
في سبتمبر (أيلول)، في مدينة نيويورك، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي “موحد بقوة” خلف حل الدولتين لإسرائيل وفلسطين، بعد اجتماعها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
استخدمت فون دير لاين كلمة “موحد”، لكن الاتحاد الأوروبي أبعد ما يكون عن الوحدة.
الاتحاد الأوروبي مذنب بازدواجية المعايير؛ ففي حالة الحرب في أوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، لكن الاتحاد الأوروبي فشل في فرض عقوبات على إسرائيل بعد ارتكابها جرائم ضد الإنسانية في غزة.
يتبع الاتحاد الأوروبي سياسة الولايات المتحدة بشأن إسرائيل والحرب في غزة. عندما بدأت إسرائيل هجماتها على غزة، في أعقاب هجوم حماس المفاجئ على الجنود والمدنيين الإسرائيليين، رددت فون دير لاين نقاط الحوار الأمريكية، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ولكن، بعد مقتل 60 ألف شخص في غزة، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، من الواضح أن الأمر لم يكن يتعلق بالدفاع الإسرائيلي؛ بل كان حرب انتقام بحتة. مدنيون أبرياء لم يحملوا سلاحًا قط دفعوا حياتهم ثمنًا لهجوم نفذته حماس.
تستند السياسة الخارجية الأمريكية إلى موقف مؤيد لإسرائيل ومؤيد للصهيونية، والاتحاد الأوروبي يتبعها خطوة بخطوة. يشيطن الاتحاد الأوروبي الدول التي ترفض تلقي الأوامر من واشنطن.
شهد سبتمبر (أيلول) 2025 موجة منسقة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. قادت فرنسا التحرك، تلتها لوكسمبورغ، ومالطا، وبلجيكا، وآخرون؛ مما رفع عدد الاعترافات إلى 16 من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي (ما يقرب من 60٪). عالميًّا، تحظى فلسطين الآن باعتراف 157 دولة في الأمم المتحدة (81٪). وأهم من ذلك، أن هذه قرارات وطنية، وليست سياسة للاتحاد الأوروبي؛ فلا يزال التكتل منقسمًا؛ فألمانيا وإيطاليا ودول أخرى تمتنع عن التصويت، معطية الأولوية للمفاوضات.
نبع التردد في الاعتراف رسميًّا بفلسطين من إجماع مفاده أن إقامة الدولة يجب أن تنبثق من مفاوضات، وليس من إعلانات أحادية الجانب قد تقوض المحادثات. خرقت السويد الإجماع في عام 2014 كأول دولة في أوروبا الغربية تعترف بفلسطين، لكن معظم دول الاتحاد الأوروبي أحجمت عن ذلك. بحلول أوائل عام 2024، كانت 10 دول فقط من أصل 27 قد فعلت ذلك.
انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي اتخذت خطوات للاعتراف بدولة فلسطينية، وسخر من التكتل لتهميشه عن جهود صنع السلام، واصفًا إياه بأنه “غير ذي صلة”، ووصف الاعتراف بدولة فلسطينية بأنه “وصمة عار”، و”جنون مطبق”.
دافع الاتحاد الأوروبي عن حل الدولتين -إسرائيل وفلسطين تتعايشان بسلام- أكثر من 30 عامًا، استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي، مثل 242 (1967) و338 (1973). منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، ضخ التكتل 1.25 مليار يورو مساعدات إنسانية للفلسطينيين، مركزًا على الاحتياجات الأساسية لغزة، على الرغم من سيطرة حماس عام 2007.
كتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على منصة “إكس” (X) بعد إعلان “خطة ترمب للسلام” ذات العشرين بندًا: “يجب أن يمثل هذا الاتفاق نهاية الحرب وبداية حل سياسي قائم على حل الدولتين”. قالت قيادة الاتحاد الأوروبي إن خطة ترمب هي فرصة لوضع الأساس لسلام دائم ضمن حل الدولتين. لكن نتنياهو تعهد علنًا، من مستوطنة غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة، بأن حكومته تعد بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا.
تشعر ألمانيا بذنب جماعي تجاه دورها في الهولوكوست (المحرقة). ومع ذلك، بعد 80 عامًا، لا تتذكر الأجيال الشابة تلك الفترة، وترفض أن يتم تعريفها بها، أو أن تتحمل اللوم. الشباب الألمان، إلى جانب الشباب في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا، لديهم ضمير مبني على المعلومات الحرة الموجودة عبر الإنترنت، ولا يتم التلاعب بهم بسهولة لابتلاع ما تبثه وسائل إعلامهم الحكومية. يحمل الشباب بوصلة أخلاقية جديدة، وهم ينظرون إلى الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة على أنها أمر بغيض. ملأت الاحتجاجات شوارع نيويورك ولندن وباريس وكثير من المدن الأوروبية الأخرى، وكلها تطالب بإنهاء الحرب في غزة.
تتطلب إقامة الدولة الحقيقية إصلاحات في السلطة الفلسطينية، ونزع سلاح حماس، وتنازلات إسرائيلية.
كما أشار رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن اعتراف معظم دول الاتحاد الأوروبي بفلسطين يؤكد التزام “الأغلبية” بالسلام.
سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، يمثل لهم الاعتراف خطوة، وليس الوجهة النهائية. الاختبار الحقيقي هو تنفيذ خطة ترمب، التي ينبغي أن تُفضي إلى حل الدولتين.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير