مقالات المركز

إستراتيجية مصرية جديدة في التعامل مع المشكل الليبي.. هل تنجح في فك طلاسمه؟


  • 18 فبراير 2025

شارك الموضوع

الدولة المصرية موجودة بقوة في الملف الليبي منذ سنوات عدة، وزاد وجودها باختلاف أسمائه وأدواته بعد أحداث 2011، ورحيل العقيد الليبي معمر القذافي، وبداية شكل سياسي جديد للبلاد.

لم يكن الدور المصري يومًا ما دور مراقب للشأن الليبي؛ بل كان لصيقًا بكل المتغيرات، برعاية دولية أو إقليمية، وأسهم بمبادرات عدة، كلل أغلبها بالنجاح، ووقف حالة الاحتراب والاقتتال داخل معسكر الأطراف المحلية، سواء السياسي منها أو العسكري.

وحرصت مصر طيلة فترة تعاملها مع متغيرات المشهد في ليبيا على اتباع إستراتيجية الدفاع عن أمنها القومي؛ لما يربطها بالدولة الليبية الجارة من حدود تمتد إلى أكثر من 1000 كيلو متر؛ ما جعلها يقظة لأي تدخلات أو وجود غريب على الأراضي الليبية بالقرب من حدودها، وكاد الأمر يصل إلى الصدام المسلح مع بعض القوى الإقليمية عندما اقتربت من حدود مصر الغربية.

من باب الإنصاف والمهنية، نرى أن الدولة المصرية -في إحدى مراحل تعاملها مع الملف الليبي- اتخذت خطوات بناء على قراءة غير دقيقة، وربما خاطئة، عندما تمترست وراء معسكر وحيد في المشهد الليبي، وتبنت إستراتيجية فردية دافعت فيها عن معسكر الشرق الليبي بشقيه السياسي ممثلًا في “عقيلة صالح والبرلمان”، والعسكري ممثلًا في “المشير خليفة حفتر وقواته المسلحة”، لكن حتى هذا التوجه كان له دوافعه، ولست هنا بصدد الدفاع أو تبرير الموقف المصري، وكان المشهد كله آنذاك متحالفًا ومتحيزًا، فبعض القوى الدولية والإقليمية والعربية كانت مساندة لمعسكر الغرب الليبي، بل دعمته بالسلاح والطيران ضد معسكر الشرق عندما حاول الأخير دخول العاصمة “طرابلس”، لكن سرعان ما عالجت الدولة المصرية هذا التوجه بإستراتيجية جديدة انفتحت فيها على جميع الأطراف، وفتحت أبوابها للجميع، وأرسلت وفودًا رفيعة المستوى إلى كل المناطق الليبية.

في الآونة الأخيرة، ظهر الدور المصري بقوة في الإمساك بزمام المشكل الليبي وتفاصيله، وعاد إلى دوره العربي والإقليمي في المنطقة برمتها، وخاصةً ملف ليبيا الذي يمر بحالة من الجمود السياسي وهشاشة في الوضع العسكري قابلة للانهيار في أي وقت، وسط محاولات دولية عبر البعثة الأممية هناك في فك حالة الجمود، ومنع أي تصعيدات أو صدامات عسكرية من جديد، وتبنت الدولة المصرية إستراتيجية جديدة وقوية في جمع الأطراف الليبية، سواء العسكري منها أو السياسي؛ من أجل ضبط الأمور هناك من خلال أدوات ضاغطة مرة، ومقنعة مرات للأطراف ذات الصلة بضرورة الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، والمضي قدمًا نحو تسوية مستدامة.

تتلخص الرؤية المصرية الرسمية في التعامل مع الأزمة الليبية في: تحقيق الأمن والاستقرار من خلال الحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها، والدفع نحو تسوية سياسية مستدامة ينتج عنها سلطة تنفيذية موحدة، ودعم عملية انتخابية برلمانية ورئاسية متزامنة، وضرورة الحفاظ على اتفاقية وقف إطلاق النار، والمضي قدمًا نحو توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وضرورة إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، ودعم الحراك الدولي، وعدم الخروج عن حالة الإجماع الدولي المعروفة تجاه ليبيا.

طبقًا لهذه الرؤية والإستراتيجية الجديدة، سارعت مصر إلى إعادة تفعيل دور اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، المعروفة بلجنة “5+5″، ودعوتها إلى عقد اجتماعات متسارعة في العاصمة المصرية القاهرة، وهو ما حدث بالفعل بعد توقف استمر أكثر من 6 أشهر، وإعلان هذه اللجنة توقف أعمالها؛ ما ينذر بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في أي وقت.

كان الدور المصري حاضرًا هنا، ونجح في جمع الأطراف العسكرية من غرب ليبيا وقادة عسكريين من قوات شرق ليبيا على الأراضي المصرية، ونتج عنه تأكيد ضرورة الحفاظ على وقف التصعيد، وإطلاق النار بين الجانبين، وضرورة وضع اللجنة الليبية لرؤية عملية بمدد زمنية لتوحيد الجيش هناك من خلال أدوات ناجحة وحقيقية بعيدًا عن المناطقية والشخصنة، ثم انتقلت القاهرة من العسكري إلى السياسي من خلال توجيه دعوة رسمية من مجلس النواب المصري لأعضاء في مجلسي النواب والدولة في ليبيا للاجتماع على أرض مصر من أجل حل النقاط الخلافية والملفات العالقة بين الطرفين؛ لتسهيل عملية فك الجمود الراهن، والانتقال إلى توافقات حقيقية يمكنها الإسهام في الدفع نحو عملية انتخابية قريبًا، وستطبق مصر في هذه التحركات إستراتيجية عدم التدخل في تفاصيل اللقاءات، والاكتفاء بدور المراقب والراعي، فهي تشدد دومًا على ضرورة أن يكون حل المشكل هناك حلًا “ليبيًّا- ليبيًّا”، ومن أجل ذلك سارعت القاهرة إلى تحريك الجمود الليبي المتزايد.

هذه الخطى المصرية بإستراتيجية الانفتاح والوجود القوي تأتي في ظل خطوات دولية موسعة ومتسارعة أيضًا في ليبيا، نتج عنها تشكيل لجنة استشارية ليبية، ستكون مهمتها وضع رؤية لحل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية التي أنتجتها لجنة مشكّلة من مجلسي النواب والدولة هناك، تسمى لجنة “6+6″، على أمل أن تنجر اللجنة الجديدة مهامها سريعًا لتنتقل البلاد إلى مرحلة التجهيز للعملية الانتخابية، وقد لوحظ في تشكيل هذه اللجنة، ومعايير اختيارها، وطبيعة أعضائها، تجاوز البعثة الأممية تمامًا لمجلسي النواب والدولة في مرحلة تحضير هذه اللجنة وتشكيلها؛ ما فهم منه ضمنيًّا تجاوز الجهتين مستقبلًا، لكن البعثة الأممية سارعت إلى نفي هذا التوجه.

لذا نتساءل في هذا المقال عن سر وأهداف التحرك المصري الآن في المسارعة إلى جمع أعضاء من مجلسي النواب والدولة في ليبيا، فهل للأمر علاقة بمخرجات اللجنة الاستشارية؟ وهل سيتخذ المجلسان قرارات على الأراضي المصرية تكون بمنزلة خطوات استباقية لمخرجات يمكنها تجاوز المجلسين؟ أم هي تحركات قد تصب في صالح القبول بمخرجات اللجنة الاستشارية من خلال الاستماع إلى نصيحة مصرية تتطابق مع التوجه الدولي في التعامل مع الأزمة الليبية.

الإجابة عن هذه التساؤلات ستتضح عندما تُعلن أجندة اللقاء بين مجلسي النواب والدولة في القاهرة برعاية مصرية، وعلاقة هذه المحاور بدور اللجنة الاستشارية برعاية أممية، لكن خلاصة ما نود تأكيده هنا أن هناك دورًا مصريًّا قويًّا وإستراتيجية جديدة في التعامل مع المشكل الليبي، ربما تكون بضوء أخضر أمريكي، وبتوافق مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة تركيا وروسيا؛ نظرًا إلى المتغيرات المتسارعة التي حدثت في سوريا، وإن كانت القاهرة تبحث عن مصالحها الإستراتيجية في الملف الليبي، لكنها الأولى جدًّا في الوجود، ورعاية أي اجتماعات أو توافقات يمكنها الحفاظ على حالة السلم هناك، ومنع أي تصعيدات، أو حروب، أو اقتتال يؤرق حدودها وأمنها القومي.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع