تقدير موقف

الصين في حسابات هاريس وترمب


  • 10 أكتوبر 2024

شارك الموضوع

لا يختلف الجمهوريون والديمقراطيون بشأن النظر إلى الصين باعتبارها الدولة التي تملك الإرادة والوسائل لتغير “النظام القائم على القواعد”، وهو نظام “القطب الواحد”، الذي تقوده الولايات المتحدة بمفردها منذ نهاية الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق في 25 ديسمبر (كانون الأول) 1991، ففي عدد مايو (أيار) 2010 من مجلة “فورين بولسي” كتبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، مقالًا بعنوان “الاستدارة شرقًا”، طالبت فيه بوضوح بنقل “الثقل السياسي والدبلوماسي الأمريكي” من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا وجنوب شرقها بهدف إجهاض النمو السريع للقدرات العسكرية والبحرية الصينية. على الجانب الآخر، كان الرئيس الجمهوري دونالد ترمب هو أول رئيس يصدق على إستراتيجية للأمن قومي تعتبر الصين وروسيا “المنافستين الإستراتيجيتين” لأمريكا على الساحة الدولية، وذلك في 19  ديسمبر (كانون الأول) 2017، وسار الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن على نهج ترمب في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي خرجت إلى النور في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ليتفق الجميع -جمهوريين وديمقراطيين- على أن الصين مع روسيا تسعيان إلى تغيير قواعد الهيمنة الأمريكية التي بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وتعمقت هذه الهيمنة مع انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، وهو ما يقول بوضوح إن هناك إطارًا عامًا وإستراتيجيًّا من جانب الجمهوريين والديمقراطيين عند النظر إلى الصين.

لكن التعمق في مستوى الخطط والإجراءات العملية يكشف أن هناك اختلافًا في الطريقة التي سوف تتعامل بها كامالا هاريس أو دونالد ترمب مع الصين، سواء ما يتعلق بالقضايا التجارية والاقتصادية، أو بكيفية بناء وتوسيع “التحالفات العسكرية” بقيادة الولايات المتحدة ضد الصين في شرق آسيا وجنوب شرقها، ففي الصين هناك من يقول إن ترمب هو الأفضل للصين؛ لأنه يركز فقط على القضايا التجارية، ونجح مع الصين في التوصل إلى اتفاق تجاري ضخم بـ250 مليار دولار في يناير (كانون الثاني) 2020، في حين يقول البعض الآخر إن كامالا هاريس هي الأفضل لبيجين؛ لأنه يمكن التنبؤ بسياستها، وبناء الخطط المستقبلية لمواجهتها، أما ترمب فهو -من وجهة نظر هؤلاء- “رئيس لا يمكن التنبؤ بما سيقوله أو سيفعله”، فكيف سيتعامل دونالد ترمب، أو كامالا هاريس،مع الصين حال فوز أي منهما في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟ والى أي مدى يمكن أن تقود رؤية الحزب الجمهوري أو الديمقراطي إلى سلام أو صراعات مستقبلية بين واشنطن وبيجين؟

رؤية هاريس

لن تختلف رؤية المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في التعامل مع الصين عن الرئيس خطط الرئيس الحالي جو بايدن وإستراتيجيته، لكنها سوف تكون “أكثر واقعية” من ذي قبل، ففي السابق، وفي البرنامج الانتخابي المشترك بين بايدن وهاريس لعام 2020 كانت هاريس، التي تحظى بخبرة خارجية ضئيلة، تتبنى فكرة “فك الارتباط” بين الاقتصادين الصيني والأمريكي، لكن بعد نحو 4 سنوات في البيت الأبيض تأكد لها صعوبة -إن لم يكن استحالة- “فصل” اقتصاد الولايات المتحدة عن الصين، ويمكن أن يقوم تعامل الصين مع هاريس تجاه الصين على مجموعة من الأدوات:

أولًا: التكنولوجيا الحيوية

يؤمن الديمقراطيون أن أمريكا -وليس غيرهاـ السبب في النمو الاقتصادي والتكنولوجي الصيني انطلاقا من نظرية تقول إن أمريكا هي التي سمحت بسقف محدد من التكنولوجيا التي تحصل عليها الصين، سواء عبر ما يسمى “الهندسة العكسية”، أو الحصول عليها من خلال “الجواسيس الاقتصاديين” كما تقول واشنطن، ويعتقد الديمقراطيون -بقيادة بايدن وهاريس- إنه حان الوقت لتكون الصين “خلف” الولايات المتحدة “تكنولوجيًّا” بمسافة كافية لبقاء الولايات المتحدة وصناعتها، وتفردها أقوى وأفضل من الصين؛ ولهذا بدأت الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية بحرمان الصين من كثير من التكنولوجيا الأمريكية، وهو ما ردت عليه الصين بإمكانية وقف الصادرات الصينية من المواد والعناصر النادرة إلى الولايات المتحدة، وضغطت الولايات المتحدة أيضًا على حلفائها الأوروبيين لوقف التعاون مع الصين في هذا المجال الحيوي، وأعلنت هاريس أكثر من مرة أنها سوف تواصل سياسة منع وصول التكنولوجيا الفائقة الدقة من أمريكا وحلفائها إلى الصين.

ثانيًا: تنويع سلاسل الإمداد

الشعار الذي يرفعه الحزب الديمقراطي هو ضرورة “تنويع سلاسل الإمداد”، خاصة ما يتعلق بصناعات أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، ولهذا قالت هاريس إنها سوف تدعم افتتاح مصانع جديدة للرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات في الدول الآسيوية الحليفة، مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، والهند؛ حتى لا يكون هناك “اعتمادية” أمريكية وغربية على الصين، وتتبني واشنطن خطابًا سياسيًّا يقول إن علينا عدم تكرار خطأ الاعتماد على روسيا في الغاز والنفط والفحم والكهرباء واليورانيوم، ولهذا تعتمد فكرة “الممر الهندي” على نقل البضائع من الهند -وليس الصين- إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

ثالثًا: ملف حقوق الإنسان

أكثر الملفات التي سوف توظفها هاريس ضد الصين، هو ملف حقوق الإنسان، خاصة لو ضمت التشكيلة الجديدة لمجلس الشيوخ مزيدًا من الأعضاء الليبراليين واليساريين. ويتحدث الحزب الديمقراطي -بوضوح- عن ضرورة ممارسة ضغوط على الصين في الملفات التي تتعلق بمعاملة الصين لسكان التبت وشينجيانج (تركستان الشرقية)، وهونغ كونغ، وبالفعل شُكّلت في الشهور الأخيرة لجنة في مجلس الشيوخ للضغط على الصين في قضية سكان التبت وشينغيانغ.

رابعًا: الجميع جواسيس

زاد معدل محاولات هجرة الصينيين في عام 2023 بـ10 أضعاف مما كان عليه الأمر عام 2022، ويخشى الديمقراطيون أن تكون هناك أهداف سياسية وراء هذا الارتفاع الحاد في عدد المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة، كما تراقب الأجهزة الأمنية الأمريكية الطلبة الصينيين الذين يدرسون في الجامعات والمعاهد الأمريكية خوفًا أن تكون لهم صلات بالجيش الصيني، أو الحزب الشيوعي الصيني، ويصل عدد الأمريكيين من أصل صيني إلى نحو 3.6 مليون، لكن السلطات الأمريكية في عهد جو بايدن كثيرًا ما قالت إن الحزب الشيوعي الصيني، الذي يضم نحو 90 مليون عضو، يرسل أتباعه للتجسس على الولايات المتحدة، ولكل هذا تركز إستراتيجية هاريس تجاه الصين على متابعة ما تطلق عليهم واشنطن “جواسيس الحزب الشيوعي” في الولايات المتحدة الأمريكية.

خامسًا: حرية الملاحة

وهو شعار ترفعه واشنطن لتبرير مرور السفن وحاملات الطائرات العسكرية في مضيق تايوان الفاصل بين جزيرة تايوان والبر الصيني، ويرتبط بهذا الأمر دعم الحزب الديمقراطي الأمريكي لجزيرة تايوان بالسلاح والذخيرة من خلال قانون “الإيجار والاستعارة”، والزيارات المستمرة من المسؤولين الأمريكيين لتايوان، وأبرزهم زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة في أغسطس (آب) 2022، وحصلت تايوان على مساعدات عسكرية في عهد الرئيس جو بايدن أكثر من أي رئيس أمريكي سابق، وتعهد هاريس بمواصلة هذه السياسة تجاه تايوان، حيث صوت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح إرسال مساعدات عسكرية بـ8 مليارات دولار لتايوان في 24 أبريل (نيسان) الماضي، ضمن حزمة المساعدات التي ضمت 61 مليار دولار لأوكرانيا، و24 مليارًا لصالح إسرائيل.

سادسًا: توسيع التحالفات

تؤكد هاريس أنها سوف تواصل سياسة الرئيس جو بايدن لدعم التحالفات العسكرية والاقتصادية الآسيوية، ومنها تحالف “أوكوس”، الذي يضم مع الولايات المتحدة كلًا من بريطانيا وأستراليا، وتأسس في 21 سبتمبر (أيلول) 2021، وتحالف “كواد الرباعي”، الذي يضم الهند، واليابان، وأستراليا، والولايات المتحدة، كما ستدعم هاريس التحالفات الأمنية والعسكرية مع جزر المحيط الهادئ، وفيتنام، والفلبين، وكوريا الجنوبية.

إستراتيجية ترمب

أولًا: سلام تدعمه القوة

تقوم إستراتيجية ترمب في التعامل مع الصينيين على تصور يقول إن “السلام تدعمه القوة”، ولهذا سوف يعمل ترمب على تعزيز قوة الجيش والمخابرات الأمريكية بكل معاني ومفردات القوة التي ترتكز على تحديث الرؤوس النووية، وتعزيز الحضور الأمريكي في القطب الشمالي، وأن تكون هناك هيمنة أمريكية في الفضاء.

ثانيًا: المواجهة تبدأ من الداخل

يعتقد ترمب اعتقادًا راسخًا أن الصين تسعى إلى السيطرة على المؤسسات والأصول الأمريكية؛ ولهذا رفع شعار “مواجهة الصين من الداخل الأمريكي أولًا”؛ أي منع ووقف أي استحواذ صيني على الأصول داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؛ ولهذا كان إصرار ترمب على تخلي الصين عن “التيك توك”، وكان يراه أداة الصين للتجسس على الأمريكيين.

ثالثًا: تعديل الميزان

يسعى ترمب إلى تكرار نجاحه في يناير (كانون الثاني) 2020 عندما وقع الجزء الأول من الاتفاق التجاري مع الصين، وهاجس ترمب الأول تجاه الصين هو تحسين الميزان التجاري، وضرورة نفاذ كمية أكبر من البضائع الأمريكية إلى الأسواق الصينية، ويرى أن هناك خللًا كبيرًا في الميزان التجاري الأمريكي الصيني، حيث تصدر الصين منتجات إلى السوق الأمريكية بنحو 450 مليار دولار سنويًّا، في حين لا تزيد الصادرات الأمريكية للصين على 250 مليار دولار، ويرتبط بهذا الأمر رغبة ترمب في منح حوافز للشركات الأمريكية التي تعمل في الصين لتعود إلى العمل في الولايات المتحدة مقابل فرض مزيد من الحواجز الجمركية على الواردات الصينية.

رابعًا: الذكاء الصناعي

تصفح البرنامج الانتخابي للمرشح الجمهوري يكشف الاهتمام من جانب الرئيس السابق بمنافسة الصين في مجال الذكاء الصناعي، وضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على تفوقها التكنولوجي الذي يحفظ لها التفوق الاقتصادي والعسكري، ويرتبط بهذا الأمر دخول ترمب على خط العملات المشفرة، وتأكيده أكثر من مرة على أن أمريكا يجب أن تسبق الصين في هذا المجال الحيوي

سواء أفاز ترمب أم هاريس، فإن هناك توافقًا على منافسة الصين في جميع المجالات، لكن الأهم ألا تنزلق هذه المنافسة إلى صراع أو حروب، فهذا أمر لا يستطيع العالم تحمله.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع