لم تكن آثار الهجوم على الدوحة قد هدأت بعد، حين وقّع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتفاقًا تاريخيًّا مع باكستان. وبينما كان القطريون يتساءلون كيف يمكن للولايات المتحدة أن تخونهم على هذا النحو الفادح، كانت السعودية تعزز دفاعاتها لتفادي أي هجوم مشابه.
تُعد كل من قطر والسعودية حليفتين راسختين للولايات المتحدة، وتستضيفان قواعد عسكرية أمريكية، حيث تُعد قاعدة “العديد” في قطر الأكبر في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لم يمنع ذلك إسرائيل من مهاجمة الدوحة، وقتل عدد من الأشخاص المرتبطين بحركة حماس، إضافة إلى شرطي قطري.
سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى التظاهر بالبراءة، مدعيًا أنه لم يكن على علم بالهجوم الإسرائيلي، وأنه غير راضٍ عنه، لكن التحقيقات كشفت أن القاعدة الأمريكية في قطر كانت على علم بالهجوم، وأوقفت أنظمة الدفاع الجوي، كما شاركت طائرة بريطانية في العملية. الجميع كان على علم، باستثناء القطريين الذين تعهدوا في مايو (أيار) بتقديم 1.2 مليار دولار لإدارة ترمب.
في وقت متأخر من مساء الأربعاء، وقّعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك رسمية، تمثل تعزيزًا كبيرًا لشراكة أمنية قائمة منذ عقود. تأتي هذه الخطوة وسط تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد القلق بين دول الخليج بشأن مدى الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن للأمن.
لطالما كانت دول الخليج الغنية بالنفط قريبة من الولايات المتحدة، وذهب بعضها إلى حد توقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل بناءً على رغبة ترمب، الذي يرى اتفاقيات أبراهام جزءًا أساسيًّا من إرثه، وكان توقيع السعودية هدفًا معلنًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ توليه منصبه.
أعطت السعودية الأمل لترمب بإمكانية توقيع اتفاقيات أبراهام، لكنها اشترطت تحقيق حل الدولتين للفلسطينيين. أما نتنياهو وحلفاؤه المتطرفون فقد أعلنوا رفضهم التام لأي دولة فلسطينية.
تأتي الاتفاقية بعد أسبوع من الغارات الجوية الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة، التي قلبت الحسابات الدبلوماسية في المنطقة. وعندما سُئل مسؤول سعودي كبير عما إذا كانت الاتفاقية تلزم باكستان بتوفير مظلة نووية للسعودية، قال لرويترز: “هذه اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية”.
تُعد باكستان الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي تمتلك أسلحة نووية، ولديها أكبر جيش في العالم الإسلامي. وقد أكدت إسلام آباد مرارًا أن سياستها العسكرية تهدف إلى ردع الهند.
وأضاف المسؤول السعودي: “هذه الاتفاقية تتويج لمناقشات استمرت سنوات، وليست ردًا على دول أو أحداث بعينها؛ بل هي تأطير مؤسسي لتعاون عميق وطويل الأمد بين بلدينا”.
أثارت الغارات الإسرائيلية على الدوحة في 9 سبتمبر (أيلول)، التي استهدفت قادة سياسيين من حركة حماس في أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار التي كانت قطر تتوسط فيها، غضبًا واسعًا في العالم العربي. وقبل اندلاع الحرب في غزة، سعت دول الخليج الحليفة لواشنطن إلى علاقات مستقرة مع كل من إيران وإسرائيل لمعالجة مخاوف أمنية مزمنة، لكن قطر تعرضت لهجومين مباشرين هذا العام، أحدهما من إيران، والآخر من إسرائيل.
تمتلك إسرائيل ترسانة نووية كبيرة، لكنها تتبع سياسة الغموض، فلا تؤكد ولا تنفي امتلاكها تلك الأسلحة. أما باكستان، فقد أعلنت صراحة أن أسلحتها النووية تهدف فقط إلى ردع الهند، وأن مدى صواريخها مصمم ليغطي كامل الأراضي الهندية.
عرض التلفزيون الباكستاني لقطات لرئيس الوزراء شهباز شريف وهو يعانق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد توقيع الاتفاقية. كما حضر قائد الجيش الباكستاني القوي، المشير عاصم منير.
وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني: “تعكس هذه الاتفاقية الالتزام المشترك لكلا البلدين بتعزيز أمنهما، وتحقيق السلام في المنطقة والعالم، وتهدف إلى تعميق التعاون الدفاعي، وتعزيز الردع المشترك ضد أي عدوان، وتنص على أن أي اعتداء على أي من البلدين يُعد اعتداءً على كليهما”.
يعود التحالف السعودي الباكستاني إلى عقود مضت، ويستند إلى مصالح إستراتيجية واقتصادية مشتركة، وتحافظ باكستان منذ فترة طويلة على وجود عسكري في السعودية، يقدر حاليًا بين 1500 و2000 عنصر يقدمون تدريبًا فنيًّا وميدانيًّا للقوات السعودية، بما في ذلك الدعم الجوي والبري.
كما قدمت السعودية قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار لباكستان، تم تمديده في ديسمبر؛ لدعم احتياطياتها من النقد الأجنبي. وتأتي الاتفاقية الدفاعية بعد اشتباك عسكري بين باكستان والهند في مايو (أيار).
أقر المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، راندهير جايسوال، بالتطور في منشور على منصة “X”، قائلاً إن نيودلهي على علم بالاتفاقية، وستدرس تداعياتها على الأمن الإقليمي، والأمن القومي.
وأكد مسؤول سعودي كبير، تحدث دون الكشف عن هويته، أهمية التوازن في العلاقات مع الهند، المنافس النووي لباكستان، وقال: “علاقتنا مع الهند أقوى من أي وقت مضى، وسنواصل تنمية هذه العلاقة، والإسهام في السلام الإقليمي بكل السبل الممكنة”.
أعادت الاتفاقية الدفاعية السعودية الباكستانية تسليط الضوء على القوة العسكرية الباكستانية، التي يصنفها مؤشر “غلوبال فاير باور” ضمن الأقوى عالميًّا:
– الترتيب العالمي: المرتبة 12 في القوة العسكرية الشاملة.
– القوة البشرية: نحو 1.7 مليون فرد، بينهم 654 ألف عنصر نشط.
– القوات البرية: 2627 دبابة، وأكثر من 17 ألف مركبة عسكرية، و662 مدفعًا ذاتي الحركة، و2629 مدفعًا مقطورًا.
– القوة الجوية: 1399 طائرة عسكرية، بينها 328 مقاتلة.
– القوة البحرية: 121 وحدة بحرية، تشمل 9 فرقاطات، و8 غواصات.
– الترسانة النووية: نحو 170 رأسًا نوويًّا، و50 منصة إطلاق صواريخ أرض- أرض.
ورغم اعتماد باكستان الكبير على الأسلحة الصينية، فإن تنوع مصادر تسليحها يشمل أيضًا الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا؛ ما يمنحها مرونة إستراتيجية.
انتقد خبراء فشل المؤسسات الدولية، خاصة مجلس الأمن، في الحفاظ على الأمن العالمي، مما دفع الدول إلى بناء منظومات دفاعية خاصة بها. ولطالما شكل انعدام الثقة بين الدول العربية والإسلامية عائقًا أمام تشكيل قوة موحدة، لكن تجاوز هذه العقبة بات ضروريًّا لمواجهة التحديات الإسرائيلية والإقليمية.
يرى محللون عسكريون أن التحركات السعودية الباكستانية توجه رسالة استياء إلى واشنطن، لكنها لا تعني بالضرورة تشكيل منظومة دفاعية متكاملة قادرة على تأمين المصالح الخليجية والعربية.
تمتلك السعودية قدرات عسكرية متقدمة قد تفوق نظيرتها الباكستانية؛ ما يجعل التحالف أقرب إلى رسالة إستراتيجية منه إلى مظلة عسكرية شاملة.
تُعد الاتفاقية السعودية الباكستانية خطوة في توقيت حساس، خاصة في ظل استمرار رفض إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة. ويُعد الهجوم على قطر اعتداءً على الأمن القومي الخليجي، مما يجعل الاتفاقية رسالة موجهة ليس فقط إلى الولايات المتحدة؛ بل أيضًا إلى إسرائيل.
تواجه المنطقة تهديدات وجودية، من طموحات “إسرائيل الكبرى” المعلنة، إلى الاعتداءات المتكررة على الدول العربية والإسلامية. وفي هذا السياق، يشكل التقارب السعودي الباكستاني جزءًا من شبكة أوسع من التحركات الإستراتيجية لمواجهة هذه التحديات.
لقد أهان نتنياهو ترمب مرارًا، دون أي رد أو عقاب؛ ففي عام 2020، دعا نتنياهو الناخبين الإسرائيليين الأمريكيين إلى انتخاب بايدن. كما هاجم إيران رغم معارضة ترمب، وهاجم الدوحة، الحليف الأمريكي.
ويتساءل البعض: هل هذه سياسة “أمريكا أولًا”، أم “إسرائيل أولًا”؟
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.