تأسست جماعة أنصار الله (جماعة الحوثيين) في أواخر التسعينيات في أقصي شمال اليمن، وهي حركة إحياء ديني للطائفة الشيعية الزيدية، التي كانت تحكم اليمن في السابق. ارتبطت جماعة الحوثيين بحزب سياسي يُعرف باسم “الحق”، وفي الانتخابات البرلمانية اليمنية عام 1993، فاز الحزب بمقعدين في البرلمان، وشغل الزعيم الأول للحركة، وهو حسين بدر الدين الحوثي أحدهما في المدة من 1993 حتى 1997.
تحولت الجماعة الحوثية إلي تنظيم مسلح في عام 2004، ودخلت في مواجهات مع القوات الحكومية اليمنية، واتخذت لها أسماء مختلفة، حتى استقرت على اسم “أنصار الله”، ودارت الحروب بين الحكومة اليمنية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، من طرف، والحوثيين من طرف آخر، وتصاعدت الخلافات بينهما، كما دخلوا أيضًا في نزاع حدودي مع السعودية استمر مدة قصيرة.
تنامت قوة الحوثيين من خلال سيطرتهم على بعض المراكز المهمة في البلاد، في أثناء ثورات ما يسمى “الربيع العرب”، حيث شارك الحوثيون في المظاهرات المناهضة لحكم الرئيس صالح، وكان سقوط صالح فرصة ثمينة للحوثيين لتعزيز نفوذهم في اليمن. وفي عام 2014، عندما اندلعت الحرب في اليمن بين الحكومة المركزية والحوثيين، تمكنوا من السيطرة على صنعاء. وخوفًا من تزايد نفوذ إيران قرب الحدود السعودية، تدخلت المملكة العربية السعودية، عن طريق إقامة تحالف عسكري عام 2015؛ لدعم الحكومة اليمنية الشرعية في مواجهة حركة الحوثيين، ثم بدأت بعدها بإجراء محادثات بهدف وقف الحرب، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين الأطراف اليمنية المختلفة.
أما فيما يتعلق بالأوضاع في اليمن، فإن اليمن يشهد هدوءًا نسبيًّا منذ أكثر من عام تقريبًا؛ نتيجة الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لحفظ السلام.
شن الحوثيون عدة هجمات على السعودية والإمارات، حيث تمتلك الجماعة أسلحة متنوعة خفيفة، بالإضافة إلى صواريخ باليستية، وطائرات مسيرة ومسلحة قادرة على ضرب إسرائيل على بعد أكثر من ألف ميل من صنعاء. ومن هنا يظهر تساؤل: هل الحوثيون قادرون على تسليح أنفسهم؟ أم أن هناك قوة أخرى تدعمهم؟ وفقًا للاعتقاد الأمريكي، فإن الحرس الثوري الإيراني هو المسؤول عن تخطيط الهجمات الحوثية بالطائرات والصواريخ وتنفيذها.
ومع أن إيران تنفي تورطها، فإنه وفقًا للخبراء، فإن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون تشبه في تصميمها الأسلحة الإيرانية، ويمكنها الوصول إلى مسافات تصل إلى 2000 كيلومتر.
شهدت الأسابيع الأخيرة بعض الهجمات الحوثية المتواصلة على السفن في البحر الأحمر، وبرر الحوثيون تلك الهجمات بأنها بهدف الضغط علي إسرائيل والولايات المتحدة، الداعمة لها في العدوان الإسرائيلي على غزة. كما أعلنت الحركة أن تلك الهجمات تستهدف الناقلات المتجهة من المواني الإسرائيلية وإليها، بغض النظر عن جنسية تلك الناقلات، فيما اعتبرت الحكومة اليمنية أن تلك الهجمات ليست لها علاقة بالقضية الفلسطينية، وإنما تأتي بأوامر إيرانية.
وفي يوم الاثنين، الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول)، شنت جماعة الحوثيين هجومًا جديدًا بطائرات مسيرة في البحر الأحمر، واستهدف الهجوم سفينتين، هما سفينة “سوان أتلانتك”، وهي محملة بالنفط، وسفينة “إم إس سي كلارا” التي تحمل حاويات، وأعلنت الجماعة استمرارها في استهداف أي سفينة تمر في البحر الأحمر لا تتبع تعليماتها، وجاء ذلك الهجوم بعد نحو أسبوعين من احتجاز الجماعة سفينة تعود ملكيتها إلي رجل أعمال إسرائيلي.
ولم تكن تلك الهجمات هي الأولى من نوعها في مضيق باب المندب، وهو ممر بين اليمن وجيبوتي في أقصى جنوب البحر الأحمر، وتكمن أهميته في أنه يُعد من أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، ويعبر من خلاله خُمس الاستهلاك العالمي من النفط.
في يوم الأحد، الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أعلن الحوثيون أن قواتهم البحرية هاجمت سفينتين إسرائيليتين، هما سفينة “يونيتي إكسبلور”، وسفينة “نمبر 9″، من خلال طائرة مسيرة مسلحة وصاروخ بحري، وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين إن هذا الهجوم جاء بعد رفض السفينتين للتحذيرات، وإن تلك الهجمات هي استجابة لمطالب الشعب اليمني بالوقوف بجانب الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل خلال الحرب على غزة.
وقد سبق هذا الهجوم هجوم آخر في التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث أعلن الحوثيون استيلاءهم علي سفينة “غلاكسي ليدر” الإسرائيلية، بالإضافة إلى احتجاز طاقم تلك السفينة. ويُعد هذا الهجوم هو الأول بعد إعلان الحوثيين إغلاق البحر الأحمر أمام السفن الاسرائيلية إثر الحرب على غزة. وحسب أقوال المتحدث العسكري باسم الجماعة، فإن مصير السفينة مرتبط بمصالح المقاومة الفلسطينية وأهدافها في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
إن الهجمات الحوثية المتكررة على السفن التجارية في باب المندب والبحر الأحمر مستمرة منذ سنوات، وإن تفاوتت حدتها من وقت إلى آخر، أي إنها بدأت قبل العدواني الإسرائيلي الجاري على غزة بسنوات؛ ومن ثم فإن الهجمات الحوثية موجهة ضد الملاحة في البحر الأحمر بشكل عام، فإسرائيل تستطيع وقف العمل بمينائها على خليج العقبة مؤقتًا، كما يمكنها استقبال سفنها في موانيها على البحر المتوسط، وتكون قناة السويس هي المتضرر في المقام الأول من تهديد الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.
بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، اتخذت بعض الشركات التجارية قرار تعليق نشاطها عبر البحر الأحمر مرورًا بقناة السويس، وتحويل مسار رحلاتها من خلال طريق رأس الرجاء الصالح.
وعند تقدير الرحلات التجارية بين الخليج العربي ولندن من خلال قناة السويس، نجد أنها تقدر بنحو 6400 ميل بحري، وتستغرق 14 يومًا، في حين تمتد الرحلة نفسها من خلال طريق رأس الرجاء الصالح إلى نحو 11300 ميل بحري، وتستغرق 24 يومًا. وعند تقدير الرحلة- على سبيل المثال- من جدة إلي نيويورك بالمرور بقناة السويس، نجد أنها تستغرق نحو 8281 ميلًا بحريًّا، في حين تستغرق الرحلة نفسها بالمرور بطريق رأس الرجاء الصالح نحو 11794 ميلًا بحريًّا، أي إن قناة السويس تحقق وفرًا بنسبة 30%.
ونظرًا إلى هذا الفرق الواضح في المسافة والزمن اللذين تستغرقهما الرحلة التجارية عند المرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح بدلًا من قناة السويس، فإن هذا يبطئ حركة التجارة العالمية، كما أنه يستهلك مزيدًا من الوقود؛ ومن ثم رفع تكلفة الشحن والخدمات اللوجستية البحرية، ومن ثم أيضًا ارتفاع الأسعار في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن انتقال العالم واعتماده على خط تجاري واحد فقط- بعد تعثر طريق قناة بنما- يعد تهديدًا كبيرًا للتجارة العالمية، خاصة في حالة وقوع حوادث قرصنة على هذا الطريق؛ مما يؤدي إلى توقف حركة الملاحة عالميًّا.
تعد قناة السويس- القناة الملاحية التي تصل بين البحر المتوسط عند بورسعيد والبحر الأحمر عند السويس- هي أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب بالمقارنة مع طريق رأس الرجاء الصالح، حيث يوفر طريق القناة في الوقت والمسافة اللذين تستغرقهما الرحلات التجارية؛ ومن ثم تتحق وفرة في تكاليف تشغيل السفن العابرة، واستهلاك الوقود.
تستحوذ قناة السويس على ما يقرب من 12% من التجارة العالمية التي تمر عبرها، في حين تستقبل ما يقرب من 8 % من تجارة الغاز الطبيعي، و10 % من المشتقات البترولية.
وبحسب ما أعلنته هيئة لقناة السويس، فإن 55 سفينة غيّرت مسار رحلاتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني)؛ وهو ما يؤثر في عوائد قناة السويس في حالة استمرار الهجمات في البحر الأحمر.
أصدرت الولايات المتحدة، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، وكثير من الدول، ومنها اليمن، بيانًا يدين هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وعبّر هذا البيان عن امتناع جميع الدول الموقعة عليه عن أي تسهيل للحوثيين، وأنه لا يوجد مبرر لهذه الهجمات التي تؤثر في كثير من الدول، وتهدد التجارة العالمية.
وأرسلت إيطاليا فرقاطة لتعزيز الأمن في البحر الأحمر، فيما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تمثل تهديدًا للتجارة العالمية، ووصف وزير الدفاع الأمريكي تلك الهجمات بأنها غير مسبوقة، وتتطلب ردًا دوليًّا.
وتلقت الجماعة تحذيرات من سلطنة عمان لوقف الهجمات المهددة للملاحة في البحر الأحمر، كما حذرت وزيرة الخارجية الفرنسية من أن الهجمات في البحر الأحمر لا يمكن أن تبقي دون رد.
في البداية، لم يتجاوز رد الفعل الدولي على هجمات الحوثيين، الإدانة والتحذير، دون اتخاذ أي رد فعل رادع، وقابل الحوثيون تلك التحذيرات الدولية بالرفض، بل توعدت الجماعة بأنها ستنتقل إلى مرحلة إغراق السفن بدلًا من مجرد المنع والردع من العبور في مياه البحر الأحمر، فهي- وفقًا لما قاله أحد قادتها العسكريين- قادرة على تحقيق ذلك الهدف. أما فيما يتعلق بـ”المبادرة الأمنية” التي تقودها الولايات المتحدة، فقد أكد أنها لن تمنعهم.
يبقي السؤال هنا: هل الدول الكبرى عاجزة عن ردع الحوثيين وتأمين طرق تجارتها؟ قد يكون تفسير ذلك هو أن الحوثيين جماعة تفتقد إلى الشرعية، والاعتراف الدولي؛ ومن ثم فمن الصعب تطبيق العقوبات الدولية عليها، وقد تكون هناك أسباب أخرى غير معلنة، ولكن تبقى الهجمات الحوثية المتكررة في البحر الأحمر عوامل تسبب حالة من القلق بشأن التجارة الدولية، ولا يمكن إنكار أن تلك الهجمات جاءت متكررة بغزارة بعد حرب غزة، وفقًا لخطاب الحوثيين المعلن؛ بهدف الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل وقف الحرب على قطاع غزة. الهجمات الحوثية قادرة على إحداث تغيير في موازين القوى في المنطقة، وإلحاق ضرر اقتصادي كبير بمصر، من خلال تراجع عائدات قناة السويس، وهو ما يفرض ضرورة التعامل معها في ظل تزايد إمكانية تدخل دول كبرى للدفاع عن مصالحها.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.