إستراتيجيات عسكريةمقالات المركز

تطويق إسرائيل.. الشراكة الباكستانية الأردنية في مواجهة الهند


  • 28 أكتوبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: ammonnews

تبرز زيارة المشير عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، إلى المملكة الأردنية الهاشمية، في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2025، حدثًا يحمل دلالات إستراتيجية عميقة. هذه الزيارة، التي جاءت في سياق جولة إقليمية شملت مصر قبل ذلك، لم تكن مجرد تبادل للزيارات العسكرية الروتينية، بل كانت تعبيرًا عن رؤية باكستانية مدروسة لتعزيز الشراكات الإقليمية في مواجهة التحديات الأمنية الناشئة عن التحالف الإستراتيجي المتزايد بين إسرائيل والهند. يُعد هذا التحالف، الذي تمتد جذوره إلى عقود مضت، ويشهد تطورًا مستمرًا في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والدبلوماسية، تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الباكستاني؛ فإسرائيل، بتكنولوجيتها المتقدمة في الطائرات بدون طيار، والأنظمة الإلكترونية، والدفاع الصاروخي، توفر للهند أدوات حاسمة في النزاعات الحدودية، خاصة قضية كشمير، مما يعزز قدرات نيودلهي في مواجهة باكستان.

في هذا السياق، يأتي تعزيز الروابط مع الأردن، الذي يحتل موقعًا جيوسياسيًّا حيويًّا في قلب الشرق الأوسط، ويحافظ على توازن دقيق تجاه القضية الفلسطينية والعلاقات مع الدول العربية، كخطوة نحو بناء شبكة تحالفات تشكل نوعًا من “التطويق” الإستراتيجي لإسرائيل. هذا التطويق ليس عسكريًّا بحتًا، بل يشمل أبعادًا دبلوماسية وثقافية واقتصادية، تهدف إلى إعاقة حركة إسرائيل في دعم حليفتها الهندية، وإعادة تشكيل التوازن الإقليمي لصالح الدول الإسلامية.

تاريخيًّا، بُنيت العلاقات بين باكستان والأردن على أسس متينة من الإيمان المشترك والمصالح الإقليمية المترابطة، لكن الزيارة الأخيرة تضيف طبقة جديدة من التعقيد الإستراتيجي إلى هذه الروابط. خلال اللقاء مع الملك عبد الله الثاني في مقر القوات المسلحة الأردنية يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أكد الجانبان التزامهما بتعزيز التعاون الدفاعي والأمني، مع التركيز على تبادل الخبرات العسكرية والتدريبات المشتركة، بالإضافة إلى مناقشة التحديات الإقليمية المشتركة. أشاد الملك عبد الله بدور الجيش الباكستاني في تعزيز السلام الإقليمي، معتبرًا الروابط بين القوتين المسلحتين “عميقة الجذور وتاريخية”، في حين أعرب المشير منير عن التزام إسلام آباد بتعميق الشراكة الدفاعية لمواجهة التهديدات المعاصرة. هذا اللقاء، الذي شمل أيضًا اجتماعًا مع رئيس أركان الجيش الأردني الجنرال يوسف أحمد الحنيطي، يعكس رغبة مشتركة في توسيع التعاون إلى مجالات مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني، مما يجعل الزيارة جزءًا من إستراتيجية أوسع للدبلوماسية الإسلامية الموحدة.

من الناحية النظرية، يمكن تفسير هذه الزيارة من خلال نموذج التوازن الإستراتيجي في نظرية العلاقات الدولية، كما طوره كينيث والتز، حيث تسعى الدول المتوسطة الحجم، مثل باكستان والأردن، إلى بناء تحالفات متعددة الأبعاد لمواجهة القوى الكبرى والتحالفات المعادية. باكستان، التي تواجه ضغوطًا اقتصادية داخلية حادة ناتجة عن التضخم والديون الخارجية، بالإضافة إلى تهديدات أمنية خارجية متعلقة بالحدود مع أفغانستان والهند، تجد في تعزيز الروابط مع الأردن فرصة للتنويع الدبلوماسي بعيدًا عن الاعتماد الزائد على الصين أو الولايات المتحدة.

أما الأردن، الذي يعاني تحديات اقتصادية مماثلة، منها ارتفاع معدلات البطالة، والاعتماد على المساعدات الدولية، وأمنية متعلقة بتدفق اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وتوترات الحدود، فيستفيد من الشراكة العسكرية الباكستانية لتعزيز قدراته الدفاعية دون الوقوع في فخ التبعية لأي طرف وحيد. هكذا، تتحول الزيارة من حدث ثنائي محدود إلى عنصر أساسي في لعبة إقليمية أكبر، حيث يصبح التطويق الإستراتيجي لإسرائيل أداة فعالة لإضعاف نفوذ الهند في المنطقة، وتعزيز الاستقرار الإسلامي ككل.

بالإضافة إلى ذلك، يأتي هذا التطور في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات جذرية، مثل تصاعد التوترات بشأن غزة والضفة الغربية، مما يجعل الأردن، بوصفه حارسًا للأماكن المقدسة، ووسيطًا إقليميًّا، شريكًا مثاليًّا لباكستان في دعم القضية الفلسطينية. من خلال هذه الشراكة، تسعى إسلام آباد إلى إعادة صياغة دورها كقائدة للعالم الإسلامي، بعيدًا عن الاعتماد على التحالفات التقليدية، وفي مواجهة للتحالف الهندي الإسرائيلي الذي يُنظر إليه على أنه محاولة لعزل الدول المسلمة.

تاريخ العلاقات الباكستانية الأردنية.. أسس الشراكة الإستراتيجية

تعود جذور العلاقات بين باكستان والأردن إلى أوائل الستينيات من القرن العشرين، حين بدأت الدولتان في بناء روابط دبلوماسية تعكس الإيمان المشترك والمصالح الإقليمية المترابطة. مع استقلال باكستان عام 1947، الذي جاء بعد تقسيم الهند البريطانية، وتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946، تحت قيادة الملك عبد الله بن الحسين، أدركت الدولتان سريعًا أهمية التعاون في مواجهة التحديات الاستعمارية المتبقية، والتوترات الإقليمية الناشئة. في ذلك الوقت، كانت باكستان جزءًا من حلف بغداد الذي شُكل عام 1955 كجزء من السياسة الغربية لاحتواء الشيوعية، في حين كان الأردن يحافظ على توازن دقيق بين الغرب والعالم العربي، مما مهد الطريق لتبادل الزيارات الدبلوماسية الأولى. كانت هذه الزيارات تركز على الدعم المتبادل في المنتديات الدولية، مثل الأمم المتحدة، حيث دعم الأردن موقف باكستان في قضية كشمير، مقابل دعم باكستان للأردن في مواجهة الضغوط السورية والعراقية.

بحلول السبعينيات، تطورت هذه الروابط إلى تعاون عسكري ملموس، حيث أرسلت باكستان ضباطًا تدريبيين إلى الأردن لتعزيز قدرات الجيش الأردني في مجالات القتال البري واللوجستيات. كان هذا التعاون ضروريًّا في سياق أيلول الأسود عام 1970، حين واجه الملك حسين تحديًا داخليًّا من الفصائل الفلسطينية، وتقدمت القوات الباكستانية بدعم لوجستي محدود للحفاظ على الاستقرار. على الرغم من الجدل بشأن دور باكستان في تلك الأحداث، فإنها عززت الثقة المتبادلة، حيث أصبح الجيش الباكستاني شريكًا موثوقًا به في بناء القدرات الدفاعية الأردنية. في المقابل، استضاف الأردن طلابًا باكستانيين في جامعاته لدراسة الطب والهندسة، مما أسس لروابط تعليمية طويلة الأمد.

خلال الثمانينيات، شهدت العلاقات دفعة قوية بفضل الدعم المتبادل في القضايا الإسلامية، مثل دعم الأردن موقف باكستان في أفغانستان في أثناء الغزو السوفيتي عام 1979. كانت باكستان، بوصفها قوة إقليمية مسلمة رئيسة، توفر دعمًا لوجستيًّا وعسكريًّا للأردن في مواجهة التوترات مع سوريا، في حين كان الأردن يؤدي دورًا في تعزيز الروابط الاقتصادية من خلال تسهيل الاستثمارات الباكستانية في الخليج، مثل تصدير الأرز والنسيج الباكستاني مقابل الفوسفات الأردني. في التسعينيات، مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وصعود التهديدات الإرهابية العابرة للحدود، أصبح التعاون الأمني أكثر أهمية وتنظيمًا. أُنشئت لجان مشتركة لمكافحة الإرهاب، وتم تبادل المعلومات الاستخباراتية بانتظام، مما ساعد كلا البلدين على التعامل مع الشبكات الإرهابية الناشئة في أفغانستان والشرق الأوسط.

كما أساهم التعاون في بعثات حفظ السلام الدولية، حيث شاركت القوات الباكستانية والأردنية معًا في عمليات الأمم المتحدة في البوسنة والصومال، مما عزز التنسيق العسكري. اقتصاديًّا، بلغ حجم التجارة بين البلدين مئات الملايين من الدولارات سنويًّا بحلول نهاية العقد، مع التركيز على المنتجات الزراعية الباكستانية، مثل القطن والأرز، مقابل المعادن الأردنية مثل البوتاس. هذه الفترة شهدت أيضًا زيارات رسمية متكررة، مثل زيارة الملك حسين إلى إسلام آباد عام 1997، حيث وُقعت اتفاقيات في مجال الطاقة والمياه، تعكس الاهتمام المشترك بالتنمية المستدامة.

مع دخول القرن الحادي والعشرين، تعمقت الشراكة الاقتصادية والثقافية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي أجبرت الدولتين على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. في عام 2001، زار قادة باكستانيون عمّان لمناقشة التعاون الكامل، حيث أشاد الملك عبد الله الثاني بالروابط “العميقة والقوية والتاريخية”، مما أدى إلى توقيع مذكرات تفاهم في الدفاع والتعليم. الزيارات اللاحقة، مثل تلك التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى عمان عام 2019، ركزت على الاتفاقيات التجارية والثقافية، ومنها تسهيل التأشيرات للعمال الباكستانيين في الأردن. عسكريًّا، شارك الجيش الباكستاني في تدريبات مشتركة سنوية في الأردن، مثل تمرين “الدرع الإسلامية”، الذي يركز على الدفاع الجوي والبري، وتقدم الأردن دعمًا لوجستيًّا للقوات الباكستانية في بعثات حفظ السلام في مالي وليبيا.

ومع ذلك، لم تكن العلاقات خالية من التحديات. أزمة الخليج عام 1990، حيث اتخذ الأردن موقفًا محايدًا تجاه الغزو العراقي للكويت، أثرت مؤقتًا في الثقة المتبادلة، مما أدى إلى تباطؤ في التبادلات الاقتصادية. كما أن الضغوط الاقتصادية في كلا البلدين، ومنها الديون الخارجية المتزايدة، والاعتماد على المساعدات الغربية، حدت من الاستثمارات المشتركة في المشروعات الكبرى، مثل الطاقة الشمسية أو الزراعة المائية. بالإضافة إلى ذلك، أثرت جائحة كوفيد- 19 عام 2020 في الروابط، حيث أدت الإغلاقات إلى انخفاض التجارة بنسبة 30%، لكنها أبرزت أهمية التعاون الصحي، مع تبادل باكستان للأدوية واللقاحات مع الأردن.

ثقافيًّا ودينيًّا، بقيت الروابط عمادًا قويًّا، حيث يعيش آلاف الباكستانيين في الأردن عمالًا وطلابًا، ويتمتع الملك عبد الله الثاني باحترام كبير في إسلام آباد بسبب دوره في تعزيز الاعتدال الإسلامي، ومبادراته في مكافحة التطرف. في السنوات الأخيرة، خاصة بعد 2020، شهدت العلاقات تناميًا ملحوظًا، مع التركيز على التعاون في الطاقة المتجددة والتعليم عن بُعد. الزيارة الأخيرة للمشير منير تضع هذه الروابط في سياق إستراتيجي جديد، حيث يصبح التعاون العسكري أداة رئيسة لمواجهة التهديدات المشتركة، مثل الإرهاب الإلكتروني، والنزاعات الحدودية. هذا التطور يعكس تحولًا في السياسة الخارجية الباكستانية، من التركيز على الشرق الأوسط التقليدي إلى بناء تحالفات متعددة الأبعاد، تجمع بين الدفاع والاقتصاد والدبلوماسية، لضمان الاستقرار في عالم غير مستقر.

السياق الإقليمي.. التحالف الهندي الإسرائيلي بوصفه تهديدًا للأمن الباكستاني

يُعد التحالف الإستراتيجي بين الهند وإسرائيل من أبرز التطورات في الجيوسياسية الآسيوية والشرق أوسطية خلال العقود الأخيرة، وهو يمثل تحديًا مباشرًا ومستمرًا للأمن القومي الباكستاني. بدأ هذا التحالف رسميًّا مع الاعتراف الهندي بإسرائيل عام 1992، بعد عقود من التوترات الناتجة عن الدعم الهندي التاريخي للقضية الفلسطينية، لكنه تسارع في العقدين التاليين ليشمل مجالات الدفاع، والتكنولوجيا، والدبلوماسية. اليوم، يعتمد هذا التحالف على تبادل عسكري كبير، حيث أصبحت الهند أكبر عميل لإسرائيل في تصدير الأسلحة، مع صفقات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات سنويًّا.

توفر إسرائيل للهند أنظمة دفاع جوي متقدمة، مثل نظام “باراك”، وطائرات بدون طيار، مثل “هيرميس”، بالإضافة إلى تقنيات الاستطلاع والحرب الإلكترونية، مما يعزز قدرات نيودلهي في النزاعات الحدودية. هذا التعاون ليس اقتصاديًّا فحسب؛ بل يمتد إلى الرؤى السياسية المشتركة، حيث تتشارك الدولتان مخاوف من “الإرهاب الإسلامي”، مما يجعلهما حليفتين قويتين في مواجهة الدول المسلمة، مثل باكستان وتركيا.

فيما يتعلق بباكستان، يُترجم هذا التحالف إلى تهديد وجودي يهدد التوازن الإستراتيجي في جنوب آسيا. خلال حرب كارجيل عام 1999 -على سبيل المثال- ساعدت إسرائيل الهند بتقنيات استطلاع متقدمة، مما غير مجرى النزاع لصالح نيودلهي، وأدى إلى خسائر باكستانية كبيرة. في السنوات الأخيرة، مع تصاعد التوترات بشأن كشمير بعد إلغاء المادة 370 عام 2019، أصبحت التكنولوجيا الإسرائيلية أداة رئيسة في إستراتيجية الهند لتعزيز السيطرة على الحدود، بما في ذلك نشر طائرات بدون طيار للرصد والضربات الدقيقة.

كما أن التعاون النووي غير المباشر، حيث توفر إسرائيل خبرات في الدفاع الصاروخي، مثل نظام “القبة الحديدية”، يثير قلق إسلام آباد بشأن التوازن النووي الهش في المنطقة، حيث تمتلك باكستان ترسانة نووية دفاعية لمواجهة التفوق الهندي التقليدي. هذا التحالف يعزز أيضًا النفوذ الدبلوماسي للهند في الشرق الأوسط، حيث تسعى نيودلهي إلى بناء علاقات مع الدول العربية، مثل الإمارات والسعودية، لعزل باكستان من خلال اتفاقيات مثل “أبراهام أكوردز”، التي شملت تعاونًا اقتصاديًّا وأمنيًّا.

في هذا السياق، تُصبح سياسة باكستان الخارجية رد فعل دفاعيًّا مدروسًا، يهدف إلى بناء تحالفات مضادة لمواجهة هذا التحالف. الشراكة مع الصين هي العمود الفقري لهذه الإستراتيجية، من خلال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يوفر دعمًا عسكريًّا واقتصاديًّا، لكن التركيز على الدول الإسلامية، مثل الأردن والسعودية، يضيف بُعدًا إقليميًّا حاسمًا. الأردن، بموقعه الجغرافي القريب من إسرائيل، ودوره التاريخي في القضية الفلسطينية، يمثل نقطة ضغط مثالية لباكستان. من خلال تعزيز الروابط العسكرية، يمكن لإسلام آباد المشاركة في تدريبات مشتركة تركز على مواجهة التهديدات الإلكترونية والجوية، مما يعوق قدرة إسرائيل على نقل خبراتها إلى الهند دون عوائق إقليمية. على سبيل المثال، يمكن أن تشمل هذه التدريبات محاكاة لسيناريوهات الدفاع ضد الطائرات بدون طيار، مستفيدة من الخبرة الباكستانية في مواجهة الهجمات الهندية.

بالإضافة إلى ذلك، يسهم هذا التحالف الباكستاني الأردني في تعزيز الدبلوماسية الإسلامية على المستوى الدولي. باكستان، بوصفها قائدة تاريخية لمنظمة التعاون الإسلامي منذ تأسيسها عام 1969، تستخدم علاقاتها مع الأردن لدعم المواقف المشتركة ضد الاحتلال الإسرائيلي، سواء في مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا الضغط الدبلوماسي يضعف الشرعية الدولية للتحالف الهندي الإسرائيلي، خاصة في ظل التوترات الحالية بشأن غزة، حيث تُتهم إسرائيل بانتهاكات حقوقية، مما يجعل دعمها للهند أمرًا مثيرًا للجدل. اقتصاديًّا، يسعى التحالف إلى إضعاف التجارة الهندية الإسرائيلية، التي بلغت 10 مليارات دولار عام 2024، من خلال تعزيز التجارة الإسلامية البديلة، مثل مشروعات الطاقة بين باكستان والأردن. هكذا، لا يصبح التطويق عسكريًّا فحسب؛ بل دبلوماسيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، يهدف إلى عزل إسرائيل في المنطقة العربية والإسلامية، وإعادة توجيه التوازن لصالح باكستان في مواجهة الهند.

بالإضافة إلى الجوانب العسكرية، يمتد التحدي إلى المجال السيبراني، حيث تتعاون الهند وإسرائيل في تطوير أنظمة دفاع إلكتروني متقدمة، مما يهدد القدرات الباكستانية في الحرب الهجينة. في الرد، تعتمد باكستان على شراكاتها الإقليمية لتطوير قدراتها الخاصة، مستفيدة من الخبرة الأردنية في الأمن السيبراني الناتج عن التعاون مع الولايات المتحدة. هذا السياق يجعل الزيارة الأخيرة خطوة حاسمة في إستراتيجية باكستانية أوسع للتوازن الإستراتيجي.

الزيارة.. خطوة نحو التطويق الإستراتيجي

تمثل زيارة المشير عاصم منير إلى الأردن في 26-27 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 ذروة إستراتيجية باكستانية مدروسة تهدف إلى تطويق إسرائيل من خلال شبكة من التحالفات الإقليمية المتينة. خلال الزيارة، التي بدأت باستقبال رسمي في مقر القوات المسلحة الأردنية، مع عرض حرس شرف، أكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون الدفاعي، بما في ذلك التدريبات المشتركة، والتبادل الاستخباراتي بشأن التهديدات الإرهابية. هذا اللقاء مع الملك عبد الله الثاني، الذي جاء بعد زيارة مصر، حيث التقى بالرئيس عبد الفتاح السيسي، يشير إلى جولة إقليمية أوسع تهدف إلى بناء “محور إسلامي” يواجه التحالفات المعادية، مثل الهند- إسرائيل. أعرب الملك عن تقديره لدور باكستان في السلام الإقليمي، في حين أكد المشير منير التزام إسلام آباد بتعميق الشراكة لمواجهة التحديات المشتركة، مثل النزاعات الحدودية، والإرهاب.

من الناحية العسكرية، تسمح هذه الزيارة بتوسيع القدرات المشتركة. الجيش الباكستاني، بتجربته الواسعة في مكافحة الإرهاب في المناطق القبلية، وفي الحروب غير المتكافئة مع الهند، يقدم خبرات قيمة للأردن، الذي يواجه تهديدات حدودية من سوريا والعراق. في المقابل، يستفيد الباكستانيون من الموقع الأردني الإستراتيجي لإجراء تدريبات قريبة من الشرق الأوسط، مما يعزز قدرتهم على الرد على التهديدات الإسرائيلية غير المباشرة، مثل نقل التكنولوجيا إلى الهند. يمكن أن يشمل هذا التعاون تطوير أنظمة دفاعية مشتركة، مثل الرادارات المتقدمة، والطائرات بدون طيار المضادة، لمواجهة التكنولوجيا الإسرائيلية المقدمة لنيودلهي. كما ناقش الجانبان توسيع التعاون في الأمن السيبراني، حيث يمكن للخبرة الباكستانية في مواجهة الهجمات الهندية أن تساعد الأردن على حماية بنيته التحتية.

دبلوماسيًّا، تعزز الزيارة الموقف الأردني تجاه القضية الفلسطينية، حيث يدعم باكستان دائمًا الحقوق الفلسطينية في المنتديات الدولية، مما يضغط على إسرائيل للتراجع عن دعمها للهند في قضايا مثل كشمير. هذا الضغط يفتح الباب لاتفاقيات ثلاثية أو رباعية مع دول أخرى، مثل تركيا أو السعودية، مما يشكل حلقة تطويق حول إسرائيل جغرافيًّا ودبلوماسيًّا. اقتصاديًّا، أشارت المناقشات إلى تعزيز التجارة، مع التركيز على الاستثمارات في الطاقة والزراعة، لكن الجانب الإستراتيجي يبقى الأبرز، حيث يصبح التعاون العسكري أداة للتنمية المشتركة، بعيدًا عن الاعتماد على الغرب. في الختام، تُعد الزيارة خطوة تكتيكية نحو إستراتيجية طويلة الأمد، تعتمد على الروابط التاريخية لمواجهة التحديات المعاصرة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع