مقالات المركز

“دولة إسرائيل الكبرى” بين حلم يهودي ورفض عربي


  • 20 أغسطس 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: kurdistan24

أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إشعال الجدل من جديد بعد أن أعلن تأييده العلني لرؤية “إسرائيل الكبرى”، وهي فكرة متجذرة في الروايات التوراتية والتلمودية، ولطالما ارتبطت بالطموحات التوسعية. ففي لحظة لافتة، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر (أيلول) 2023، عرض نتنياهو خريطة لإسرائيل تضم غزة والضفة الغربية، في تأكيد جريء للمطالب الإقليمية.

وقد تبنّى هذه الفكرة اليمين الإسرائيلي المتطرف، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب “الصهيونية الدينية”، وزير المالية الحالي. ففي عام 2016، صرّح سموتريتش بأن حدود إسرائيل يجب أن تمتد إلى دمشق، وتشمل أجزاء من ست دول عربية: سوريا، ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر، والسعودية، في إحياء لحلم الدولة الصهيونية الممتدة “من النيل إلى الفرات”.

وجدد سموتريتش هذه الرؤية في خطاب له عام 2023 في باريس، واقفًا إلى جانب خريطة تُظهر “أرض إسرائيل” على أنها تشمل فلسطين التاريخية والأردن. ويشير مصطلح “إسرائيل الكبرى” إلى تفسيرات توسعية متعددة، بعضها يقتصر على فلسطين التاريخية، والبعض الآخر يمتد إلى أراضٍ عربية مجاورة.

اكتسب هذا المفهوم زخمًا بعد حرب الأيام الستة عام 1967، حين احتلت إسرائيل الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية، وشبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان، لكن جذوره الأيديولوجية تعود إلى الصهيونية التنقيحية بقيادة زئيف جابوتنسكي، الأب الروحي لحزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو، والذي دعا إلى وطن يهودي يشمل ضفتي نهر الأردن.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، يشتركان في أمر واحد: كلاهما غير متدين، لكنهما يستفيدان سياسيًّا من التحالف مع المتشددين الدينيين.

ينتمي نتنياهو إلى التيار العلماني في المجتمع اليهودي، وأصوله أوروبية؛ فجده من جهة الأم من ليتوانيا، ووالده بنزيون ميليكوسكي من بولندا. ومع أنه لا يُعرف بالتدين، فقد استخدم الأحزاب اليهودية المتشددة للبقاء في السلطة، وتجنب السجن بتهم فساد.

إذا وافق نتنياهو على صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، فإنه يخاطر بخسارة دعم شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، حزب “الصهيونية الدينية” بقيادة سموتريتش، وحزب “عوتسما يهوديت” بقيادة إيتمار بن غفير، وكلاهما هدد مرارًا بالانسحاب من الحكومة إذا توقفت الحرب على حماس، مما يعني نهاية الحياة السياسية لنتنياهو.

أما ترمب، فبحسب سيرته الذاتية، وشهادات المقربين منه، فلم يُعرف يومًا بأنه شخص متدين، وغالبًا ما كان حضوره للكنائس في مناسبات مثل حفلات الزفاف، أو الجنازات. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الأمريكيين لا يرونه متدينًا، وأقل من نصفهم يصفونه بأنه مسيحي. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أعلن ترمب أنه مسيحي غير طائفي.

وقد استمال ترمب المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة الذين يتبعون الصهيونية المسيحية، ويؤمنون بضرورة دعم إسرائيل دعمًا أعمى لتمهيد الطريق لعودة المسيح.

الصهيونية حركة سياسية أسسها تيودور هرتزل (1860- 1904)، الذي كان يُعد يهوديًّا علمانيًّا. ومن عام 1897 حتى 1917، سعت الحركة إلى استعمار فلسطين لإقامة وطن لليهود، وكان هرتزل يطمح إلى إيجاد دولة يهودية لحل مشكلة معاداة السامية في أوروبا.

كانت فلسطين تحت حكم الدولة العثمانية الإسلامية منذ القرن التاسع عشر، وكان اليهود والمسيحيون والمسلمون يعيشون فيها بسلام، لكن السعي نحو استقلال إسرائيل على حساب السكان الأصليين أدى إلى زعزعة استقرار المنطقة، ولم تشهد السلام منذ ذلك الحين.

أثارت تصريحات نتنياهو موجة من الإدانة في العالم العربي والإسلامي؛ ففي بيان مشترك، أدان وزراء خارجية وقادة أكثر من 30 دولة، من بينها مصر والأردن والسعودية وسوريا وتركيا، هذه التصريحات، واعتبروها “انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتهديدًا مباشرًا للسلام الإقليمي والعالمي”.

وطالبت وزارة الخارجية المصرية بتوضيح، محذرة من أن هذا الخطاب يقوّض الاستقرار، ويرفض الحلول السلمية. ووصف الأردن التصريحات بأنها “استفزازية وخطيرة”، فيما رأتها قطر جزءًا من “إستراتيجية احتلال متغطرسة ومزعزعة للاستقرار”.

وأدان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البدوي، التصريحات واعتبرها “انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة، واعتداءً على سيادة الدول”، مؤكدًا ضرورة وجود رد دولي موحد لمواجهة هذه الأجندات التوسعية.

وفي مقابلة تليفزيونية مع قناة “i24” الإسرائيلية، أكد نتنياهو دعمه لرؤية “إسرائيل الكبرى”، واصفًا إياها بأنها “مهمة روحية وتاريخية”، وتحدث عن إرث الجيل المؤسس لإسرائيل، ودوره في ضمان استمراريته.

وقد أثارت المقابلة جدلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حذر المعلقون العرب من الطموحات التوسعية لإسرائيل. وتساءل السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي عن صمت العالم العربي، فيما وصف إعلاميون مصريون تصريحات نتنياهو بأنها متهورة ومزعزعة للاستقرار.

وقد زادت التطورات العسكرية حدة التوتر، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخرًا خططًا لاحتلال مدينة غزة، في انسجام مع خطاب نتنياهو السياسي؛ مما أثار مخاوف من تصعيد إضافي.

أعادت تصريحات نتنياهو إشعال المخاوف من زعزعة الاستقرار الإقليمي، وأثارت شكوكًا بشأن جدوى الاتفاقيات السلمية القائمة. ويرى محللون أن خطابه يهدف إلى حشد الدعم الداخلي في ظل العزلة الدولية بسبب أفعال إسرائيل في غزة والضفة الغربية.

وفي بيان شديد اللهجة، رفضت السعودية رؤية “إسرائيل الكبرى”، وأكدت حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وحذرت المملكة من الأخطار التي تشكلها انتهاكات إسرائيل المستمرة للمعايير الدولية، ودعت إلى تضامن عالمي من أجل الحفاظ على السلام والسيادة.

وفي عام 1973، فرض الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود حظرًا على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة لإسرائيل، واستخدم النفط لدعم القضية الفلسطينية، وكان يأمل أن تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.

وفي ظل غياب موقف عربي لديه القدرة والإرادة، تحوّل النقاش من إنهاء الاحتلال إلى كيفية إنهاء الإبادة الجماعية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع