لدى الولايات المتحدة جبهات ثلاث مشتعلة؛ الأولى في الشرق الأوسط، والثانية في شرق أوروبا؛ لأن أوكرانيا معلقة على ميزانيتها العمومية، وربما تشتعل جبهة ثالثة جديدة في شرق آسيا، حيث لم تتخل الصين عن رغبتها في استكمال إعادة توحيد البلاد، ووضع تايوان تحت السيطرة (وفي الوقت نفسه الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي).
لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتخلى عن إسرائيل في الصراع مع حماس، والحرب بالوكالة التي لا تزال منخفضة الحدة مع إيران (المستوى منخفض الآن، ولا يشارك في الحد الأدنى سوى الحوثيين اليمنيين، وحزب الله اللبناني)؛ لأن الدولة اليهودية هي حليفها الرئيس في الشرق الأوسط، لكن من المستحيل أيضًا أن تمنحها واشنطن تفويضًا مطلقًا لشن مذبحة في قطاع غزة؛ لأن ذلك سيعني ضربة قوية للمواقف الأمريكية في العالم العربي.
ولذلك فإن الولايات المتحدة تناور وتحاول حل مشكلتين صعبتين؛ الأولى هي إضفاء الطابع المحلي على الصراع بين إسرائيل وحماس؛ لمنع التصعيد ودخول اللاعبين الخارجيين مباشرة إلى اللعبة (وهنا نعني، قبل كل شيء، إيران). ولهذا الغرض، أرسلت واشنطن مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية إلى المنطقة. تحتاج واشنطن أيضًا إلى كبح جماح تل أبيب من الاندفاع الزائد في الأعمال العدائية، وهو ما قد يستفز الشارع العربي؛ مما قد يضغط على حكوماتها (لم ينجح هذا حتى الآن).
وفي الوقت نفسه، يتم حل المهمة الثانية- إيجاد صيغة لإنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن، ولكن هناك مشكلات كبيرة مع هذا. الخيار الأول، إعادة توطين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، لم ينجح، وتصدت مصر لاحتمال ظهور مليوني لاجئ على أراضيها، وكثير منهم يتمتعون بخبرة قتالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمالات عودتهم مشكوك فيها، إذا تذكرنا التجربة التاريخية، بأنها تقترب من الصفر.
ولا يمكن إقناع القاهرة حتى بمقترح شطب الديون المصرية. أقصى ما وافق عليه الرئيس السيسي هو إخلاء مزدوجي الجنسية وعدد من الجرحى الفلسطينيين عبر معبر رفح؛ ولذلك تحاول الولايات المتحدة تفعيل الخطة البديلة، التي تقضي بتدمير حماس على أيدي إسرائيل، ومن ثم الاتفاق على انسحاب سريع للقوات الإسرائيلية، ونقل قطاع غزة إلى سيطرة حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
وهذا الأخير، بعبارة ملطفة، ليس مسرورًا بهذا الاقتراح، وأعلن استعداده لاتخاذ هذا القرار حصرًا كجزء من الحل السياسي الشامل لفلسطين (التلميح بمهارة إلى منحها الاستقلال). ويبدو أن هذا هو بالضبط الرد الذي تلقاه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في رام الله، وهو الذي يريد استنساخ نظرية “الدبلوماسية المكوكية” لسلفه هنري كيسنجر.
ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.