تقدير موقف

التحديات والفرص الهندية في ضوء الصراع الإسرائيلي- الإيراني


  • 25 يونيو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: news18

تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا غير مسبوق مع اندلاع الحرب الإيرانية- الإسرائيلية في يونيو/ حزيران 2025، التي بدأت بهجمات إسرائيلية استباقية على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، تلتها ردود إيرانية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة. هذا الصراع، الذي تصاعد بتدخل أمريكي مباشر عن طريق ضربات على مفاعلات نووية إيرانية، ألقى بظلاله على الديناميكيات الإقليمية والعالمية، ومنها العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية لدول مثل الهند. تتمتع الهند بعلاقات إستراتيجية مع إسرائيل، تركز على التعاون الدفاعي والتكنولوجي، في حين تحافظ على علاقات اقتصادية مع إيران، خاصة في مجال الطاقة والبنية التحتية. في الوقت نفسه، يشكل السياق الإقليمي لما بعد الحرب الهندية- الباكستانية عاملًا إضافيًّا يعقد حسابات نيودلهي.

السياق الإقليمي والعالمي للحرب الإيرانية- الإسرائيلية

بدأت الحرب الإيرانية- الإسرائيلية في 13 يونيو/ حزيران 2025 بهجوم إسرائيلي مفاجئ استهدف منشآت نووية إيرانية، منها نطنز وفوردو، إلى جانب قواعد عسكرية ومصانع صواريخ باليستية. أسفر الهجوم عن مقتل قادة عسكريين بارزين، وعلماء نوويين إيرانيين؛ مما دفع إيران إلى الرد بهجمات صاروخية على إسرائيل، أصابت أهدافًا مدنية وعسكرية. تصاعد الوضع بتدخل الولايات المتحدة في 22 يونيو/ حزيران 2025، حيث استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية، مما أضاف بُعدًا دوليًّا للصراع. هذا التصعيد أثر في استقرار المنطقة، مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، وتهديدات بإغلاق مضيق هرمز، وهو ما يؤثر مباشرة في الاقتصادات الآسيوية، بما في ذلك الهند.

في سياق ما بعد الحرب الهندية- الباكستانية، من المفترض أن الهند خرجت من نزاع محدود مع باكستان، ربما بسبب توترات في كشمير، أو هجمات إرهابية عبر الحدود. هذه الحرب، حتى لو كانت قصيرة، عززت تركيز الهند على الأمن القومي، والاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية؛ مما يعزز أهمية شراكتها مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن العلاقات مع إيران، التي تدعم باكستان تقليديًّا، أصبحت أكثر تعقيدًا، خاصة بعد العقوبات الأمريكية على طهران وتصاعد التوترات الإقليمية.

الاستثمارات الهندية في إسرائيل.. الأهمية والتحديات

تشهد العلاقات الهندية- الإسرائيلية نموًا مطردًا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة عام 1992. تركز الشراكة على قطاعات الدفاع والتكنولوجيا والزراعة والمياه. إسرائيل هي أحد أكبر موردي الأسلحة للهند، حيث تشمل الصفقات أنظمة الدفاع الصاروخي، مثل “باراك- 8″، وطائرات بدون طيار، وتقنيات المراقبة. وفقًا لتقارير هندية، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين نحو 10 مليارات دولار عام 2024، مع استثمارات متبادلة في التكنولوجيا الفائقة والشركات الناشئة. شركات هندية مثل “تاتا” و”ماهيندرا” أقامت شراكات مع نظيراتها الإسرائيلية في مجالات الذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات.

تأثرت هذه الاستثمارات سلبًا بالحرب الإيرانية- الإسرائيلية؛ أولًا: أدت الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل إلى تعطيل الأنشطة التجارية، خاصة في مناطق مثل تل أبيب وحيفا، حيث تتركز مراكز التكنولوجيا. ثانيًا: أثارت الحرب مخاوف المستثمرين الهنود من عدم الاستقرار الأمني، مما قد يؤدي إلى تأخير مشروعات مشتركة، أو إعادة تقييم المخاطر. ثالثًا: تسبب ارتفاع أسعار النفط، نتيجة التوترات في الخليج، في ضغوط اقتصادية على الهند، التي تعتمد على استيراد 80% من احتياجاتها النفطية؛ مما يحد قدرتها على تمويل استثمارات جديدة في إسرائيل.

ومع ذلك، قد تعزز الحرب بعض جوانب الشراكة الدفاعية. الهند، التي تسعى إلى تطوير قدراتها العسكرية بعد نزاعها مع باكستان، قد تزيد الطلب على الأنظمة الإسرائيلية المضادة للصواريخ والطائرات المسيرة، خاصة بعد نجاح إسرائيل في اعتراض معظم الهجمات الإيرانية. هذا التوجه قد يعوض جزئيًّا الخسائر في القطاعات المدنية، لكنه يعتمد على استقرار إسرائيل الداخلي، وقدرتها على استئناف الإنتاج.

موقف الهند من إيران.. حياد دبلوماسي أم انحياز مقنع؟

تحافظ الهند على علاقة اقتصادية مع إيران، رغم التحديات الناجمة عن العقوبات الأمريكية. كانت إيران، حتى عام 2019، ثالث أكبر مورد نفطي للهند، وتشارك الهند في تطوير ميناء تشابهار الإيراني، الذي يوفر ممرًا تجاريًّا إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، متجاوزًا باكستان. ومع ذلك، أجبرت العقوبات الأمريكية الهند على تقليص استيراد النفط الإيراني، وفي فبراير/ شباط 2025، طالت العقوبات أربع شركات هندية بسبب تجارتهم مع إيران.

بعد الضربات الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية، تواجه الهند معضلة دبلوماسية؛ من جهة، تدعم الهند مبدأ منع انتشار الأسلحة النووية، وهو موقف متسق مع مخاوفها من برنامج إيران النووي، خاصة في ضوء دعم إيران التاريخي لباكستان. ومن جهة أخرى، تسعى الهند إلى الحفاظ على علاقاتها مع إيران لضمان استقرار إمدادات الطاقة، وتطوير مشروعات إقليمية مثل تشابهار. اتخذت الهند موقفًا متحفظًا منذ بدء الحرب، حيث امتنعت عن إدانة إسرائيل، ورفضت الانضمام إلى بيانات دولية تدين الهجمات على إيران، مثل بيان منظمة شنغهاي.

في سياق ما بعد الحرب الهندية- الباكستانية، يزداد تعقيد هذا الموقف. العداء المستمر مع باكستان، التي أدانت الهجمات الإسرائيلية، وأبدت تضامنًا مع إيران، يدفع الهند إلى تجنب أي تقارب علني مع طهران. في الوقت نفسه، تسعى الهند إلى تجنب استعداء إيران، التي قد تؤدي دورًا في استقرار أفغانستان، وهي منطقة ذات أهمية إستراتيجية للهند بعد انسحاب القوات الأمريكية. يعكس هذا النهج سياسة “الحياد المحسوب”، التي تحاول الهند من خلالها موازنة مصالحها مع إسرائيل وإيران، دون الانحياز الكامل إلى أي طرف.

تأثير الضربات الأمريكية في المفاعلات النووية الإيرانية

أضافت الضربات الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية بُعدًا جديدًا للصراع، حيث أظهرت التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل، لكنها زادت المخاطر الإقليمية. أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم وجود تسرب إشعاعي، لكن الضربات ألحقت أضرارًا بمنشآت أصفهان ونطنز، مما أضعف برنامج إيران النووي مؤقتًا. بالنسبة للهند، فإن هذا التطور يعزز الضغوط الأمريكية للانحياز ضد إيران، خاصة مع وجود إدارة ترمب التي تتبنى سياسة صلبة تجاه طهران.

اقتصاديًّا، أدت الضربات إلى تقلبات في أسواق الطاقة، مما يؤثر في الهند بوصفها مستوردًا رئيسًا للنفط. دبلوماسيًّا، قد تجد الهند نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم مشاركتها في مشروعات مثل تشابهار، خاصة إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية. ومع ذلك، فإن موقف الهند المؤيد للدبلوماسية كوسيلة لحل النزاعات يدفعها إلى دعوة الأطراف إلى ضبط النفس، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية جاي شنكر، الذي اقترح دورًا وسيطًا محتملًا للهند.

تداعيات الحرب الهندية- الباكستانية على الحسابات الإستراتيجية

افتراض وقوع حرب هندية- باكستانية حديثة يعزز تركيز الهند على تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية. هذه الحرب، التي ربما شملت مواجهات محدودة، أو تصعيدًا في كشمير، عززت أهمية الشراكة مع إسرائيل بوصفها موردًا للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة. في الوقت نفسه، فإن العلاقات الوثيقة بين إيران وباكستان، بما في ذلك التعاون في مجالات الطاقة والأمن، تجعل الهند حذرة من أي تقارب مع طهران قد يُفسر بأنه تساهل مع خصمها التقليدي.

كما أن الحرب الهندية- الباكستانية ربما أثارت مخاوف داخلية بشأن استقرار المنطقة؛ مما يدفع الهند إلى تفضيل الاستقرار الإقليمي على الانحياز الكامل لأي طرف في الصراع الإيراني- الإسرائيلي. هذا التوجه يتفق مع نهج الهند في السياسة الخارجية، الذي يركز على “التعددية القطبية”، والحفاظ على استقلالية القرار.

تقييم الموقف: التحديات والفرص

تواجه الهند تحديات كبيرة نتيجة الحرب الإيرانية- الإسرائيلية. اقتصاديًّا، تهدد التقلبات في أسواق الطاقة، وانخفاض الثقة باستقرار إسرائيل، الاستثمارات الهندية، خاصة في القطاعات المدنية. دبلوماسيًّا، تضع الضربات الأمريكية الهند في موقف حرج، حيث يتعين عليها موازنة ضغوط واشنطن مع مصالحها في إيران. أمنيًّا، تعزز الحرب أهمية الشراكة مع إسرائيل، لكنها تزيد مخاطر التورط غير المباشر في صراع إقليمي.

ومع ذلك، هناك فرص محتملة؛ أولًا: يمكن للهند تعزيز شراكتها الدفاعية مع إسرائيل، خاصة في مجالات الدفاع الصاروخي والطائرات المسيرة، لتلبية احتياجاتها الأمنية بعد النزاع مع باكستان. ثانيًا: قد تستغل الهند دورها بوصفها وسيطًا محتملًا لتخفيف التوترات بين إسرائيل وإيران؛ مما يعزز مكانتها بوصفها قوة إقليمية. ثالثًا: يمكن للهند الاستفادة من تراجع نفوذ إيران لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج، التي تشكل مصدرًا رئيسًا للنفط والاستثمارات.

تشكل الحرب الإيرانية- الإسرائيلية، بما في ذلك الضربات الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية، اختبارًا معقدًا للسياسة الخارجية الهندية. وبينما تواجه الاستثمارات الهندية في إسرائيل مخاطر بسبب عدم الاستقرار الأمني، وارتفاع تكاليف الطاقة، فإن الشراكة الدفاعية مع إسرائيل قد تشهد نموًا مدفوعًا بالاحتياجات الأمنية بعد الحرب الهندية- الباكستانية. في الوقت نفسه، يعكس موقف الهند من إيران نهجًا حذرًا يسعى إلى الحفاظ على المصالح الاقتصادية، مع تجنب الصدام مع الولايات المتحدة، أو إثارة باكستان. في النهاية، ستعتمد قدرة الهند على إدارة هذه الأزمة على مرونتها الدبلوماسية، وقدرتها على استغلال الفرص الإستراتيجية في منطقة مضطربة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع