تقارير

إلى ماذا سيؤدي امتثال سلطات ناغورنو كاراباخ لمطالب باكو؟


  • 24 سبتمبر 2023

شارك الموضوع

في 20 سبتمبر (أيلول)، أي بعد يوم واحد من بدء أذربيجان عمليتها العسكرية في ناغورنو كاراباخ، استسلمت سلطات الجمهورية الغير المعترف بها. ويشير بيان صادر عن مكتب رئيس آرتساخ (الاسم الأرميني لجمهورية ناغورنو كاراباخ)، الذي وزعه مركز آرتساخ للبيانات، إلى أن السلطات الإقليمية تقبل اقتراح قيادة بعثة حفظ السلام الروسية وقف إطلاق النار، بينما لم يذكر البيان شيء بشأن تنفيذ المطالب التي طرحتها باكو في اليوم السابق.

أشارت سلطات جمهورية ناغورنو كاراباخ إلى أنه تم التوصل إلى الاتفاق من خلال وساطة قيادة قوات حفظ السلام الروسية، وقد اتفق الأطراف على عدة نقاط، منها:

  • انسحاب الوحدات والأفراد العسكريين المتبقين من القوات المسلحة لجمهورية أرمينيا من منطقة انتشار وحدة حفظ السلام الروسية.
  • حل جيش الدفاع العسكري لناغورنو كاراباخ، ونزع سلاحه بالكامل.
  • سحب المعدات الثقيلة والأسلحة من أراضي ناغورنو كاراباخ “لغرض التخلص منها بسرعة”.

بينما ستُناقش القضايا “المتعلقة بإعادة الإدماج، وضمان حقوق وأمن الأرمن في ناغورنو كاراباخ، وكذلك قضايا ضمان سبل العيش للسكان في إطار دستور أذربيجان، وفقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه”. وجاء في الرسالة: “سيُناقش ذلك في اجتماع بين ممثلي السكان الأرمن المحليين وممثلي السلطات المركزية لجمهورية أذربيجان، سيعقد في مدينة يفلاخ في 21 سبتمبر (أيلول) 2023، وخلال الاجتماعات اللاحقة”.

تسلسل الأحداث

أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية بدء “الإجراءات المحلية لمكافحة الإرهاب” بعد ظهر يوم 19 سبتمبر (أيلول)، مستشهدة بتصرفات مجموعات التخريب والاستطلاع التابعة للقوات المسلحة الأرمينية باعتبارها السبب. وطالبت باكو بالانسحاب الكامل دون شروط إضافية للقوات المسلحة الأرمينية من منطقة كاراباخ في أذربيجان، وحل “النظام العميل” في قره باغ (التسمية الأذربيجانية للمنطقة).

زعم المسؤولون الأرمن في بيان أن أذربيجان شنت ضربات صاروخية ومدفعية وجوية ضخمة، وتمكنت القوات المسلحة الأذربيجانية في بعض المناطق من اختراق المواقع القتالية لجيش دفاع جمهورية ناغورنو كاراباخ، والسيطرة على عدد من المرتفعات والمواقع الإستراتيجية وتقاطعات الطرق. ووصفت سلطات جمهورية ناغورنو كاراباخ الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي لإنهاء الحرب وحل الوضع بغير الكافية. فيما رفضت أرمينيا، تقديم المساعدة العسكرية حيث أعلن رئيس الوزراء نيكول باشينيان، في 19 سبتمبر (أيلول) أن يريفان لن تتخذ خطوات محفوفة بالمخاطر.

حسب الحكومة، فإن أكثر من 30 شخصًا قُتلوا، وأصيب أكثر من 200 خلال المعارك الأخيرة.

في 20 سبتمبر (أيلول)، لقي على الأقل أحد أفرد قوات حفظ السلام الروسية مصرعه بعدما تعرضت سيارتها لإطلاق النار “في أثناء العودة من نقطة المراقبة التابعة لوحدة حفظ السلام الروسية في منطقة قرية دجانياتاج، تعرضت سيارة تقل عسكريين روسيين لإطلاق نار من أسلحة خفيفة”. بينما ذكرت وزارة الدفاع الروسية أنه نتيجة للقصف قُتل جنود روس كانوا في السيارة. وأوضحت الوزارة أن ممثلي جهات التحقيق الروسية والأذربيجانية يعملون على الفور لتوضيح ملابسات الحادث.

منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، توجد قوات حفظ السلام الروسية في ذلك الجزء من ناغورنو كاراباخ الذي ظل تحت سيطرة الجمهورية غير المعترف بها بعد نتائج حرب كاراباخ الثانية.

لماذا تعد هذه الأحداث مهمة لمنطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي؟

يرى بعض الخبراء الروس أن الصراع حول كاراباخ؛ إذا ما تم استثناء الصراع الشيشاني، يعد السابقة الأولى لإنهاء صراع انفصالي عبر القوة ثم المفاوضات في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي: “الصراع في ترانسنيستريا ما زال مجمدًا، وجورجيا لا تتخلى عن سيادتها على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وأوكرانيا لا تتخلى عن سيادتها على الأراضي التي أصبحت- وفقًا للدستور الروسي- جزءًا من روسيا”. أظهرت أذربيجان أن هذه الصراعات يمكن حلها بالقوة، وجميع بلدان منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك تلك التي لديها خبرة في المفاوضات الطويلة وغير الناجحة، سوف تستخلص بالطبع نتيجة من هذه السابقة. هذا ليس وضعًا جيدًا جدًّا من حيث تقييم مخاطر الصراعات الجديدة على أراضي الاتحاد السوفيتي السابق.

يقول السياسيون: “ما حدث هو نهاية المرحلة التالية من انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما يتجلى في التجميد القانوني والفعلي لصراع طويل الأمد، وهو أحد أقدم الصراعات في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي”.

أعلنت جمهورية ناغورنو كاراباخ استقلالها عن أذربيجان في 2 سبتمبر (أيلول) 1991. وسعت أذربيجان إلى إعادة ناغورنو كاراباخ إلى سيطرتها خلال العقود الثلاثة التالية. وفي حرب كاراباخ الأولى، لم تتمكن باكو من القيام بذلك: “استمر الصراع من عام 1992 إلى عام 1994، وأودى بحياة نحو 30 ألف شخص، ونتج عنه سيطرة أذربيجان على نحو 15% فقط من أراضي كاراباخ”.

لم تسفر مفاوضات السلام المستمرة منذ سنوات على أساس الاعتراف بوحدة أراضي أذربيجان عن أي نتائج. وفي سبتمبر (أيلول) 2020، بدأت أذربيجان عمليات عسكرية واسعة النطاق، توقفت بوساطة روسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. استعادت باكو السيطرة على معظم ناغورنو كاراباخ، وبدأت على الفور أعمال البنية التحتية هناك، ودخلت قوات حفظ السلام الروسية الأراضي المتبقية تحت سيطرة القوات الأرمينية، بما في ذلك عاصمة جمهورية ناغورنو كاراباخ (الاسم الأذربيجاني خانكيندي).

ومع ذلك، لم تحصل أذربيجان على السيطرة النهائية على ناغورنو كاراباخ. ومع أن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان اعترف في نهاية عام 2022، خلال المفاوضات مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في براغ، بأذربيجانية كاراباخ، فإن المفاوضات تعثرت باستمرار، حيث طالب الجانب الأرميني بضمان حقوق السكان الأرمن في المنطقة.

ماذا ينتظر السكان المدنيين في كاراباخ؟

العدد الدقيق لسكان كاراباخ بعد حرب كاراباخ الثانية غير معروف. تحدث باشينيان في سبتمبر (أيلول) من هذا العام عن نحو 120 ألف نسمة.

بينما دعا الاتحاد الأوروبي إلى عدم استخدام العملية العسكرية الحالية ذريعةً لإجبار السكان الأرمن في كاراباخ على النزوح الجماعي. ألقى باشينيان مسؤولية ضمان سلامة السكان على عاتق قوات حفظ السلام الروسية. ودعا وزارة الخارجية الروسية إلى بذل كل ما في وسعها لضمان حقوق سكان ناغورنو كاراباخ وأمنهم.

أكد السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، في مقابلة له مع القناة الأولى في 20 سبتمبر (أيلول)، عدم وجود سبب حتى الآن للحديث عن التطهير العرقي في ناغورنو كاراباخ، ولتفادي هذا السناريو فإن الكرملين على اتصال وثيق جدًّا مع جميع أطراف النزاع، ومع السلطات في يريفان، وستيباناكيرت، وباكو. وقال فلاديمير بوتين، قبل المفاوضات مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي: “آمل أن نتمكن من خفض التصعيد، ونقل حل هذه المشكلة إلى قناة سلمية”.

وفي 19 سبتمبر (أيلول)، أعلنت أذربيجان فتح ممرات إنسانية لخروج السكان من المناطق الخطرة، بينما تنشر قنوات التيليجرام المحلية صورًا لمئات الأشخاص المتجمعين على أراضي المطار غير العامل في ستيباناكيرت. ويطلق الخبراء على السيناريو الأكثر احتمالًا “رحيل السكان الأرمن”.

يرى بعض الباحثين أن بداية العملية أظهرت “أن الأراضي، وليس الأشخاص، هي المهمة لأذربيجان”، وأن شعب ناغورنو كاراباخ “سيظل في حالة خوف بشكل دائم من أن أذربيجان لن تنظر إليهم على أنهم جزء من شعبهم، وهو ما قد يؤدي إلى مشكلة إنسانية خطيرة”. كما أن باكو لا تفكر في إمكانية إصدار عفو، بما في ذلك للمشاركين في حرب كاراباخ الأولى، وهذا يخلق مخاطر جدية للصراع.

يتخوف البعض من أن الخاسرين الرئيسين هم أرمن كاراباخ، الذين خسروا كفاحهم الذي دام 35 عامًا من أجل تقرير المصير، أو الانفصال عن أذربيجان، والآن يفقدون أي وسيلة للدفاع عن النفس، ومستقبلهم في أذربيجان غير مؤكد، فربما يكون شعب كاراباخ قد نجا من الإبادة الكاملة، لكن من المرجح أن يواجهوا المنفى البطيء؛ لأن أذربيجان لا تقدم لهم الحكم الذاتي، أو الحقوق السياسية الخاصة.

قد تكون هذه المخاوف غير مؤسسة باعتبار ما أعلنته السلطات الأذربيجانية مرارًا وتكرارًا بأن أولئك الذين سيبقون في ناغورنو كاراباخ سيتمتعون بنفس الحقوق الدستورية التي يتمتع بها المواطنون الآخرون في البلاد، مع استبعاد إمكانية منح الحكم الذاتي للمنطقة وفقًا لما أعلنه الرئيس الأذري إلهام علييف عام 2021.

كيف تغيرت الأوضاع في المنطقة؟

هناك تغييرات كثيرة في المنطقة، ومن بين العواقب العديدة بالنسبة لمنطقة جنوب القوقاز تعزيز قوة أذربيجان، التي كانت تعد زعيمة إقليمية، وتعزيز موقفها أكثر؛ ومن ثم تعزيز موقف تركيا الحليف الرئيس لباكو. والنتيجة الأخرى ستكون إضعاف أرمينيا بقوة، حيث إن مجتمعها لديه الكثير من العمل للقيام به لفهم التغييرات التي حدثت وأسبابها، مما قد يؤدي إلى أزمة سياسية داخلية.

كما أصبح موقف روسيا في المنطقة أكثر تعقيدًا؛ وستواجه كثيرًا من المشكلات مع أرمينيا، حيث يعرب الكثيرون عن عدم رضاهم عن الطريقة التي وفت بها موسكو بالتزاماتها تجاه حلفائها، ومع أذربيجان، وهو ما سيثير بالتأكيد مسألة مدى جدوى بقاء قوات حفظ السلام الروسية.

تغيير وضع كاراباخ لا يعني حل جميع المشكلات في العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان. كانت قضية كاراباخ إحدى العقبات الرئيسة أمام إبرام معاهدة سلام بين البلدين، لكن هناك قضايا أخرى مثيرة للجدل، على سبيل المثال، استعداد يريفان لتوفير الاتصالات البرية بين أذربيجان وناخيتشيفان وغيرها، في الظروف الحالية، لا يمكن تخيل التوقيع على معاهدة سلام؛ بالنسبة لباشينيان سيكون هذا اعترافًا نهائيًا بالأخطاء والهزائم، سواء في ساحة المعركة، أو في الدبلوماسية، وهو أمر غير مرغوب فيه للحكومة الحالية. أما بالنسبة إلى أذربيجان، فمع حل قضية نزع السلاح في كاراباخ، لن تعد هذه القضية أيضًا ملحة جدًا.

 

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع