما يحرّك مرقّص العرائس عرائسه بالخيوط التي يمسكها.

بحجة مقاتلة داعش تمددت “قسد”، ومعها حزب العمال الكردستاني، أضعافًا مضاعفة، تتجاوز حجمها إلى حدّ الانتفاخ الأقصى الذي يؤهل المنتفخ إلى الانفجار والتشظي لدى أول دبوس ينقره. لقد كان داعش هديتها من السماء، ومن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لتحرز هذا الوجود.

ما الحل؟

الحل أن تحل “قسد” نفسها، وتسلم سلاحها، وتتخلى عن أحلامها الانفصالية ودولة كردستان المستقلة في شمال سوريا التي هي أوهام في هذه المنطقة، وأن ينخرط أبناؤها الذين تمرسوا بالعمل السياسي في بناء سوريا جديدة لا تقوم على محاصصات، ولا على كانتونات، ولا جيوب، بعد مصالحة وطنية، وتأمين لكل الأفراد. في سوريا الجديدة بعد اندحار حزب البعث السوري الشوفيني بقيادة زمرة الأسد، لا قضية كردية فيها، ولا سُنّيّة، ولا علوية، ولا تركمانية، ولا مسيحية، ولا درزية، ولكن قضية إنسان مواطن له جميع حقوقه السياسية والثقافية التي تعبّر عن هويته، ومشاعره، ووجدانه. وأقول ذلك لأن بيانات “قسد”  نفسها تؤكد دائمًا أنّ سوريا هي هدف نهائي لها، وإذا كانت هذه الإعلانات صادقة، فإننا نأمل من هذه الطاقات التي تراكمت عبر كل هذه السنين أن تتكلم باسم السوريين مع السوريين، وأن تناضل باسم قضية الإنسان السوري مع من يناضل باسم هذه القضية حتى تنتصر فينتصر في تلافيفها كل السوريين.. كل السوريين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع