مقالات المركز

إسرائيل تستمر في قصف لبنان وسط صمت أمريكي واستنفار لحزب الله


  • 14 نوفمبر 2025

شارك الموضوع

تشن إسرائيل هجمات متعددة في جميع أنحاء لبنان على نحو شبه يومي، على الرغم من وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية منذ ما يقرب من عام. رفضت إسرائيل الامتثال لشروط وقف إطلاق النار، التي تشمل الانسحاب من خمس نقاط محتلة، ووقف الهجمات على لبنان. جزء من اتفاق وقف إطلاق النار هو هدف نزع سلاح حزب الله؛ منظمة المقاومة اللبنانية، ومع ذلك، يرفض الحزب نزع سلاحه، في حين يتعرض البلد للغزو والهجوم، والجيش الإسرائيلي لم يُظهر أي علامات على المغادرة أو الالتزام بوقف إطلاق النار المتفق عليه. الحكومة اللبنانية عالقة بين المطالبة برحيل الغزاة والمطالبة بنزع سلاح حزب الله. يشعر الشعب اللبناني -بغض النظر عن آرائه الدينية أو السياسية- أنه لا كرامة في نزع السلاح قبل مغادرة الغزاة. في فيلم هوليوودي نموذجي، حيث يدفع أحد الأطراف فدية لإعادة شخص مخطوف إلى بر الأمان، يجب أن يتم التبادل بين الجانبين في وقت واحد. في هذه الحالة، اختطفت إسرائيل دولة بكاملها؛ لبنان. حزب الله مستعد لنزع سلاحه لتحرير البلاد التي تحتجزها إسرائيل، ولكن ليس قبل أن تغادر إسرائيل الأراضي التي تحتلها، وتلتزم بوقف إطلاق النار. لبنان بلد صغير جدًّا، ولكنّ هناك سمة واحدة متأصلة في المادة الوراثية لأي شخص يفهم البلد وتاريخه؛ وهي قيمة الكرامة.

أجرى الصحفي ستيفن صهيوني، من “ميدل إيست ديسكورس”، مقابلة مع الكاتب والباحث اللبناني في الشؤون السياسية والدولية، الدكتور هشام الأعور؛ للحصول على رؤيته للقضايا الجوهرية التي تواجه لبنان اليوم.

  1. ستيفن صهيوني: بالنظر إلى التصعيد الأخير للغارات الجوية الإسرائيلية في جنوب لبنان التي تستهدف ما يصفه الجيش بالبنية التحتية لحزب الله، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار في أواخر عام 2024، كيف تقيّم الديناميكيات الأمنية الحالية على الحدود الجنوبية للبنان، وآفاق تجدد الصراع الواسع النطاق؟

هشام الأعور: بالنظر إلى التصعيد الأخير في الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان، من الواضح أن الديناميكيات الأمنية على الحدود الجنوبية لا تزال هشة، وتستمر إسرائيل في انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه أواخر عام 2024 من خلال استهداف مناطق مدنية وعسكرية تحت ذريعة ضرب “البنية التحتية لحزب الله”. تمثل هذه الاعتداءات المتكررة انتهاكًا صارخًا لسيادة لبنان ولقرارات الشرعية الدولية، وتؤكد أن إسرائيل لم تلتزم فعليًّا بوقف الأعمال العدائية. في المقابل، يحق للبنان -جيشًا وشعبًا ومقاومة- ممارسة حقه المشروع في الدفاع عن أرضه وحماية مواطنيه من أي عدوان، استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يكفل هذا الحق لجميع الدول. على الرغم من الجهود الدبلوماسية المبذولة لتثبيت التهدئة، فإن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة تزيد احتمالية استئناف صراع واسع النطاق، ما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته في الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها والاحترام الكامل للسيادة اللبنانية.

  1. صهيوني: في ضوء الأزمة المالية والمصرفية المستمرة في لبنان، ما أحدث جهود الإصلاح (التشريعية والمؤسسية) التي تجدها مهمة؟ وما الفرص الواقعية لاستعادة ثقة المودعين واستقرار النظام المصرفي؟

الأعور: في ظل الأزمة المالية والمصرفية المستمرة في لبنان، برزت مجموعة من الجهود التشريعية والمؤسسية خلال عام 2025 هدفت إلى إعادة بناء النظام المالي واستعادة الثقة المفقودة. وافق البرلمان على تعديلات جوهرية لقانون السرية المصرفية، تسمح للسلطات الرقابية والقضائية بمراجعة الحسابات، وتتبع الأموال المشبوهة، وهي خطوة ضرورية لمكافحة الفساد، وتحديد المسؤوليات. بالإضافة إلى ذلك، أُعيد تقديم مشروع قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، يهدف إلى معالجة الفجوة المالية عن طريق تصفية المصارف المتعثرة، وإعادة رسملة المؤسسات القابلة للاستمرار، مع وضع آليات واضحة لحماية صغار المودعين، وضمان الشفافية في توزيع الخسائر. بالتزامن، واصل مصرف لبنان المركزي تعديل لوائحه المتعلقة بسحب الدولار الأمريكي، وتحسين آليات ضخ السيولة، في حين تكثفت الاتصالات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتأمين دعم مالي مشروط. مع أن هذه الخطوات مثّلت تقدمًا نسبيًّا على مسار الإصلاح، فإن فرص استعادة الثقة تظل مرهونة بعوامل أساسية، أبرزها التطبيق الفعلي والشفاف للإصلاحات، واستقلالية إدارة البنك المركزي عن التجاذبات السياسية، وإطلاق تدقيق خارجي شامل لتوضيح الحجم الحقيقي للخسائر. عمليًّا، يمكن القول إن لبنان يقف اليوم أمام نافذة فرصة محدودة لإعادة بناء نظامه المالي على أسس جديدة، بشرط توافر الإرادة السياسية لتطبيق القوانين بعيدًا عن الضغوط والمصالح. نجاح خطة الإصلاح من شأنه أن يستعيد ثقة المودعين تدريجيًّا على مدى العامين المقبلين، في حين أن استمرار الجمود والمماطلة سيبقي النظام المصرفي رهينة لانعدام المصداقية، والركود العميق.

  1. صهيوني: بالنظر إلى المشهد اللبناني الحالي المعقد، الذي يتنقل بين عهد رئاسي جديد، وانهيار اقتصادي مستمر، ووضع أمني شديد التقلب يتعلق بنزع سلاح حزب الله والوقف الهش للأعمال العدائية، ما العوامل الأساسية التي ستحدد مصداقية الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها عام 2026؟

الأعور: في ضوء المشهد اللبناني الحالي، تبدو الانتخابات النيابية المرتقبة لعام 2026 محكومة بمجموعة من العوامل المترابطة التي ستحدد جديتها ومصداقيتها. في مقدمة هذه العوامل تأتي قدرة السلطة السياسية على تمرير قانون انتخابي عادل يعكس التمثيل الحقيقي لمختلف المكونات اللبنانية، ويضمن تكافؤ الفرص لجميع المرشحين، بعيدًا عن منطق الإقصاء والتهميش. إن المناخ السياسي المضطرب، والانقسام الحاد بشأن سلاح حزب الله، والانهيار الاقتصادي المستمر، واستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، هي كلها تحديات تثقل كاهل العملية الانتخابية، وتجعلها اختبارًا لمصداقية العهد الرئاسي الجديد وإرادته الإصلاحية. أي انتخابات لا تُبنى على أسس العدالة والتوازن ستفقد معناها الديمقراطي، خصوصًا إذا استُحضِرَت ضغوط أو تدخلات خارجية لاستهداف أي مكون لبناني، أو التأثير في خيارات الناخبين؛ لذلك تتطلب استعادة الثقة بالعملية الانتخابية قانونًا عصريًّا، وإدارة شفافة، وإشرافًا قضائيًّا مستقلًا. هذا ضروري لتأكيد حق اللبنانيين في اختيار ممثليهم بحرية، واستعادة مكانة العملية الديمقراطية بوصفها مسارًا وحيدًا للخروج من الأزمات المتتالية.

  1. صهيوني: بالنظر إلى الضغط المكثف لتطبيق قرار الأمم المتحدة 1701، كيف ستحقق الحكومة اللبنانية الجديدة التوازن بين هذه المطالب الخارجية وسياستها الداخلية المعقدة المتعلقة بحزب الله؟

الأعور: في خضم الضغوط الدولية المتصاعدة لتطبيق القرار 1701، تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة تحديًا بالغ الحساسية، وهو الموازنة بين الاستجابة للمطالب الخارجية والتمسك بالثوابت الوطنية المتعلقة بسيادتها وسياستها الداخلية تجاه حزب الله. أي مقاربة وطنية مسؤولة يجب أن تنطلق من حق لبنان الأصيل في السيادة على أراضيه كاملةً، والدفاع عن نفسه ضد أي اعتداء، بعيدًا عن الضغوط أو التفسيرات الانتقائية لقرار الأمم المتحدة. ومع ذلك، يكمن الخطر الحقيقي في الانقسام الداخلي، الذي قد يضعف وحدة الموقف الوطني، ويحدّ قدرة المفاوض اللبناني على الدفاع عن مصالح البلاد. في المقابل، لا يمكن تجاهل أن إسرائيل هي الطرف الذي لم يلتزم فعليًّا بالقرار رقم 1701، إذ لا تزال تحتل النقاط الحدودية الخمس، وتستمر في انتهاكاتها الجوية والبحرية، بالإضافة إلى الاغتيالات المتكررة، والتهديدات المستمرة بتوسيع اعتداءاتها؛ لذلك فإن أي حديث عن تطبيق متوازن للقرار يجب أن يبدأ بوقف هذه الانتهاكات الإسرائيلية، واحترام سيادة لبنان؛ لأن تطبيق القرار 1701 لا يمكن أن يكون انتقائيًّا، أو يأتي على حساب كرامة الدولة اللبنانية ووحدتها الوطنية.

  1. صهيوني: كيف توفق بين التقارير التي تتحدث عن ضعف حزب الله والضغط العسكري والدبلوماسي المستمر من إسرائيل وحلفائها؟

الأعور: على الرغم من بعض التقارير التي تروّج لفكرة تراجع قدرات حزب الله، فإن المعلومات الميدانية تؤكد أن الحزب أعاد تنظيم صفوفه العسكرية على نحو لافت في الأشهر الأخيرة، مستفيدًا من خبرته القتالية الواسعة، ودعم بيئته الحاضنة، التي لا تزال تنظر إلى معركته على أنها معركة دفاع عن الكرامة والسيادة. هذا التعافي التنظيمي والعسكري دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم حساباتها؛ خوفًا من رد غير محسوب، أو عملية نوعية قد تقلب الوضع الميداني، وهو ما يفسر تصعيد الضغوط الدبلوماسية والعسكرية على الحزب؛ في محاولة لاستباقه وكبحه. في الواقع، يبدو أن الحزب يتّبع سياسة “الخداع المتعمد”، مظهرًا تراجعًا تكتيكيًّا في بعض الأحيان لإخفاء جهوزيته الفعلية، خلافًا لما يروّج له البعض عن حالة ضعف أو استسلام، في حين أنه يستغل في الوقت نفسه دعم مجتمعه، على الرغم من التضحيات الجسيمة من تدمير، وتهجير، وشهداء.

ما ورد في المقابلة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع