تقدير موقف

بعد وصف الكرملين لها بالتصعيد الجامح.. هل تتدخل روسيا في الحرب الاسرائيلية- الإيرانية؟


  • 18 يونيو 2025

شارك الموضوع

تتصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وتتزايد معها التوترات في الشرق الأوسط؛ ما بات يهدد بتوسع إقليمي يشمل أكثر من ساحة، وفي هذا السياق بالغ الخطورة، تبرز موسكو بوصفها فاعلًا دبلوماسيًّا رئيسًا يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين مصالحه الجيوسياسية والتزاماته القانونية، من جانب، والحفاظ على مسافة آمنة من التورط العسكري المباشر، من جانب آخر.

تصريحات الكرملين والخارجية الروسية الصادرة أمس، تعكس -بوضوح- هذا التوجه الحذر، الذي يمكن وصفه مع ذلك بالطموح، الذي يتسم -كما أراه- بالبراغماتية والحنكة الإستراتيجية.

فالموقف الرسمي الروسي لا يزال يحاول الموازنة بين الإدانة والوساطة، فالكرملين يحذر من التصعيد، وفي ضوء إدانته للعدوان الإسرائيلي -ولفظ “العدوان الإسرائيلي” أقتبسه حرفيًّا من البيانات الروسية الرسمية- يدعوها إلى الدبلوماسية، لكن تل أبيب ترفض أي وساطة.

في تصريحه البالغ الوضوح، وصف المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الحرب الجارية بأنها “تصعيد جامح” -واللفظ له- وحذر من تفاقم غير مسبوق في مستوى الخطورة، وعدم القدرة على التنبؤ، وهذه كلمات توحي بقلق حقيقي وجدّي من تطورات مرتقبة للحرب.

المتحدث الرئاسي الروسي أكد في التصريح نفسه أن إسرائيل ترفض -رفضًا قاطعًا- أي وساطة سياسية، بما في ذلك الوساطة الروسية؛ ما يعقد فرص الوصول إلى تسوية سلمية.

بيسكوف لم يفوت الفرصة ليشدد على أن موسكو عرضت مبادرات وساطة على الجانبين، لكنها لم تلقَ استجابة من الإسرائيليين، الذين ينتهجون -حسب كلام المتحدث باسم الكرملين- منطقًا عسكريًّا صرفًا.

بوتين -حسبما أفهم موقفه- يرفض التدخل العسكري في الصراع، ويحاول التدخل السياسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل انفلات الصراع وتوسعه إذا قرر ترمب فعليًّا التدخل عسكريًّا.

بوتين اتصل بنتنياهو وبزشكيان، في اتصاله مع الرئيس الإيراني عبر له -حسب بيان الكرملين- عن تعازيه في الضحايا من المدنيين، وأدان الضربات الإسرائيلية، ووصفها بأنها انتهاك لميثاق الأمم المتحدة.. ومع نتنياهو أكد له أن الملف النووي الإيراني لا يجوز التعامل معه بمنطق القوة، بل يجب تسويته بالطرق الدبلوماسية، وتحت مظلة رقابة دولية، فعالة.

لكن بوتين في الوقت نفسه كان حريصًا على نفي أن تكون روسيا منخرطة في أي تحالف دفاعي مع طهران، وأكد أن الاتفاقيات القائمة بين البلدين لا تنص على التزامات عسكرية، وهذه -من وجهة نظري- إشارة صريحة إلى سعي موسكو لتفادي الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة في منطقتنا ذات الحساسية الشديدة.

الخارجية الروسية أعادت تأكيد موقفها المتكرر خلال الأيام الماضية من الحرب، فوصفت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الهجمات والضربات الإسرائيلية بأنها “غير قانونية ومرفوضة تمامًا”، وحملت مجددًا إسرائيل المسؤولية المباشرة عن إشعال فتيل الحرب، ولم يفتها هي أيضًا التأكيد -عطفًا على ما قاله ريابكوف- أن إيران تمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لكنها في المقابل، وبدبلوماسية، دعت طهران إلى ضبط النفس، وتجنب استهداف المنشآت المدنية، أو توسيع رقعة المواجهة.

وفي هذا السياق، ألقت موسكو بمقترح تهدف من ورائه إلى نزع فتيل التصعيد الحاد بشأن البرنامج النووي الإيراني، بطرح استعدادها لاستقبال اليورانيوم المخصب الإيراني وتخزينه على أراضيها، بما يعكس جدية طهران في الالتزام بالطابع السلمي لبرنامجها النووي، وألمحت إلى موافقة إيران على المقترح، لكن نتنياهو يركب موجة التصفية التامة لكل ما لدى إيران من برنامج نووي، أو برنامج صاروخي، في موقف حاد تمامًا.

وإذا تساءلت بموضوعية المراقب: هل هناك مكاسب روسية من هذه الحرب؟ وهل حسابات المصالح توازن حسابات المخاطر؟

أستطيع القول إن موسكو -بلا شك- لا تنظر إلى هذه الحرب بوصفها خطرًا إقليميًّا فحسب؛ بل تراها أيضًا فرصة إستراتيجية مركبة.

فالتقارير الاقتصادية الروسية التي اطلعت عليها تعليقًا على الحرب وتبعاتها وعواقبها الجيوسياسية والاقتصادية، خاصةً في صحف محترمة، مثل “كوميرسانت” و”فيدوميستي”، تؤكد أن موسكو تحقق عوائد اقتصادية مباشرة من اضطراب صادرات النفط الإيرانية، وقد بدأت أسعار النفط العالمية في الارتفاع، وهذا بالطبع يدعم الميزانية الروسية المتأثرة بالعقوبات الغربية.

صحيفة “فيدومستي” مثلًا تشير إلى أن حصة روسيا من السوق الآسيوية في تصاعد في الوقت الحالي، وذلك مع توجه المشترين الصينيين والهنود إلى موسكو بديلًا عن طهران إذا تعطلت الإمدادات عبر مضيق هرمز.

لكن من جهة ثانية، هذه الحرب تفتح فرصة جديدة لموسكو لتعميق الشراكة الدفاعية مع إيران، فموسكو -من واقع ما أتابعه من تصريحات ومواقف منذ اشتعال فتيل الحرب المباشرة- لا تزال مهتمة، وتسعى إلى تعزيز شراكتها مع طهران في مجال الدفاع والمسيرات -مع أن اعتمادها على المنتج الإيراني الكامل من المسيرات انخفض انخفاضًا كبيرًا خلال الأشهر الأخيرة، فقد رفعت موسكو -وفقًا لتقارير معتبرة- إنتاجها الشهري من طراز المسيرات الإيرانية إلى خمسة آلاف قطعة، بعدما كان إنتاجها بضعة مئات. أضف إلى ذلك أهمية التنسيق مع إيران في ملفات إقليمية بالغة الحساسية لروسيا، مثل سوريا والقوقاز. وموسكو -في اعتقادي- تنظر إلى هذا التعاون على أنه يعطيها نقاط نفوذ جديدة في الإقليم، دون الحاجة إلى تمركز عسكري مباشر، أو استنزاف ميداني.

لكن ماذا لو قرر ترمب التدخل العسكري المباشر ضد إيران؟

ما يمكن أن نستشفه من الموقف الرسمي الروسي الذي تنطق به تصريحات المتحدثين الرسميين هو أن القيادة الروسية تستعد لمجموعة من السيناريوهات المحتملة إذا قرر ترمب أن تدخل الولايات المتحدة الحرب على نحو مباشر:

-أولها بالطبع -وهو المتاح بلا تكلفة- الرد السياسي والدبلوماسي؛ فمن المرجح جدًّا -في وجهة نظري- أن تستخدم روسيا الفيتو في مجلس الأمن ضد أي محاولة لتبرير التدخل الأمريكي، أو تمرير عقوبات جديدة ضد إيران.

-ستقود موسكو حملة إعلامية ودبلوماسية لاتهام واشنطن بزعزعة الاستقرار العالمي، وتخريب القانون الدولي.

-أعتقد أن الرد العسكري قد يحدث، لكنه سيكون محدودًا، وسأشرح لماذا؟

على الرغم من الرفض الواضح للانخراط المباشر، وهذا ما نقرؤه بين سطور كل التصريحات الرسمية التي صدرت حتى الآن، من المرجح عندما تدخل واشنطن تدخلًا مباشرًا أن تزود موسكو إيران بمعلومات استخباراتية حساسة، وتقنيات دفاعية متطورة، لكن طبعًا عن طريق قنوات غير معلنة.

قد تلجأ روسيا كذلك إلى تعزيز وجودها البحري في المحيط الهندي والخليج العربي كإجراء ردعي رمزي يهدف إلى خلق توازن في قواعد الاشتباك.

وإجمالًا لكل ما سبق، يمكن القول إن الموقف الروسي من الحرب الإسرائيلية الإيرانية يبدو مشبعًا بالتوازنات الدقيقة؛ فمن جهة، ترى موسكو في الحرب فرصة لإنعاش اقتصادها المتضرر من عقوبات الغرب -كما ذكرنا أعلاه- فضلًا عن أنها فرصة كذلك لتفعيل ممرات تجارة بديلة عبر آسيا الوسطى، وزيادة الاعتماد على الروبل واليوان في المبادلات الإقليمية، وتخفيف الاعتماد على الدولار في المبادلات النفطية في حالة لجوء مشتري النفط الإيراني إلى البديل الروسي.

ومن جهة أخرى، تدين موسكو -بوضوح لا لبس فيه- الضربات الإسرائيلية، وتدعم حق إيران في الدفاع عن النفس، لكنها -في الوقت نفسه- ترفض الانجرار إلى حرب مباشرة، وتحاول الحفاظ على مسافة آمنة تتيح لها أداء دور الوسيط القادر على التأثير في مسار الأحداث.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع