قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة رسمية -مؤخرًا- إلى المملكة المغربية في طريق عودته إلى الصين بعد القمة الـ19 لمجموعة العشرين، وزيارة دولة للبرازيل. وبناء على تعليمات من الملك محمد السادس، استقبل ولي العهد الأمير مولاي الحسن، ورئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش، الرئيس الصيني في مطار محمد الخامس الدولي، وأكد الزعيم التزام الصين بدعم المغرب في الحفاظ على أمنه الوطني واستقراره. وأشار شي إلى أن العلاقات بين الصين والمغرب تتطور تطورًا جيدًا، مع تعاون براغماتي مثمر، وتبادلات نشطة في مختلف المجالات.
واستذكر شي زيارة الدولة التي قام بها الملك محمد السادس للصين عام 2016، وأن الصين مستعدة للعمل مع المغرب لتنفيذ نتائج قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، والاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، وتحقيق مزيد من الإنجازات في التعاون العملي في إطار مشروعات الحزام والطريق. وقال ولي العهد إن العائلة المالكة المغربية والحكومة ملتزمتان بمواصلة تطوير العلاقات المغربية الصينية، والحفاظ على التبادلات الرفيعة المستوى بين البلدين، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، وإن المغرب والصين لديهما مواقف مماثلة بشأن كثير من القضايا، وأعرب ولي العهد عن استعداد بلاده للعمل مع الصين لدعم بعضهما البعض بقوة في الحفاظ على السيادة الوطنية والأمن والاستقرار.
كثفت الصين استثماراتها في قطاعات البنية التحتية والسكك الحديدية والمركبات الكهربائية في المغرب في السنوات الأخيرة، وقد وقعت شركة (Gotion – High-Tech) الصينية المصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية اتفاقية مع صندوق الاستثمار المغربي المملوك للدولة لتطوير مصنع عملاق للبطاريات الكهربائية في المغرب. وسيحظى مشروع المصنع باستثمار أولي بقيمة 13 مليار درهم (1.3 مليار دولار)، حيث تركز المرحلة الأولى على إنتاج (20) جيجاوات/ ساعة من بطاريات الليثيوم أيون، ومن المتوقع أن يخلق المشروع (2300) فرصة عمل.
مع أن المملكة المغربية لا تملك احتياطيات نفطية كبيرة، وليس لديها إرث كبير مناهض للعالم الغربي، وعلى الرغم من علاقاتها العميقة مع فرنسا والولايات المتحدة، فإنها أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين في ذروة الحرب الباردة، في وقت مبكر من عام 1958، وكانت في المرتبة الثانية بعد مصر في القيام بذلك داخل إفريقيا ككل؛ لذا كان للرباط أهمية خاصة في السياسة الخارجية الصينية، في ضوء قدرة بكين على البقاء مُحايدة (مع ميل طفيف إلى المغرب) في صراع الصحراء الغربية، وأبرز داعميها الدولة الجارة الجزائر.
وقّع المغرب والصين، عام 2017، مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الحزام والطريق، لتصبح المملكة أول دولة شمال إفريقية تلتزم بالخطة التنفيذية للمبادرة. ومع استمرار الصين في توسيع نطاق نفوذها غربًا، سيصبح المغرب بوابة إستراتيجية ذات أهمية متزايدة إلى البحر الأبيض المتوسط، والصين اليوم هي بالفعل ثالث أكبر شريك تجاري للمغرب. ومنذ عام 2018، وسّعت بكين حضورها في السوق المغربية في التجارة وتطوير البنية التحتية، والتمويل والمصارف والسياحة والتصنيع.
حدثت نقطة التحول في العلاقات الثنائية بعد زيارة الملك محمد السادس عام 2016 للصين، وتوقيع نحو 30 اتفاقية. وبعد ذلك، ارتقت العلاقات إلى “شراكة إستراتيجية”. وقد أثمرت العلاقات -على نحو رئيس- في تحول ميناء طنجة أكبر ميناء للحاويات في إفريقيا باستثمار صيني، وبدأت شركة هواوي بإنشاء مرافق (5G) في أماكن مختلفة من البلاد، وافتُتح مركز ثقافي صيني بالرباط مطلع عام 2018، وفي العام نفسه أُنشئت ثلاثة معاهد كونفوشيوس في الرباط والدار البيضاء وطنجة.
ويستثمر عدد متزايد من شركات قطع غيار السيارات الصينية في المغرب؛ بسبب قربه من سلسلة التوريد لشركات صناعة السيارات الفرنسية، وفي عام 2017، أصبحت شركة (BYD) أكبر شركة صينية لصناعة السيارات تفتتح مصنعًا في مدينة طنجة الصناعية، ووعدت بتوفير 2500 فرصة عمل. وسيضم مشروع مدينة الملك محمد السادس بـ”طنجة التكنولوجية” نحو 200 شركة صينية في جميع القطاعات، بالإضافة إلى شركات مغربية حكومية وخاصة. وتشارك مجموعة شينت الصينية في بناء محطتي نور 2، ونور 3 للطاقة الشمسية بالقرب من مراكش، التي من المتوقع أن تكون الأكبر في العالم. وتشمل المشروعات المنجزة جسر المجموعة الصينية لهندسة السكك الحديدية بطول 950 مترًا بين الرباط وسلا.
كما وقعت شركات صينية وممثلون عن القطاعين العام والخاص المغربيين اتفاقية لإطلاق مشروع مدينة محمد السادس “طنجة تيك”، وهو مشروع مدينة ذكية طموح، من المتوقع أن يكتمل بحلول عام 2027، وستستضيف المدينة نحو (200) شركة صينية؛ بهدف إنشاء “مدينة صناعية مستدامة ومتكاملة وذكية”. وأعلنت شركات صينية نيتها إنشاء مصانع للسيارات والطيران والمنسوجات والإلكترونيات والآلات في المدينة التي تبلغ مساحتها 2000 هكتار. وسيتضمن المشروع منطقة تسريع الصناعة بمساحة 947 هكتارًا، بالإضافة إلى منطقة بمساحة 1220 هكتارًا تتكون من مناطق الخدمات والسكن، والمجمعات الترفيهية والسياحية، و”البنية التحتية العامة اللازمة لحسن سير العمل في المدينة”.
تحاول دول الاتحاد الأوروبي المنافسة في المغرب، لكنها ما زالت تحتل المركز الثالث على المستوى الاقتصادي خلف فرنسا وإسبانيا، لكن نمو تجارتها في تزايد، وهذا سيسهم في تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي. ويتفق المغرب والصين في بعض القضايا، وأبرزها سياسة عدم التدخل في شؤون الدولة. وقد امتنعت حكومة المغرب عن التعليق على القضايا المتعلقة بـ”المصالح الأساسية” للصين: شينجيانغ، أو تايوان، أو التبت. وفي المقابل، لم تعلق الصين على الموقف المغربي فيما يتصل بالصحراء الغربية.
بنت الصين والمغرب علاقات ودية، وحافظا عليها. وفي السنوات الأخيرة، اكتسب المغرب قيمة جيوسياسية في نظر بكين بسبب موقعه الإستراتيجي، وقربه من السوق الأوروبية. وفي حين تستغل الصين مشاركتها الأكبر في المنطقة لتؤثر تأثيرًا أكبر في المصالح الأوروبية، ترى المغرب أن التعاون مع الصين فرصة للحد من النفوذ الغربي، والاعتماد على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن القدرة التنافسية للأسعار التي تتمتع بها شركات البناء الصينية، وإمكانية وصولها التفضيلية إلى القروض الحكومية، ساعدت المغرب على تطوير البنية الأساسية التي يحتاج إليها.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.