تهدِّد الولايات المتحدة، روسيا بنوع جديد من الحرب. في العالم الحديث، يكفي تعطيل أنظمة التحكم الرقمية لإغراق البلاد في الفوضى. تخيل روسيا في الشتاء بدون كهرباء أو بدون تدفئة، وبدون ماء، وبدون اتصالات، وبدون نقود. هذا هو بالضبط ما تستعد الولايات المتحدة له، ردًّا على هجمات قراصنة روس مزعومين. في الوقت نفسه، أعلنت شركة مايكروسوفت، التي تمثل القوة الضاربة بمجال البرمجيات، الحرب على روسيا منذ فترة طويلة.
السؤال هنا: هل نحن مستعدون لهذه الحرب؟
هدايا من باندورا: عشية العام الجديد 2021، خرجت العديد من الهدايا للإنسانية من صندوق باندورا، والتي تواصل الشركات والحكومات تفريغها. [1]
الهدية الأولى: التحضير لحرب إلكترونية عالمية مدمرة. نحن لا نتحدث عن حرب في مكانٍ ما على الهامش، أو على قطعة أرض جبلية، ولكن عن حرب شاملة. نحن لا نتحدث عن هجوم إلكتروني في مكانٍ ما على الشبكة العنكبوتية، بل عن حياة وموت البنية التحتية وجميع أنظمة الحياة لبلدان وشعوب بأكملها باتت على المحك. اندلعت الحرب، التي بدأت أول أحداثها من قبل على السطح في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وأصبحت عاملًا قويًّا وطويل الأمد في مجال المعلومات، ويمكن أن تصبح ملموسة في حياة الجميع. يجب أن نفهم أن هذه الحرب تُشن لإخضاع ليس فقط روسيا، بل العالم بأسره لإرادة نفس «لوياثان» الذي يأتي في ثوب التقنية الرقمية. [2]
تقودنا هذه الحرب المرتقبة إلى طرح سؤال: ما هو الهجوم السيبراني؟
إنه الاستيلاء والتحكم في أنظمة الحوسبة عن بُعد، وخلق عدم استقرار للعمل فيها؛ مما يجعل من المستحيل على النظام أداء وظائفه بالكامل، الهجوم السيبراني هو نوع جديد من الهجمات، فهو لا يتطلب دبابات وطائرات، بل على العكس يمكنه تعطيل دباباتك أو طائراتك أو توجيهها ضدك. عندما تنطفئ أنظمة دعم الحياة التي تتحكم فيها أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالشبكة اليوم، تنطفئ الأضواء في المدن، ويتوقف ضح الغاز والماء وتتوقف السيارات والقطارات، ولن تتمكن الطائرات من الإقلاع أو الهبوط، ولن يتمكن الناس من الوصول إلى حساباتهم المصرفية وبطاقاتهم، وفي ظل هذه الحالة سيصبح النظام المصرفي المالي في حالة شلل كامل.
بالمناسبة، بإرادة البنك المركزي للاتحاد الروسي، نحن ننتقل من النقود البلاستيكية إلى الرقمية بالكامل، وهذا النظام بأكمله مفتوح أمام أي هجوم إلكتروني يمكن أن يُصيبه بالشلل التام. يبدو الأمر كما لو أننا أعطينا كل ذاكرتنا للأجهزة الخارجية، وسوف تنطفئ فجأة، وسنفقد بعدها الذاكرة؛ بل سننسى حتى اسمنا، وأين كنا نعيش من قبل، ومَن نحن، ومِن أين نحن. تدفع البنوك المركزية في العالم، بقيادة نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الجميع إلى عالم جديد قائم على المدفوعات غير التلامسية، حيث تم النظر إلى كوفيد-19، على أنه يمثل فرصة لتحفيز الثورة التكنولوجية، واستغلالًا للحدث الحالي، بدأت تظهر نظريات من قبيل الاتجاه نحو العملات الرقمية بدلًا من التعامل المباشر مع النقد. وفق هذا المخطط فعلينا أن نستعد للإصابة قريبًا بمرض الزهايمر الإلكتروني. وربما أولئك الذين رتبوا هذا السيناريو، هم فقط من سيعرفون كيفية التعامل مع الحروب الإلكترونية القادمة، حيث تكون البنوك أكثر انفتاحًا وعرضة للهجوم، ويمكن أن تفقد بكل بساطة المعلومات الموجودة على خوادمها ولا يمكنك من جديد استعادتها، وفي مواجهة هذا الانهيار المالي الكامل، ربما تجد بعض دول العالم الأخرى نفسها مُجبرة على العودة إلى العلاقات النقدية القديمة والمقايضة.
السؤال مرة أخرى: هل روسيا مستعدة لمثل هذا السيناريو، ناهيك عن منع الوصول لمثل هذه النتيجة؟
سؤال آخر: هل تمتلك الدولة مثل هذه الموارد والمهارات اليوم؟
في عام 1938، أصدر الاتحاد السوفيتي فيلمًا كان اسمه: «إذا جاءت الحرب غدًا» تخيل فيه إمكانية قيام حرب مع ألمانيا، وفي نهايته تمكَّن الجيش الأحمر، من هزيمة قوات الرايخ الثالث الألماني، وذلك عبر القليل من الدم والخسائر، وكانت الحرب الافتراضية في ذلك الفيلم تدور على أرض أجنبية خارج حدود الاتحاد السوفيتي.
حدثت الحرب في الواقع بعد عرض الفيلم بثلاثة أعوام، وكانت الحقيقة كما نعلم جميعًا، مختلفة تمامًا عما دار في الفيلم. حيث بدأت الحرب منذ اليوم الأول داخل أراضي الاتحاد السوفيتي، ووجه النازيون ضربة قوية لنا؛ لدرجة أن هتلر كان واثقًا من أن النصر في جيبه. بعدما تعرضنا لهجوم مُباغت وقوي على جميع الجبهات تقريبًا. في الشهور الأولى من الحرب، تعرض الاتحاد السوفيتي، لهزيمة ساحقة على كافة الاتجاهات.
السؤال هنا: أليست روسيا اليوم في وضع أكثر سوءًا من حيث الاستعداد لحرب مستقبلية أو من حيث إدراك حتميتها في المستقبل القريب؟
على الرغم من حقيقة أن العديد من ممثلي قمة هرم السلطة، وداخل أروقة الدولة، وفي والشركات: “يتحدثون من الناحية التكنولوجية عن حتمية حدوث هذه الحرب”. إلا أن أحدًا لا يشعر مع ذلك بالقلق، يبدو أن ذهنيتنا ما زالت مرتبطة بحصر الخطر في الحروب التقليدية القائمة على اجتياح أراضينا من قبل جيوش بشرية غازية!
لا يدرك هؤلاء المطمئنون لمستقبل روسيا، نظرًا لامتلاكها أسلحة قوية فتاكة، أن لهذا السبب بالتحديد تم إنشاء وبناء تقنيات جديدة في المقام الأول لأجل قهر روسيا، والانتصار عليها دون الحاجة لخوض حرب تقليدية.
لذا من جديد أطرح السؤال: إلى أي مدى روسيا مستعدة اليوم لهجوم إلكتروني واسع النطاق، يمكن أن يكون سريعًا في التنفيذ، وإن كان طويلًا في التحضير له؟
حالة الطوارئ: لكن دعونا أولًا نُقِم احتمالية حدوث مثل هذا الهجوم الإلكتروني العالمي القوي.
في البداية، دعونا ننتقل إلى المصدر الأساسي – إلى كلاوس شواب، رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، هذا المقر الرئيسي للعولمة، حيث يحب وزراؤنا وأوليغارشيونا السفر كثيرًا هناك.
قدم كلاوس شواب، كتابه عن الثورة الصناعية الرابعة، هدية إلى فلاديمير بوتين، وقبله الأخير بامتنان. من المثير للاهتمام، أنه قبل عام، كان الخبراء يتحدثون عن افتتاح مكتب لمنظمة (المنتدى الاقتصادي العالمي) في موسكو، وأنه قد تم التخطيط للقيام بذلك، في مركز سكولكوفو للابتكار وبمشاركة سبير بنك.
صرح شواب علنًا في 8 يوليو (حزيران) 2020: «العالم لا يعطي اهتمامًا كافيًا للسيناريو المُخيف الذي يمكن أن يؤدي إليه هجوم إلكتروني واسع النطاق وكيف يمكنه أن يؤدي إلى إغلاق كامل لإمدادات الطاقة والنقل والمستشفيات والمجتمع ككل. حال حدث هذا الأمر، ستبدو أزمة كوفيد-19 وكأنها لحظة عابرة طفيفة مقارنة بما سُيحدثه هجوم كهذا».
يراودني هنا سؤال لا يمكنني كتمانه – هل نحن نتعامل مع تحذير – أو بالأحرى مع خطة عمل، خطة معلنة للضغط النفسي والتنسيق المسبق لحدثٍ ما سيحدث قبلها؟
في الواقع، عام 2020، جرت فيه جميع الأحداث تقريبًا بشكل علني ولكنها بدت مفاجئة. إذا نظرت إلى الجدول الزمني للأحداث: “يبدو أنه بعد هذا الخطاب مباشرة، بدأ التحضير للهجوم الإلكتروني الذي تحدث عنه شواب، وفي 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، تم إجراء الاختبار الأول لكيفية القيام به، والذي بدأ مع أول بلاغ بالهجوم الإلكتروني، جاء من شركة (Americold)”.
شركة (Americold) هو أكبر مستودع مُكيف في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ولديها خدمات لوجستية خاصة بها. هذه الشركة الأمريكية لديها أكثر من مائة عام من التاريخ خلفها، وتستخدم مستودعاتها، على سبيل المثال لتوصيل لقاح ضد فيروس كورونا، أي أن هذه الشركة ذات أهمية إستراتيجية. في حالة وقوع هجوم إلكتروني على سبيل المثال، يمكن إذابة جميع ثلاجات لقاح فيروس كورونا وإحباط حملة التطعيم. تم اختراق حماية هذه الشركة من قبل قراصنة مجهولين، على الرغم من أن السلطات الأمريكية في مثل هذه الحالات معتادة على توجيه أصابع الاتهام إلى روسيا. اتضح أن شركة (Americold) هي أحد عملاء شركات (SolarWinds – FireEye) والتي من خلال برامجهما، تم اختراق منظومتها وتعرضت للهجوم، وفقًا للسلطات الأمريكية.
شركة (FireEye) متخصصة في الأمن السيبراني، ومن ضمن مهامها مراقبة التهديدات الإلكترونية من خلال برنامج (Orion) كان قراصنة الشركة، أو من يسمون «الفريق الأحمر» يشنون بانتظام هجمات إلكترونية على البنية التحتية للعملاء المحتملين، يُزعم أن أدوات عمل «الفريق الأحمر» قد تعرَّضت للسرقة، ومن خلال الشركتين (SolarWinds – FireEye) تم اختراق مئات الآلاف من العملاء في جميع أنحاء العالم، ولكن معظمهم حولي 80% في الولايات المتحدة، أي كانت بمثابة أحصنة طروادة. كان يمكن لهذا الاختراق، على سبيل المثال، أن يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي في مدن بأكملها من الأمور المثيرة، كانت قائمة عملاء شركتي: (SolarWinds – FireEye) التي عرضتها وسائل الإعلام الأمريكية، لقد كانت مثيرة للإعجاب بحد ذاتها وإليكم قائمة بأبرز هؤلاء: (البنتاغون، ونظام الاحتياطي الفيدرالي، ووزارة الخارجية، ووكالة الأمن القومي الأمريكية، ووكالة ناسا، ووزارة الخزانة، وخدمة البريد ووزارة العدل، والإدارة الرئاسية الأمريكية، والشركات الاستشارية الأمريكية الرائدة، وجميع الشركات تقريبًا الواقعة في قائمة فوربس العليا).
ليس هذا فحسب، بل شملت القائمة أيضًا: (أكبر مدن البلاد، وشركات الاستثمار والبنوك، ومؤسسات الدفاع الكبرى – على سبيل المثال، لوكهيد مارتن، ومركز كينيدي للفضاء، وجامعة جونز هوبكنز). اختراق أنظمة هذه الجامعة، أمر يستحق الدراسة بشكل منفصل، فهذه الجامعة الأمريكية الخاصة الواقعة في بالتيمور، بين نيويورك وواشنطن، تُدير اليوم سياسة التعامل مع فيروس كوفيد-19، وتقدم العون والنصح والإرشاد والمعلومات الحاسمة حول الفيروس، لجميع دول العالم تقريبًا، باستثناء الصين. من الناحية الرسمية، تُعد جامعة جونز هوبكنز المركز الرائد عالميًّا للإحصاءات والتنبؤات والتحليلات، نقطة هامة. بناءً على بيانات وتحليلات جامعة جونز هوبكنز، تتخذ السلطات الحكومية حول العالم، قرارات لإغلاق البلدان والمدن، وتقييد الحقوق والحريات الدستورية، وتدمير الاقتصاد «التناظري» لصالح الاقتصاد الرقمي. ليست هناك حاجة لخلق الأوهام، يكفي أن تعلم أن الهيئة الحكومية الروسية: (الخدمة الفيدرالية لمراقبة حماية حقوق المستهلك ورفاهية الإنسان) والتي ترأسها آنا يوريفنا بوبوفا، تحدثت بشكلٍ علني، أنها تقدم مقترحات الإغلاق والتقييد بناءً على المعلومات الواردة من مركز الجامعة المسؤول عن بيانات فيروس كوفيد-19 حول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، شملت قائمة المستخدمين المحتمل «اختراقهم»: (شبكة إدارة المدن الذكية الأمريكية، ووسائل الإعلام الرائدة في البلاد مثل نيويورك تايمز، وشبكات الكابل التلفزيونية، ومؤسسة بيل وميليندا جيتس، وماستركارد، وفيزا، والقوات الجوية الأمريكية، وأنظمة التحكم في محطات الطاقة النووية، والمئات من الجامعات والكليات). حتى شبكة ماكدونالدز موجودة في هذه القائمة، ويمكن إيقاف تشغيلها بأمر من عدو مجهول!
اتضح أيضًا أن المهاجمين تسللوا إلى أنظمة التحكم، ومن خلال التحديثات، أرسلوا أحصنة طروادة إلى مئات الآلاف من العناوين، مما يسمح لهم بإبقاء أنظمة أمان الكمبيوتر لهذه المنظمات والهياكل تحت سيطرتهم الكاملة. في حالة وقوع هجوم إلكتروني، يُصبح الجميع بلا سلاح دفاعي – في الواقع يتم تجاوز جميع أنظمة الأمان الخاصة بهم.
إدراك حجم ما حدث: هذه هي الطريقة التي كتبت عنها الصحافة الأمريكية الكبرى، وبعد اكتشاف أحصنة طروادة على الخوادم، بشكل أساسي في البنتاغون، نشرت وكالة الأمن السيبراني، وأمن البنية التحتية الأمريكية لأول مرة في تاريخها توجيهًا طارئًا إلى جميع المنظمات والشركات، بما في ذلك المدنيون. قالت لهم حرفيًّا: «إن جميع الوكالات التي تشغل منتجات SolarWinds يجب أن تقدم تقريرًا لها حول هذا الموضوع».
هنا لاحظت أمرًا يبدو غريبًا: “في الواقع لم يحدث شيء ظاهري. البرنامج لا يزال يعمل، والطائرات تطير، والقطارات تنطلق إلى كل مكان كما هي”. لكن في الوقت نفسه، أصبح الهجوم الإلكتروني، الذي تحدثت عنه شواب، في الصيف، حقيقة محتملة يمكن أن يحدث ذلك في شهر أو أسبوع أو عام أو حتى غدًا. في الوقت نفسه أيضًا، قد يأتي من حيث لا يتوقع أحد؛ أي من خلال الشركات والهياكل نفسها التي تشارك في الأمن السيبراني، والتي لديها حق الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل السيبرانية.
إذن من المستفيد من مثل هذا الهجوم السيبراني؟
على الفور كان العدو المناسب الذي يمكن إلقاء التهمة عليه هو بكل بساطة: “روسيا، إنها العدو المناسب لسبب أهم بكثير مما يعتقده البعض، وهو اتخاذ هذا الهجوم الروسي المزعوم ذريعة لفرض عقوبات جديدة؛ لكن الأمر أبعد من ذلك، اتهام روسيا، يهدف في المقام الأول، لتبرير حدوث ضربة انتقامية أمريكية واسعة النطاق تم التخطيط مسبقًا له”.
هنا يبرز سؤال حول: كيفية وصف الهجوم من قبل الولايات المتحدة؟
في قاعدة فورت ميد بالقرب من واشنطن، حيث يقع مركز القيادة المشتركة الجديد لوكالة الأمن القومي والقيادة الإلكترونية، لم يُلاحظ أحد هذا الهجوم الإلكتروني، كما كتبت صحيفة نيويورك تايمز. أجهزة الاستشعار لم تعمل وقائد القوات السيبرانية، الجنرال بول ناكاسوني، لم يقُل أي كلمة عن ذلك. ولكن إليكم ما قاله الرئيس التنفيذي لنفس شركة (FireEye) كيفين مانديا: «إننا نشهد هجومًا من دولة تمتلك أعلى القدرات الهجومية».
لا شك في أن الأمريكيين يُعدون لما يرون أنه انتقام من هذه الأمة بالذات، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدولة ليست الصين، لأنه على خريطة الهجوم التي نشرتها شركة مايكروسوفت على الفور، تم تصنيف الصين أيضًا كضحية للهجوم، على عكس روسيا، التي تعد واحدة من الدول القليلة التي لم تتأثر بهذا الهجوم.
فيما يتعلق بما يحدث، فإن من الأهمية بمكان التدقيق في البيان الرسمي لمايكروسوفت، الذي أصدره رئيسها براد سميث، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2020، وهو متاح على الموقع الإلكتروني للشركة، لقد أعلن براد سميث، الصديق المُقرب من سبير بنك، وحكومة روسيا الاتحادية: “أن روسيا مسؤولة عن الهجوم الإلكتروني”، ولا يدعو فقط إلى معاقبتها، بل يقترح أيضًا كيفية القيام بذلك بشكل أكثر فاعلية؛ حتى لا ينهض العدو من جديد في هذا البيان، لا تعلن مايكروسوفت، الحرب على روسيا فحسب ولا تعترف فقط بعلاقتها بالأجهزة السرية الأمريكية، ولا تُلمح فقط بشكل غير مباشر إلى تجربتها الخاصة في صنع أسلحة الدمار الشامل السيبرانية، ولكنها تتحدث أيضًا عن خطط لوضع نظام الأمن السيبراني العالمي بأكمله تحت السيطرة الأمريكية. إذا حكمنا من خلال الحقائق التي تم الكشف عنها في جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ الأمريكي في نوفمبر (تشرين الثاني) فإن (Facebook – Twitter – Google) تنسق إجراءاتها على المستوى التشغيلي، وتمثل بشكل أساسي هيكلًا واحدًا، وإن كان ثلاثي الرؤوس. هناك سبب للاعتقاد بأن هذه الشركات تعمل كجبهة موحدة في إستراتيجيتها، على الأقل في علاقتها مع البيت الأبيض والكونغرس ناهيك عن الأسواق الخارجية من المثير للاهتمام أن المديرين التنفيذيين لشركة مايكروسوفت، لم تتم دعوتهم إلى جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ في السنوات الأخيرة، حيث إن مصارعي (ناناى تاكاهاشى).[3] من رجال الدولة ورجال الأعمال، على ما يبدو، يعتبرون هذه الشركة بالفعل من مصادر «الأموال القديمة»، وباتت مستثناة من تلك الاجتماعات والتقارير الهامة. مع ذلك، ليس هناك من شك في أن كلًّا من هذه الشركة وأمازون متورطتان في كارتل رقمي.
مايكروسوفت، التي تلقت عقدًا بقيمة 20 مليار دولار من البنتاغون في عام 2019، لتطوير الحيز السحابي (كلاود) هي ببساطة الأقرب إلى الحكومة وهي في الواقع الآن ناجحة جدًّا في الضغط على مصالح الكارتل بأكمله. الآن ممثل مايكروسوفت، هو الذي ينقل آراء الأوليغارشيين الرقميين إلى السياسيين.
على الرغم من أن حوالي 80% من ضحايا الهجمات موجودون في الولايات المتحدة، فقد تم التعرف على الضحايا في سبع دول أخرى تشمل: (كندا والمكسيك في أمريكا الشمالية؛ بلجيكا وإسبانيا والمملكة المتحدة في أوروبا؛ وإسرائيل والإمارات في الشرق الأوسط). مما لاشك فيه أن عدد وموقع الضحايا سوف يتزايد. يجب أن نكون جميعًا مستعدين لسماع قصص تضحيات إضافية في القطاع العام والشركات والمؤسسات الأخرى.
لسوء الحظ، يُعد الهجوم هجومًا واسع النطاق وناجحًا على كل من المعلومات السرية لحكومة الولايات المتحدة والأدوات التقنية التي تستخدمها الشركات لحمايتها. الهجوم مستمر، ويتم التحقيق فيه ومعالجته بنشاط من قبل مجموعات الأمن السيبراني في القطاعين العام والخاص، بما في ذلك مايكروسوفت، حيث يتميز الهجوم بحجمه وتعقيده وتأثيره. كما أن له تداعيات واسعة ومربكة بدرجة أكبر.
أصدرت مايكروسوفت، بسرعة خريطة للهجوم الإلكتروني استنادًا إلى القياس عن بُعد؛ من خلال برنامج مكافحة الفيروسات (Microsoft Defender) لأحدث إصدار من (Windows). على هذه الخريطة، وضعت روسيا ودول رابطة الدول المستقلة الأخرى في نطاق النقاط البيضاء، مما يؤدي إلى استنتاج أنها لم تتضرر في الهجوم ولكن بقية الدول، بما في ذلك ليس فقط الولايات المتحدة، ولكن أيضًا اليابان والصين ودول أوروبية كانت ضحايا للهجوم الإلكتروني.
كتب براد سميث: «تحدد الخريطة العملاء الذين يستخدمون (Microsoft Defender) والذين قاموا بتثبيت إصدارات من برنامج (SolarWinds – Orion) الذي يحتوي على برامج ضارة من المهاجمين، هذا الجانب من الهجوم خلق ثغرة عالمية تقريبًا في كل سلسلة التوريد، ووصل إلى العديد من العواصم العالمية باستثناء روسيا. كما أنه مؤشر على زيادة مستوى الضعف في الولايات المتحدة».
يتحدث رئيس مايكروسوفت، بصراحة تقريبًا عن الذنب الوجودي للمهندسين الروس، وذلك لكونهم ليسوا في مستوى أدنى مهنيًّا من المهندسين الأمريكيين، وذلك عبر قوله: «ما حدث لم يكن تجسسًا عاديًّا، على العكس من ذلك، فهو يشكل عملًا متهورًا يهدف إلى إظهار الضعف التكنولوجي الخطير للولايات المتحدة والعالم. في الواقع لم يكُن هذا الهجوم يستهدف جهة بعينها، بل يهدف في المقام الأول لإثبات قدرة وقوة وموثوقية البنية التحتية العالمية الحيوية لأحد أجهزة الاستخبارات في بلدٍ معين».
وفقًا لمركز استخبارات التهديدات التابع لشركة مايكروسوفت، وقسم الجرائم الرقمية، فقد قال:
«من الواضح أن هذا هو نفس البلد المغرم شعبه، بحب الفودكا والبلاليكا. كما أكدت لنا الأحداث في مراتٍ عدة فإن وادي السيليكون ليس الموطن الوحيد لعبقرية البرمجيات. في عام 2016، حدد المهندسون الروس نقاط الضعف في دفاعات وسائل التواصل الاجتماعي، وتغلغلوا في الحملات السياسية الأمريكية، واستخدموا المعلومات المضللة لزرع الفتنة بين الناخبين، وقد كرروا هذا التمرين خلال حملة 2017 الرئاسية الفرنسية، لقد أثرت هذه الأساليب على الضحايا في أكثر من 70 دولة، بما في ذلك معظم الديمقراطيات في العالم».
إذا توصل محللو مايكروسوفت، إلى مثل هذه الاستنتاجات، فمن الواضح أنهم يراقبون النشاط السياسي في جميع أنحاء العالم. بينما يشعر براد سميث، بالقلق بشكلٍ خاص بشأن إمكانية استخدام المتسللين الروس للذكاء الاصطناعي: «كان أحد أكثر التطورات المخيفة في هذا العام هو التحركات الجديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتسلح عبرها بمجموعات كبيرة من البيانات المسروقة ونشر المعلومات المضللة؛ من خلال الرسائل النصية وتطبيقات المراسلة المشفرة. يجب أن نفترض جميعًا أن مثل الهجمات المتطورة تأتي من روسيا وسيصبح هذا أيضًا جزءًا دائمًا من التهديدات المستمرة».
لكن مهلًا.. أليس هذا هو الذكاء الاصطناعي الذي تساعد مايكروسوفت، في تطويره لصالح سبير بنك الروسي ويقوم في مقابل هذه الخدمة بالترويج لمنتجات مايكروسوفت، القائمة على الذكاء الاصطناعي في روسيا؟
كيف يمكنك الترويج للذكاء الاصطناعي في روسيا وفي نفس الوقت التعبير عن القلق بشأن هذه النقطة بالذات؟
علاوة على ذلك في نص هذا النداء التالي، تظهر ملاحظات مقلقة: الخطة الرئيسية لأقطاب العولمة لاستخدام كوفيد-19 لتحقيق أهدافهم باتت مهددة، ولذلك فهم بحاجة لإعادة ترتيب الأوضاع بملا يلائم أجندتهم.
يدق براد سميث، ناقوس الخطر قائلًا: «لقد استهدفت الهجمات الإلكترونية المستشفيات والسلطات الصحية من الحكومات المحلية إلى منظمة الصحة العالمية»- ثم يُلقي باللوم على الروس، قائلًا: «بينما كانت البشرية تسعى جاهدة لتطوير لقاحات، وجدت فرق الأمن في مايكروسوفت ثلاثة فاعلين من دولة قومية، تستهدف سبع شركات معروفة تشارك بشكل مباشر في الأبحاث حول اللقاحات والعلاجات لكوفيد-19. في عالم تشن فيه الدول الاستبدادية هجمات إلكترونية ضد الديمقراطيات في العالم، من المهم أكثر من أي وقتٍ مضى أن تعمل الحكومات الديمقراطية معًا».
يقدم براد سميث، مخرجًا لتبرير دمج الدولة مع احتكارات التكنولوجيا، وذلك عبر القول: «على عكس الهجمات السابقة، تتطلب تهديدات الأمن السيبراني أيضًا مستوى فريدًا من التعاون بين القطاعين العام والخاص. غالبًا ما تكون البنية التحتية التكنولوجية الحديثة، من مراكز البيانات إلى كابلات الألياف الضوئية، مملوكة ومدارة من قبل شركات خاصة. لا يتطلب الدفاع الإلكتروني الفعال مجرد تحالف من الديمقراطيات العالمية فحسب، بل يتطلب أيضًا تحالفًا مع شركات التكنولوجيا الرائدة».
في الوقت نفسه، تبدأ حرب «التكنولوجيا الكبيرة» في إملاء شروطها على الحكومة، وهو أمر غير مألوف بالنسبة للولايات المتحدة. يقول براد سميث «في كثير من الأحيان يبدو أن الوكالات الفيدرالية لا تتصرف حاليًّا بطريقة منسقة أو بما يتماشى مع إستراتيجية الأمن السيبراني الوطنية المحددة جيدًا». لذلك يدعو سميث، إلى: «توحيد استخبارات الشركات والدولة، وتجميع الاستخبارات الإستراتيجية في بوتقة واحدة، التحول من الحاجة إلى المعرفة إلى الحاجة إلى المشاركة».
عندما سُئل في ماذا تشارك الشركات؟
أجاب: «يمكن للحكومة مشاركة البيانات بشكل أساسي، وتقوم الشركات بمشاركة المنتجات المستمدة من تلك البيانات، حتى في شركة كبيرة مثل مايكروسوفت، علمنا أنه من الأهمية بمكان لمركز استخبارات التهديدات لدينا تجميع وتحليل البيانات من مراكز البيانات والخدمات الخاصة بنا، وعندما يكون هناك تهديد خطير نحتاج إلى مشاركة المعلومات والتقييمات الجماعية مع شركات التكنولوجيا الأخرى».
في الواقع، نحن نتحدث عن شكل أكثر نشاطًا للسيطرة الأمريكية على العالم من ذي قبل. كتب سميث، أن هجوم المتسللين الروس، يتطلب: «استجابة جماعية توضح أن الانتهاكات الجسيمة لها عواقب، قبيل نهاية عام 2020، يوفر العام الجديد لنا فرصة جديدة، للمضي قدمًا في جميع هذه المجالات» كما أشار سميث، إلى أن: «المجتمع الدولي يتحرك في هذا الاتجاه». وخص بالذكر هيئة مثل اللجنة العالمية لاستقرار الفضاء الإلكتروني (GCSC).
إذن كيف يرغب الأمريكيون في إدارة سوق الأمن السيبراني العالمي؟
بادئ ذي بدء، من خلال الخُدعة المألوفة – العقوبات. يكتب سميث: «هذه العقوبات، لضمان أن القانون المحلي يحظر بشكل واضح وصارم الشركات من مساعدة الحكومات على الانخراط في هجمات إلكترونية غير قانونية وهجومية، ويتولى بعض المستثمرين تمويلها عن عمد. نحن بحاجة إلى خطوات لضمان عدم قيام الأمريكيين وغيرهم من المستثمرين عن قصد بتغذية نمو هذا النوع من الأنشطة، ويجب على الولايات المتحدة المشاركة بنشاط في المناقشات مع الدول الأخرى التي تبني هذه الشركات، بما في ذلك إسرائيل، التي لديها نظام بيئي قوي للأمن السيبراني، يمكن استخدامه لدعم الأنظمة الاستبدادية بشكل خطير».
من الواضح أن قواعد اللعبة، الخاصة بأنظمة الأمن السيبراني العالمية، ستُكتب في واشنطن، وسيتعين على روسيا أن تتخلى عما تبقى لها من سيادتنا الوطنية، وأن تضع أنظمتها تحت سيطرة (اللوياثان الرقمي).[4]
مايكروسوفت وسبير بنك: يمكن لمايكروسوفت أن تهاجم روسيا، بشكل مباشر وفي نفس الوقت بشكل غير مباشر من خلال العقوبات. من خلال التحكم في الاستثمارات، سيكون من السهل عليها التحكم في أنظمة تكنولوجيا المعلومات الروسية الخاصة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك النظام المالي الخاص بالبنك الرئيسي في البلاد (سبير بنك) والاستحواذ على قطاع التكنولوجية ممثلًا في شركة (ياندكس).
ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا: إذا كانت مايكروسوفت، أحد الشركاء الرئيسيين لسبير بنك، وتعمل بنشاط مع حكومة الاتحاد الروسي، ولديها مكتب تمثيلي في موسكو، وتستخرج عشرات المليارات من الروبلات من روسيا؟
وفقًا للبيانات الرسمية، تكسب (مايكروسوفت روس) حوالي 6-7 مليارات روبل سنويًّا في روسيا، لكن معظم الشركات والمؤسسات الروسية تدفع لشركة مايكروسوفت، وبشكل مباشر، ومن خلال القسم الأوروبي للشركة في أيرلندا: (Microsoft Ireland Operations Limited) الذي لا يخضع لسيطرة سلطات الضرائب الروسية، ولا تكشف عن بيانات التدفقات النقدية من روسيا.
إذن، ماذا تفعل مايكروسوفت في روسيا؟
على الموقع الرسمي لشركة «مايكروسوفت روس» يتمثل الهدف الرئيسي الأول للشركة في مساعدة الشركات الروسية على حل مشكلات التحول الرقمي. اليوم، كما نعلم وكما يؤكد السيد ميخائيل ميشوستين، رئيس مجلس الوزراء، باستمرار. هذه مسألة دولة وهي وحدها من تتولى القيام بها.
الهدف الثاني: هو المشاركة في تطوير النظام الإيكولوجي لتكنولوجيا المعلومات الروسي، من خلال التحالفات الإستراتيجية، مع التركيز على «الحلول الصناعية ومساعدة الشركاء الروس في التقدم العالمي».
الهدف الثالث: «دعم الشركات الروسية الناشئة».
الهدف الرابع: «تعزيز نمو عدد موظفي تكنولوجيا المعلومات المؤهلين تأهيلًا عاليًا». يعني هذا أن مايكروسوفت تولي اهتمامًا خاصًّا بالشباب الروس الموهوبين.
من المجالات المهمة جدًّا لعمل مايكروسوفت، في روسيا تطوير الشراكات الإستراتيجية. حيث يولي الأمريكيون اهتمامًا خاصًّا لمشغلي الاتصالات لأن هذا هو المكان الذي يتدفق فيه الجزء الأكبر من البيانات، ومن المتوقع أن يتم بيع وشراء هذه الكميات، وفقًا لقوانين ومفاهيم الحكومة الروسية المعتمدة في عام 2020، على نطاق واسع بما في ذلك للشركات الأجنبية. من الواضح أن روسيا هنا أيضًا مورد للمواد الخام، وهو زيت جديد للسلوك البشري، يتم من خلاله صنع منتجات التحكم بالبشر.
من المشاريع التي تقوم على تطبيق تقنيات مايكروسوفت، في روسيا تطوير (ChemTech) وهو برنامج لشركات النفط والغاز والمواد الكيميائية وروبوت الدردشة للمقابلات في التوظيف (Robot Vera) وبرنامج آخر للسيارات وربطها بالسائقين والمنتجين والوكلاء (Bright Box).
أعود مرة أخرى لرئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب. عندما قال: «لا أريد حتى التفكير فيما سيحدث إذا تُرك ملايين الأشخاص في نصف الكرة الشمالي بالفعل في عام 2021، بدون طاقة لعدة أشهر وفي الوقت نفسه بدون طعام وماء وتدفئة، وفي النهاية بدون الإنترنت».
يدفعنا كل ما سبق للسؤال: من يقف وراء الهجوم السيبراني ذاته على الولايات المتحدة، والذي يمكن أن يصبح مقدمة لحرب حقيقية؟
يتضح لنا أنه في السيناريو التشاؤمي المفترض، ستتعرض الإنسانية أو جزء كبير منها لهجوم إلكتروني وستضطر إلى قضاء أيام أو أسابيع أو حتى أشهر دون وسائل الراحة الأساسية، ونتيجة لذلك ستقبل جميع الشعوب المُتضررة وبإلحاح، إيجاد حل جذري لمشكلة الأمن السيبراني، وبأي ثمن.
بعد ذلك ستكون شركة (IBM) قادرة على تقديم الحل السحري للعالم كله، أولئك الذين خلقوا المشكلة هم الأفضل في حلها، وعندها سيتم فرض شروط وقواعد جديدة على العالم بأسره، واكتساب القوة الجديدة على العالم.[5]
ترجمة: وحدة الرصد والترجمة في مركز الدراسات العربية الأوراسية
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير