
في 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لقطاع غزة، مصدقًا على مشروع قرار قدمته واشنطن. وقد وصف ترمب التصويت بأنه “لحظة تاريخية”، في حين أدانت الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس القرار، ووصفته بأنه عمل من أعمال “الوصاية الدولية” المفروضة على القطاع الساحلي.
تُخوّل الخطة المعتمدة نشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، وترسم مسارات سياسية يمكن أن تؤدي -في نهاية المطاف- إلى إقامة دولة فلسطينية. وقد مرَّ القرار بموافقة 13 صوتًا، في حين امتنعت روسيا والصين عن استخدام حق النقض (الفيتو)، ووصفتا النص الأمريكي بأنه “إشكالي”، ومن المحتمل أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة.
يتضمن القرار لغة تُشير إلى “مسار نحو دولة فلسطينية”، مما أشعل جدلًا واسع النطاق داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية، فقد أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن معارضة إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية “على أي أرض” تظل دون تغيير. ومع ذلك، فقد واجه انتقادات حادة من وزراء داخل ائتلافه، الذين اتهموه بالفشل السياسي والصمت في مواجهة الضغوط الدبلوماسية المتزايدة. ويُنظر إلى القرار داخل معسكر نتنياهو على أنه تهديد إستراتيجي، حيث حذّر بعض المحللين من أنه قد يمهد الطريق لعملية دبلوماسية لا رجعة فيها.
لاحظت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن غموض لغة القرار سمح بتفسيرات متعددة ومتناقضة في بعض الأحيان. وفي حين تنظر واشنطن إلى القرار على أنه إطار لحل سياسي طويل الأمد يمكن أن يسمح بظهور كيان فلسطيني، يرى منتقدو الخطة أنها غامضة ومشروطة بشدة بعوامل مثل: إعادة الإعمار الطويلة الأمد لغزة، والإصلاحات داخل السلطة الفلسطينية، والنزع الكامل لسلاح غزة، وآليات التفتيش الدولية. ويرى اليمين الإسرائيلي في الخطة محاولة لإدخال مفهوم “الدولة الفلسطينية” من “الباب الخلفي”، متنكرًا في صورة حل لمرحلة ما بعد الحرب لغزة.
تقسّم الخطة الأمريكية غزة إلى مناطق يعاد بناؤها تحت إشراف إسرائيلي- دولي مشترك، مع تخصيص مناطق معينة كـ”مناطق خضراء مراقبة” خلال مرحلة انتقالية مطولة، في حين تظل المناطق المتضررة بشدة مقيدة. ويقول مؤيدو هذا النظام إنه ضروري لاستعادة النظام بعد أشهر من الصراع، مع أن النقاد يحذرون من أنه قد يرسخ السيطرة الأجنبية والإسرائيلية على الهياكل المدنية والأمنية في غزة.
أصدرت الفصائل الفلسطينية -بقيادة حماس- مذكرة يوم الأحد 16 نوفمبر (تشرين الثاني) ترفض فيها المقترح الأمريكي. وتتمثل اعتراضاتها الرئيسة في الآتي: إن القرار يفرض وصاية دولية على غزة، وإن القوة الدولية قد تصبح امتدادًا فعليًا للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، وإن أي قوة من هذا القبيل يجب أن تكون بالكامل تحت سلطة الأمم المتحدة، لا أن تُنسَّق مع إسرائيل، ويجب أن يقتصر تنسيقها حصريًا مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، ويجب أن يقتصر تفويضها على حماية المدنيين، وضمان إيصال المساعدات، والفصل بين القوات، دون تولي سلطة أمنية أو إدارية. وشددت الفصائل على أن أسئلة السلاح والمقاومة تظل شؤونًا فلسطينية داخلية مرتبطة بأي تسوية سياسية مستقبلية تنهي الاحتلال.
في الضفة الغربية، رحّبت السلطة الفلسطينية بحذر بالمبادرة، وصرّح عمر عوض الله، مساعد وزير الخارجية، لـ”بي بي سي العربية” بأن القرار يمثل المرة الأولى التي يشير فيها مقترح أمريكي صراحة إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير والاستقلال، وأضاف أن المقترح يتحدى رفض إسرائيل لأي دور فلسطيني في مستقبل غزة، ويمكن البناء عليه، خاصة بالنظر إلى قرارات الأمم المتحدة الكثيرة القائمة التي تؤكد السيادة الفلسطينية.
يتطلب مشروع القرار الأمريكي المُنقح من السلطة الفلسطينية تنفيذ إصلاحات مؤسسية شفافة وإظهار تقدم في إعادة إعمار غزة، وهي شروط تقول واشنطن إنها قد تخلق البيئة اللازمة لمسار موثوق نحو إقامة دولة فلسطينية. وشدد عوض الله على أن الإصلاحات يجب ألا تصبح شروطًا مسبقة للاستقلال الفلسطيني، ولا ينبغي لها أن تؤخر عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة.
وفقًا لوسائل الإعلام الدولية، يأذن القرار بنشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، وإنشاء “مجلس سلام” يرأسه الرئيس ترمب، لحكم غزة مؤقتًا حتى ديسمبر (كانون الأول) 2027. ويأتي هذا القرار بعد موافقة إسرائيل وحماس الشهر الماضي على المرحلة الأولى من خطة ترمب المكونة من 20 نقطة، التي نصت على وقف إطلاق النار بعد حرب استمرت عامين، وتبادل الرهائن والأسرى، وخطوات أولية نحو استقرار الأراضي.
قدمت روسيا قرارًا مضادًا، بحجة أن المقترح الأمريكي لا يوفر وضوحًا كافيًا بشأن الدولة الفلسطينية، أو دور الأمم المتحدة، وبدلًا من ذلك يمنح سلطة ساحقة لـ”مجلس السلام” و”قوة تحقيق الاستقرار”. وشدد وزيرا خارجية الأردن أيمن الصفدي، ومصر بدر عبد العاطي، على أهمية تمكين القوة الدولية من تنفيذ تفويضها مع ضمان الأمن للفلسطينيين، وأكدا مجددًا دعمهما إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس حل الدولتين.
رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتبني مجلس الأمن للقرار، واصفًا إياه بأنه “خطوة مهمة نحو تعزيز وقف إطلاق النار”، وحث على التنفيذ السريع، وأشاد بالأدوار الدبلوماسية لمصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة، والشركاء الإقليميين.
أوضحت وثيقة للاتحاد الأوروبي اطلعت عليها رويترز مقترحًا للاتحاد الأوروبي بتدريب 3000 شرطي فلسطيني؛ بهدف نشرهم في غزة خلال المراحل اللاحقة من خطة ترمب. ويتضمن المقترح توسيع بعثتي الاتحاد الأوروبي المدنيتين في المنطقة، وهما بعثة دعم الشرطة، وبعثة المساعدة الحدودية في رفح. كما اقترح الاتحاد الأوروبي توسيع مراقبة الحدود لتشمل معابر إضافية. ومع ذلك، حذّر المسؤولون من أن عدم اليقين السياسي قد يعوق قدرة الاتحاد الأوروبي على المضي قدمًا.
دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير رئيس الوزراء نتنياهو إلى اعتقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتجريده من الحصانة السياسية في حالة اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. ووصف بن غفير القادة الفلسطينيين بأنهم “إرهابيون”، ودعا علنًا إلى عمليات اغتيال مستهدفة ضد كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، وهو تصريح أثار إدانة حادة من الرئاسة الفلسطينية، التي حذّرت من أن هذه الخطابات تحرض على العنف، وتدعو إلى شن هجمات على القيادة الفلسطينية، وحثت الرئاسة الفلسطينية المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، على الضغط على إسرائيل لوقف ما أسمته “حملة التحريض الخطيرة”.
ذكر الباحث السياسي والقانوني الفلسطيني الدكتور جهاد أبو لحية أن دعوات بن غفير لاستهداف القادة الفلسطينيين تشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي؛ لأنها تهدد -مباشرة- القيادة المدنية المحمية لشعب واقع تحت الاحتلال. وأضاف أبو لحية أن تفكيك المؤسسات الفلسطينية، أو اعتقال القادة المنتخبين، يرقى إلى مستوى التدخل غير القانوني في حق الشعب في الحكم الذاتي.
أبلغ مسؤول إسرائيلي كبير شبكة “سي إن إن” أن الولايات المتحدة لا تخطط لإرسال قوات برية إلى غزة، وتواجه صعوبة في تجميع قوة دولية مستعدة لدخول القطاع لإجراء عمليات نزع السلاح. وتفيد التقارير بأن واشنطن تدرس تجاوز مرحلة نزع السلاح والانتقال مباشرة إلى إعادة الإعمار، وهو نهج تعارضه إسرائيل بشدة؛ لأنه سيترك حماس مسلحة. ووفقًا للمسؤول، فإن هذا التحول سيقوّض القرار الأمريكي، ويتعارض مع المصالح الأمنية لإسرائيل.
كرر وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس أن قوة متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة ستُكلف بتفكيك القدرات المسلحة في “غزة القديمة”، حيث لا تزال حماس متحصنة. وقال إن الجيش الإسرائيلي يواصل تدمير الأنفاق على طول “الخط الأصفر” ويظل ملتزمًا بالقضاء الكامل على البنية التحتية العسكرية لحماس. وكرر نتنياهو أن غزة ستُجرَّد من السلاح بالكامل، وأن أي ضغط خارجي لن يغير موقف إسرائيل.
يمثل تبني القرار الذي رعته الولايات المتحدة لحظة محورية في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، حيث يمهد الطريق لدور دولي غير مسبوق في حوكمة غزة وإعادة إعمارها، واحتمال نزع سلاحها. وستحدد الأشهر المقبلة هل سيصبح القرار أساسًا لعملية سياسية مستدامة، أو نقطة اشتعال أخرى في مشهد متقلب بالفعل؟
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير