تدفق آلاف الهنود إلى مراكز توظيف؛ للحصول على وظائف في إسرائيل، على الرغم من استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتوتر الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط. وقد أتى هذا بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستُصدر تصاريح عمل لنحو (65) ألف عامل أجنبي من الهند، وسريلانكا، وأوزبكستان؛ لسد النقص في العمالة، لا سيما في سوق الإنشاءات والعقارات. ويأتي هذا في أعقاب هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي خلف مئات القتلى والأسرى الإسرائيليين؛ مما دفع إسرائيل إلى إعادة النظر في الأوضاع الأمنية لما يقارب مِن (72) ألف فلسطيني يعملون في مواقع البناء الإسرائيلية، فترك ذلك فجوة كبيرة في سوق العمل الإسرائيلية.
ترى الهند أن تلك فرصة عليها اغتنامها؛ لتقليص نسبة البطالة، وزيادة النقد الأجنبي في البلاد؛ حيث يُعاني خامس أكبر اقتصاد في العالم أن الملايين من الهنود غير قادرين على العثور على عمل مستقر بدوام كامل، وما يقرب من (22 %) من الموظفين الهنود هم عمال مؤقتون، ولا يصل متوسط دخلهم الشهري إلى (100) دولار، ويعاني الشباب- بشكل خاص- البطالة، لا سيما أن الملايين منهم يدخلون سوق العمل كل عام. وتؤثر البطالة في (15 %) من خريجي الجامعات من جميع الأعمار، ونحو (42 %) من الخريجين تحت سن (25) عامًا؛ لذا فإن الانتقال للعمل في إسرائيل سيضمن لعمال البناء الهنود- على سبيل المثال- الحصول على أكثر من (2400) دولار، وهو مبلغ أكبر بكثير من (550) إلى (640) دولارًا يمكن أن يحصل عليها العامل أجرًا شهريًّا نظير العمل نفسه في الهند.
بدأت إدارات التوظيف في ولايتي أوتار براديش وهاريانا الهنديتين بالترويج لنحو (10000) وظيفة عمل على أنها “جواز سفر للأحلام في الخارج”، وفرصة “لاكتشاف آفاق جديدة في إسرائيل”. وتبلغ الرواتب الشهرية نحو 1.37 ألف روبية هندية (6100 شيكل إسرائيلي)، ستُخصَم تكاليف الإقامة والطعام والتأمين الطبي منها. وأعلن وزير العمل في ولاية أوتار براديش، أنيل راجبهار، أن الولاية وضعت اللمسات الأخيرة على قائمة تضم (16) ألف عامل لإرسالهم إلى إسرائيل الشهر المقبل لإجراء عملية الاختيار النهائية. ويقول السيد راجبهار إن مركز الفحص التابع للحكومة الفيدرالية في لكناو يأتي استجابة لطلب إسرائيل للعمال، كما وصل فريق إسرائيلي مكون من (15) عضوًا ليشرف على عملية التوظيف.
على الرغم مِن الصراع العسكري القائم بين إسرائيل ومحيطها في قطاع غزة، أو جنوب لبنان، لن يُطلب من العمال الهنود تسجيل أنفسهم على بوابة “الهجرة الإلكترونية” التي تديرها وزارة الشؤون الخارجية، وقد تنصلت كثير من الوزارات والهيئات الحكومية من أي مسؤولية عن العمال وسلامتهم؛ بدعوى أن قوائم بوابة “الهجرة الإلكترونية” التي يُطلب من جميع العمال الذين يذهبون إلى مناطق النزاع، أو الأماكن التي لا تتمتع بحماية عمل كافية، التسجيل فيها، وتضم (18) دولة، وهي أفغانستان والبحرين وإندونيسيا والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت ولبنان وليبيا وماليزيا وعمان وقطر وجنوب السودان والسودان وسوريا وتايلاند والإمارات العربية المتحدة واليمن، ليس مِن بينها إسرائيل.
ولن يحصل العمال المتجهون إلى إسرائيل على أي من وسائل الحماية العمالية المتعلقة بالتأمين، والتغطية الطبية، وضمانات التوظيف التي تصر الحكومة على توفيرها للعمال المتجهين إلى معظم دول الخليج، وأسواق العمل الأخرى. ومن المُرجح أن هذه الاستثناءات جاءت في أعقاب طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرئيس الوزراء ناريندرا مودي “تقديم” موعد وصول العمال، خلال مكالمة هاتفية في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2023.
يهدد بعض النشطاء اليساريين الهنود، وبعض الساسة المحسوبين على حزب المؤتمر الهندي المعارض، بنقل عملية التوظيف هذه إلى ساحات القضاء، حيث وصفوها بغير الإنسانية، وحذروا من أن قرار الحكومة تسريع توظيف عمال البناء والممرضين ومقدمي الرعاية الهنود، حتى مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، سيعرضهم للخطر، ويضر بموقف الهند الدبلوماسي فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. لكن من غير المتوقع حدوث صدام قضائي؛ لأن المعارضة لن تستطيع أن تظهر بمظهر المعطل لتوظيف الهنود وتحسين دخلهم، في ظل عدم قدرتها على توفير بدائل، وسيبقى هذا الخطاب مجرد تهديد كلامي في ظل المنافسة السياسية، ولكن دون أي بُعد إجرائي.
ترى حكومة مودي أن ادعاءات المعارضة الهندية بأن العُمال الهنود جاءوا لإقصاء الفلسطينيين بعد أحداث أكتوبر غير صحيحة، وأن احتمالات تضرر وضع العمالة الهندية في الخليج العربي لا تقرأ المشهد في الشرق الأوسط قراءة واقعية، وقال وزير الدولة لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، موراليدهاران، أمام البرلمان، في 14 ديسمبر (كانون الأول) 2023، إن الحكومة الهندية “لم تقم بأي مناقشات مع إسرائيل بشأن احتمال استبدال العمال الهنود بالعمال الفلسطينيين”.
وبناءً على هذا، ترى الحكومة الهندية أن ما يحدث هو تطبيق لاتفاقية سبق أن وقعتها إسرائيل مع الهند لتسهيل التوظيف المؤقت للعمال الهنود في قطاعات محددة في سوق العمل، ومنها قطاع البناء، خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الهند، في 9 مايو (أيار) 2023، وقد سمحت هذه الاتفاقية في البداية بتوظيف (42) ألف عامل هندي في إسرائيل. ووفقًا لذلك، سيعمل (34) ألف عامل في مجال البناء، وسيكون هناك (8) آلاف آخرين لاحتياجات التمريض. ويُنظر إلى هذه الخطوة- على نطاق عريض- على أنها فرصة للعمال الهنود، الذين كانوا- تقليديًّا- يعملون في المقام الأول في قطاع البناء في إسرائيل، ولا تستهدف الفلسطينيين، كما أنها لن تؤثر في العلاقات الهندية- الخليجية، ولن تضر العمالة الهندية الكبيرة هناك؛ حيث دخلت العلاقات الخليجية- الإسرائيلية مرحلة جديدة مع الاتفاقات الإبراهيمية التي وقعتها كل مِن الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل، كما أن الولايات المتحدة ترعى مفاوضات شاقة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.
