تأتي العقوبات التي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرًا ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية في إطار توظيف القانون الأمريكي الداخلي كأداة سياسية للضغط، في وقت حساس يشهد تحولًا دوليًّا واسعًا نحو الاعتراف بدولة فلسطين، فالولايات المتحدة لا تزال ترى منظمة التحرير الفلسطينية “منظمة إرهابية” بموجب القانون الذي أقره الكونغرس الأمريكي عام 1989، رغم وجود تعاون فعلي بين الجانبين الفلسطيني والأمريكي خلال فترات الرؤساء بوش الأب، وكلينتون، وبوش الابن، وأوباما، وترمب، وبايدن.
أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس بأن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية لا تفيان بالتزاماتهما بموجب قانون الامتثال لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1989 (PLOCCA) وقانون التزامات السلام في الشرق الأوسط لعام 2002 ((MEPCA، ويشمل ذلك اتخاذ ودعم إجراءات في المنظمات الدولية تقوض وتتعارض مع الالتزامات السابقة الداعمة لقراري مجلس الأمن 242، و338، وإجراءات “تدويل” الصراع مع إسرائيل (على سبيل المثال، من خلال الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية)، ومواصلة دعم الإرهاب، بما في ذلك التحريض على العنف وتمجيده (لا سيما في الكتب المدرسية)، وتقديم المدفوعات والمزايا لدعم الإرهابيين الفلسطينيين وعائلاتهم، لكن تفعيل هذا القانون في المرحلة الراهنة يعكس محاولة أمريكية، مدفوعة باللوبي الصهيوني ومؤسسات “الدولة العميقة”، لمواجهة المد الدولي المتزايد نحو دعم الحقوق الفلسطينية، وعلى رأسها حق تقرير المصير، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
إن توقيت هذا الإعلان ليس عفويًّا؛ بل يتزامن مع استعداد عدد كبير من الدول الأوروبية للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة في سبتمبر (أيلول) في نيويورك، وتفرض الولايات المتحدة عقوبات، منها رفض منح التأشيرات، على أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، وكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وفقًا للمادة 604 (أ) (١) من قانون (MEPCA).
إن هذا التحرك الأمريكي يتناغم مع الموقف الإسرائيلي الرافض لأي اعتراف بدولة فلسطينية، الذي يسعى إلى فرض “احتلال مستدام بلا ثمن” من خلال سياسات الضم والاستيطان، ورفض التفاوض.
تمثلت المبررات الأمريكية لفرض العقوبات في مبررات لا قيمة لها، وحجج وهمية، أبرزها توجه الفلسطينيين إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك دفع رواتب الأسرى وذوي الشهداء، أو ما تسميه التحريض بالمناهج، علمًا بأن تقديم القضية إلى محكمة العدل لم يتم من جانب فلسطين، بل من جانب دولة جنوب إفريقيا، بسبب أنظمة المحكمة التي لا تسمح للدول غير الأعضاء الدائمين في الأمم المتحدة، مثل فلسطين، برفع دعاوى مباشرة، معتبرةً أن التذرع بهذا السبب “باطل وغير صحيح”. وفيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، فأؤكد أن الدعوى المتعلقة بانتهاكات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعود إلى عام 2021، وقد تقدمت بها دولة فلسطين، مع ضم انتهاكات جديدة إلى الملف القائم، إضافة إلى تبريرات متعلقة بـ”التحريض”، والمناهج التعليمية الفلسطينية، وهذه الحجج تتكرر باستمرار لتبرير الضغط السياسي على القيادة الفلسطينية.
يجب مواجهة هذه العقوبات من خلال موقف فلسطيني موحد، مستند إلى دعم عربي ودولي واسع، مع أهمية استثمار التحولات العالمية لصالح القضية الفلسطينية، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وتجديد الشرعيات الوطنية؛ لتعزيز القدرة على مواجهة السياسات الأمريكية والإسرائيلية أمام المجتمع الدولي برمته.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.