في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2024 قام رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بزيارة رسمية إلى الهند، بعد سبع سنوات من زيارة مودي لإسبانيا عام 2017، ليصبح سانشيز أول رئيس حكومة إسباني يزور نيودلهي منذ 18 عامًا، وكانت آخر زيارة عام 2006 قام بها رئيس الحكومة آنذاك، خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو. وبينما كانت هناك زيارات قام بها رئيسا دولتي الهند وإسبانيا إلى بلديهما في الفترة بين عامي 2006 و2012، فإنها لم تكن ذات أثر إستراتيجي واضح. ولا تزال العلاقات الهندية الإسبانية في بدايتها، وأمامها كثير من العقبات والرؤى المختلفة لتعزز إستراتيجيًا، ولكن زيارة سانشيز للهند تعد تطورًا مهمًّا في العلاقات الثنائية.
والجدير بالذكر أنه على الرغم من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسبانيا والهند عام 1956، ظلت الارتباطات الثنائية بين البلدين دون المستوى الأمثل، وكان أحد الأسباب الرئيسة لهذه الحالة من التدني في العلاقات هو محدودية الزيارات الثنائية الرفيعة المستوى، وخاصة على مستوى رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات، حيث بدأت أولى الزيارات عام 1982 عندما قام الملك خوان كارلوس والملكة صوفيا بزيارة الهند. ومنذ هذه الزيارة في عام 1982، لم تتم سوى سبع زيارات لرؤساء الدول أو رؤساء الحكومات من الجانبين. وتعد زيارة سانشيز هي الزيارة الثامنة فقط من نوعها في تاريخ العلاقات الهندية الإسبانية منذ عام 1956، وهي محاولة من سانشيز لتعزيز العلاقات الهندية الإسبانية عامةً.
وشهدت الزيارة خطوة إلى الأمام في العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، حيث شهد سانشيز، مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، افتتاح خط التجميع النهائي لطائرات النقل العسكرية من طراز (C-295) في فادودارا بولاية جوجارات غرب الهند. وهذا المشروع مشروع مشترك بين شركة تاتا الهندية للأنظمة المتقدمة المحدودة وشركة إيرباص للدفاع والفضاء الإسبانية، وهو جزء من البرنامج الطموح “صنع في الهند”. كما أن منشأة تصنيع طائرات (C-295) تعزز هدف الهند المتمثل في زيادة إنتاجها الدفاعي المحلي. ومن خلال هذا التعاون، يمكن لإسبانيا أن تضع نفسها بين شركاء الهند الدفاعيين الرئيسين على المدى الطويل. تعد إسبانيا إحدى الشركات الرائدة في تصنيع المعدات الدفاعية في العالم، والهند سوق واعدة وشريك يمكن لإسبانيا من خلاله تنويع صادراتها الدفاعية.
عمل سانشيز خلال اللقاء الثنائي مع مودي على توقيع مذكرات تفاهم في مجالات مختلفة، مثل الدفاع، والطاقة المتجددة والتكنولوجيا. وزار سانشيز أيضًا مومباي، التي تعد العاصمة المالية للهند، حيث ألتقى بممثلين عن عالم الأعمال، ومراكز الفكر، وصناعة الترفيه، في محاولة منه لجعل هذه الزيارة نقطة انطلاق لتوثيق العلاقات الهندية الإسبانية، وقد أدى استمرار عدم الاستقرار السياسي في إسبانيا منذ عام 2015 إلى ضمان بقاء السياسة الخارجية للبلاد مقتصرة على المجال التقليدي، حيث كان النظام السياسي منغمسًا جدًّا في السياسة الداخلية. وعلى الرغم من أن عدم الاستقرار السياسي لا يزال قائمًا في إسبانيا، فإن سانشيز يتخذ خطوات لتعزيز تفاعل إسبانيا مع الكيانات الأقل انخراطًا في العلاقات الخارجية لإسبانيا.
وتشكل زيارة سانشيز إلى الهند خطوة كبيرة في دعم مساعي إسبانيا لتعزيز ارتباطاتها مع آسيا. بدأت إسبانيا كثيرًا من السياسات الرامية إلى زيادة تركيزها على آسيا منذ أكثر من عقدين من الزمن، وقد أدركت الحكومة الإسبانية بقيادة خوسيه ماريا التحول في المركز الاقتصادي العالمي نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ولصياغة سياسات تهدف إلى زيادة الوجود الإسباني في آسيا، كلف ماريا بإجراء دراسة، نُشِرت تحت عنوان الخطة الإطارية لآسيا والمحيط الهادئ (2000- 2002). ونشر النظام السياسي الحالي في عهد بيدرو سانشيز وثيقتين – رؤية إستراتيجية لإسبانيا في آسيا (2018- 2022)، وإستراتيجية العمل الخارجي (2021- 2024)، التي تؤكد أهمية وجود علاقات أقوى بين إسبانيا وبلدان آسيا.
التفاعل الأكبر مع إسبانيا يضمن للهند تنويع العلاقات مع أوروبا. وتتمتع الهند بعلاقات وثيقة مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وباقي بلدان الاتحاد الأوروبي، لكن علاقاتها مع أمريكا اللاتينية وشمال إفريقيا، وهي الدائرة التقليدية للسياسة الخارجية لإسبانيا، ظلت دون المستوى المطلوب؛ لذا، من خلال الروابط القوية بين الهند وإسبانيا، تستطيع إسبانيا أن تعمل على تسهيل تفاعل الهند على نحو أكبر مع أمريكا اللاتينية وشمال إفريقيا.
إن التسارع الواضح في العلاقات الثنائية الهندية – الإسبانية يأتي في وقت يمر فيه النظام العالمي بحالة تغير مستمر بسبب صراعات مثل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والحرب في الشرق الأوسط، وتحديدًا في غزة وجنوب لبنان، حيث تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية شاملة. ومع أن البلدين يتفقان على التعاون في مواجهة التحديات المشتركة، مثل تغير المناخ، فيتعين عليهما أن يعملا على إيجاد وسيلة لتقريب وجهات النظر حول النهج الذي يتبعه كل منهما في التعامل مع الصراعات الحالية.
لدى الهند وإسبانيا وجهات نظر متعارضة بشأن الحروب الدائرة حاليًا في أوروبا والشرق الأوسط. وفي هذين الصراعين، حافظت الهند على موقف متوازن من خلال عدم الانحياز إلى أي طرف، والحفاظ على العلاقات مع طرفي الصراع، فالهند شريك إستراتيجي لكل من روسيا وإسرائيل. وفي حين تدين الهند الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، فهي تواصل دعم إقامة دولة للفلسطينيين. وعلى نحو مماثل، في ظل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تواصل الهند تفاعلها مع كلا البلدين، وذلك على عكس النظام السياسي الحالي في إسبانيا، الذي اتخذ موقفًا مناهضًا لإسرائيل. ومثل شركائها الغربيين، وقفت مدريد إلى جانب أوكرانيا في الحرب، وكان لها موقف مناهض ضد روسيا.