
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في سبتمبر (أيلول) 2025، خطة لوقف الحرب في غزة، تضمنت 20 بندًا، أهمها: وقف إطلاق النار، وإعادة جميع الرهائن أحياء وأمواتًا، وإفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين، وإدخال مساعدات إلى القطاع، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها داخل غزة.
وتتضمن المرحلة التالية من الاتفاق نزع سلاح حماس، وموافقة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى على عدم أداء أي دور في حكم غزة، وبدء إعادة إعمار القطاع، وتكوين إدارة انتقالية مؤقتة للقطاع من تكنوقراط فلسطينيين تعمل تحت إشراف هيئة انتقالية دولية تسمى “مجلس السلام”، يرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مع أعضاء من دول أخرى.
كما ينص الاتفاق على تشكيل شركاء عرب ودوليين قوة استقرار دولية مؤقتة تنتشر في قطاع غزة. وتضمن الاتفاق أيضًا أنه بينما تتقدم عملية إعادة إعمار غزة، وعند تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية على نحو جاد، قد تتوافر الشروط “لمسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة”، وهو ما يعترف به بوصفه طموحًا للشعب الفلسطيني.
أعقب إعلان المبادرة الأمريكية انعقاد مؤتمر بمدينة شرم الشيخ المصرية تحت رئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بمشاركة عدد من قادة الدول الكبري، منهم الرئيس الفرنسي، والمستشار الألماني، ورئيس الوزراء البريطاني، ورئيس وزراء كندا، ورئيسة وزراء إيطاليا، وعدد من القادة الإقليميين، منهم الرئيس التركي، وأمير قطر.
لكن لوحظ غياب الصين وروسيا عن المشاركة في المؤتمر، مع أن وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي ذكر -في رد على سؤال من وكالة تاس- “أن روسيا دُعيت إلى قمة غزة في شرم الشيخ، لكن المدة الزمنية كانت ضيقة”، وقال إن الصين كذلك دُعيت. وأضاف: “لا يمكننا تجاهل دول كبرى مثل روسيا والصين… ونحن نقدر دعمهما لحقوق الشعب الفلسطيني”. وبالرغم من هذا التفسير بشأن غياب روسيا والصين عن مؤتمر شرم الشيخ فإن كثيرًا من الأسئلة تثار بشأن موقف البلدين من اتفاق غزة، والدور المحتمل لهما في تنفيذه، وهذا ما سوف يستعرضه هذا التقرير.
أوضحت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها صدر في 9 أكتوبر (تشرين الأول) بشأن اتفاق وقف إطلاق النار على غزة، أنها رحبت بالاتفاق، وأشادت بدور الوساطة الذي قامت به كل من مصر وقطر وتركيا. كما أشادت بالدور الأمريكي في دعم الجهود الدولية للوصول إلى هذا الاتفاق.
وأكدت روسيا أنه من الضروري أن يسهم الاتفاق في تأمين حياة المدنيين، وإنهاء معاناتهم الإنسانية المستمرة، مشددة على التزام جميع الأطراف بتنفيذ جميع المراحل التالية للاتفاق، وليس المرحلة الأولى فقط، بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
كما دعت روسيا إلى استدامة وقف إطلاق النار بوصفه خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار الطويل الأجل في قطاع غزة، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة النازحين إلى مناطقهم بأمان، وبدء أعمال إعادة الإعمار دون تراخٍ.
ورأت روسيا أن النجاح الحقيقي للاتفاق يرتبط في الأساس باستئناف العملية السياسية الشاملة الهادفة إلى تسوية الصراع في الشرق الأوسط، بما يؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل.
ويتضح من البيان أن روسيا تتبني موقفًا لا يعبر عن الرفض الكامل للمبادرة، ولكنه يؤكد -في الوقت نفسه- دعمها الواضح للمطالب الفلسطينية، وينتقد السياسات الإسرائيلية. والجدير بالذكر أنه منذ اندلاع حرب غزة، دعت روسيا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، ورفضت استهداف المدنيين من الجانبين، كما حملت إسرائيل مسؤولية التصعيد، والفشل في الوصول إلى وقف إطلاق النار.
أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانًا، بتاريخ 13 أكتوبر (تشرين الأول)، رحبت فيه باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كما اعتبرته خطوة إيجابية نحو تخفيف حدة المعاناة الإنسانية، وتهدئة التوترات في الشرق الأوسط. كما اعتبرت الصين أن الحرب تعبر عن كارثة إنسانية حقيقية، وصفتها بأنها “وصمة عار” في القرن الحادي والعشرين.
كما أكدت الصين في بيانها ضرورة تحقيق المجتمع الدولي والأطراف المعنية وقفًا لإطلاق النار على نحو مستدام، والامتناع عن أي أفعال قد تؤدي إلى تجديد الصراع، وإتاحة الفرصة لإعادة البناء والاستقرار في القطاع. وشددت بكين على أن الاتفاق يجب أن يسهل عمليات دخول المساعدات الإنسانية، وفتح ممرات الإغاثة، وتوفير حماية للمدنيين والبنى التحتية، والتخفيف من معاناة المواطنين المتضررين.
وأكدت الصين مبدأ أن “الفلسطينيين يحكمون فلسطين”، من منطلق أن الفلسطينيين هم أصحاب القرار في قضيتهم، وأن الحل النهائي يكمن في حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
وأعلنت الصين استعدادها الكامل للتعاون مع المجتمع الدولي والمؤسسات الإقليمية من أجل دعم تنفيذ هذا الاتفاق، وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
ويأتي هذا امتدادًا لسياسة الصين منذ اندلاع الحرب في غزة، التي أكدت فيها مرارًا الوقف الفوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، ورفض أي تصعيد عسكري إسرائيلي يفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة.
هل يمكن أن يكون لروسيا والصين دور في تنفيذ اتفاق غزة؟
بالرغم من الموقف المتحفظ لكل من روسيا والصين تجاه مبادرة ترمب، فإن هذا التحفظ لا يعني الرفض التام للمبادرة؛ ومن ثم يمكن تحليل الموقف المتوقع للبلدين من تنفيذ بعض بنود المبادرة كما يلي:
إمكانية صدور قرار عن مجلس الأمن يتضمن بنود اتفاق غزة
في إطار دعوة دول مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وكذلك مصر، إلى تضمين بعض بنود مبادرة الرئيس ترمب في قرار ملزم يصدر عن مجلس الأمن، فسوف يكون على روسيا والصين اتخاذ موقف تجاه هذا القرار بحكم عضويتهما الدائمة فى مجلس الأمن، وامتلاكهما حق النقض (الفيتو). ويمكن القول إنه من حيث المبدأ لن تعارض روسيا أو الصين فكرة إصدار قرار من مجلس الأمن بشأن الترحيب بمبادرة وقف الحرب في غزة، ولكن كلتا الدولتان ستصر على أن يتضمن القرار المقترح بنودًا تتعلق باستدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ جميع مراحل الاتفاق، واستئناف العملية السياسية، وتأكيد حل الدولتين بوصفه أساسًا لتحقيق السلام؛ ومن ثم فإن موافقة روسيا والصين على إصدار قرار من مجلس الأمن بشأن المبادرة سوف يرتبط بمدى تضمينه للمبادئ التي أعلنها البلدان بشأن استدامة وقف إطلاق النار، والحل السياسي للقضية الفلسطينية، وليس مجرد الترحيب بهدنة مؤقتة، وإضفاء شرعية من مجلس الأمن على مبادرة الرئيس ترمب.
المشاركة في إنشاء مجلس سلام يشرف على إدارة غزة
تضم مبادرة اتفاق غزة مقترحًا لإنشاء “مجلس سلام” برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وعضوية قيادات من دول أخرى، للإشراف على إدارة قطاع غزة. من المتوقع ألا تتحمس أيٌّ من الصين وروسيا للمشاركة في هذا المجلس، خاصة إذا كانت قيادته سوف يتولاها الرئيس الأمريكي ترمب. يضاف إلى ذلك تأكيد كل من روسيا والصين أن إدارة قطاع غزة يجب أن تتم بواسطة الفلسطينيين، وليس قوة أجنبية.
المشاركة في قوة عسكرية لضمان الاستقرار في غزة
ليس هناك أي مؤشرات على مشاركة روسيا أو الصين في القوة العسكرية المقترح تكوينها؛ فروسيا منغمسه في حرب أوكرانيا، ولا تملك رفاهية إرسال قوات عسكرية إلى مناطق أخرى إلا فى إطار رمزي، تنأي فيه عن استخدام أي أدوات عسكرية، أو إرسال أي قوات إلى مناطق الصراع في المنطقة. أما الصين فهي تتبع نمطًا ثابتًا في سياستها في الشرق الأوسط؛ ومن ثم فمن المستبعد مشاركة أي من روسيا أو الصين في “قوة الاستقرار المقترحة في مبادرة ترمب”؛ فكلا البلدين يتجنب الدخول في أي احتكاك عسكري على الأرض.
المشاركة في نزع سلاح حماس
لا تتضمن البيانات والخطابات الرسمية لكل من روسيا والصين أي استعداد أو نية للمشاركة فى نزع سلاح حماس بالقوة، ولكن من المتوقع إذا كان هناك تفاوض سلمى لنزع سلاح حماس أن تشارك روسيا فيه بحكم وجود قنوات تواصل بينها وبين قيادات حماس، في حين أن الصين قد تتحفظ على المشاركة بأي شكل في موضوع نزع سلاح حماس.
المشاركة في جهود إعادة الإعمار
في حوار لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع إعلاميين عرب، فى 13 أكتوبر (تشرين الأول)، في إشارة إلى عملية إعادة الإعمار في غزة، ذكر أنه “سبق للأمريكيين أن أعلنوا أن الدول العربية ستتحمل العبء الرئيس في إعادة إعمار قطاع غزة؛ لكلٍّ دوره الخاص، وفق مبدأ تقسيم العمل”. ويوضح هذا أن روسيا -مثل الولايات المتحدة- تعتقد أن الدول العربية سوف تتحمل العبء الأكبر فى تمويل جهود إعادة الإعمار في غزة.
ويضاف إلى ذلك أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، والضغوط المالية التى تتعرض لها نتيجة حربها في أوكرانيا، قد تضع قيودًا على مشاركتها في جهود إعمار غزة.
أما الصين فقد تكون أكثر ترحيبًا بالمشاركة فى جهود إعادة الإعمار في غزة بحكم ما تملكه من إمكانات اقتصادية ضخمة، ومساهمتها في مشروعات البنية التحتية في كثير من دول العالم، ولكن أي مشاركة للصين في إعادة إعمار غزة ترتبط بضمان استدامة وقف إطلاق النار في القطاع، حتى لا يشهد القطاع موجة أخرى من تدمير ما عُمِّر.
نخلص من التحليل السابق أن هناك ترحيبًا من روسيا والصين بمبادرة وقف إطلاق النار فى غزة، ولكنَّ هناك قدرًا من التشكك لدى البلدين بخصوص نجاح هذه المبادرة واستمرارها، وإمكانية تنفيذ بنودها كاملة، بالإضافة الي عدم رغبة البلدين فى التورط فى أي التزامات عسكرية أو اقتصادية تجاه غزة، وعدم حماستهما التقليدية للمشاركة في أي جهد تقوده الولايات المتحدة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير