تقدير موقف

تصاعد الصراع بين حزب الله وإسرائيل وتأثيره في مستقبل المنطقة


  • 25 سبتمبر 2024

شارك الموضوع

يعدّ الصراع بين حزب الله وإسرائيل من أكثر المواجهات المعقدة في الشرق الأوسط الحديث. منذ تأسيس حزب الله في الثمانينيات، تطورت هذه المواجهة لتشمل أبعادًا سياسية، ودينية، واقتصادية، تتجاوز نطاق النزاعات العسكرية التقليدية. حزب الله، الذي يُعَدّ لاعبًا رئيسًا في لبنان، ويمتلك دعمًا قويًّا من إيران وسوريا، تحول إلى قوة فاعلة في محور المقاومة ضد إسرائيل، معتمدًا على أيديولوجيا “المقاومة الإسلامية” التي تأخذ جذورها من التيار الشيعي الاثني عشري.

منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، تحول جنوب لبنان إلى ساحة أساسية للصراع بين إسرائيل وحزب الله، حيث اضطلع الأخير بدور رئيس في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. في عام 2000، نجح حزب الله في دفع الجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من جنوب لبنان؛ مما عزز مكانته بوصفه حركة مقاومة شعبية بين كثيرين في العالم العربي والإسلامي. ومع ذلك، فإن الدور المتنامي لحزب الله لا يرتبط بالمقاومة ضد إسرائيل فحسب؛ بل يتعلق أيضًا بسياق أوسع من الصراع الجيوسياسي في المنطقة، خاصة مع توسع نفوذ إيران في الشرق الأوسط عبر وكلائها الإقليميين، ومنهم حزب الله.

الصراع المستمر بين حزب الله وإسرائيل لا يتسم فقط بالحروب العسكرية المباشرة، كما كانت الحال في حرب 2006؛ بل يشمل أيضًا حربًا غير تقليدية من خلال العمليات السرية، والهجمات الصاروخية، والمناورات السياسية. لهذا الصراع تأثيرات كبيرة في مستقبل المنطقة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية بين إيران وإسرائيل، والتنافس على النفوذ في سوريا ولبنان. يعتمد استقرار المنطقة على القدرة على تحقيق توازن بين المصالح الدولية والإقليمية، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.

في هذا السياق، تبرز أسئلة حاسمة عن مستقبل الصراع بين حزب الله وإسرائيل. هل يمكن أن يتحول هذا الصراع إلى مواجهة شاملة جديدة، أم أن الإستراتيجية الحالية للمناوشات المحدودة ستستمر؟ وما تأثير ذلك في البنية الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط؟ هذه التساؤلات وغيرها تتطلب تحليلًا أكاديميًّا متعمقًا لفهم تطورات الصراع وتداعياته على المدى البعيد.

 الجذور التاريخية للصراع بين حزب الله وإسرائيل

بدأ الصراع بين حزب الله وإسرائيل في الثمانينيات، وهو مرتبط ارتباطًا كبيرًا بالاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. في تلك الفترة، كانت إسرائيل تهدف إلى القضاء على الفصائل الفلسطينية المسلحة التي كانت تتخذ من جنوب لبنان قاعدة لعملياتها ضد إسرائيل، لكن هذا الاجتياح أدى إلى تصاعد مشاعر العداء بين السكان المحليين في جنوب لبنان، وخاصة الطائفة الشيعية، التي شعرت بالإقصاء والتهميش السياسي. هذا السياق أسهم في تأسيس حزب الله بدعم مباشر من إيران، وبمساعدة سوريا، ليكون حركة مقاومة إسلامية تهدف إلى تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي.

تأسس حزب الله في ظل سياق سياسي معقد شمل انسحابًا تدريجيًّا للقوات الإسرائيلية إلى “الشريط الحدودي” في جنوب لبنان، واستمر الصراع بين حزب الله والقوات الإسرائيلية المحتلة لسنوات. وفي عام 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان بعد ضغوط عسكرية مكثفة من مقاتلي حزب الله، مما اعتبره الحزب “نصرًا إلهيًّا”. هذا الانتصار عزز مكانة الحزب في لبنان، وفي المنطقة، حيث صُوّر على أنه قوة مقاومة ناجحة، استطاعت إجبار إسرائيل على الانسحاب دون شروط.

التجربة القتالية التي خاضها الحزب خلال تلك الفترة، ومنها العمليات الاستنزافية ضد الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي (الذي كان حليفًا لإسرائيل)، أسست لمراحل لاحقة من الصراع. ومع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، انتقل حزب الله من كونه مجرد حركة مقاومة إلى لاعب سياسي وعسكري رئيس في لبنان، مع ترسانة متزايدة من الأسلحة والصواريخ، وهو ما جعله يشكل تهديدًا مستمرًا لإسرائيل.

الدعم الإيراني والسوري لحزب الله

منذ تأسيسه في أوائل الثمانينيات، كان الدعم الإيراني والسوري عاملًا حاسمًا في صعود حزب الله وتطوره بوصفه قوة إقليمية بارزة. قدمت إيران، بوصفها الراعي الأساسي للحزب، دعمًا ماليًّا، وعسكريًّا، ولوجستيًّا مستمرًا. هذا الدعم ينبع من أهداف إيران الإستراتيجية في تعزيز نفوذها الإقليمي، ومواجهة الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. من خلال ذراعها العسكرية “فيلق القدس”، التابع للحرس الثوري الإيراني، وفرّت طهران التدريب العسكري والأسلحة المتطورة لحزب الله، بالإضافة إلى مساعدات مالية سخية ساعدت على بناء قدراته العسكرية، والبنية التحتية.

إيران لا ترى حزب الله مجرد حركة مقاومة؛ بل تعدّه جزءًا من “محور المقاومة” الذي تسعى من خلاله إلى تعزيز وجودها الإقليمي. حزب الله يتبنى العقيدة الإيرانية في “ولاية الفقيه”؛ مما يجعله مرتبطًا أيديولوجيًّا وسياسيًّا بنظام الحكم في إيران. وقد ساعدت هذه الروابط الأيديولوجية العميقة في تعزيز العلاقات بين الحزب وطهران، التي تستفيد من الحزب كورقة ضغط إقليمية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما في الشرق الأوسط.

من ناحية أخرى، أدّت سوريا دورًا حيويًّا بوصفها ممرًا للدعم الإيراني لحزب الله. في ظل حكم الرئيس حافظ الأسد، ومن بعده بشار الأسد، قدمت سوريا دعمًا لوجستيًّا وعسكريًّا للحزب، خاصة من خلال السماح بمرور الأسلحة الإيرانية عبر أراضيها إلى لبنان. بالإضافة إلى ذلك، كانت سوريا تقدم ملاذًا آمنًا لقيادات حزب الله، وتوفر لهم الدعم السياسي على الساحة الإقليمية.

دور سوريا تضاعف في فترات التوتر الإقليمي، حيث استخدمت دمشق حزب الله أداةً للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي بشأن قضاياها الخاصة، مثل احتلال الجولان. التعاون السوري- الإيراني في دعم حزب الله يعكس إستراتيجيات مشتركة لمواجهة النفوذ الإسرائيلي في لبنان والمنطقة بشكل عام.

هذا الدعم المشترك من إيران وسوريا أسهم في تعزيز قدرات حزب الله العسكرية؛ مما مكّنه من الوقوف في وجه إسرائيل في حرب 2006، ومواصلة تطوير قدراته الصاروخية. كما سمح للحزب بالتحول إلى لاعب رئيس ليس في لبنان فحسب؛ ولكن في سياسات الشرق الأوسط أيضًا.

تأثير حرب 2006 في ديناميكيات الصراع بين حزب الله وإسرائيل

مثّلت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله نقطة تحول كبيرة في تاريخ الصراع بين الطرفين. بدأت الحرب في يوليو (تموز) 2006، عندما شنت قوات حزب الله هجومًا على جنود إسرائيليين عبر الحدود، ما أدى إلى مقتل ثمانية جنود، وأسر اثنين، وهو ما أشعل الحرب. امتدت الحرب 34 يومًا، وأسفرت عن مقتل نحو ألف ومئتي لبناني، أغلبهم من المدنيين، إلى جانب 165 قتيلًا من الجانب الإسرائيلي، منهم جنود ومدنيون.

هذه الحرب كانت بمنزلة اختبار لقدرات حزب الله العسكرية، حيث أثبت الحزب قدرته على الصمود أمام القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة، واستمر في إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل حتى آخر أيام الحرب. من الناحية العسكرية، أظهرت الحرب أن حزب الله ليس حركة مقاومة صغيرة؛ بل قوة عسكرية قادرة على تهديد العمق الإسرائيلي باستخدام الصواريخ البعيدة المدى التي حصل عليها بدعم إيراني وسوري.

سياسيًّا، عززت الحرب مكانة حزب الله داخل لبنان، حيث صُوّر على أنه القوة التي “أذلت” الجيش الإسرائيلي؛ ما أكسبه شعبية كبيرة في العالم العربي والإسلامي. على الرغم من الدمار الكبير الذي لحق بلبنان، فإن الحزب خرج من الحرب بقوة سياسية وعسكرية متزايدة، حيث استُخدم هذا الصراع لتعزيز نفوذ الحزب داخل الحكومة اللبنانية.

على المستوى الإقليمي، أثرت الحرب تأثيرًا كبيرًا في الحسابات الإستراتيجية في الشرق الأوسط؛ إذ أصبح حزب الله لاعبًا أساسيًّا في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران ضد إسرائيل وحلفائها. وقد زادت التوترات بين إيران وإسرائيل بعد الحرب، خاصة مع توسع نفوذ إيران في المنطقة عبر وكلائها، مثل حزب الله.

لكن من جهة أخرى، أظهرت الحرب أيضًا حدود القوة العسكرية لحزب الله، حيث تكبد الحزب خسائر بشرية كبيرة، ودمرت أجزاء واسعة من البنية التحتية اللبنانية. كما كشفت الحرب عن نقاط ضعف في الدفاعات الإسرائيلية؛ ما دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها الدفاعية والهجومية في التعامل مع حزب الله.

في نهاية المطاف، لم ينتصر أي من الجانبين -على نحو قاطع- في الحرب؛ فبينما لم تستطع إسرائيل القضاء على حزب الله، لم يتمكن الحزب من تحقيق هدفه المتمثل في دفع إسرائيل إلى الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة، لكن الحرب شكّلت مرحلة جديدة من الصراع، حيث تعززت فيها ديناميكيات الصراع العسكري والسياسي في المنطقة؛ ما جعل احتمال تجدد الصراع قائمًا باستمرار.

الأبعاد الجيوسياسية للصراع بين حزب الله وإسرائيل

الصراع بين حزب الله وإسرائيل يتجاوز بكثير الحدود الجغرافية للبنان وإسرائيل، حيث يشمل أبعادًا جيوسياسية متعددة تمتد عبر منطقة الشرق الأوسط ككل. يُعد هذا الصراع جزءًا من المشهد الأكبر للتنافس الإقليمي بين إيران وإسرائيل، وهما القوتان الرئيستان المتنافستان على النفوذ في المنطقة.

المحور الإيراني وحزب الله: تضطلع إيران بدور محوري في دعم حزب الله، ليس فقط بوصفه حركة مقاومة ضد إسرائيل، ولكن بوصفه وكيلًا رئيسًا في إستراتيجيتها لتوسيع نفوذها في المنطقة. إيران تستفيد من وجود حزب الله بوصفه جزءًا من “محور المقاومة”، الذي يضم أيضًا سوريا، وحركات مسلحة أخرى، مثل حماس. هدف هذا المحور هو التصدي للنفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة. من خلال دعم حزب الله، تستطيع إيران ممارسة ضغوط مستمرة على إسرائيل، دون الدخول في مواجهة مباشرة؛ مما يضع إسرائيل في حالة دائمة من التوتر والاستعداد.

دور سوريا: تعد سوريا شريكًا رئيسًا في هذا المحور، حيث قدمت الدعم اللوجستي والعسكري لحزب الله منذ تأسيسه. الجغرافيا السورية تُستخدَم قناةً لنقل الأسلحة والدعم الإيراني إلى الحزب؛ مما يتيح لحزب الله مواصلة تهديداته لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تُعد سوريا جبهة أخرى في الصراع الإسرائيلي- الإيراني، حيث تضطلع بدور حاسم في التوازن الإقليمي، خاصة بعد تورطها في الحرب الأهلية السورية.

إسرائيل وحلفاؤها: من جهة أخرى، تحاول إسرائيل التصدي لنفوذ حزب الله من خلال تعزيز تحالفاتها مع قوى إقليمية ودولية، منها الولايات المتحدة، وبعض الدول العربية. تعتمد إسرائيل اعتمادًا كبيرًا على الدعم العسكري والسياسي من الولايات المتحدة، التي تعدّ حزب الله منظمة إرهابية، وتهديدًا لاستقرار المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تحاول إسرائيل بناء تحالفات جديدة مع بعض الدول العربية في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، وهو ما ظهر في اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي وُقعت بين إسرائيل ودول عربية، مثل الإمارات، والبحرين.

تأثير الحرب السورية: أضافت الحرب الأهلية السورية بعدًا جديدًا لهذا الصراع، حيث تحول حزب الله من مجرد لاعب في الصراع الإسرائيلي اللبناني إلى لاعب إقليمي يحارب في سوريا بجانب القوات الحكومية السورية. هذا التدخل ساعد على تعزيز قدرات حزب الله العسكرية، والخبرات القتالية، ولكنه أيضًا زاد تعقيد العلاقات بين مختلف القوى الإقليمية، ومنها تركيا، وروسيا، والولايات المتحدة، التي لها مصالح متضاربة في سوريا.

تداعيات الصراع على المنطقة: الصراع بين حزب الله وإسرائيل يهدد استقرار المنطقة عامةً، إذ يؤثر في العلاقات الإقليمية، ويسهم في تصعيد التوترات بين القوى الكبرى. تزايد التوتر بين إيران وإسرائيل، خاصة على الأراضي السورية واللبنانية، قد يؤدي إلى مواجهات عسكرية جديدة؛ مما يهدد بجر المنطقة إلى صراع أكبر يشمل عدة دول وقوى إقليمية ودولية.

يبقى الصراع بين حزب الله وإسرائيل محوريًا لفهم التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث تتداخل فيه العوامل الإقليمية والدولية؛ مما يجعله معقدًا ومتشابكًا، ويصعب التنبؤ بمستقبل استقرار المنطقة.

تصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله.. تداعيات انفجارات “البيجر” وتأثيرات هجمات 7 أكتوبر

منذ هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التي شنتها حماس على إسرائيل، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التصعيد العسكري والسياسي. انضم حزب الله إلى الصراع تضامنًا مع حماس؛ مما أدى إلى اشتباكات متكررة بين الحزب وإسرائيل على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية. ومع مرور الوقت، تصاعدت المواجهات بين الطرفين إلى مستويات غير مسبوقة، حيث استهدفت إسرائيل بنية حزب الله الاستخباراتية استهدافًا مباشرًا.

في منتصف سبتمبر (أيلول) 2024، وقعت انفجارات كبيرة في لبنان وسوريا استهدفت آلاف أجهزة “البيجر” وأجهزة اللاسلكي التابعة لحزب الله. يُعتقد أن إسرائيل كانت وراء هذه الهجمات، حيث عدّلت الأجهزة الإلكترونية لتفجيرها عن بُعد؛ مما أدى إلى مقتل 42 شخصًا، بينهم 12 مدنيًا، وإصابة أكثر من 3,500 شخص.

خلفية الانفجارات

تأتي هذه الهجمات بعد أن أمر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، باستخدام أجهزة “البيجر” بدلًا من الهواتف الذكية؛ خوفًا من التجسس الإسرائيلي على شبكات الاتصال. وبالفعل، اشترى حزب الله الأجهزة الإلكترونية من مصادر غير معروفة، ولكن التقارير تشير إلى أن المخابرات الإسرائيلية عدّلتها لتحتوي على متفجرات صغيرة داخل البطاريات. هذه الهجمات تشكل انتكاسة كبيرة لحزب الله، حيث تعد واحدة من أكبر الثغرات الأمنية التي واجهها الحزب منذ تأسيسه.

تداعيات الانفجارات

رد حزب الله على هذه الهجمات بشن هجمات صاروخية على شمال إسرائيل؛ مما أسفر عن إصابات في مدن مثل الناصرة، وكريات بياليك. هذه الهجمات تشير إلى أن حزب الله لن يترك الهجوم الإسرائيلي دون رد؛ ما يعني تصعيدًا محتملًا في الصراع. من جهة أخرى، نفت الحكومة الإسرائيلية رسميًّا تورطها المباشر في هذه الانفجارات، لكنها أكدت أن “مرحلة جديدة” من الصراع قد بدأت.

تأثيرات هجمات 7 أكتوبر

الصراع بين حزب الله وإسرائيل لم يبدأ في سبتمبر (أيلول) 2024؛ بل تعود جذوره إلى الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر (تشرين الاول) 2023، عندما شنت حماس هجومًا واسعًا على إسرائيل. انضم حزب الله إلى الصراع في اليوم التالي للهجوم؛ مما أدى إلى تصاعد التوترات على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية. كانت هذه المواجهات تتسم بتبادل النيران عبر الحدود، حيث أطلق حزب الله صواريخ على المواقع العسكرية الإسرائيلية، وردت إسرائيل بقصف أهداف في لبنان وسوريا. وتسببت هذه الهجمات في نزوح آلاف المدنيين من كلا الجانبين.

تداعيات الصراع على مستقبل المنطقة

الصراع المستمر بين حزب الله وإسرائيل يحمل تداعيات خطيرة على مستقبل منطقة الشرق الأوسط. بمرور الوقت، هذا الصراع تجاوز المواجهات المباشرة، وأصبح له أبعاد إقليمية وجيوسياسية واسعة، تتداخل فيها قوى دولية وإقليمية. هذه التداعيات تؤثر في الجوانب السياسية، والاقتصادية، والأمنية للمنطقة.

  1. زعزعة الاستقرار الإقليمي: تصاعد التوترات بين حزب الله وإسرائيل يُعد جزءًا من صراع أوسع يشمل النفوذ الإيراني في المنطقة، وأي تصعيد كبير بين الطرفين قد يؤدي إلى انتشار الصراع ليشمل دولًا أخرى، مثل سوريا والعراق، حيث توجد قوات إيرانية وحلفاء آخرون لإيران. هذا يزيد احتمال اندلاع مواجهات إقليمية أكبر بين إسرائيل و”محور المقاومة” الذي تقوده إيران؛ مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط على نحو أكبر.
  2. التوترات بين القوى العالمية: بما أن الولايات المتحدة تعد الحليف الأساسي لإسرائيل، فإن أي تصعيد جديد قد يؤدي إلى تدخل أمريكي أكبر في الصراع. في المقابل، تضطلع روسيا بدور في دعم النظام السوري، الذي يُعد أحد الحلفاء الرئيسين لحزب الله. هذه الأدوار المتشابكة قد تؤدي إلى توترات بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا؛ مما يزيد تعقيد المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
  3. التأثير في اقتصادات المنطقة: الحروب والصراعات المستمرة تؤثر تأثيرًا كبيرًا في الاقتصادات المحلية في لبنان وسوريا، وفي إسرائيل كذلك. في حالة اندلاع حرب جديدة، قد تتعرض البنية التحتية الحيوية للتدمير؛ مما سيؤدي إلى عرقلة النمو الاقتصادي في هذه الدول، ويزيد نسبة البطالة والفقر في المجتمعات المتضررة. كما قد تؤدي هذه التوترات إلى اضطراب في أسواق النفط والغاز؛ مما يؤثر في الاقتصادات الإقليمية والعالمية.
  4. تأثيرات في العلاقات العربية- الإسرائيلية: تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، كما حدث مع الإمارات والبحرين، قد يتأثر نتيجة تصاعد التوتر مع حزب الله وإيران. الدول التي تبنت نهج التطبيع قد تجد نفسها في موقف صعب بين دعم حليفها الجديد، إسرائيل، أو مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية من الشعوب العربية، أو من حلفاء آخرين معادين لإسرائيل، مثل إيران، وحزب الله.
  5. الهجرة والنزوح: في حال اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله، قد يؤدي ذلك إلى موجات جديدة من النزوح والهجرة، خاصة من لبنان. اللاجئون اللبنانيون والسوريون قد يتدفقون إلى دول الجوار، مثل الأردن أو تركيا؛ مما يزيد الضغط على هذه الدول التي تعاني بالفعل تبعات النزاعات الإقليمية السابقة.

الاستنتاجات

الصراع المستمر بين حزب الله وإسرائيل يحمل آثارًا واسعة النطاق على مستقبل المنطقة، ويهدد استقرارها. بعد هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، التي شنتها حماس على إسرائيل، دخل حزب الله على خط المواجهة تضامنًا مع الفلسطينيين؛ مما أدى إلى تصاعد التوترات تصاعدًا كبيرًا على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. في سبتمبر (أيلول) 2024، شهدت المنطقة انفجارات واسعة استهدفت أجهزة إلكترونية تابعة لحزب الله؛ ما أسفر عن خسائر كبيرة بين صفوف المدنيين، وأعضاء الحزب. يعتقد أن إسرائيل كانت وراء هذه الهجمات؛ مما أطلق موجة جديدة من الردود من جانب حزب الله، أبرزها هجمات صاروخية على شمال إسرائيل. هذه التطورات هي جزء من الصراع الطويل بين الطرفين، حيث يستخدم حزب الله تكتيكات عسكرية غير تقليدية، مثل حروب العصابات، في حين تعتمد إسرائيل على هجمات دقيقة تستهدف بنية الحزب التحتية.

التداعيات الإقليمية لهذا الصراع خطيرة جدًّا. يمكن لأي تصعيد إضافي أن يؤدي إلى انتشار العنف ليشمل مناطق أخرى في سوريا والعراق، حيث توجد ميليشيات موالية لحزب الله وإيران. التوترات المستمرة تهدد بإشعال مواجهة أوسع بين محور المقاومة، الذي تدعمه إيران، وإسرائيل التي تتلقى دعمًا كبيرًا من الولايات المتحدة. اقتصاديًّا، الحروب المستمرة في لبنان وسوريا تؤثر سلبيًّا في اقتصادات المنطقة، خاصة مع احتمالات تدمير البنية التحتية الحيوية، وزيادة الفقر والبطالة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الصراع إلى اضطراب أسواق النفط والغاز؛ مما يؤثر في الاستقرار الاقتصادي الإقليمي والعالمي.

على الصعيد السياسي، يشكل الصراع اختبارًا لتحالفات إسرائيل مع بعض الدول العربية التي طبَّعت علاقاتها معها مؤخرًا، مثل الإمارات والبحرين؛ تلك الدول قد تجد نفسها في موقف حرج بين دعم إسرائيل، أو الحفاظ على العلاقات مع حلفائها الإقليميين، مثل إيران، وحزب الله.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع