قال بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء 21 مايو (أيار) 2025، في خطاب جديد موجَّه إلى الداخل الإسرائيلي وإلى المجتمع الدولي، إن الحرب مستمرة حتى تحقيق أهدافها. وكان واضحًا من نبرة هذا الخطاب أن نتنياهو ما زال لديه الضوء الأخضر في استمرار الحرب في قطاع غزة، وأن واشنطن ما زالت ماضية في سياستها الداعمة على نحو مطلق لإسرائيل في تلك الحرب. وبات الحديث عن خلافات حقيقية وعميقة وجوهرية بين نتنياهو وترمب فرضية ضعيفة، فالعلاقة بين الرجلين كانت تُوصف سابقًا بأنها صلبة ومتينة؛ نظرًا إلى التقارب الأيديولوجي بين الطرفين. وعلى الرغم من ظهور بعض التباين في وجهات النظر والتغيرات في ملفات إقليمية معقدة، فإنها تنحصر في الأولويات، ولا تفتح النقاش بشأن مستقبل العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل القوية والثابتة.
التباين في المواقف بدأ بين الطرفين بعد قمة بودابست، حيث استدعى ترمب نتنياهو إلى البيت الأبيض مباشرةً، وأبلغه بعدم توجيه أي ضربة عسكرية ضد إيران، وشكَّلت هذه الحادثة نقطة تحول في العلاقة بين الزعيمين، وأراد نتنياهو استخدام ورقة العلاقات الشخصية لتغيير سياسة واشنطن تجاه إيران، وخاصة الاتفاق النووي، لكن ترمب -رغم انتقاداته للاتفاق- لم يكن مستعدًا للدخول في صدام مباشر مع طهران دون ضمانات إستراتيجية. ويحاول نتنياهو أن يملي على الإدارة الأمريكية كثيرًا من القضايا، أبرزها عدم الدخول في اتفاق نووي مع إيران، لكن واشنطن رفضت ذلك. بالإضافة إلى التباين بشأن الدور التركي في سوريا، فقد سعى نتنياهو إلى دفع ترمب إلى منع تعزيز الوجود التركي في الشمال السوري وعدم رفع العقوبات عن الدولة السورية.
تعزَّزت الخلافات أكثر عندما بدأ نتنياهو بتجاوز ترمب والتواصل مباشرةً مع شخصيات داخل الإدارة الأمريكية، مثل مستشار الأمن القومي، فكان تنسيق نتنياهو مع مستشار الأمن القومي الأمريكي بشأن إيران دون الرجوع إلى ترمب، وهذا التصرف أثار حفيظة ترمب الذي رأى فيه تحديًا لسلطته المباشرة، وأحد أبرز ملامح التوتر الشخصي بين الزعيمين.
لم تكن غزة بعيدة عن ساحة الخلاف؛ ففي لحظات حرجة، اتخذ نتنياهو قرارات من طرف واحد، مثل المماطلة في إدخال المساعدات الإنسانية، وتوسيع العمليات العسكرية، دون تنسيق مسبق مع إدارة ترمب، فنتنياهو أحرج ترمب في قضيتين: الأولى بشأن غزة وإدخال المساعدات، والثانية توسيع العملية العسكرية في غزة من خلال عمليات “عربات جدعون”.
إن رفع الغطاء الإستراتيجي الأمريكي عن إسرائيل خيار مستبعد؛ لأن إسرائيل تمثّل المصالح الإستراتيجية والإمبريالية والكولونيالية الغربية في منطقة الشرق الأوسط؛ ولهذا فإن الخلافات القائمة حاليًا ليست بين الدولتين (الولايات المتحدة وإسرائيل)؛ بل بين إدارة ترمب وحكومة نتنياهو. حتى في ظل تغير الإدارات، وتبدل المصالح، تبقى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل قائمة على مؤسسات قوية، وتحالفات لا تتبدل بسهولة؛ فالعلاقة بين الدولتين علاقة إستراتيجية عميقة، تتجاوز مؤسسات الدولة العميقة في البلدين، وتتخطى الكونغرس الأمريكي ولوبيات الضغط داخل الولايات المتحدة، فهي ليست علاقة بين أشخاص؛ بل علاقة مؤسسية وإستراتيجية بين دولتين.
تغيُّر الرؤساء في واشنطن لا يعني بالضرورة تغيُّر الحلفاء أو الأولويات الجيوسياسية، فقد حافظت الولايات المتحدة تاريخيًّا على تحالفاتها الإستراتيجية، بما فيها إسرائيل ودول الخليج، ولم تُغيِّر حلفاءها الإستراتيجيين، فحلفاؤها التقليديون، سواء دول الخليج العربي أو إسرائيل، لا يزالون كما هم، وما تغيَّر هو إدارة توازنات المصالح الأمريكية العليا، ومصالح الأمن القومي، وتتصرف واشنطن في هذا السياق بما يخدم مصلحة الشعب الأمريكي؛ فزيارة ترمب لدول الخليج دون التوقف في تل أبيب تأتي في إطار الحصول على الاستثمارات والمليارات لدعم الاقتصاد الأمريكي وإنعاشه؛ ولهذا السبب زار الخليج ولم يزر إسرائيل، خاصةً أن إسرائيل ما زالت تخوض الحرب ولم تتوصل إلى هدنة، وفي ذلك رسالة قوية من الإدارة الأمريكية إلى إسرائيل، لكنها لا تعني أبدًا أن الولايات المتحدة بصدد تغيير تحالفاتها في المنطقة، مشيرًا إلى أن الرسالة كانت سياسية واضحة، لكنها لم تكن قطيعة دبلوماسية.
فهناك أيضًا ملف إيران والحوثيين في اليمن، ويختلف ترمب ونتنياهو جذريًّا في رؤيتهما نحو إيران، فبينما يرى ترمب أن تقليل التوتر يصب في مصلحة بلاده، يصرّ نتنياهو على الخيار العسكري، فترمب يسعى إلى تصفير الأزمات، وتقليل بؤر التوتر في المنطقة والعالم؛ ليتمكن من التفرغ لمواجهة التمدد والنفوذ الصيني. أما نتنياهو فله وجهة نظر مختلفة، ويُفضِّل مزيدًا من التصعيد، ويضغط لضرب المفاعل النووي الإيراني. ويكشف هذا التناقض عن صدام حقيقي في الأولويات، بين التركيز على آسيا لدى ترمب، والإصرار على إيران لدى نتنياهو. كما أن الانفتاح الأمريكي على أطراف كانت في السابق تُصنَّف أعداء لإسرائيل شكَّل صفعة غير مباشرة لنتنياهو، خاصةً بعد بروز مؤشرات تفاهم مع الحوثيين وسوريا.
فالتفاهمات والاتفاقات التي تجري بين واشنطن والحوثيين بوساطة عُمانية تثير استياء نتنياهو، تمامًا كما يُزعجه الانفتاح الأمريكي على سوريا، والتوجُّه نحو رفع العقوبات عنها، وهو ما يرفضه نتنياهو بشدة؛ فهو يريد استمرار العقوبات، كما يريد مواصلة العمليات العسكرية الخاطفة داخل الأراضي السورية، ويسعى إلى تعميم الفوضى هناك.
أحد أهم أوجه الصدام بين الطرفين يتمثل في طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية؛ فنتنياهو يسعى إلى فرض الأمر الواقع التوسعي، في حين ترى الإدارة الأمريكية أن المشروع الإسرائيلي يتعارض مع أولوياتها العالمية، فالعلاقة مع الفلسطينيين أيضًا تمثل نقطة خلاف، فنتنياهو يسعى إلى السيطرة الكاملة على أرض فلسطين التاريخية، انطلاقًا من أسمائها التوراتية، مثل “يهودا والسامرة” في الضفة الغربية، في حين لدى الإدارة الأمريكية أولويات إستراتيجية عالمية لا يمكن حصرها في مشروع نتنياهو التوسعي.
رغم تزايد المؤشرات على التوتر بين ترمب ونتنياهو، يبقى الطابع المؤسسي للعلاقة الأمريكية- الإسرائيلية هو الحاكم الفعلي لاستمرارها، ومن غير المرجح أن يُرفع الغطاء الأمريكي عن إسرائيل، وما نشهده هو تباين في التكتيكات وليس قطعًا في الإستراتيجيات، ويمكن تلخيص كل تلك الخلافات والتباينات بين نتنياهو وترمب بأنها أشبه بسحابة صيف عابرة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.