كما كان متوقعًا، ووفقًا للدستور الروسي، كان على حكومة ميسوشتين تقديم استقالتها بعد 15 يومًا من تنصيب الرئيس، وهو ما حدث بالفعل؛ فقد أعلن الكرملين تقديم الحكومة استقالتها قبل أن يعلن أن بوتين إعادة الثقة برئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين من أجل تكوين حكومة جديدة .
برز اسم ميشوستين على ساحة السياسية الروسية عندما اختاره بوتين لتولي رئاسة مجلس الوزراء في عام 2020، وقد واجه الرجل منذ قدومه تحديات كبيرة، بدءًا بجائحة كورونا، وما سببته من اضطرابات كبيرة في اقتصادات الدول، مرورًا بالعقوبات الغربية على روسيا مع بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ومع ذلك حقق الرجل وجهازه التنفيذي نتائج كبيرة، جعلته رجل المهام الصعبة، والكفاءة التي يتكئ عليها الكرملين في إدارة أمور الداخل الروسي .
كلها أسباب جعلت الخبير الاقتصادي المرشح الأول لقيادة دفة أول حكومة بعد الاستحقاق الانتخابي الذي فاز به فلادمير بوتين بولاية رئاسية تمتد حتى سنة 2030 .
من ناحية الشكل، تضم الحكومة الحالية- بالإضافة إلى رئيسها- 10 نواب لرئيس الوزراء، وهم يمثلون صفوة الكفاءة الروسية ذات التكوين العالي، والخبرة المهنية الطويلة، وهنا يجدر ذكر أن النائب الأول لرئيس الوزراء دنيس مانتوروف، قد رُقي إلى هذا المنصب الرفيع اعترفًا بكفاءته.
يقدم خمسة وزراء من الحكومة الحالية- وفقًا للقانون الروسي- تقاريرهم مباشرة إلى الرئيس، وهم وزراء الداخلية، والخارجية، والدفاع، وحالات الطوارئ، والعدل، ويشرف على أنشطة البقية رئيس الوزراء .
حافظ رأس الدبلوماسية الروسية المخضرم سيرغي لافروف على منصبه الذي تولاه منذ عام 2004، وهو دليل على الثقة الكبيرة التي يحظى بها لافروف في الكرملين، حيث أثبت قدرة على قيادة دفة الدبلوماسية الروسية في ظروف جيوسياسية حساسة، ابتداء من التوترات مع المنظومة الغربية، مرورًا بالأزمة الأوكرانية، وصولًا في النهج الجديد الذي تقوده وزارة الخارجية في خلق حلفاء جدد، خاصةً دول الجنوب العالمي في آسيا وإفريقيا.
واحتفظ عدد من الوزراء بمناصبهم في الحكومة الجديدة، وهم :
في الشق المدني للحكومة، برز قدوم وجوه جديدة دُعمت الحكومة بهم، وهو نهج ربما يريد منه الكرملين إضفاء مزيد من الحيوية على أداء الحكومة، وجاءت الأسماء على النحو التالي :
– وزير النقل؛ رومان ستاروفويت
– وزير الصناعة والتجارة؛ أنطون أليخانوف
– وزير الطاقة؛ سيرغي تسيفيليف
– وزيرة الزراعة،؛ أوكسانا لوت
– وزير الرياضة، ميخائيل ديغتياريوف
وعلى مستوى الأجهزة الأمنية، برزت التغييرات الأهم، حيث قدم لاعبون جدد، ورحل مخضرمون، أو عُيّنُوا في مناصب جديدة .
وجاءت التغييرات على النحو التالي :
* فلاديمير كولوكولتسيف لمنصب وزير الداخلية.
* ألكسندر كورينكوف لمنصب وزير الطوارئ.
* أندريه بيلاوسوف لمنصب وزير الدفاع.
* قسطنطين تشويشينكو لمنصب وزير العدل.
* سيرغي ناريشكين لمنصب مدير جهاز المخابرات الخارجية.
* ألكسندر بورتنيكوف لمنصب مدير جهاز الأمن الفيدرالي.
وعُين وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو سكرتيرًا لمجلس الأمن الروسي، وهو منصب رفيع، لا يقل أهميةً في الجهاز الحكومي الروسي، وفي تراتبية الصنع القرار .
كذلك حافظ رئيس الأركان العامة للقوات الروسية فاليري غيراسيموف على منصبه .
كما عُيِّنَ السكرتير العام لمجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف مساعدًا للرئيس، ضمن التغييرات في الإدارة الرئاسية التي لا تقل أهميةً عن التغييرات في الجهاز التنفيذي.
الحدث الأبرز في تشكيلة الحكومة الجديدة، الذي وجهت كل التحليلات والأنظار إليه، هو تعيين الخبير الاقتصادي والنائب الأول لرئيس الوزراء أندريه بيلوسوف في منصب وزير الدفاع، ليصبح بذلك أبرز تعديل تجريه روسيا على القيادة العسكرية منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
وُلد بيلوسوف في 17 مارس (آذار) 1959، في موسكو، في عائلة رجل الاقتصاد السوفيتي المشارك في تطوير الإصلاح الاقتصادي في الستينيات، ريم بيلوسوف (1926- 2008)، وعلى خطاه درس بيلوسوف الاقتصاد، وحصل على درجة الدكتوراة في العلوم الاقتصادية من كلية الاقتصاد بجامعة موسكو، سنة 1986.
ومن عام 2006 إلى عام 2008 شغل رجل منصب نائب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة في الاتحاد الروسي .
قبل أن يرتقي إلى المنصب الأعلى داخل الوزارة، حيث عُين وزيرًا للتنمية الاقتصادية من مايو 2012 حتى يونيو 2013 .
ونظرًا إلى نجاحات الرجل، وما عرف عنه في الأوساط الحكومية من انضباط وصرامة في الأداء، وقبل كل ذلك سجله المالي الخالي من الفساد، عينه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 يناير (كانون الثاني) 2020 في منصب النائب الأول لرئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين.
خلال مشواره الأكاديمي ألف أندريه بيلوسوف كتابًا عناونه “تطور نظام إعادة إنتاج الاقتصاد الروسي.. من الأزمة إلى التنمية” (2006).
من خلال استقراء السيرة الذاتية لرجل الاقتصاد الذي أصبح وزيرًا للدفاع، يمكن فهم أنه اختيار بوتين بالدرجة الأولى، حيث كان للجانب الشخصي، وسمات الانضباط والصرامة والقوة والنظافة، دور مهم في اختياره، وجعلت الكرملين مقتنعًا أنه رجل المرحلة، والقادر على إعادة الانضباط إلى الوزارة التي ربما تشوهت صورتها في الآونة الأخيرة مع قضايا فساد طالت كبار معاوني وزير الدفاع السابق شويغو، وما زال القضاء الروسي يحقق فيها .
في أول تصريح علني له في مجلس الدوما الروسي، قال بيلوسوف إنه لديه مبدأ يلتزم به، ويمثل البوصلة التي سيَّرَ بها معظم المهام والمناصب التي تولاها، وهو: “من الممكن ارتكاب الأخطاء، لكن الكذب ممنوع”، وهذا يعطينا ملمحًا عن شخصية وزير الدفاع الجديد .
أراد الكرملين من تعيين اقتصادي على رأس وزارة الدفاع إدراك اللحظة الحالية، وزيادة الإنفاق الدفاعي، وهو ما تشير إليه أرقام ميزانية الاتحاد الروسي، حيث ارتفعت ميزانية الدفاع إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي- بكل تأكيد- قابلة للزيادة في ظل وضع جيوسياسي حساس تمر به الدولة الروسية .
كذالك يراد من تعيين ييلوسوف إضفاء مزيد من الحيوية داخل المجمع الصناعي العسكري الروسي، والانفتاح على الابتكارات الجديدة، والتركيز على إدخال مزيد من التكنولوجيا والصناعات الحديثة، وخاصةً صناعة الطائرات بدون الطيار .
تعكس التغييرات المحدودة داخل البيت الحكومي الروسي حالة رضا الكرملين العام عن أداء معظم الوزراء، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، في حين أُريد من تعيين وجوه جديدة إضفاء ديناميكية وحيوية جديدة على الأداء العام للجهاز الحكومي، ورفع مستواه في ظل تحدٍّ وجودي تمر به الدولة الروسية.
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.