إن المسار الصحيح الوحيد للصين والهند للمضي قدمًا هو تطوير العلاقات بينهما، في ظل السلام، والتعاون، وحسن الجوار. من الأفضل لجنوب آسيا علاقات متوازنة، حيث تتعامل البلدان بعضها مع بعض على قدم المساواة. في الآونة الأخيرة، أطلق المسؤولون الهنود سراح حمامة يشتبه في أنها تتجسس لصالح الصين، واحتُجزت ثمانية أشهر، عندما اكتُشف أن الحمامة كانت مجرد حمامة سباق من منطقة تايوان الصينية.
وتعكس هذه الحادثة برمتها خوف الهند من الصين. في بعض الأحيان، تشعر الهند بالقلق إزاء التنمية السريعة التي تشهدها الصين. ورغم وجود مستوى معين من المنافسة الاقتصادية بين الصين والهند، ينبغي للمسؤولين الهنود أن يدركوا الاختلافات الصارخة بين الاقتصادين، فضلًا عن التحديات والفرص الفريدة التي يقدمها كل منهما. وإلى حد كبير، تستطيع الصين والهند أن تكمل كل منهما الأخرى بدلًا من التنافس؛ بسبب التفاوت في الحجم، والتطور الاقتصادي والتكنولوجي بين أكبر دولتين سكانًا في العالم.
ومن الناحية الفلسفية، لا ينبغي للصين والهند أن تخاف إحداهما من الأخرى. ورغم الاعتراف بالنزاعات الحدودية بين البلدين، فمن الأهمية بمكان تأكيد أن هذه النزاعات لم تكن بتحريض من الصين أو الهند؛ بل كانت نتيجة لتصرفات الإمبراطورية البريطانية خلال حكمها الإمبراطوري. ولا ينبغي للصين ولا الهند أن تظل رهينة للإرث السلبي الذي خلفته الإمبراطورية الهندية البريطانية، فتجاوز هذا الإرث أمر حتمي. وينبغي التركيز على المسائل الأساسية، مثل تعزيز التفاهم المتبادل، والتعاون، وحل النزاعات الحدودية من خلال المفاوضات السلمية والدبلوماسية. ويسمح هذا النهج للصين والهند بتحرير نفسيهما من ظلال الاستعمار، والتركيز على ما يهم حقًّا من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة بينهما.
لقد صغتُ مصطلحًا أطلقته على الصين والهند، وهو “السكان الفائقون”، وهو يشير إلى البلدان التي يزيد عدد سكانها على مليار نسمة. ولسنوات كثيرة مقبلة، ستظل الصين والهند “المجموعتين السكانيتين الفائقتين” في العالم، وهذا يعني أننا بحاجة إلى تحمل قدر كبير من المسؤولية، ليس فقط تجاه شعوبنا، ولكن أيضًا تجاه البشرية جمعاء، وخاصة تجاه الجنوب العالمي. فهناك أكثر من (150) دولة في العالم تنتمي إلى الجنوب العالمي، بما في ذلك الصين والهند. ويعد البلدان من بين البلدان النامية، مع أنهما اتبعا مسارات مختلفة جدًّا في التنمية الاقتصادية والأنظمة السياسية. وفي نهاية المطاف، آمل أن تتمكن كل من الصين والهند من الوصول إلى أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، لتصبحا مثالين ساطعين لجميع بلدان الجنوب العالمي.
قال وزير الشؤون الخارجية الهندي إس جايشانكار في 30 يناير (كانون الثاني) إن الهند لا ينبغي أن “تخاف” من الصين. وإذا ركزنا على السلام، فلن يكون لدى الهند أي سبب للخوف من الصين. ومن خلال إعطاء الأولوية للسلام، والتفاهم المتبادل، والتبادلات الشعبية بين بلدينا، وهما “المجموعتان السكانيتان الكبيرتان” الوحيدتان في العالم، يمكننا تعزيز المنفعة المتبادلة والتنمية. إن جبال الهيمالايا الجبارة، بدلًا من أن تقسمنا، من الممكن أن تكون جسرًا بين الصين والهند. إن التعاون والصداقة بين بلدينا لن يؤديا إلى تعزيز الثقة والروح المعنوية في الجنوب العالمي والدول النامية فحسب؛ بل سيسهمان أيضًا في التنمية الاقتصادية العالمية، والسلام، والاستقرار.
وتعكس العقلية الحساسة التي تتبناها الهند أيضًا كيفية تعاملها مع دول جنوب آسيا الأخرى، حيث ترى الهند نفسها سيدًا مطلقًا في جنوب آسيا، وخاصة بين الدول الأصغر، مثل بوتان، وسريلانكا، وجزر المالديف. كما أنها تواجه صراعًا طويل الأمد مع باكستان. ومع ذلك، فإن الطريقة الصحيحة الوحيدة للنظر إلى العلاقات بين الهند ودول جنوب آسيا الأخرى هي أن الجميع يجب أن يكونوا متساوين. تتمتع كل دولة في جنوب آسيا، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، بعضوية متساوية في الأمم المتحدة، وتستحق الاحترام. لا ينبغي لأي دولة أن تمارس الهيمنة على أي من الدول الصغيرة.
ومن وجهة النظر الصينية، فإن تطوير علاقات حسن الجوار والصداقة مع الهند أمر مهم جدًّا. وفي الوقت نفسه، من المهم بالقدر نفسه أن تعمل الصين على تطوير علاقات بناءة جيدة مع دول مثل باكستان، وبنغلاديش، وبوتان، وسريلانكا، وجزر المالديف. وكانت الزيارة الرسمية المهمة التي قام بها رئيس جزر المالديف محمد مويزو للصين مؤخرًا مثالًا مقنعًا على الحاجة إلى الحفاظ على علاقات المنفعة المتبادلة والمتساوية التي تقيمها الصين مع جميع بلدان جنوب آسيا. ومن خلال القيام بذلك، يمكن للمنطقة بأسرها أن تشهد تحسنًا في السلام والازدهار.
ويتعين على الهند أن تعطي الأولوية للسلام، والاستقرار، والتنمية، وأن تتبنى نهج حسن الجوار تجاه الدول الأخرى، واعتبارها شركاء وأصدقاء محتملين بدلًا من إثارة الشكوك غير المبررة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للهند أن ترفض- بشدة- أن تصبح وكيلًا لأي قوة كبرى أخرى في تنافسها الجيوسياسي مع الصين، وهو ما قد يؤثر تأثيرًا ضارًا على العلاقات الثنائية مع الصين.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.
