في السنوات الأخيرة، كانت الهند رائدة في استخدام التكنولوجيا، وخاصة منصات وسائل التواصل الاجتماعي، للتعامل مع الجمهور على نطاق عريض، وأصبحت (وزارة الشؤون الخارجية الهندية ضمن أفضل 10 وزارات خارجية )من حيث استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإجراء الممارسات الدبلوماسية، وكذلك التواصل مع الناس. ويتابع نحو (1.2) مليون شخص الصفحة الرسمية للخارجية الهندية على فيسبوك، في حين يتابع الحساب على موقع (X)- تويتر سابقًا- أكثر من مليونين، ومن بين جميع هذه المنصات، تتمتع منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بمتابعة مجتمعة تزيد على 4 ملايين، ويتفاعل شهريًّا مع وزارة الخارجية الهندية أكثر من (20) مليون شخص في العالم الافتراضي.
ومنذ عام 2014، استخدمت حملة ناريندرا مودي لرئاسة الوزراء منصات التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور بشكل مُكثف، ليصبح مودي أحد أكثر قادة العالم نشاطًا على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً على موقع (X)- تويتر سابقًا- حيث يسهل من خلاله الوصول دائمًا والتفاعل مع أشخاص من مختلف طبقات المجتمع الهندي. وفي الآونة الأخيرة، خرج مودي عن حياد الهند المعتاد في الصراعات، الذي حافظت عليه الهند في الحرب الروسية- الأوكرانية، واستخدم موقع (X) ليقدم دعمًا مُطلقًا لإسرائيل، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ضد الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وأدى هذا إلى تحول الفضاء الإلكتروني الهندي إلى ساحة حرب سيبرانية لها عدة أوجه، كالتالي:
وأعربت معظم القنوات الهندوسية والمستخدمين المؤيدين لحزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الحاكم عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن دعمهم غير المشروط لإسرائيل وردها على هجمات حماس؛ مما أسهم في انتشار هاشتاغ (I stand with Israel) في جميع أنحاء البلاد. وسريعًا نشر الحساب الرسمي لحزب بهاراتيا جاناتا على موقع (X) فيديو يعرض صورًا لهجمات بومباي التي قُتل فيها أكثر من (160) شخصًا عام 2008، مع رسالة تقول “ما تواجهه إسرائيل اليوم، عانته الهند بين عامي 2004 و2014. لا تسامح، ولا تنسَ أبدًا”. كانت رسالة مُزدوجة تربط بين الهجمات الإرهابية التي ارتكبت على الأراضي الهندية بالمسلمين، وبحكم حزب المؤتمر الوطني الهندي المُعارض الآن.
فيما انتشر فيديو يُظهر عشرات الفتيات الإسرائيليات قد أخذهن مقاتلو حماس كعبيد جنس، مع أن المقطع لا علاقة له بالصراع على الإطلاق. حصل هذا الفيديو على ملايين المشاهدات قبل التحقق من صحته. وبالمثل، فقد أدرج منشور تم تداوله على تطبيق “تيليغرام” أسماء عشرة هنود قتلوا على يد حماس؛ مما أدى إلى طوفان من الإساءة والكراهية تجاه المسلمين في جميع أنحاء العالم، وتحديدًا في الهند. ردًا على الفيديو، ادعى أحد المستخدمين أنه يرغب في محو جميع المسلمين من الهند إذا أتيحت له الفرصة. وقد نُشر كثير من مقاطع الفيديو القديمة المأخوذة من ألعاب الفيديو على أنها فظائع ارتكبتها حماس أو الفلسطينيون؛ بهدف الترويج لسرد معادٍ للإسلام مماثل للمستخدم ضد الأقلية المسلمة في الهند.
لم يتوقف الأمر في وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل انتقل إلى القنوات التليفزيونية الأكثر شهرة في الهند. وأعلن المذيع أرناب جوسوامي على شاشة تليفزيون الجمهورية: “نحن بالقدر نفسه ضحايا للإرهاب الجهادي الإسلامي المتطرف الذي وقعت إسرائيل ضحية له.. إسرائيل تشن هذه الحرب نيابة عنا جميعًا”، حتى إن بعض المتطرفين الهندوس طلبوا السماح لهم بحمل السلاح إلى جانب الإسرائيليين، وتجمع بضع عشرات من الأشخاص خارج السفارة الإسرائيلية في نيودلهي يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) لتقديم مساعدتهم في الحرب على حماس. وأعلن سفير إسرائيل لدى الهند، ناؤور جيلون- بفخر- أنه قادر على تشكيل جيش من المتطوعين الهنود، وقال فيشنو جوبتا، وهو رئيس منظمة هندوسية يمينية: “نحن ندعم إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، وسنفعل ذلك على الأرض إذا سمحت لنا الهند، ورغبت إسرائيل. نحن مقتنعون بأن مئات الآلاف من الأشخاص سيستجيبون لهذه الدعوة، لقد غزا المسلمون الأماكن المقدسة في الهند، تمامًا كما غزوا القدس في إسرائيل”.
كما أشارت التقارير الاستقصائية، فإن مجموعات الواتساب والتيليغرام الهندية ملأى حاليًا بمحتوى معادٍ للإسلام، يقارن الوضع في غزة بالسياق الهندي. على سبيل المثال، تشير رسالة على مجموعة تيليغرام إلى احتجاجات المسلمين الهنود ضد الرد العسكري الإسرائيلي، وتنص على أن “الإرهابيين فقط هم الذين سيدعمون الإرهابيين الآخرين؛ ومن ثم يجب على الهند التركيز على تطهير الإرهابيين الهنود- في إشارة إلى المسلمين- بدلًا من التركيز على الإرهابيين في الخارج”. بالإضافة إلى ذلك، هناك حالات لرسائل واتساب تحذر من احتمال وقوع هجمات مستقبلية في الهند على يد “إرهابيين إسلاميين”، وأن الهندوس يجب أن يحملوا أسلحة لحماية أنفسهم. وتسخر منشورات أخرى، وتحتفل بوفاة الفلسطينيين، وتلقي باللوم على الإسلام في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
ومع ذلك، فهذه ليست ظاهرة جديدة في الهند، الدولة التي تتصارع مع مزيد من المعلومات الخاطئة والمضللة أكثر من أي مكان آخر في العالم، لكن هذا الارتفاع الكبير لهذا المحتوى في الهند له عدة أسباب رئيسة، أبعد مِن الاستغلال الخاطئ للتكنولوجيا، وهي:
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.