أبحاث ودراسات

عودة الصديق المثالي.. هل ينقذ ترمب ولاية أردوغان الأخيرة؟


  • 23 نوفمبر 2024

شارك الموضوع

مدخل

يستعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتقرب من الرجل الذي هدد بتدمير الاقتصاد التركي ذات يوم. إن الحفاوة المبالغ فيها التي تجلت في تهنئة أردوغان لدونالد ترمب عقب فوزه بالانتخابات الأمريكية الأخيرة، ووصفه بالصديق، حملت معها مخاوف عدة للنظام التركي من مستقبل العلاقات التركية الأمريكية، فقد انقسمت الأوساط التركية إلى نظرتين بشأن هذا المستقبل؛ الأولى تبنت الطابع التشاؤمي مستندةً إلى أن كل إدارة أمريكية عولت عليها أنقرة إما خيبت أمل تركيا، وإما سعت إلى إلحاق الضرر بها، ويزداد الوضع سوءًا هذه المرة في ظل الخسائر التي تكبدتها أنقرة في إدارة ترمب الأولى،  في حين حملت الثانية بشارات التفاؤل للرئيس التركي تجاه إدارة ترمب الثانية وما قد تعنيه للمصالح الوطنية التركية، لا سيما في ظل تراجع الدعم الأمريكي للمعارضة التركية؛ ما يعني فرصة ذهبية لأردوغان في جعل ولايته الحالية ليست الأخيرة.

فوز ترمب بين الترحيب والحذر التركي

لعل أحد العوامل التي تدعو حكومة العدالة والتنمية إلى التفاؤل بمستقبل العلاقات التركية الأمريكية هو العلاقة المتوترة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي لم يزر تركيا قط، ولم يسمح لأردوغان بدخول البيت الأبيض طوال مدة حكمه للولايات المتحدة، على عكس ولاية ترمب الأولى التي شهدت زيارتين لأردوغان؛ ما يعكس محورية البعد الشخصي في العلاقات بين ترمب وأردوغان، التي تجلت بوضوح عندما هنأ الرئيس التركي ترمب بفوزه بالانتخابات، ليصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، ووصفه بالصديق، ودعاه إلى زيارة تركيا لتعزيز العلاقات بين البلدين، كما دلل على تلك الصداقة تنديد تركيا بمحاولة الاغتيال التي تعرض لها ترمب في يوليو (تموز) الماضي، التي اعتبرها أردوغان اعتداءً مباشرًا على الديمقراطية، مشيدًا بموقف ترمب  الشجاع عقب محاولة الاغتيال.

وربما يؤدي ترشيح إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، الذي كلفه ترمب بجعل الحكومة الأمريكية تعمل بكفاءة أكبر، دورًا محوريًّا في تعزيز العلاقات التركية الأمريكية خلال إدارة ترمب الثانية؛ بسبب ارتباطات ماسك وخبراته السابقة مع أردوغان وتركيا؛ لذا تتطلع الحكومة التركية في أنقرة إلى ماسك لتوثيق مساحات التعاون بين تركيا والولايات المتحدة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي.

وعلى عكس حالة التفاؤل التي سيطرت على معظم الأوساط التركية، جاء تقرير الأكاديمية الوطنية للاستخبارات، التابعة للمخابرات التركية، ليناقش انعكاسات فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وآثاره المحتملة على تركيا، حيث كشفت اختيارات الرئيس الجديد عن غلبة الأيديولوجية الصهيونية على تفكير إدارة ترمب، فضلًا عن أن معظم المرشحين يحملون مشاعر عدائية تجاه تركيا، وأردوغان بصفة خاصة، إذ جاء في مقدمتهم تولسي غابارد، المرشحة لرئاسة الإدارة الوطنية للاستخبارات الأمريكية، التي اتهمت تركيا  بأنها دولة إرهابية تدعم تنظيم داعش والقاعدة؛ وهو ما يفرض تحديًا إضافيًّا على أردوغان لتعزيز علاقته الشخصية مع ترمب، وتوظيفها لاستغلال ما أطلق عليه تقرير الاستخبارات “تطابق الكيمياء بين الزعيمين”.

محطات الخلاف

ثمة متغيرات تدفع تركيا إلى الخوف من استمرار ترمب لمدة أربع سنوات أخرى على رأس السياسة الخارجية لواشنطن، تتضح فيما يلي:

  • القضية الكردية والوضع في سوريا: قد تكون السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا الملف الأهم لتوتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض؛ ففي حين انحازت الولايات المتحدة في البداية إلى موقف تركيا في الحرب الأهلية السورية، فإنها منذ عام 2013 نأت بنفسها عن أنقرة، وقدمت الدعم المباشر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تقودها وحدات حماية الشعب -الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني- مما أدى إلى تعزيز نفوذ وحدات حماية الشعب في شمال سوريا. ومع أن  ترمب  لم يتمكن من تنفيذ قراره في عام 2019 بسحب القوات الأمريكية من سوريا بالكامل، فإن هناك تفاؤلًا في الدوائر التركية بأن الانسحاب المماثل للانسحاب من العراق قد يكون أسهل في ظل إدارته.

وفي المقابل، قد تدفع الحرب في الشرق الأوسط، وخاصة في لبنان وغزة وسوريا، وخطر اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران، الولايات المتحدة إلى البقاء في سوريا ومواصلة دعمها لقوات قسد،  وهو ما تسعى الحكومة التركية إلى تفاديه من خلال الانفتاح الكردي، والسعي إلى مواجهة نشاط حزب العمال الكردستاني وقوات قسد؛ ومن ثم تعزيز موقف تركيا في المفاوضات بشأن سوريا مع القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع.

  • الحرب الإسرائيلية: انطلاقًا من الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في عدوانها على غزة ولبنان من جانب، وتحالف تركيا الوثيق مع حركة حماس، وعلاقتها الشائكة مع حزب الله اللبناني من جانب آخر، فإن توجهات الرئيس الجديد في تلك الحرب ستكون حاسمة لمستقبل العلاقات التركية الأمريكية. فضلًا عن هذا، فإن احتمال تشجيع إدارة ترمب القادمة لإسرائيل على شن مزيد من العمليات العسكرية ضد إيران من شأنه أن يثير غضب الحكومة التركية، التي اتخذت موقفًا حازمًا في الدفاع عن جارتها الشرقية بعد أن قصفت إسرائيل إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ ومن ثم ستعارض أنقرة أي إجراءات من شأنها أن تزيد خطر اندلاع حرب شاملة بين طهران وتل أبيب، حيث ترى أن هذا السيناريو يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن تركيا ومصالحها الاقتصادية.
  • مستقبل حلف الناتو: يحظى مصير الناتو بجدل كبير بين القوى الدولية بشأن الانسحاب المحتمل لترمب من الحلف، خاصةً أن الرئيس الجديد لا يسترشد بأي مبادئ قانونية عندما يتعلق الأمر برؤيته للمصالح الأمريكية، ويميل إلى تفضيل التعامل على نحو معاملاتي، دون مراعاة أمن دول الحلف؛ ومن ثم استبقت أنقرة الأخطار المحتملة لهذا الانسحاب، وبدأت بتهدئة خلافاتها مع الدول الأوروبية، حيث تمثل أبرز شاهد على نجاح تلك الإستراتيجية التركية في موافقة ألمانيا على تصدير منظومة أسلحة على نطاق عريض إلى تركيا لأول مرة منذ سنوات.
  • العقوبات الأمريكية: لم تنس أنقرة العقوبات المالية الأمريكية التي فرضها ترمب للضغط على تركيا لإطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون على خلفية اتهامه بالتورط في محاولة الانقلاب على أردوغان  عام 2016،  وصلاته بحركة غولن المحظورة في تركيا؛ ومن ثم تثار مخاوف بشأن ما إذا كانت إدارة ترمب الثانية ستطبق هذه التكتيكات على أنقرة إذا نشأت نزاعات مستقبلية في الأعوام الأربعة المقبلة، لا سيما أن السياسات الاقتصادية الحمائية التي انتهجها ترمب، ومنها التعريفات الجمركية على الصلب التي فرضت خلال ولايته الأولى، تسببت بالفعل في الإضرار بالاقتصاد التركي؛ لذا من المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية الجديدة، إلى جانب الحرب التجارية المحتملة مع الصين، إلى خلق توترات اقتصادية جسيمة مع تركيا، خاصة أن أنقرة تسعى إلى تنويع أسواقها وتعزيز العلاقات مع دول جنوب آسيا من خلال مبادرة آسيا الجديدة، فضلًا عن محاولاتها الانضمام إلى مجموعة البريكس الاقتصادية التي تضم الصين وروسيا والهند.

أطر التعاون

أدت مجموعة القضايا الخلافية والحرجة السابق ذكرها، إلى تفاقم التوتر بين تركيا والولايات المتحدة؛ لذا يتوق أردوغان إلى فتح آفاق للتعاون مع ترمب، تتمثل أبرز ملفاتها فيما يلي:

  • غاز المتوسط: اعتادت الولايات المتحدة أن تؤدي دورًا متوازنًا في المشكلات بين تركيا واليونان، خاصةً أن كلتيهما عضو في حلف الناتو، غير أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ابتعدت عن هذا النهج، وبدأت بدعم اليونان علنًا، ورفعت الولايات المتحدة حظر الأسلحة المفروض على جمهورية قبرص منذ عام 1974، ووقعت اتفاقيات عسكرية معها، بل أوضحت الولايات المتحدة أنها تعتبر القبارصة اليونانيين الممثلين الوحيدين للجزيرة، وتجاهلت جمهورية شمال قبرص التركية.

لكن بحلول عام 2022 سحبت الولايات المتحدة دعمها لمشروع خط أنابيب الغاز شرق المتوسط، لتقترب بتلك الخطوة من أطروحات تركيا. كما أن خريطة إشبيلية الأحادية التي اقترحتها اليونان لم تقبلها الولايات المتحدة؛ لذلك سيكون من مصلحة تركيا أن يتصرف ترمب تصرفًا أكثر عقلانية فيما يتعلق بتقاسم موارد الهيدروكربون في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بين الدول المطلة عليه، وفيما يتعلق بحل الدولتين في قبرص.

  • سياسات الدفاع التركية: فرضت الولايات المتحدة عقوبات عسكرية على تركيا، وتحديدًا قانون مكافحة أعداء أمريكا، على خلفية شراء تركيا أنظمة الدفاع الجوي S-400 الروسية، كما استُبعدت تركيا من برنامج F-35؛ خوفًا من قدرة النظام الروسي على الوصول إلى الرموز السرية لطائرات F-35. ورغم اعتراض أنقرة على تلك العقوبات، واقتراحها آنذاك إنشاء لجنة مشتركة مع الولايات المتحدة لفحص القضية من الناحية الفنية، فإن الإدارة الأمريكية رفضت هذا الاقتراح؛ ومن ثم يعول أردوغان على ترمب في رفع العقوبات المفروضة على تركيا، وتسليم طائرات إف-16 الأمريكية المقاتلة، وتجديد صفقة F-35؛ في سبيل عودة التحالف الوثيق مع أنقرة.
  • الحرب الروسية الأوكرانية: منذ بداية الحرب، كانت تركيا على اتصال بكلا الجانبين، وبذلت جهودًا للتوصل إلى وقف إطلاق نار بهدف تخفيف حدة الأثر الاقتصادي للحرب على أنقرة، حيث تكبدت تركيا خسائر اقتصادية كبيرة بسبب توقف الإنتاج الزراعي في أوكرانيا، وكذلك العقوبات المفروضة على روسيا؛ ومن ثم يطمح أردوغان أن ينجح ترمب -كما وعد- في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، مع أن تلك المفاوضات قد تسفر عن اتفاق سلام لصالح روسيا يسمح لها بالاحتفاظ بشبه جزيرة القرم في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط؛ ما يعرض تركيا لتهديد أمني مباشر على حدودها البحرية.
  • مصير إيران: ترتبط تطورات المواجهات بين طهران وتل أبيب ارتباطًا وثيقًا بتركيا، سواء بوصفها جارة، أو بوصفها موردًا رئيسًا للطاقة؛ إذ تسعى تركيا إلى مواصلة علاقاتها الطويلة الأمد مع إيران دون أن تخضع لعقوبات من جانب الولايات المتحدة، أو أي دولة أخرى، ولكن الضغوط التي فرضتها الإدارات الأمريكية السابقة على إيران، واحتمال عودة ترمب إلى سياسة الضغوط القصوى، سيضعان أنقرة في موضع صعب لصياغة مستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة وإيران معًا، حيث سيظل أردوغان يعارض قرارات عزل طهران عن العالم إلى أن يوقع الرئيس الأمريكي الجديد على اتفاق نووي مع إيران مرة أخرى.

الخاتمة

يمكن القول إن سياسة الغموض التي انتهجها ترمب في ولايته الأولى من خلال استخدام القوة غير المباشرة، وتنوع أساليب القوة ما بين وسائل الإكراه العسكرية والاقتصادية، ومهادنة الحلفاء في بعض القضايا، في مقابل الضغط عليهم في قضايا أخرى، كل هذا سيدفع تركيا إلى حالة من الانتظار والترقب، وتأمل الأفضل وهي تستعد للأسوأ؛ ومن ثم لن تتمكن حكومة العدالة والتنمية من تحديد سياستها الخارجية بشأن إدارة ترمب الثانية إلا بعد وصول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض، واستعراض أجندته الفعلية لحكم البلاد.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع