تعد استقالة رئيسة الوزراء البنغلاديشية الشيخة حسينة هي الحدث السياسي الأكثر أهمية في جنوب آسيا، حيث يُنظَر إلى ما ستقوم به الحكومة المؤقتة بقيادة الحاصل على جائزة نوبل الدكتور محمد يونس، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية مع الهند، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية. وقد شكلت استقالة حسينة خسارة إستراتيجية كبرى للهند، فخلال فترة حكمها التي استمرت 15 عامًا، نجحت حسينة في إقامة علاقة وثيقة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وهو ما حوّل الهند وبنغلاديش إلى شريكين إستراتيجيين، فقد عقد الزعيمان عشرة اجتماعات على الأقل في عام 2023 فقط، وكانت حسينة أول زعيمة أجنبية تسافر إلى نيودلهي في زيارة دولة بعد أن بدأ مودي ولايته الثالثة هذا العام.
كما نجحت إدارة حسينة في حل النزاعات الحدودية وتقاسم المياه التي طال أمدها. على سبيل المثال، عام 2022، وقعت الهند وبنغلاديش اتفاقية بشأن تقاسم مياه نهر كوشيارا، وقد جاء ذلك في أعقاب اتفاق تاريخي عام 2015 لترسيم الحدود، كما تعاون البلدان في مكافحة الإرهاب، والأمن الحدودي، وخاصة في شمال شرق الهند. وقد عززت هذه الإجراءات العلاقات الثنائية، والتكامل الاقتصادي، والاستقرار الإقليمي.
تواجه الهند الآن مستقبلًا غير مؤكد وسريع التطور في بنغلاديش مع أخطار وتحديات متنوعة؛ ففي أعقاب استقالة حسينة، حل رئيس بنغلاديش محمد شهاب الدين البرلمان، وأمر بالإفراج عن رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء التي تترأس حزب المعارضة الوطني البنغلاديشي. وبالإضافة إلى ذلك، شُكلت حكومة مؤقتة برئاسة الخبير الاقتصادي محمد يونس. وقد تجعل هذه التطورات نيودلهي قلقة؛ فعندما كان حزب المعارضة الوطني البنغلاديشي في السلطة سابقًا، وجدت كثير من الجماعات المتمردة العاملة في شمال شرق الهند، مثل جبهة تحرير أسام، ملاذًا لها في بنغلاديش، والآن أصبح هذا التاريخ أكثر تعقيدًا بسبب احتمال مواجهة الهند لبعض الاستياء بسبب دعمها الطويل الأمد لحسينة. وقد كتب يونس نفسه في مقال لمجلة الإيكونوميست أن الهند “اكتسبت عداوة الشعب البنغلاديشي” بسبب دعمها لحسينة.
ومع بدء تراجع الاضطرابات في دكا، سيواجه يونس ومستشاره للشؤون الخارجية محمد توحيد حسين أولويات السياسة الخارجية، حيث يتعين على دكا أن تتبنى نهجًا عمليًّا لتأمين مصالحها الوطنية من خلال العمل مع مختلف الشركاء. ومن المرجح أن يتضاءل موقف بنغلاديش المؤيد للهند في ظل الإدارة المؤقتة الجديدة بسبب وجهات النظر المعادية للهند بشأن قضايا مثل عمليات القتل المزعومة على الحدود، والحاجة إلى تحقيق التوازن بين الشركاء الجيوسياسيين. لكن الهند شريك طبيعي وحيوي لبنغلاديش؛ بسبب الاتصال التجاري، واستيراد السلع الحيوية، والمياه المشتركة؛ لذلك يجب على دكا أن تستمر في التعاون مع نيودلهي لضمان الاستقرار الإقليمي، والنمو الاقتصادي، والتعاون الدفاعي، وأن تعمل على استقرار علاقتها مع الهند على نحو أكبر من خلال حماية الأقليات الهندوسية، إلى جانب تفكيك أي ملاذ للمتمردين في شمال شرق الهند.
وفي الوقت نفسه، يتعين على دكا أيضًا تعزيز تعاونها مع أكبر شريك تجاري لها؛ الصين. وكان الدعم الفني من بكين حيويًّا في بناء مشروعات ضخمة، مثل جسر بادما؛ ومن ثم يُنظر إليه على أنه مفتاح لتنمية بنغلاديش. كما يتمتع البلدان بتعاون دفاعي قوي؛ فبكين هي المورد الرئيس للأسلحة للجيش البنغلاديشي. وعلى الرغم من الحاجة إلى التنويع الطويل الأجل في صادرات الأسلحة، فإن بنغلاديش مُلزمة بالاستمرار في الحفاظ على علاقتها الدفاعية مع الصين؛ لتحقيق الاستقرار في الأمد القريب.
كما أن تحقيق التوازن في العلاقات مع الهند والصين أمر ضروري لبنغلاديش لإدارة أزمة لاجئي الروهينجا، التي ستظل تشكل تحديًا رئيسًا في السياسة الخارجية للحكومة المؤقتة. ويمكن للهند والصين مساعدة بنغلاديش في الضغط على جيش أراكان للتعاون في جهود عودة الروهينجا إلى الوطن. ولم تنشئ دكا بعد أي قنوات اتصال مع جيش أراكان الذي يسيطر الآن على أكثر من نصف ولاية راخين. ولأن الحقائق الجيوسياسية تشير أنه من غير المرجح أن يعيد الجيش الميانماري السيطرة على راخين، فإن الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من الهند والصين أمر ضروري لبنغلاديش لإقامة اتصال مع جيش أراكان.
من المتوقع أن يندفع يونس وحكومته نحو الولايات المتحدة. وبسبب ارتباطاته المهنية والأكاديمية؛ يشترك يونس في علاقة دافئة ومتفائلة مع الغرب. كما أنه يتمتع بدعم من الحزبين داخل الولايات المتحدة، حتى إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وغيره من زعماء العالم، كتبوا رسالة تدعم عمله عام 2023، وكانت واشنطن من أوائل من هنّأوا الحكومة المؤقتة التي شُكّلت حديثًا، وهي تهدف إلى التعاون الدفاعي مع بنغلاديش على نحو كبير لتقليل النفوذ العسكري الصيني بالقرب من خليج البنغال.
إن التطورات الحالية في بنغلاديش تفرض على الهند تحديات إستراتيجية خطيرة، تشمل أمن الحدود، والاستقرار الإقليمي، والاضطرابات الاقتصادية، ويتعين على الهند أن تستمر في توخي الحذر، والاستعداد للتكيف مع التغيرات التي تنتظر المشهد السياسي البنغلاديشي، ويتعين على نيودلهي أن تستخدم القنوات الدبلوماسية المتاحة لدعم تطوير تحالف من قوى المعارضة، وضمان إدراج المعتدلين والتكنوقراط، والفصائل المحافظة غير المعادية لمصالح الهند. ويتعين على الهند أيضًا أن تنأى بنفسها رمزيًّا عن حسينة؛ لإظهار استعدادها للمضي قدمًا، ويتعين على نيودلهي أن تتجنب تعزيز التصورات بأنها لا تزال متحالفة مع حزب حسينة؛ رابطة عوامي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.