وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) تمثل الدول العربية اليوم ما يصل إلى ثلث جميع مشتريات السوق العالمية من الأسلحة والمعدات العسكرية: “إن الدول العربية مستعدة لإنفاق مبالغ طائلة على شراء الأسلحة، حتى رغم صعوبة الوضع الاقتصادي والفقر العام للسكان”.
وخير مثال على ذلك مصر، حيث يمكن تصنيف ما يصل إلى 60% من السكان على أنهم فقراء، على الرغم من ذلك، تنفق الدولة عشرات المليارات من الدولارات على المعدات العسكرية. في نهاية 2015-2019، احتلت مصر المرتبة الثالثة في العالم بين مستوردي الأسلحة والمعدات العسكرية بحصة 5.8% من إجمالي حجم السوق على مر السنين.
في السنوات الخمس الماضية، صدَّرت الولايات المتحدة نصف منتجاتها العسكرية إلى الشرق الأوسط، وذهب نصف هذا المبلغ إلى دولة واحدة وهي المملكة العربية السعودية. إنها المستهلك الرئيسي للمنتجات العسكرية الأمريكية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يتزايد حجم الإمدادات إلى الدول العربية في الشرق الأوسط من فرنسا، وبلغ حجم صادرات الأسلحة الفرنسية إلى هذه المنطقة قيمًا قصوى منذ عام 1990، وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم.
بالمناسبة، ضاعفت مصر المذكورة أعلاه وارداتها من المنتجات العسكرية ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الماضية، لتصل إلى المركز الثالث في العالم، بعد السعودية (12%) والهند (حصة 9.2%). لا تزال السعودية أكبر مستورد للأسلحة على هذا الكوكب، حيث يقدر إجمالي الإنفاق العسكري بحوالي 61.9 مليار دولار.
على خلفية وباء كوفيد-19، خفَّضت العديد من الدول في عام 2020، الإنفاق العسكري من خلال إعادة توجيه الأموال إلى قطاع الخدمات الطبية. تم توجيه مبلغ كبير من التمويل لشراء الفحوصات ومعدات الحماية الشخصية والمعدات الطبية. على الرغم من ذلك، لم تتخلَّ العديد من دول العالم العربي، وخاصةً في الخليج العربي، عن إنفاقها العسكري، واشترت بنشاط أنظمة مختلفة من الأسلحة والمعدات العسكرية، وتجدر الإشارة إلى أنه في نهاية 2015-2019 كانت ست دول عربية، بما في ذلك أربع دول في الخليج، من بين أكبر عشر دول مستوردة للأسلحة والمعدات العسكرية.
من بينها السعودية (المركز الأول)، والإمارات العربية المتحدة (المركز الثامن)، والعراق (المركز التاسع)، وقطر (المركز العاشر). أيضًا في الترتيب مصر (المركز الثالث)، والجزائر (المركز السادس).
الإمارات العربية المتحدة: في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أبرمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أكبر صفقة دفاعية مع الإمارات بإجمالي 23.37 مليار دولار (وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية). أساس الصفقة هو توريد معدات الطيران، وكذلك صواريخ جو-جو وجو-أرض.
هذه الصفقة هي المرة الأولى التي تبيع فيها الولايات المتحدة 50 مقاتلة جديدة من الجيل الخامس من طراز F-35 متعددة الأغراض إلى الشرق الأوسط، ويقدر توريد المقاتلات بأكثر من 10 مليارات دولار، وستنفق الإمارات 10 مليارات دولار أخرى على شراء صواريخ، وستذهب حوالي 3 مليارات دولار إلى طائرات بدون طيار (MQ-9B Reaper).
أثارت هذه الصفقة الكثير من الجدل حتى في الولايات المتحدة. في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2020، منع مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعي قرارين يحظران الصفقة. كان هذا هو آخر يوم يمكن فيه منع الصفقة في الكونغرس. تم انتقاد الصفقة في المقام الأول من قبل الديمقراطيين، فضلًا عن مختلف المنظمات العامة. على وجه الخصوص، ذكرت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان أن الأسلحة التي باعتها الولايات المتحدة ستستخدم من قبل الإمارات في الحرب الأهلية في اليمن.
المملكة العربية السعودية: كما تقوم السعودية، وهي مشترٍ تقليدي للأسلحة الأمريكية، بالتسليح بنشاط. في مايو (أيار) 2020، وقَّعت عقدًا مع شركة الطيران الأمريكية بوينغ لتزويدها بأكثر من ألف صاروخ مضاد للطائرات والسفن، وكذلك لتحديث الصواريخ التي تم تسليمها سابقًا. وبلغت قيمة الصفقة أكثر من ملياري دولار.
في نهاية أكتوبر (تشرين الثاني) 2020، أصبح معروفًا أن مكتب التعاون العسكري في البنتاغون أخطر الكونغرس الأمريكي باحتمال بيع أسلحة ومعدات عسكرية للسعودية بقيمة إجمالية 60 مليار دولار. من بين أمور أخرى، الولايات المتحدة مستعدة لبيع طائرات هليكوبتر هجومية من طراز (Boeing AH-64D Apache Longbow Block III) للسعودية ومقاتلات (F-15SA Strike Eagle) بالإضافة إلى عشرات طائرات النقل والطائرات المروحية الخفيفة والاستطلاع. سيتم إرسال جميع المعدات الموردة مع أحدث التعديلات.
تشير إسرائيل إلى أن إمداد السعودية بأحدث التعديلات على طائرات الهليكوبتر الهجومية والمقاتلات مع (AFAR) يمكن أن يغير ميزان القوى في المنطقة. في الوقت نفسه، تعمل المملكة نفسها بنشاط على تعزيز الدفاع المضاد للصواريخ، على أمل توفير حماية موثوقة ضد ضربة صاروخية محتملة من إيران.
قطر: في فبراير (شباط) 2020، أعلنت مجلة (Forbes) أن وزارة الدفاع القطرية والإيطالية، وقَّعتا مذكرة تنص على توريد أحدث السفن الحربية والغواصات. إذا تم تنفيذ هذه الاتفاقية، فستصبح قطر أول دولة خليجية تحصل على أسطول غواصات خاص بها.
ربما يتم تنفيذ الصفقة كجزء من اتفاقية تم توقيعها في عام 2017 مع شركة (فينكانتييري) بمبلغ إجمالي يبلغ حوالي 6.1 مليار دولار، وكجزء من الاتفاقية الموقعة في وقتٍ سابق، كان من المفترض أن تستقبل قطر 7 سفن حربية جديدة، بما في ذلك طرادات من طراز الدوحة بطول 107 أمتار وإزاحة إجمالية قدرها 3250 طنًّا وسفينتا دوريات ساحلية وسفينة هليكوبتر بقوة حوالي 9000 طن.
جدير بالذكر أن الدولة المستضيفة لكأس العالم لكرة القدم 2022، تحلم بأن تصبح قوة بحرية. بصرف النظر عن إيطاليا، تشتري قطر سفنًا من تركيا. في عام 2020، تم إطلاق سفينة التدريب الرائدة (QTS 91 Al-Doha) بإزاحة إجمالية قدرها 1950 طنًّا في تركيا، وطلبت البحرية القطرية بأكملها سفينتين من هذا القبيل من أنقرة.
الكويت: تمكَّنت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، من تنفيذ صفقة كبرى أخرى في الخليج العربي. في نهاية عام 2020، دخلت الكويت في اتفاقية مع الولايات المتحدة تزيد قيمتها عن 4 مليارات دولار، وكجزء من الصفقة، ستتلقَّى الكويت 8 من أحدث طائرات الهليكوبتر الهجومية (AH-64E Apache) والمعدات ذات الصلة، وسيتم إصلاح وتحديث 16 طائرة أباتشي (AH-64D) أخرى.
يقدر الدَّين الخارجي لمصر بنحو 111.3 مليار دولار، وفقًا لنتائج الربع الأول من عام 2020، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 31.7% دفعة واحدة. على الرغم من الأداء الاقتصادي الضعيف، تعمل الدولة بنشاط على تسليح نفسها، وإبرام المزيد والمزيد من الصفقات الجديدة في السوق الدولية. وفقًا لمعهد (SIPRI) بالفترة من 2015-2019، احتلت مصر المرتبة الثالثة في قائمة أكبر مستوردي الأسلحة، وبلغ نمو الواردات من المعدات العسكرية المختلفة 206%.
وفقًا للبنك الدولي، ما يقرب من 60% من سكان مصر إما فقراء أو قريبون جدًّا من هذه الحالة. رغم ذلك، لن تقلِّص الحكومة المصرية حجم المشتريات العسكرية. في يونيو (حزيران) 2020، أبرمت القاهرة اتفاقية رئيسية مع إيطاليا، بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 9 مليارات دولار. تشتري مصر من إيطاليا 6 فرقاطات (FREMM) جديدة من نوع (Bergamini) منها: “أربعة سيتم تصنيعها بشكل خاص، واثنتان من الأسطول الإيطالي وحوالي 20 قاذفة صواريخ، و24 مقاتلة من طراز (Eurofighter Typhoon)، ونفس العدد من طائرات التدريب (Aermacchi M-346)”.
يعتقد الخبراء أن مصر تشتري السلاح من خلال القروض. وفي وقت سابق، قال الرئيس المصري إن فرنسا قدمت للقاهرة قرضًا بقيمة 3.2 مليار يورو لشراء معدات عسكرية فرنسية. على وجه الخصوص، حصلت مصر من فرنسا على اثنتين من حاملات المروحيات- نوع ميسترال، والتي كانت في الأصل مخصصة لروسيا، فيما يخص هذه السفن، اشترت مصر طائرات هليكوبتر هجومية من طراز (Ka-52K) من الاتحاد الروسي.
تستعد القاهرة أيضًا لاستقبال الدفعة الأولى من مقاتلات (Su-35) الروسية الحديثة متعددة الوظائف التي تنتمي إلى (الجيل الرابع ++)، ووقعت الدولة عقد توريد مقاتلات في عام 2018، في المجموع ستستقبل مصر 24 طائرة من أحدث الطائرات (وفقًا لمصادر أخرى، 22 على الأقل) يجب أن تبدأ عمليات التسليم في عام 2021، وكان مبلغ الصفقة أكثر من ملياري دولار. في السنوات الأخيرة أيضًا، اشترت مصر 500 دبابة من طراز (T-90) من روسيا بإجمالي 2.5 مليار دولار تقريبًا.
يشير الخبراء إلى أن «ذوبان الجليد» الحقيقي قد بدأ في العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، وعليه تحسَّنت العلاقات بين مصر وإسرائيل بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. تحاول إسرائيل تطبيع العلاقات مع العديد من دول الخليج العربي، وهذا في مصلحة جميع الدول. في وقتٍ سابق من سبتمبر (أيلول) 2020، حدث تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين. ويتبقى بعد الاعتراف بإسرائيل من قبل السعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر. في الوقت نفسه، هم جميعًا «بلدان الخليج العربية» على استعداد ليكونوا أصدقاء معًا ضد إيران، التي يرون أنها تمثل التهديد الرئيسي في المنطقة.
من غير المحتمل أن تقوم مصر ببناء قدراتها العسكرية من أجل صراع عسكري مع إسرائيل. إن تعزيز الدفاع عن البلاد من حيث المبدأ يستبعد احتمال نشوب صراع وعواقب وخيمة على القاهرة، والتي كانت من سمات الحروب العربية الإسرائيلية السابقة.
يشير الخبراء إلى أن ليبيا قد تكون هدف التسليح النشط لمصر بنماذج حديثة من المعدات العسكرية. القاهرة في المستقبل قد تتدخل في هذا الصراع العسكري من أجل «توحيد البلاد» إلى جانب المشير حفتر، من أجل السيطرة على البلاد ودعم القيادة الجديدة. أو لأجل الدفاع عن حقوقها المائية المهددة من قبل إثيوبيا.
الجزائر: من حيث الإنفاق العسكري، تحتل الجزائر المرتبة الثالثة في العالم العربي بعد السعودية ومصر. في الوقت نفسه، وفقًا لتصنيف (Global Firepower) لمقارنة جيوش العالم، فإن دول المغرب العربي الأخرى تعمل بنشاط أيضًا على تسليح نفسها؛ إذ حلت المغرب في المركز السابع في ترتيب هذه المنظمة وتونس في المرتبة الحادية عشرة.
الجزائر تنفق حاليًّا نحو ستة مليارات دولار سنويًّا على الاحتياجات العسكرية. في الوقت نفسه، من الصعب تحديد الأرقام بالضبط؛ لأن العديد من دول المنطقة، بما في ذلك مصر تخفي إنفاقها العسكري. في الوقت نفسه، كانت الجزائر تقليديًّا مشتريًا نشطًا للأسلحة الروسية. على وجه الخصوص اشترت ما لا يقل عن 14 مقاتلة (Su-35 – Su-34).
في جميع الاحتمالات، ستصبح الجزائر مشتريًا أوليًّا لأحدث مقاتلة روسية متعددة الوظائف من الجيل الخامس (Su-57E). بحسب بوابة (Menadefense) وقَّعت الجزائر عقدًا مع روسيا في 2019 لتوريد 14 مقاتلة من أحدث طراز، وقدِّرت الصفقة بنحو 4 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك تشتري الجزائر بنشاط أنظمة صواريخ الدفاع الجوي الروسية (Pantsir-M) وأنظمة الصواريخ المضادة للسفن والسفن الحربية. في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أصبح معروفًا أن الجزائر ستعزِّز أسطولها بثلاثة طرادات من طراز (Project 20382) من نوع «الحراسة»، ويمكن تسليم أول سفينة في وقت مبكر من عام 2021. يعتقد الخبراء أن هذه السفن قد تصبح لبعض الوقت أقوى السفن الحربية في القارة.
المغرب: المملكة المغربية، الخصم التقليدي للجزائر، مجبرة على تسليح نفسها ردًّا على ذلك. تعد المغرب مشتريًا تقليديًّا للأسلحة الفرنسية، لكنها زادت أيضًا في السنوات الأخيرة تعاونها مع الولايات المتحدة. في ديسمبر (كانون الأول) 2020، ذكرت وكالة رويترز أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب أخطرت الكونغرس بصفقة محتملة مع المغرب لتوريد طائرات بدون طيار، على الأقل 4 طائرات (MQ-9B SeaGuardian) ومختلف الأسلحة عالية الدقة الموجهة بإجمالي مليار دولار.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، أصبح معروفًا أن وزارة الخارجية وافقت على صفقة أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار للمغرب، بما في ذلك ما لا يقل عن 24 مروحية هجومية من طراز (AH-64E Apache). وفي وقتٍ سابق أيضًا، تم التوقيع على اتفاقية بمبلغ 239 مليون دولار، تكون واشنطن بموجبها مستعدة لتزويد البلاد بعدد 25 ناقلة جند مدرعة حديثة ومختلف المركبات والمعدات العسكرية.
تونس: تحاول تونس مواكبة جيرانها، لكن مشترياتها أكثر تواضعًا. لذلك وقَّعت وزارة الدفاع التونسية على مدار العام الماضي عقدًا مع الشركة التركية لصناعات الطيران والفضاء لتوريد ثلاث طائرات بدون طيار متوسطة الارتفاع طويلة المدى من طراز (ANKA)، وثلاث محطات تحكم. تبلغ قيمة العقد 80 مليون دولار ويتضمن تدريب وتعليم 52 عسكريًّا تونسيًّا، وبلغ إجمالي الإمدادات العسكرية التركية إلى تونس نهاية عام 2020، بحسب أنقرة، 150 مليون دولار. قد يفتح الاتفاق الطريق أمام تعاون عسكري بين أنقرة وتونس.
لكن في الوقت نفسه، تحدُّ تونس في الجنوب الشرقي ليبيا التي مزَّقتها الحرب، حيث لتركيا مصالحها الخاصة التي تختلف عن مصالح مصر، ومن المعروف أيضًا أن تونس تتوقع شراء طائرات أمريكية بقيمة 325 مليون دولار. بما في ذلك أربع طائرات هجومية خفيفة من طراز (Beechcraft AT-6C Wolverine) وأسلحة لها، وقد تمت الموافقة على الصفقة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وإرسال معلومات عن الصفقة المرتقبة إلى الكونغرس في نهاية فبراير (شباط) 2020.[1]
الكاتب: سيرغي يوفيريف – كاتب روسي متخصص بالشئون العسكرية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير