
ترسّخت دولة الإمارات العربية المتحدة كإحدى القوى القيادية في منطقة الشرق الأوسط، مستندةً إلى استقرارها الداخلي المتين، وقوتها الاقتصادية المتنامية، فضلًا عن بنيتها التحتية الدبلوماسية واللوجستية المتطورة؛ فقد شهدت الدولة انتقالًا سلسًا في القيادة عام 2022 بوفاة الشيخ خليفة بن زايد وتولي الشيخ محمد بن زايد مقاليد الحكم، مما أبرز متانة المؤسسات، واستقرار النظام السياسي. هذا الاستقرار السياسي والأمني الداخلي -المدعوم بسياسات حكيمة تحفظ التلاحم الاجتماعي وتتصدى للتطرف- أتاح للإمارات التركيز بثقة على التنمية والتطوير، وتعزيز حضورها الإقليمي.
اقتصاديًا، تتمتع الإمارات بقاعدة اقتصادية قوية ومتنوعة تعد من الأكثر ديناميكية في المنطقة. استفادت الدولة من مواردها النفطية لبناء اقتصاد حديث متعدد القطاعات، حيث تشكل القطاعات غير النفطية نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا التنويع الاقتصادي، إلى جانب معدلات نمو مرتفعة (بلغت نحو 5% عام 2022)، ونصيب فرد من الناتج يعد من الأعلى عالميًا، عزز مكانة الإمارات بوصفها مركزًا ماليًا واستثماريًا رئيسًا. كما تدعم الصناديق السيادية الضخمة (مثل جهاز أبو ظبي للاستثمار، وشركة مبادلة) القوة المالية للدولة، وتمكنها من الاستثمار الإستراتيجي داخليًا وخارجيًا لدعم أهدافها الوطنية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي والبنية التحتية اللوجستية، استفادت الإمارات من موقعها الجغرافي واستثماراتها الضخمة لتعزيز نفوذها؛ فهي تمتلك شبكة علاقات دبلوماسية واسعة ونشطة مع مختلف دول العالم، وتتبنى سياسة خارجية مرنة ومتوازنة جعلتها “صديقة للجميع”. وقد رسخت حضورها في المنظمات الدولية والإقليمية، ومن ذلك شغلها مؤخرًا مقعدًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، والإسهام في مبادرات لحل النزاعات الإقليمية (مثل دعمها التهدئة في اليمن، وإعادة سوريا إلى محيطها العربي). أما البنية التحتية اللوجستية، فقد أصبحت الإمارات مركزًا عالميًا للتجارة والنقل الجوي والبحري؛ إذ يستضيف ميناء جبل علي في دبي أحد أكثر المواني ازدحامًا في العالم، وتعد شركات الطيران الوطنية، مثل “طيران الإمارات”، و”الاتحاد”، من أكبر الناقلات عالميًا، مما حول البلاد إلى همزة وصل تربط شرق العالم بغربه. هذه المقومات مجتمعةً -من استقرار داخلي، وتنمية اقتصادية، وشبكات دبلوماسية ولوجستية رائدة- أرست دور الإمارات بوصفها قوة ريادية تسهم في قيادة دفة الاستقرار والتنمية في المنطقة.
تطورت العلاقات الإماراتية- الروسية في السنوات الأخيرة لتصبح شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد، تشمل مجالات حيوية، كالتجارة، والاستثمار، والطاقة، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا. فعلى الصعيد التجاري، شهد التبادل التجاري بين البلدين نموًا متسارعًا تجاوز حاجز 11 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2023، موزعًا على طيف واسع من السلع والمنتجات الصناعية والزراعية والاستهلاكية المتبادلة. يعكس هذا التنوع والنمو في التجارة مدى تكامل اقتصادَي البلدين، ورغبتهما في زيادة الانسياب التجاري. وقد وضع قادة الدولتين هدفًا مشتركًا بمضاعفة حجم التبادل خلال الأعوام الخمسة المقبلة عن طريق إزالة العوائق، وتسهيل دخول السلع إلى الأسواق.
في مجال الاستثمار، تعد الإمارات أكبر مستثمر عربي في روسيا، إذ تمثل استثماراتها نسبة كبيرة من إجمالي الاستثمارات العربية هناك. بلغت الاستثمارات الإماراتية المباشرة في روسيا نحو 17 مليار دولار، تتركز في قطاعات البنية التحتية، والطاقة، والتكنولوجيا المتقدمة، وغيرها، مما يدل على ثقة الإمارات بجدوى السوق الروسية وفرصها. في المقابل، جذبت الإمارات استثمارات روسية ضخمة تزيد على 25 مليار دولار، في ظل ما توفره من بيئة أعمال جاذبة، ومناخ اقتصادي مستقر، وقد نتج عن ذلك استقرار آلاف الشركات الروسية (يزيد عددها على 4000 شركة) في دولة الإمارات للاستفادة من الفرص المتاحة. هذا التدفق الاستثماري المتبادل عزز مكانة الإمارات بوصفها مركزًا ماليًا إقليميًا يستقطب الشركات ورجال الأعمال من مختلف أنحاء العالم.
في قطاع الطاقة، يجمع بين البلدين اهتمام إستراتيجي بضمان استقرار أسواق النفط والغاز؛ فالإمارات وروسيا من كبار منتجي الطاقة عالميًا، وقد عملتا معًا ضمن إطار تحالف “أوبك بلس” للتنسيق بشأن مستويات الإنتاج بما يخدم مصلحة المنتجين والمستهلكين على حد سواء. أسهم هذا التنسيق النفطي في توطيد العلاقة السياسية بين أبو ظبي وموسكو، وفي تحقيق توازن السوق العالمية للطاقة. وإلى جانب التعاون في النفط والغاز التقليدي، هناك اهتمام متزايد بفرص مشتركة في تطوير مشروعات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة في قطاع الطاقة، مستفيدين من خبرات كل طرف وإمكاناته.
وفي جانب الأمن الغذائي، تنظر الإمارات إلى روسيا بوصفها شريكًا مهمًا للمساهمة في تنويع مصادر الغذاء وتأمينها؛ فروسيا تعد من أكبر مصدري القمح والحبوب في العالم، وتؤمّن نسبة كبيرة من واردات القمح لدولة الإمارات. وقد فتحت الشراكة بين البلدين المجال لاستثمارات زراعية مشتركة، وصفقات توريد طويلة الأجل للمواد الغذائية، ما يعزز قدرة الإمارات على الصمود أمام تقلبات سلاسل الإمداد العالمية، وضمان مخزون آمن من السلع الإستراتيجية.
أما في مجال التكنولوجيا والابتكار، فتشهد العلاقات الإماراتية الروسية تعاونًا متصاعدًا في القطاعات المتقدمة. وقد انخرط البلدان في مشروعات مشتركة في مجال علوم الفضاء، تُوّجت بإرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية، مما أسس لتعاون أوسع في هذا المجال. كذلك هناك شراكات وحوارات بشأن توظيف التقنيات الحديثة -كالذكاء الاصطناعي- في الإدارة والخدمات، وتبادل الخبرات في الأمن السيبراني والتكنولوجيا الرقمية. وقد وُقِّعَت مؤخرًا اتفاقيات لتوسيع الشراكة في قطاعات الاقتصاد الجديد، منها اتفاقية شاملة للتجارة في الخدمات والاستثمار (عام 2025) تغطي مجالات مثل الخدمات المالية والنقل واللوجستيات والتكنولوجيا المتقدمة، ما يضع إطارًا واضحًا لتعزيز التعاون التقني والاستثماري بين البلدين.
خلاصة القول، إن تعددية مجالات التعاون الإماراتي الروسي -من التجارة والاستثمار إلى الطاقة والأمن الغذائي والتكنولوجيا- تجعل هذه العلاقة ركيزة مهمة تدعم المصالح المشتركة؛ فالتبادل الاقتصادي والاستثماري يؤمن منافع متبادلة، ويعزز التنويع الاقتصادي للإمارات، والتنسيق في الطاقة والغذاء يدعم أمنها الاقتصادي، في حين يفتح التعاون التقني والعلمي آفاقًا مستقبلية للتطوير والابتكار. كل ذلك ضمن إطار شراكة تحكمها المصالح الوطنية، وتحترم التوازن الذي تنتهجه الإمارات في علاقاتها الدولية.
انتهجت دولة الإمارات سياسة خارجية تقوم على التوازن الإيجابي بين القوى الكبرى، بما يكفل تحقيق مصالحها الوطنية، وحفظ علاقاتها الإستراتيجية المتشعبة. فعلى الرغم من كون الإمارات حليفًا تقليديًا للولايات المتحدة والدول الأوروبية في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، فإنها سعت في العقد الأخير إلى توسيع نطاق شراكاتها الدولية لتشمل قوى عالمية، كروسيا والصين والهند، مرتكزةً على مبدأ تنويع التحالفات، وعدم الارتهان لطرف واحد. هذه المقاربة تعكس قراءة إماراتية للتحولات في النظام الدولي نحو عالم متعدد الأقطاب، حيث تتنافس قوى كبرى على النفوذ. ومن هذا المنطلق، حرصت أبو ظبي على إقامة علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وموسكو، مستثمرةً روابطها التاريخية مع الغرب، ومنفتحة -في الوقت نفسه- على شراكات جديدة مع روسيا وغيرها، ضمن إطار من الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
برزت سياسة التوازن الإماراتية الحكيمة بوضوح خلال الأزمات العالمية الراهنة، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية؛ فمع اندلاع النزاع الروسي الأوكراني عام 2022، وما تبعه من استقطاب دولي حاد، اختارت الإمارات نهج الحياد الإيجابي والدبلوماسية الهادئة بدلًا من الانحياز العلني إلى أي طرف. امتنعت أبو ظبي بدايةً عن التصويت على قرارات دولية تدين موسكو في الأمم المتحدة، ثم دعت لاحقًا إلى احترام سيادة الدول، وتسوية النزاع بالطرق السلمية، مسجلةً موقفًا يحافظ على جسور التواصل مع موسكو دون التخلي عن مبادئ القانون الدولي التي يطالب بها شركاؤها الغربيون. بالتوازي، استمرت العلاقات الإماراتية الوثيقة مع الولايات المتحدة في مجالات الدفاع، والاستخبارات، ومكافحة الإرهاب، حيث تستضيف الإمارات قوات أمريكية على أراضيها، وتعتبر واشنطن مصدرًا رئيسًا للتقنيات الدفاعية المتقدمة، وهذا يعني أن تعزيز التقارب مع روسيا لم يأتِ على حساب الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة؛ بل جاء ضمن رؤية إماراتية أشمل للحفاظ على صداقة الجميع، وتحقيق أقصى قدر من المرونة الإستراتيجية.
انضمت الإمارات بسياستها الحكيمة أيضًا إلى أطر تعاون دولية متنوعة تعكس هذا التوازن؛ فهي عضو في تحالفات أمنية دولية بقيادة غربية (مثل التحالف الدولي ضد تنظيم داعش)، وفي الوقت نفسه عززت حضورها في تكتلات جديدة، كمجموعة بريكس التي أصبحت الإمارات جزءًا منها بدءًا من عام 2024، إلى جانب روسيا والصين وقوى أخرى. كذلك أبرمت أبو ظبي اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع عدد من الاقتصادات الصاعدة في آسيا وإفريقيا، وتبحث إبرام اتفاقيات مماثلة مع شركاء تقليديين في أوروبا؛ ما يظهر سعيها إلى بناء جسور اقتصادية مع الشرق والغرب معًا. وفي المحافل الدبلوماسية، تحرص الإمارات على خطاب متوازن يدعو إلى نظام عالمي قائم على الحوار وتعددية الأطراف، وترفض منطق الاستقطاب الصفري؛ مما أكسبها صورة الشريك الموثوق به، القادر على التحدث إلى جميع الأطراف. وقد مكّنها هذا النهج من تعظيم مكاسبها؛ فمن جهة، حافظت على تحالفاتها الأمنية التقليدية مع الغرب، ومن جهة أخرى، استفادت من الفرص الاقتصادية والإستراتيجية التي توفرها علاقاتها المتنامية مع روسيا وقوى صاعدة أخرى، دون أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع أي منها.
حققت دولة الإمارات جملة من المكاسب الإستراتيجية عن طريق شراكتها الثنائية المتنامية مع روسيا؛ ما جعل هذه العلاقة رافدًا مهمًا لخدمة المصالح الوطنية الإماراتية، وترسيخ مكانتها على الساحة العالمية؛ فعلى الصعيد الاقتصادي، وفّرت العلاقات الوثيقة مع موسكو فرصًا واسعة لتنمية الاقتصاد الإماراتي، وتنويع شركائه التجاريين، إذ أتاح انفتاح السوق الروسية أمام الشركات والاستثمارات الإماراتية مجالات جديدة للنمو خارج الأسواق التقليدية الغربية، مما يقلل الاعتماد على أسواق بعينها، ويزيد متانة الاقتصاد الوطني. كما أن تدفق الاستثمارات الروسية ورؤوس الأموال إلى الإمارات دعم القطاعات غير النفطية، وعزّز مكانة مدن مثل دبي وأبو ظبي كمراكز مالية وسياحية تستقطب الزوار ورجال الأعمال من روسيا وغيرها. ولا شك أن ازدياد أعداد السياح والمقيمين الروس في الإمارات أسهم في تنشيط قطاعات السياحة والعقار والخدمات، فضلًا عن إثراء التنوع الثقافي في المجتمع الإماراتي.
في قطاع الطاقة، خدمت الشراكة مع روسيا المصلحة الإماراتية وسياستها الحكيمة من خلال تنسيق السياسات للحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية؛ فالعمل المشترك ضمن “أوبك بلس” مكّن الإمارات من تحقيق توازن بين الحفاظ على حصة سوقية مناسبة، وضمان أسعار عادلة للنفط، وهو ما يدعم إيرادات الدولة من صادرات الطاقة وميزانيتها العامة. وبالإضافة إلى ذلك، فتحت علاقة التعاون مع روسيا المجال لتبادل الخبرات في الصناعات النفطية والغازية، وتطوير التقنيات ذات الصلة، مما عاد بالفائدة على كفاءة القطاع النفطي الإماراتي. أما فيما يتعلق بالأمن الغذائي، فقد استفادت الإمارات من الشراكة الروسية في تأمين واردات مستقرة من الحبوب والمواد الغذائية الأساسية، وهو ما يعزز القدرة على الصمود في وجه أي أزمات غذائية عالمية محتملة. إن ضمان مصادر موثوقة للغذاء بأسعار مستقرة يمثل بعدًا أمنيًا واقتصاديًا حيويًا للإمارات، وقد ساعدت العلاقة مع روسيا على تحقيق جزء مهم من هذا الهدف.
على الصعيد الجيوسياسي والدبلوماسي، أكسبت العلاقة المميزة مع موسكو دولة الإمارات ثقلًا إضافيًا ودورًا أكبر على المسرح الدولي؛ فقد برزت الإمارات بوصفها وسيطًا مقبولًا من مختلف الأطراف في أزمات دولية، مستفيدة من ثقة كل من الغرب وروسيا بها، وتجلى ذلك في نجاحها بالقيام بدور الوساطة في عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، حيث رحّب الجانبان بالتحركات الإنسانية والدبلوماسية الإماراتية. هذا الدور عزز صورة الإمارات بوصفها دولة مسؤولة تسعى إلى تعزيز السلام والحلول السلمية، مما رفع رصيدها ومصداقيتها كفاعل دولي بنّاء. وبصورة أوسع، فإن الشراكة مع قوة عظمى كروسيا كرّست مكانة الإمارات ضمن الدول ذات السياسة الخارجية المستقلة، فهي اليوم شريك إستراتيجي لكل من واشنطن وموسكو وبكين في آن واحد؛ ما يمنحها هامشًا أوسع للمناورة، ويجعل صوتها مسموعًا في القضايا الإقليمية والعالمية. ومثال ذلك نجاحها في استضافة أحداث دولية كبرى (مثل معرض إكسبو 2020، ومؤتمرCOP28 ) بحضور ومشاركة قوى شرقية وغربية على حد سواء، مما يؤكد قدرة الإمارات على الجمع بين المتنافسين على أرضها، وتعزيز الحوار بينهم.
بالإضافة إلى ذلك، منح تنوع الشراكات الدولية للإمارات قوة تفاوضية أكبر أمام جميع الأطراف، كما فتح التعاون مع روسيا آفاقًا لاكتساب الخبرات في مجالات التكنولوجيا الدفاعية، والفضاء، والعلوم، مما ساعد على تسريع بناء القدرات الإماراتية محليًا. باختصار، يمكن القول إن الشراكة الإماراتية الروسية أصبحت نموذجًا لكيفية توظيف العلاقات الدولية لخدمة التنمية الوطنية، وتعزيز النفوذ السياسي في آن معًا؛ فهي علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة، تعزز أمن الإمارات الاقتصادي والغذائي، وترفع شأنها بوصفها قوة إقليمية مؤثرة تمتلك شبكة تحالفات عالمية متنوعة.
على الرغم من الفوائد الكثيرة للشراكة الإماراتية الروسية، فإنها لا تخلو من تحديات وضغوط خارجية تتطلب حنكة سياسية لإدارتها بحكمة. في مقدمة هذه التحديات يأتي الضغط الذي تمارسه بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على الإمارات لتقليص مستوى تعاونها مع روسيا في ظل العقوبات الدولية المفروضة على موسكو؛ فمنذ اندلاع أزمة أوكرانيا، تواجه الإمارات تدقيقًا متزايدًا من واشنطن وعواصم أوروبية بشأن أنشطتها التجارية والمالية مع روسيا، خشية استغلال الأراضي الإماراتية منفذًا للالتفاف على العقوبات. وقد تزايدت التحذيرات الغربية من احتمال اتخاذ إجراءات ضد شركات أو كيانات إماراتية تتورط في خرق تلك العقوبات، ما يضع صانع القرار الإماراتي أمام معضلة تحقيق التوازن الدقيق بين احترام التزاماته كشريك دولي وعدم التضحية بمصالحه الاقتصادية السيادية. يُضاف إلى ذلك تحدٍّ مرتبط بسمعة الإمارات الدولية؛ حيث إن تعزيز العلاقة مع روسيا خلال فترة تعرّضها لانتقادات واسعة من الغرب قد يعرّض أبو ظبي لانتقادات إعلامية وسياسية في الغرب، بوصفها “شريكًا” لبلد منبوذ لدى الرأي العام الغربي. هذه الصورة السلبية المحتملة تتطلب جهودًا دبلوماسية لتوضيح الموقف الإماراتي المستقل والقائم على تغليب الحلول السلمية.
بالإضافة إلى الضغوط الغربية، هناك تحديات ناشئة من تباين أولويات كل من الإمارات وروسيا في بعض الملفات الإقليمية؛ فمثلًا، تقيم موسكو شراكة إستراتيجية متقدمة مع طهران، تشمل التعاون العسكري والتقني، في حين تنظر الإمارات بحذر إلى تنامي النفوذ الإيراني، وبرنامج إيران النووي والصاروخي. كما أن الدور الروسي في سوريا تاريخيًا كان داعمًا للحكومة السورية، فيما دعمت دول الخليج (ومنها الإمارات، فترة) أطرافًا أخرى في الصراع السوري قبل تغيير المقاربة مؤخرًا. هذه الاختلافات المحتملة في وجهات النظر تفرض على الإمارات أن تحافظ على حوار صريح مع موسكو؛ لضمان عدم تعارض التعاون الثنائي مع مصالح الأمن القومي الإماراتي في الإقليم؛ وعليه، فإن إدارة أي تباينات -على نحو بنّاء- تتطلب قنوات تواصل مفتوحة، وآليات تنسيق دبلوماسية تتيح طرح الهواجس ومعالجتها بروح الشراكة.
من التحديات الأخرى احتمال تصاعد الاستقطاب الدولي إلى مستوى يضيق فيه الهامش المتاح للدول غير المنحازة، فإذا ما تدهورت العلاقات الروسية مع الغرب إلى حد قطيعة شبه كاملة، فستجد الإمارات نفسها تحت ضغوط متزايدة لاتخاذ مواقف قد لا تتوافق مع سياسة التوازن التي تنتهجها. كذلك قد يظهر تحدٍ اقتصادي في حالة تعرض الاقتصاد الروسي لمزيد من العقوبات أو الانكماش، مما قد يؤثر في استثمارات الإمارات هناك، أو في حركة التجارة الثنائية. ولا يمكن إغفال جانب الأخطار التقنية والأمنية، مثل ضرورة ضمان ألا يتسبب التعاون التكنولوجي مع روسيا في إشكالات تتعلق بأمن المعلومات، أو يتعارض مع التزامات الإمارات تجاه شركائها الآخرين في مجال تبادل المعلومات والتقنيات الحساسة.
وأمام هذه التعقيدات، يتطلب المشهد اتباع سياسات حصيفة تمكن الإمارات من حماية مكتسباتها وتخفيف حدة الضغوط، ويشمل ذلك تعزيز الامتثال للقوانين الدولية ذات الصلة عند التعامل مع روسيا، وتكثيف التواصل الدبلوماسي مع الحلفاء الغربيين لشرح نهج الإمارات وطمأنتهم، إلى جانب مواصلة نهج تنويع الشراكات الإستراتيجية، وبناء القدرات الوطنية.
ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير