تسعى الهند والصين إلى تعظيم الاستفادة من الأنهار العابرة للحدود، والاستفادة منها لتحقيق أهدافهما الوطنية. وتظل الضرورات الوطنية قائمة لتأمين إمدادات المياه الكافية للإنتاج الزراعي والغذاء، وأمن الطاقة، وتعزيز معايير التنمية المستدامة في الصناعات الكثيفة الاستهلاك للمياه. ولكن نظرًا للتوترات المتصاعدة في العلاقات الصينية الهندية، والقدرة الجغرافية الفطرية التي تتمتع بها الصين على الاستفادة من موارد المياه المشتركة باعتبارها دولة منبع، فقد تزايدت المخاوف الهندية فيما يتعلق بتأمين إمدادات المياه من الصين.
ينبع التخوف الرئيس لدى نيودلهي من تحويل المياه في الصين، ومشروعات السدود الضخمة على طول نهر براهمابوترا. ومن إجمالي إمكانات الطاقة الكهرومائية في الهند، يقع ما يقرب من 44 % منها في حوض نهر براهمابوترا. في عام 2002، أطلقت الصين مشروع تحويل المياه من الجنوب إلى الشمال (SNWT)، وهو أكبر مشروع لنقل المياه على الإطلاق، وسيحوّل المشروع ما يصل إلى (45) مليار متر مكعب من المياه سنويًّا من الأنهار الجنوبية للوصول إلى الشمال الجاف. وأعربت نيودلهي عن قلقها من احتمال تحويل نهر براهمابوترا إلى المسار الغربي للمشروع. ومن الممكن أن تؤدي هذه الأنشطة الصينية إلى الحد من تدفق المياه إلى الهند، مما يؤدي إلى تكبد تكاليف اجتماعية واقتصادية وبيئية وبيئية كبيرة. وعلى العكس من ذلك، فإن المياه المفرطة المتدفقة من الصين يمكن أن تسبب فيضانات مفاجئة في ولاية آسام وأروناشال براديش، مما يهدد السكان الهنود في اتجاه مجرى النهر، على غرار الفيضانات الكبرى التي حدثت عام 2000.
ردًا على ذلك، جدّدت حكومة مودي ونفّذت اثني عشر مشروعًا متوقفًا للطاقة الكهرومائية في أروناتشال براديش (ولاية هندية حدودية مع الصين). وأبلغ رئيس وزراء ولاية أروناتشال براديش مجلس الولاية مؤخرًا أن الحكومة الهندية اقترحت بناء حاجز كبير على نهر سيانج، وكان الغرض من هذا الحاجز هو إبقاء نهر سيانج “على قيد الحياة” في ضوء التهديدات المحتملة من السد الضخم الذي تبنيه الصين على نهر براهمابوترا بموجب خطتها الخمسية الرابعة عشرة (2021- 2025).
وتحاول الهند تحقيق التوازن والحد من الأخطار المرتبطة بسلوك الهيمنة المائية للصين بوصفها جارة المنبع. كما أطلقت نيودلهي مشروعات ضخمة للطاقة الكهرومائية على جانبها من الحدود الهندية الصينية، حيث يعد سد ديبانج للطاقة الكهرومائية، في أروناتشال براديش، الذي تبلغ تكلفته (3.9) مليار دولار، أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في الهند على الإطلاق. وقال رئيس الشركة الهندية المملوكة للدولة المكلفة بالمشروع، إن “هذا السد مخصص لتخفيف الفيضانات، وإنتاج الطاقة الكهرومائية هو أمر ثانوي”، مشددًا على أهمية بناء السدود في المناطق الحدودية لمواجهة التهديدات المحتملة لإطلاق الصين المياه على نحو غير متوقع خلال حالة الطوارئ.
في حين أن الهند لديها معاهدات لتقاسم المياه مع معظم جيرانها- ومنهم باكستان (معاهدة مياه السند) وبنغلاديش (معاهدة مياه نهر الجانج)- فإن غياب معاهدة المياه الصينية الهندية الملزمة قانونًا يفشل في معالجة المسائل الرئيسة المتعلقة بإدارة المياه المشتركة. ولم تسفر المبادرات الدبلوماسية الصينية الهندية بشأن مياه الأنهار المشتركة عن توافقات كبيرة. وغموض بكين بشأن تبادل المعلومات، وخاصة خلال التوترات الحدودية بين الهند والصين، يجعل نيودلهي حذرة من السلوك الصيني. كما أن استغلال المياه الصينية الهندية المشتركة في نزاعات إقليمية وسياسية أكبر يزيد ترسيخ المياه بوصفها مصدرًا للتنافس والصراع والتوتر.
وبعيدًا عن ندرة المياه، فإن غياب الثقة، والعداوات التاريخية، وعدم تكافؤ القوى، والتفكير الصفري، يجعل من الصعب التفاوض على معاهدة تقاسم المياه بين الصين والهند. وتؤيد الصين الوضع الراهن مع الهند في مجال مياه الأنهار. وباعتبارها دولة في موقف أضعف، فإن المصالح الرئيسة للهند تتضمن إرساء مبادئ رسمية لتقاسم المياه واستخدامها، ولكن من وجهة نظر الصين، فإن هذا سوف يتطلب تكاليف كبيرة للسيادة والاستقلال الذاتي، فضلًا عن مكاسب سياسية واقتصادية محدودة؛ لذا ليس لدى بكين حافز كبير لتعزيز التعاون مع نيودلهي لأنها لا ترى فائدة تذكر.
فالصين غير مستعدة لتسوية نزاعات المياه القائمة مع الهند وغيرها من الدول المجاورة المطلة على ضفاف الأنهار، واختارت إجراء دبلوماسيتها المتعلقة بالمياه بشكل ثنائي كجزء من دبلوماسيتها الخارجية. وأثار رئيس الوزراء ناريندرا مودي مخاوف الهند خلال قمته عام 2018 مع الرئيس شي جين بينغ. ولا تزال نيودلهي تشعر بالقلق من أن تبادل البيانات الهيدرولوجية لا يتم إلا بقرار صيني، وهو ما يمكن تعليقه، أو حتى إنهاؤه بسهولة، خاصةً أن بكين علقت تبادل بيانات تدفق الأنهار مع الهند- على الرغم من وجود مذكرات تفاهم متعددة لتبادل البيانات الهيدرولوجية بعد كل جولة مِن الاشتباكات العسكرية التي حدثت عامي 2017 و2020. وفي الآونة الأخيرة، منعت الصين أيضًا تدفق نهر جالوان (أحد روافد نهر السند) من خلال تغيير مساره الطبيعي، ومنعه من دخول الهند. ونظرًا إلى سلوك الهيمنة المائية لبكين، يتعين على نيودلهي أن تستعد لمزيد من المشكلات في تدفق الأنهار من الصين.
يتعين على الهند أن تدرك أن مذكرات التفاهم الحالية قد لا تُمدَّد بعد الموعد النهائي، وأن تكون مستعدة لسيناريوهات الطوارئ، وهذا يعني أيضًا الضرورة الملحة لأن تنظر نيودلهي في سيناريوهات الطوارئ النشطة، والتقييمات القائمة على التهديد بشأن الكيفية التي يمكن أن تحاول بها الصين استخدام موارد المياه المشتركة سلاحًا لتحقيق مزايا عسكرية وإستراتيجية في حالة نشوب صراع مسلح بين الهند والصين. وبالإضافة إلى مذكرات التفاهم الصينية الهندية التشغيلية بشأن تبادل البيانات الهيدرولوجية، أُنشئت آلية على مستوى الخبراء بين الهند والصين في عام 2006، وهي تجتمع سنويًّا منذ عام 2007 لمناقشة المراقبة الهيدرولوجية، والتنبؤ بالفيضانات، وإدارة موارد المياه المشتركة.
ومن الممكن أن تشكل مبادرة تنظيمية حكومية دولية فعّالة دورًا في مناقشة المخاوف الهندية بشأن مشروعات الطاقة الكهرومائية الصينية في المناطق الحدودية. إن تنظيم هذه التفاعلات وزيادة كثافتها على أساس ربع سنوي دوري بمشاركة مختلف أصحاب المصلحة الحكوميين والبيروقراطيين والأكاديميين والمجتمعيين، سيؤدي إلى زيادة بناء الثقة الإستراتيجية تدريجيًّا. وتمثل آليات بناء الثقة، مثل آلية تعلم الطوارئ، قناة مفيدة لبناء التواصل بين الجانبين، وهو ما من شأنه أن يساعد في تنظيم تفاعلاتهما، وتعزيز التفاهم الأفضل، وأهم من ذلك، المساعدة في منع الصراع المفتوح.
إذا فكرت الهند والصين في فصل إدارة الموارد المائية المشتركة عن القضايا الخلافية الأخرى- مثل النزاع على الحدود البرية- فقد يكون ذلك خطوة أولى نحو مزيد من التعاون في مجال مياه النهر وبناء الثقة. وهناك حاجة ماسة إلى قدر أكبر من التعاون المؤسسي بين بكين ونيودلهي فيما يتصل بقضايا المياه. وقد يكون من المفيد تعزيز آليات التعاون الثنائي القائمة بموجب مذكرات التفاهم النشطة، مثل آلية مستوى الخبراء، التي تستهدف التحديات المشتركة المرتبطة بإدارة الطوارئ، ومكافحة التلوث، والحفاظ على أحواض الأنهار وتنميتها، وهذا من شأنه أن يعزز الثقة بين الجانبين، كما يعزز الحوار النشط لحل المخاوف القائمة.
تشترك الهند والصين في عدد من الأنهار العابرة للحدود، منها نهر السند، وسوتليج، وبراهمابوترا؛ لذا، إذا رغبت بكين في الاستفادة من الممرات المائية المشتركة، دون القلق من التأثيرات السلبية على مجرى النهر السفلي، عليها بالاستغلال المشترك للموارد المائية وللطاقة الكهرومائية مع نيودلهي. وبينما يواصل المجتمع الدولي تركيزه على أنشطة الصين العدائية في بحر الصين الجنوبي، أحرزت بكين تقدمًا سريعًا في أنشطة بناء السدود على طول الأنهار المشتركة العابرة للحدود، وقد أثار هذا مخاوف في منطقة المصب في الهند بشأن قدرة بكين على التحكم في إمدادات المياه، وتغييرها.
وتعد أنهار الهيمالايا مصدرًا لا يقدر بثمن للمياه لكلا البلدين الجارين، حيث يؤدي النمو الاقتصادي السريع والأنشطة التنموية إلى زيادة الطلب المحلي على المياه. وتعد الصين والهند من بين الدول التي تتمتع بأدنى مستوى من توافر المياه العذبة للفرد. ويعاني كلاهما ندرة المياه، ويعانيان صعوبات بسبب عوامل مترابطة متعددة، منها ارتفاع مستويات استهلاك الفرد، والتصنيع، والتوزيع، والتحضر، والتلوث، والهجرة. وتعد الصين مزودًا للمياه العابرة للحدود؛ لسيطرتها على كثير من الأنهار التي تنبع من التبت. ونظرًا إلى وجود معضلة أمنية بارزة مع الهند، تتفاقم بسبب الممرات المائية المشتركة، فهناك حاجة إلى قدر أكبر من التعاون بين الهند والصين في مجال مياه الأنهار، يستهدف آليات مؤسسية أعمق، وتدابير بناء الثقة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.