القضايا الاقتصادية

النفط السوري يعود إلى الأسواق العالمية.. هل سيسهم ذلك في بناء سوريا؟


  • 3 سبتمبر 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: sarabic

تطور مهم حدث للاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب، إذ تستعد عملاقة تداول الطاقة الهولندية “فيتول” لشحن أول شحنة من النفط الخام السوري منذ رفع العقوبات الغربية. تمثل هذه الخطوة نقطة تحول محتملة لقطاع الطاقة في البلد، الذي عانى -لأكثر من عقد- الدمار والاضطراب بسبب الصراع.

وفقًا لمصدر في “بلومبيرغ” على علم بالأمر، ستقوم أكبر شركة تجارة نفط مستقلة في العالم بشحن الخام إلى مصفاة في إيطاليا. ومن المقرر أن تبدأ عملية التحميل قريبًا.

تأتي هذه الشحنة التاريخية في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في يوليو (تموز) رفع العقوبات الأمريكية الطويلة الأمد، وهو إجراء يهدف إلى دعم الاقتصاد المتعثر للبلاد، وتعزيز الحكومة الجديدة. وقد سبق هذا الإجراء بشهرين رفع الاتحاد الأوروبي جميع العقوبات الاقتصادية المتبقية على دمشق.

ونقلت “بلومبيرغ” عن مراقبين لتدفقات النفط الإقليمية أنه لم تُرصَد أي شحنات أخرى للنفط السوري منذ تخفيف العقوبات.

قبل اندلاع الحرب في عام 2011، كان إنتاج النفط في سوريا حجر الزاوية في اقتصادها، حيث بلغ متوسطه مئات الآلاف من البراميل يوميًّا. تباطأ هذا الإنتاج إلى حد كبير مع تدهور الوضع الأمني، مما أدى إلى أزمة نزوح إنساني كبيرة.

تشير بيانات من CEIC  إلى أن الصادرات السورية بلغت ذروتها عند نحو 380,000 برميل يوميًّا في عام 2002، قبل أن تنخفض في السنوات اللاحقة. يُنظر الآن إلى استئناف الصادرات البحرية على أنه أمر بالغ الأهمية لبلد يعاني اقتصادًا مدمرًا، وحكومة في حاجة ماسة إلى العملة الأجنبية.

في الشهر الماضي، باعت وزارة الطاقة السورية نحو 500,000 برميل من النفط الخام المتوسط الكثافة والعالي الكبريت عن طريق مزايدة نشرت إعلانًا عنها على صفحتها على فيسبوك.

مع سقوط نظام الأسد، يعلق كثير من السوريين آمال إعادة الإعمار الوطني على إحياء قطاع النفط والغاز، الذي تُعد عائداته ضرورية لإعادة بناء البلاد.

بدأ الإنتاج النفطي التجاري في سوريا عام 1968 بعد الاكتشافات في أواخر الخمسينيات، ثم ارتفع الإنتاج بثبات، ليصل إلى متوسط يقارب 560,000 برميل يوميًّا بحلول منتصف التسعينيات، وليبلغ ذروته عند 667,000 برميل يوميًّا في عام 2002، ثم استقر عند نحو 350,000 برميل يوميًّا حتى عام 2011، وبعد ذلك تسببت المشكلات الفنية واللوجستية في انخفاض حاد.

مرَّ إنتاج النفط السوري بثلاث مراحل متميزة:

الإنتاج المستقر (1968- أواخر الثمانينيات): تراوح الإنتاج بين 200,000 و300,000 برميل يوميًّا. ومع انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 16 دولارًا للبرميل، كان هذا يدر أكثر من 1.1 مليار دولار سنويًّا، أي ما يقرب من 25٪ من ميزانية الدولة في ذلك الوقت. جدير بالذكر أن عائدات النفط هذه -وفقًا للتقارير- لم تُدرج في الميزانية الرسمية، وبدلًا من ذلك يُزعم أنها وُجّهت نحو المشتريات العسكرية.

ذروة الإنتاج (1990-2011): قفز الإنتاج فوق 400,000 برميل يوميًّا، متجاوزًا 600,000 برميل يوميًّا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومقترنة بارتفاع أسعار النفط العالمية (من 36 دولارًا في التسعينيات إلى أكثر من 140 دولارًا في عام 2008)، ولّدت هذه المرحلة إيرادات سنوية محتملة لا تقل عن 14 مليار دولار.

الانحدار (2011- الآن): انخفض الإنتاج إلى أقل من 100,000 برميل يوميًّا بسبب تعطل الآبار، والتغيب عن العمل، وهروب الشركات الدولية، والعقوبات. انتقلت السيطرة على الحقول الرئيسة بين ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. تنتج قوات سوريا الديمقراطية حاليًا ما يقدر بنحو 50,000 برميل يوميًّا، في حين تدير الحكومة نحو 15,000 برميل يوميًّا من الحقول الأصغر، ليصل إجمالي الإنتاج إلى نحو 65,000- 70,000 برميل يوميًّا. غالبًا ما بيع هذا النفط بخصم بسبب العقوبات، مما ولّد ما يقدر بمليار دولار سنويًّا موزعة بين الفصائل المتحكمة.

محليًّا، يُستهلك النفط في التدفئة السكنية، والنقل، والاستخدام الصناعي، ويُستخدم لتوليد الكهرباء. وقد أدى الجمع بين الإنتاج المحطم والاستهلاك المستمر إلى خلق عجز كبير، مما أجبر سوريا على استيراد الوقود، على الرغم من امتلاكها موارد كبيرة غير مستغلة.

قطاع الغاز في سوريا أكثر تعقيدًا. تحتل سوريا المرتبة الـ42 من حيث احتياطيات الغاز عالميًّا، حيث تقدر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية وجود 700 مليار متر مكعب في البحر الأبيض المتوسط وحده، وهي احتياطيات لم تُستغَل بسبب التكلفة وعدم الاستقرار. إجمالي الاحتياطيات المقدرة هو 250 مليار متر مكعب.

تتقسّم السيطرة على حقول الغاز، إذ تتحكم قوات سوريا الديمقراطية في الحقول الرئيسة، بما في ذلك “العمر” -الأكبر في البلاد- بالإضافة إلى التناق، وجفرة في دير الزور، والرميلان في الحسكة. وتتحكم الحكومة الحالية في حقول نفط الورد، والتيام، والشولة في دير الزور، وحقل الثورة في الرقة، وحقل جزال في حمص، كما تمتلك حقل الغاز الشاعر -الأكبر في سوريا- وحقلي صداد وآراك في حمص.

يُستخدم الغاز على نحو أساسي لتوليد الكهرباء، والطبخ، والتصنيع. وصرّح خبير من منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) أن احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في سوريا تقدر بـ15 تريليون قدم مكعبة، وكلها في الحقول البرية. وتشير التقديرات الأولية إلى أن حصتها من حوض المشرق الغني بالغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تصل إلى 40 تريليون قدم مكعبة. ومع ذلك، تبقى هذه الإمكانية “كنزًا مجمدًا”، وغير مستغلة بسبب نقص التمويل، والتأخير في الاستكشاف.

كان قرار وزارة الخزانة الأمريكية، في 25 أغسطس (آب) 2025، رفع العقوبات رسميًّا، وإعادة البنك المركزي السوري إلى نظام المراسلات المالية SWIFT  بمنزلة محور “تغيير قواعد اللعبة”، فقد أُزيل أكثر من 500 فرد وكيان من القوائم السوداء، مما سمح للبنوك والشركات الدولية باستئناف التعامل مع المؤسسات السورية.

وقد فتح هذا الباب أمام عودة شركات النفط الكبرى إلى السوق السورية، دون خوف من عقوبات ثانوية، مما يفسر حماسة “فيتول” لتأمين الشحنة الأولى.

تُبرز مفارقة صارخة الأزمة العميقة التي يعانيها القطاع: فبينما تصدر سوريا 500,000 برميل من النفط الخام الثقيل العالي الكبريت المنخفض الجودة من المخزون، يجب عليها في الوقت نفسه إطلاق مناقصات لاستيراد ملايين البراميل من النفط الخام الأخف للحفاظ على تشغيل مصافيها في بانياس وحمص، ومنع تكرار أزمات الإغلاق التي حدثت عندما انقطعت الإمدادات الإيرانية.

يُعد حقل كونوكو للغاز في دير الزور جزءًا حاسمًا من البنية التحتية للطاقة في سوريا، وقد اكتشفته في عام 2000 الشركة الأمريكية “كونوكوفيليبس”، وتبلغ طاقته الإنتاجية 450 مليون قدم مكعبة يوميًّا (13 مليون متر مكعب). وقد صُمِّم مصنع الغاز الحديث، المجهز للإنتاج والنقل، لتزويد محطات الطاقة السورية، وكانت هناك خطط لخط تصدير إلى العراق توقفت بسبب الحرب.

أصبح الحقل بؤرة للصراع بعد عام 2011، وتنقلت السيطرة عليه بين جهات فاعلة مختلفة، منها داعش، قبل أن تستولي عليه قوات سوريا الديمقراطية في سبتمبر (أيلول) 2017، وأصبح إنتاجه الآن حيويًّا لتلبية احتياجات الغاز والكهرباء المحلية في شمال شرق سوريا.

يمثل استئناف صادرات النفط مصدرًا حيويًّا للعملة الصعبة اللازمة لتمويل جهود الاستقرار وإعادة الإعمار. ومع ذلك، فإن ترجمة رفع العقوبات إلى انتعاش اقتصادي مستدام، وإطلاق الإمكانات الكاملة للطاقة في الأمة، سيتطلبان استثمارات كبيرة، واستقرارًا سياسيًّا، ووقتًا.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع