أكثر من ستّة أشهر مرّت على توقيع الاتفاقية الإستراتيجية الطويلة الأمد بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم تزل ردود الفعل تتوالى في محاولة لفهم طبيعة الاتفاق، وحيثياته، ومترتباته على المستويين الإقليمي والدولي، فقد اهتزّ ميزان القوى الدولي على وقع الاتفاقية الصينية- الإيرانية ليعيد ترتيب إستراتيجيات الدول الكبرى وتموضع قواتها العسكرية في المنطقة. في كفّة اليسار، عقدت الصين العزم على التوسع بنفوذها نحو الخليج، وفك العزلة الاقتصادية عن إيران، كما كانت السبّاقة في وضع ثقلها الاقتصادي في الدول التي تقع ضمن محيط “حدودها السياسية الجديدة” على امتداد خريطة «الحزام والطريق».
في كفّة اليمين، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى صبّ ثقلها السياسي في المنطقة لتعيد التوازن إلى كفّتي الميزان، بالنظر إلى مجريات الأحداث التي شهدها المحيط الإقليمي للصين منذ إعلان اتفاقية التعاون. غير أن الحاجة إلى قلب الدفّة لصالحها دعت الولايات المتحدة أن تعيد النظر في مصالحها؛ إذ عمدت إلى التراجع عن سياسة احتواء الصين من جهة أفغانستان، مُطلقةً بذلك الحدود أمام حُكم طالبان بكامل قوّتها وقواتها، فيما تتأنى بوزن نفوذها، مناوراتها الدبلوماسية وخياراتها الإستراتيجية لإعادة تموضع ثقلها العسكري في المنطقة. وما بين مفاوضات ومناكفات، ينذر تأرجح كفتي الميزان بردّات فعل عنيفة، وأحداث مهمة قد يشهدها المحيط الأوراسي في المرحلة القادمة؛ وهو ما يعيد طرح التساؤلات عن طبيعة الاتفاقية الصينية- الإيرانية، وأبعادها.
ترتكز معرفة طبيعة الاتفاقية الصينية- الإيرانية الطويلة الأمد، على فهم دور السياسة الخارجية في تشكيل الهوية الوطنية للدولة، من خلال التعريف بها، وتحديد شخصيتها وثقلها في ميزان القوى الدولية. ويتأتى تحليل العوامل المحركة لسياسة الدولة الخارجية من واقع أنها تعكس رؤية واضحة لطبيعة كل من البيئة النفسية والمحلية المؤثرة في قرارات الدولة الإستراتيجية، والتطلعات المستمدة من الهوية الوطنية للدولة ومصلحتها العامة. هذا وتعد السياسة الخارجية بوصفها مفهومًا لسلطة الدولة وقوتها، مؤشرًا على تطور أدواتها الإستراتيجية والدفاعية المستخدمة للحماية من كل ما قد يهدد سيادة الدولة أو نفوذها سياسيًّا، أو جغرافيًّا، أو اقتصاديًّا، أو عسكريًّا.
تبنت الصين سياسة خارجية مستقلة وسلمية، عُمِّمَ محتواها من خلال عشرة جوانب شاملة تستخدم الدبلوماسية كأداة للسياسة الخارجية. ولعلّ أبرز ما تم تأكيده بموجب هذه السياسة: معارضة الصين للهيمنة، والاستدلال على أن الشؤون الدولية يجب أن تحل من خلال المفاوضات، مع أن الدول الكبرى هي التي تقررها؛ والسعي إلى الحفاظ على السلام العالمي؛ ومعارضة الاحتلال والتدخل والإرهاب، وتأكيد عدم تحديد أي علاقة في ضوء النظم الاجتماعية للأيديولوجيا؛ ومعارضة سباق التسلح وامتداده إلى الفضاء، وإعلان التدمير الكامل للأسلحة النووية؛ وتطوير علاقات التعاون الودية، وتعزيز الرخاء الاقتصادي المشترك، بالإضافة إلى تشجيع التبادل والتعاون بين شعوب البلدان المختلفة لتعزيز التفاهم المتبادل والصداقة بين جميع البشر[1]. يبقى أنّ الدراسة الشاملة لأهداف السياسة الخارجية الصينية وآثارها، تستوجب البحث في ما هو غير معلن لجهة المصالح المتوخاة من الطرفين في بُعدها الاقتصادي، والجيوسياسي، والعسكري.
فيما تقدّم، تبرز مفاتيح السياسة الخارجية الصينية تجاه إيران على وجه العموم، وموقف الصين المعارض لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية على وجه أخص. فالاختلاف الأيديولوجي في النظم الإجتماعية بين نظام الصين الشيوعي ونظام الجمهورية العربية الإسلامية الثيوقراطي “الملالي”، لم يردع الصين عن توطيد العلاقة مع إيران، والسعي إلى تطوير التعاون الاقتصادي، وتحقيق الرخاء المشترك بين البلدين. غير أنه رغم هذا التعاون، تعارض الصين في سياستها برنامج إيران النووي، وأي سباق تسلح في الشرق الأوسط؛ وعليه فقد أكّد تصريح الرئيس الصيني «شي جي بينغ» دعم مطالب إيران «المعقولة» فيما يتعلق بالاتفاق النووي، واستعداد الصين لتعزيز التنسيق مع إيران وحماية المصالح المشتركة؛ فإنّه من أولى مصالح الصين إعادة تعزيز الأمن والاستقرار في إيران كما في سائر البلدان التي تقع على خريطة الحزام والطريق.
أمّا موقفها من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، فالصين كانت ولم تزل ترفض، بشكل قاطع، ما تسميه صراحة “الهيمنة” الأمريكية التي “قوّضت السلام والاستقرار الإقليميين”، معتبرة أن العالم ظل “مضطهدًا” من الولايات المتحدة فترة طويلة. هذا وكانت الصين قد شددت مرارًا على وجوب التعامل مع الدول تعاملًا منصفًا، واعتماد النهج الدبلوماسي باللجوء إلى المحادثات لمعالجة القضايا الخلافية، والكف عن التفرّد بالقرارات الدولية. وكان هذا الموقف الخلافي قد احتدم مؤخرًا إثر قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات ثانوية على شركة الطاقة الصينية التي تديرها الدولة، وكثير من شركات الناقلات النفطية؛ نتيجة انتهاكها القيود الأمريكية على التجارة بالنفط الإيراني. بالمقابل، أعربت الخارجية الصينية أن الصين تعزز رفع جميع العقوبات الأحادية غير القانونية التي تفرضها الولايات المتحدة ضد أطراف ثالثة، بما في ذلك إيران والصين، بشكل كامل.
وممّا يساعدنا على فهم أشمل لطبيعة الاتفاقية الصينية- الإيرانية، الإضاءة بداية على بعض جوانب السياسة الخارجية الصينية المعلنة التي توضح الخيار الإستراتيجي للصين لعقد الاتفاقية مع إيران؛ فقد وضعت الصين قاعدة «الانتماء إلى العالم الثالث نقطة انطلاق أساسية للتنمية والتقوية والتعاون مع البلدان التي تسعى إلى الحفاظ على الاستقلال الوطني والتنمية»؛ وعليه، فإن الصين اختارت تثبيت دورها كقوة عظمى من خلال العمل على تقوية الدول الأضعف، وضمّها اقتصاديًّا على أسس من المساواة والتعاون؛ بهدف تعزيز التنمية، وحفظ السيادة. ولمّا كانت إيران تخضع لحظر اقتصادي وعقوبات أمريكية قاسية أدّت إلى تراجع حاد في الاقتصاد الإيراني بجميع قطاعاته، مع الانخفاض في الناتج المحلي للصادرات النفطية، وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، ممّا خلّف آثارًا مقلقة على الاستقرار الاجتماعي في الداخل الإيراني، مع الشّح في السلع والمنتجات والمواد الأولية المستوردة؛ فقد برزت الحاجة إلى دعم إيران والتعاون معها على الخروج من الأزمة، من خلال تعاون اقتصادي إستراتيجي يحقق مصالح الطرفين، دون المساس بمصلحة الأمن الدولي لجهة الملف النووي الإيراني.
وحيث تشتمل السياسة الخارجية الصينية- في جانب آخر- على «التمسك بسياسة الإصلاح الطويلة المدى، والانفتاح على الخارج، وتوسيع التجارة الاقتصادية والتكنولوجية وتطويرها على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة»، كان لزوم أن تعقد الصين اتفاقيتها الإستراتيجية مع إيران مدة متوازية مع تلك المحددة لسياسة الإصلاح الشامل في الداخل الصيني، بحيث تكون آفاق التعاون مشتركة ومتكاملة تكفل استدامة التنمية ومواردها وناتجها بالنسبة إلى الصين. من هنا ندرك أهمية مدة الاتفاقية والمنفعة التي تعود بها على مسار الإصلاح والتنمية في الداخل الصيني، كما نلحظ أن الاتفاقية جاءت بمبادرة صينية، مبنية على خطة إستراتيجية متقنة ومحددة مسبقًا، أرست من خلالها الصين خريطة توسعها التجاري، والاقتصادي، والتكنولوجي؛ بما يتضمن توسع مناطق نفوذها.
في جانب آخر، تتمسك الصين في سياستها الخارجية بقاعدة «عدم الاعتماد على أي قوة عظمى، أو إقامة تحالفات أو علاقات إستراتيجية مع أي مجموعة من الدول». من هذه القاعدة نلتمس وجه التأكيد الصيني أنّ الاتفاقية الصينية- الإيرانية الطويلة الأمد، لم تتخذ إطار “التحالف” السياسي مع إيران في وجه السياسة الأمريكية، ولا أنها تؤشّر إلى دخول الصين في أي محور إستراتيجي شرقي بوجه «حلف الناتو». أما الأهم فهو أن الاتفاقية مع إيران لا بد أن تثبت استقلالية موقف الصين في سياستها الخارجية، وعدم اعتماد سياستها هذه على أي موقف صادر عن أي دولة عظمى، فلا تكون بذلك تابعة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران، رغم توافقها على ضرورة وقف برنامج إيران النووي، والسعي المطلق إلى الحد من التسلح النووي في الشرق الأوسط. والجدير بالذكر في هذا الشأن، حرص الصين على التكامل الإستراتيجي الأمني والاقتصادي في التعاون المشترك الذي تفرضه الاتفاقية، وهوالمحضّر له سلفًا بحرص وعناية عند رسم سياسة الصين الخارجية تجاه إيران؛ حيث إن الصين تتوخى من خلال «لجنة الأمن القومي» الإشراف على السياسة الخارجية للبلاد، وتنسيقها، ومراقبتها، فضلاً عن القضايا الداخلية والدفاعية المتعلقة بالأمن، إلى جانب اللجنة المعنية بـ ”الإصلاح الشامل“.
وبين ما هو معلن في السياسة الخارجية الصينية، وما هو غير معلن، أفضى إعلان الاتفاقية الإستراتيجية التي وقعتها الصين مع إيران بتاريخ 27 مارس (آذار) 2021، إلى ردود فعل متباينة على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي. كما كشف عن قلق أمني متزايد من التقارب الصيني الإيراني، ومخاوف من أن الاستثمارات الواسعة النطاق في إيران لن تكون مقابل إمدادات النفط وحسب؛ بل إنها تهيّئ لمرحلة حرب باردة جديدة، يكون للصين فيها حدود سياسية ممتدة نحو الشرق الأوسط (منطقة نفوذ الولايات المتحدة). ويبدو القلق جليًّا من أن تكون الاتفاقية الصينية- الإيرانية هي الورقة الرابحة للصين في أي مواجهة مقبلة، بحيث تضمن لها إحكام قبضتها على الممرات المائية والمدن التجارية في المنطقة، وتؤمّن لها موطئ قدم، على مدى ربع القرن المقبل، على سواحل الخليج، وبحر العرب، والمحيط الهندي. هذا وقد ذهب بعضهم إلى المغالاة في حكمه على آثار الاتفاقية الصينية- الإيرانية، بالإنذار أنها عامل محفّز لمواجهة عسكرية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية تنطلق شرارتها من الخليج تمهيدًا لحرب عالمية ثالثة؛ وهو ما يمكننا استبعاده بالاستناد إلى وقائع وأسباب عدة نبيّنها على وجه التفصيل فيما يلي من هذه الدراسة.
ليست الاتفاقية الأولى التي تعقدها الصين مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد سبق أن وقعت الصين اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة «CSP» مع إيران عام 2016، بالتوازي والتكافؤ مع الاتفاقيات الإستراتيجية التي كانت الصين قد عقدتها مع أكثر من 30 دولة، من بينها مصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية التي تعرف بخلافها الحاد مع إيران؛ بل الأبرز أن الصين قد سبق أن عقدت بالمثل اتفاقًا طويل الأمد مع إسرائيل على حقوق تشغيل ميناء حيفا، مدة 25 عامًا أيضًا، بدءًا من عام 2021.
وتأتي هذه الشراكات الإستراتيجية الموازية مع الدول المعادية بعضها لبعض، تأكيدًا من الصين لنهجها السياسي الحديث، من خلال الامتناع- كقاعدة عامة- عن الانحياز إلى أي طرف، أو التورط في النزاعات، والتركيز- بدلًا من ذلك- على تعزيز مصالحها الاقتصادية عامة، والجيوسياسية على وجه أخص. وحيث إنه لكل من هذه البلدان، إقليمية كانت أو دولية، إستراتيجية خاصة للمنطقة؛ أين تتلاقى إستراتيجيات هذه الدول في ضوء الاتفاقية الصينية- الإيرانية؟ وأين تتعارض في ظل المصالح الاقتصادية- السياسية، والجيوسياسية، والعسكرية لكل منها؟
أعلنت الصين التوقيع على اتفاق للشراكة الإستراتيجية الشاملة الطويلة المدى مع إيران، وذلك عقب زيارة وزير الخارجية الصيني «وانغ يي» لطهران، ولقائه الرئيس الإيراني حسن روحاني. وقد اكتفت الصين بالإشارة إلى أن الاتفاق “يغطي مجموعة متنوعة من القضايا الاقتصادية، بدءًا بالنفط وصولًا إلى التعدين والنقل”، دون إعلان بنود الاتفاقية، باعتبار أنه لا حاجة إلى الدخول في التفاصيل. وقد أعرب «وانغ يي»- بالمناسبة- عن دعم الصين للاتفاق النووي الإيراني في وقت تواجه فيه الأمة الإيرانية عقوبات قاسية.
عرّفت إيران- من جهتها- «الاتفاقية الإستراتيجية» الصينية- الإيرانية بأنها اتفاقية تعاون إستراتيجي مدتها 25 عامًا. وقد أعلنت عبر موقع «إيران بالعربي» (صوت الجمهورية الإسلامية الإيرانية) أنّ أبرز النقاط التي تضمنتها الوثيقة تشمل «قطاعات اقتصادية وعسكرية كبيرة». أما من حيث الأهداف، فقد أعلنت إيران أن الأهداف الأساسية هي أن تكون الصين مستوردًا مستمرًا للنفط الخام الإيراني، فيما يقابل ذلك «الارتقاء بمكانة الجمهورية الإيرانية في مبادرة الطريق والحزام».
وقد اختارت إيران إعلان بنود الاتفاقية بالإشارة إلى أبرز جوانب التعاون المتفق عليها في الوثيقة، مع الإشارة إلى أنه ”لضمان تنسيق تنفيذ الوثيقة، سينشئ الطرفان آلية عمل يرأسها مسؤولون رفيعو المستوى، على أن يعقد الممثل السامي اجتماعات سنوية لبحث التقدم في سير العمل، بإشراف وزارتي خارجية البلدين“. وقد جاء في بنود الاتفاقية- كما أعلنتها إيران- التفاصيل التالية:
التعاون التجاري، من حيث تنمية القدرات التجارية، وتحسين بناء القدرات في التعاون الجمركي؛ وإقامة مشروع مشترك لتسهيل تجارة البضائع بين البلدين.
التعاون المالي والمصرفي، لفتح فروع أو مكاتب تمثيلية للبنوك الإيرانية في المناطق الاقتصادية الخاصة الصينية؛ وإنشاء بنك صيني- إيراني مشترك.
التعاون في مجال النقل، من خلال الاتفاق على تطوير النقل المتعدد، بما في ذلك شبكات السكك الحديدية، والطريق السريع، والطرقات البرية والبحرية والجوية؛ وجذب رأس المال لتجديد الكهرباء وخطوط سكك الحديد الرئيسية في إيران؛ وتطوير المطارات ونقل تكنولوجيا صناعة الطائرات؛ وتطوير شبكة المواني.
التعاون في شؤون الطاقة، لتشجيع الجانبين على تطوير حقول النفط الإيرانية؛ والمشاركة في إنشاء وتجهيز خزانات النفط والغاز والبتروكيماويات في البلدين؛ والاستثمار وتمويل مشروعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي. أما إقليميًا، فقد نصّت الاتفاقية على التعاون بين البلدين لتوريد الغاز الإيراني إلى الصين وباكستان؛ وتصميم وتنفيذ برنامج مشترك لتطوير موارد الطاقة في العراق ونقلها؛ ومشاركة الصين في إنتاج الكهرباء ونقلها بين إيران والدول المجاورة.
التعاون في مختلف القطاعات التنموية، من خلال التطوير في مجال الإنتاج الزراعي، والطب، والصحة، والصناعات المبتكرة. كما أعلنت إيران التعاون في بناء المدن الذكية، وإطلاق مشروعات الإسكان في شكل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تنفيذ المشروعات التعدينية الكبيرة.
التعاون في المجال العسكري والدفاعي والأمني، حيث أكدت إيران اشتمال الاتفاقية على تطوير التعاون في مجالات التعليم، والبحث، والصناعة الدفاعية، والتعاون في القضايا الإستراتيجية.
لمّا كانت الصين تمنّعت عن إعلان تفاصيل التعاون الإستراتيجي الشامل المشترك مع دولة إيران، وحيث إن طابعًا من الضبابية أحاط ببنود الاتفاقية وأبعادها السياسية على المستويين الإقليمي والدولي، فقد استوجب هذا منا البحث في الطبيعة السرية للاتفاقية، في ضوء القانون الدولي، وردود الفعل المحلية، والإقليمية، والدولية، لنعود وندرس في الجزء اللاحق من الدراسة الأبعاد الاقتصادية، والجيوسياسية، والعسكرية للاتفاقية.
قبل نحو عام من إعلان توقيع الاتفاقية الشاملة بين الصين وإيران، تداولت صحيفة «نيويورك تايمز» مسودة من 18 صفحة للصفقة الصينية- الإيرانية، كاشفة عن خطورة أوجه التعاون الإستراتيجي من حيث مستوى التخطيط والأهداف التي يخشى أنها ستقلب موازين القوة عالميًّا، وتغير معادلات النفوذ في المنطقة. ومن أبرز البنود التي أثارت موجة صاخبة من ردود الفعل، الاستثمار الضخم للصين بأكثر من 400 مليار دولار أمريكي على مدى 25 عامًا، في المرافق العامة للدولة الإيرانية، وتأجير المنشآت لها، والتعاون على إنشاء المواني العالمية وتطويرها. ومن هذه الأخيرة، ميناء «جاسك» الذي يعطي الصين موطئ قدم على مضيق هرمز، ويشكل تحدّيًا لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وتهديدًا لقاعدة الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، إذا ما نشرت الصين قوات عسكرية شبه دائمة لها في الجزر المحيطة لحماية المصالح الصينية في إيران.
وقد تم الكشف عن التعاون في تطوير المجال العسكري والاستخباراتي، وتطوير الجيل الخامس من الإنترنت، وضم إيران إلى نظام الملاحة الصيني عبر الأقمار الصناعية «BeiDou» بما يفصل إيران عن نظام الملاحة والتتبع الأمريكي «GPS»، بالإضافة إلى ضم إيران إلى النظام المالي الدولي الجديد الذي تعمل الصين على إنشائه، ومن شأنه التعامل بالعملات المحلية، والكف عن اعتماد الدولار الأمريكي كسعر صرف للعملات. وعلى الرغم من عدم كشف الصين وإيران رسميًّا عن مضامين الصفقة بالكامل، فإن قناة «المنار»، التابعة لحزب الّله اللبناني المتحالف مع إيران، نشرت النص الكامل للاتفاقية المعنونة بـ “برنامج التعاون الشامل بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الإسلامية الإيرانية”، نقلًا عن «مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير»[2].
ترقى الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الإسلامية الإيرانية من الناحية القانونية إلى كونها معاهدة دولية، بالاستناد إلى قانون المعاهدات الدولية واتفاقية ڨيينا لعام 1966 التي تعرّف المعاهدة بأنها «الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة ، الذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة، أو وثيقتان متصلتان، أو أكثر، ومهما كانت تسميته الخاصة»[3]، وتفرض المادة 80 منها «إرسال المعاهدات بعد دخولها حيز التنفيذ إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها وحفظها بحسب الحال، وكذلك لنشرها»؛ ومن ثم كان ضروريًّا نشر الاتفاقية “لكي تأخذ الدول الأُخرى علمًا بها؛ ومن ثم مراعاة مضمونها، وللتأكّد من عدم تعارض هذا المضمون مع القوانين الدولية المرعية الإجراء في حالة وجود حقوق للغير”، مع التذكير- على وجه – بالأخطاء التي وردت في الاتفاقية التي وقعتها الحكومة التركية مع حكومة «الوفاق» الليبية عام 2019، وقد امتنعت على إثرها الأمم المتحدة عن تسجيل الاتفاقية والاعتراف بها[4].
بناءً على ما سبق، يكون على اللجنة المشتركة المودع لديها الاتفاقية الموقعة من الطرفين، والمعنية بالإشراف على تنفيذ الاتفاقية، أن تبادر إلى إرسال نص الاتفاقية إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها، وحفظها، ونشرها، فور دخول الاتفاقية حيز التنفيذ؛ ومن ثم، قد يسهم هذا الإجراء في تهدئة ردود الفعل الدولية حيال الاتفاقية، مع مراعاة مضمونها، وعدم تعرضها لحقوق أي من الدول، وبالأخص أن طبيعة التعاون المنصوص عليه في الاتفاقية يرتبط بوجود أطراف ثالثة؛ فقد نصّت المادة السابعة من الاتفاقية، وعنوانها «التعاون في دولة ثالثة»، أنه «بالنظر إلى المصالح المشتركة في مبادرة الحزام والطريق، يشجع الطرفان التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف من خلال البرنامج المشترك في الدول المجاورة، أو في الدول الأخرى»[5]. أمّا المادة الثامنة من الاتفاقية، فقد حملت عنوان «إنكار الضغوط الخارجية»، وجاء فيها أنّه «دعمًا لمبدأ التعددية، يحمي الطرفان تنفيذ أحكام هذه الوثيقة من الضغوط غير القانونية من الأطراف الثلاثة». وفي هذا الإطار، نعرض فيما يلي أبرز ردود الفعل التي صدرت إزاء الاتفاقية، على أن نناقش الضغوط الخارجية، الواقعة والمحتملة، على وجه التفصيل عند دراسة أبعاد الاتفاقية الجيوسياسية، والاقتصادية، والعسكرية.
تعكس الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة والطويلة الأمد بين الصين وإيران الرؤية المشتركة للتعاون بين الدولتين، حيث تنطلق من كونهما «شريكين وثيقين» في مجالات متعددة، والتأكيد أن هذه الاتفاقية هي «الخطوة الفعالة لتحقيق الإرادة المشتركة للقادة لتعميق العلاقات الثنائية، وتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات في إطار مبادرة طريق الحزام». وفي حين أنه لا خلاف يذكر على مستوى البيئة المحلية الصينية، مع توجهات الحزب الشيوعي الصيني الحاكم ببذل الجهود لاستعادة مكانة الصين كقوة عظمى، فإن الصين لم تلقَ معارضة داخلية ظاهرة على الاتفاقية الموقعة مع إيران، مع أن الاستثمار الصيني في إيران في ظل العقوبات الأمريكية يعد “خسارة للصين” في أسواقها العالمية، كما يعرّض شركاتها لأخطار وعقوبات كبرى.
على مستوى البيئة المحلية الإيرانية، تلقّت الاتفاقية الصينية- الإيرانية دعم المرشد الأعلى في إيران “آية الّله” «السيّد علي خامنئي». غير أنّه عقب توقيعها، يرتبط نفاذ الاتفاقية بفعل مصادقة البرلمان ومجلس صيانة الدستور عليها، وتذليل أي عقبات قانونية مرتبطة بها في الداخل الايراني. من جهة أخرى، أثارت الاتفاقية حفيظة الجبهة المعارضة في الداخل الإيراني، التي تُرجمَت على مستوى الرأي العام بمعارضة شريحة كبرى من الشعب الإيراني قلقًا من أنّ إيران تتفاوض مع الصين من موقف ضعف، وأن تمنح الاتفاقية الصين والشركات الصينية إمكانية استغلال موارد إيران الطبيعية لنصف قرن من الزمن، ومخافة أن تتنازل إيران عن احدى الجزر الإيرانية، أو أي جزء من إقليمها للصين ليكون قاعدة عسكرية دائمة، مقابل الاستثمارات. كما أبرق أكثر من 200 ناشط سياسي إيراني برقية إلى الرئيس الصيني احتجاجًا على توقيع اتفاقية التعاون الشامل، واصفين إياها بأنها “باطلة وغير إنسانية”[6]. بالمقابل، سعت الخارجية الإيرنية إلى طمأنة الشعب الإيراني بشأن الاتفاقية بنشر ما أسميت “صحيفة الوقائع” التي أكّدت من خلالها “ما لا تشمله الاتفاقية”[7].
من جهته، كان رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السابق محمود أحمدي نجاد قد شدّد على “عدم شرعية الاتفاقية”، وذلك في كلمة له ألقاها في وقت سابق عن إعلان الاتفاقية، انطلاقًا من عدم استنادها إلى الإرادة الشعبية. هذا وقد قارب نجاد الاتفاقية بنص الاتفاق النووي الإيراني محذّرًا من خفاياها بإخفائها عن البرلمان والشعب، وإمكانية مساسها بمصلحة إيران وسيادتها، وهو ما استدعى رد الحكومة لتأكيد عدم سرية الاتفاقية، وأنه كان قد سبق الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس الصيني لطهران، وأنها تصب في مصلحة البلدين.
برلمانيًّا، طالب أحد أعضاء البرلمان الإيراني بتفسير سبب تفاوض الحكومة لتسليم جزيرة «كيش» للصينيين، كما أعلن رفض تسليم الجزيرة، وأبدى استنكاره بشأن سرية الحكومة في تعاملها مع بكين. من منحى آخر، اقترح أحد النواب المحافظين السابقين أنه قبل التوقيع على الاتفاقية، يجب أن تثير إيران مصير المسلمين الذين يقال إنهم يتعرضون للاضطهاد في الصين. غير أنّه فعليًّا، ليس للأصوات المعارضة برلمانيًّا أي تأثير في مصير الاتفاقية؛ لأن البرلمان في إيران لا يملك سلطة مساءلة الجيش، أو وزارة الدفاع، أو المرشد الأعلى.
على المستوى الإقليمي، توالت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، غير أن الموقف الحاسم كان لإجماع الفريقين على أنّ من شأن الاتفاقية الصينية- الإيرانية قلب معادلات القوة، وتغيير النفوذ في المنطقة.
الموقف الإسرائيلي حيال الاتفاقية كان الأبرز، إذ تصدّر «جيروزاليم بوست» الخبر أنّ “الصفقة المقترحة بين الصين وإيران هي أنباء سيئة لإسرائيل”، حيث أبدى الإعلام الإسرائيلي مخاوفه من أن تعزز الاتفاقية مع الصين قوة إيران وحلفائها في المنطقة، مع إعلان بعض القلق من أن الشركات الصينية العاملة في كل من إسرائيل وإيران تشكل خطرًا أمنيًّا. كما أعلن «مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب»، في دراسة مطوّلة عن الشراكة الإستراتيجية الصينية- الإيرانية، أن تطور العلاقات الصينية- الإيرانية يحمل اتجاهات سلبية للأمن القومي الإسرائيلي، حيث يوصّف العلاقات الصينية- الإيرانية بكونها “نقطة التقاء بين شريك اقتصادي مهم لإسرائيل، وأخطر تهديد خارجي لأمنها القومي”. وشدّد المركز أن مساعدة بكين لإيران للخروج من عزلتها، وإعادة بناء اقتصادها، تتعارض مع مصالح إسرائيل، في حين أن التعاون العسكري التكنولوجي والاستخباراتي بينهما يزيد من التهديد العسكري لإسرائيل والآخرين في الشرق الأوسط، والمحيط الهندي، والمحيط الهادئ. من منحى آخر، تشعر إسرائيل بالارتياح لأن الصين تتخذ نهجًا إقليميًّا أكثر شمولية تجاه الشرق الأوسط؛ ومن ثم لديها أطر صفقات مماثلة مع كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة “خصمَي إيران”[8].
لم يصدر عن الجمهورية التركية أي تعليق رسمي بشأن الاتفاقية الصينية- الإيرانية الطويلة الأمد. غير أنّ زيارة وزير الخارجية الصيني لتركيا قبيل ساعات من إعلان الاتفاقية، تعطي مؤشرًا واضحًا بأن موافقة تركيا الضمنية على هذا التقارب الإستراتيجي الصيني- الإيراني قد مُنحت. وتتسم السياسة التركية تجاه إيران بالمرونة، على الرغم من التناقض الأيديولوجي والخلاف السياسي الحاد، مراعاةً لمصالح تركيا النفطية مع إيران التي تُعد أكبر مورد للغاز الطبيعي لتركيا بعد روسيا. وتراعي- من جهة ثانية- مصالحها مع الصين كقوة صاعدة، كما تقيم وزنًا لاستثمارات الصين الكبرى في الاقتصاد التركي. غير أنّ وزن تركيا الإستراتيجي هو الذي يحدد حقيقة أبعاد الاتفاقية. وعمومًا، لن تتردد تركيا في دعم المبادرات الخارجية، صينية كانت أو أمريكية، إذا وجدت أنها تتوافق مع مصالح تركيا الإستراتيجية، أو تُسهم في تحقيق هذه المصالح؛ والعكس صحيح.
تتصف العلاقة بين السعودية والصين بأنها علاقة “وظيفية”، وليست “إستراتيجية”، بالرغم من الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة التي وقعتها الصين مع المملكة العربية السعودية عام 2016 بالتوازي مع توقيعها اتفاقية مماثلة مع إيران. وحيث تدرك السعودية أن شراكات الصين الإستراتيجية لا تفسّر بالضرورة أنها “تحالف”؛ بل لا يمكن للصين أن تخاطر بالدخول في حلف عسكري يهدد مصالحها الإستراتيجية، ويعرقل خطاها الاقتصادية، أو يخلخل شراكاتها واستثماراتها الاقتصادية- السياسية مع البلدان على خريطة الحزام والطريق؛ وعلى ذلك، لا استغراب من ألا يصدر أي تعليق رسمي من المملكة العربية السعودية حيال توقيع الصين الاتفاقية الإستراتيجية الطويلة الأمد مع إيران. وفي حين أن الاتفاقية تثير- دون أدنى شك- قلق السعودية من أن تتعزز قوة إيران؛ ومن ثم قوة حلفائها في المنطقة، فإن الاستقرار داخل ايران قد يعود- بدوره- بالإيجابية على السعودية ودول الخليج؛ حيث تحرص الصين على ألا يهدد صعود إيران وقوتها استثماراتها (أي الصين) في المنطقة، وهو ما لن تخاطر به إيران- بدورها- إلى حين عودة الاستقرار لاقتصادها، وضمان استمرار دعم الصين لقدراتها عسكريًّا.
تتحدّد طبيعة العلاقات بين الصين وروسيا بمبادئ أساسية، أبرزها: احترام خيارات التنمية وتطبيع العلاقات، والتشاور المتبادل والأدوار البناءة الإيجابية التي تسعى- سعيًا مشتركًا- إلى تحقيق السلام والتنمية في العالم، وذلك بالاستناد إلى النقاط الست التي أرساها الرئيس الصيني «جيانغ زيمين» بشأن العلاقات الصينية- الروسية عام 1996. من فهمنا لهذه المبادئ ندرك حقيقة الموقف الروسي من الاتفاقية الصينية- الإيرانية، من حيث التشاور والتوافق المسبق بين الصين وروسيا بشأن طبيعة الاتفاقية وأبعادها. وبالرغم من عدم اجتماع الصين وروسيا في حلف عسكري رسميًّا، فإنّ الطرفين مجتمعان على مصالح وتحديات مشتركة في وجه ما وصفه الرئيس الروسي ڨلاديمير بوتين مؤخرًا بـ “المحاولات غير المسؤولة” لفرض قيم غربية من الخارج. وتؤكد «المناورة الكبرى» بين الصين وروسيا عام 2016، بالتزامن مع عرض الشراكة الإستراتيجية على إيران، والمناورات العسكرية المشتركة مع إيران حديثًا، تؤكد الدعم الروسي للشراكة مع إيران، رغم حرص روسيا على مصالحها.
عقب توقيع الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران، أعلن «البيت الأبيض» أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تنظر في تفاصيل الاتفاقية الإيرانية- الصينية لضمان فرض عقوبات على إيران، في حين عبّر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن القلق الذي رافقه طوال العام منذ الكشف عن الاتفاقية. وبادر بايدن إلى التواصل مع الرئيس الصيني بمكالمة هاتفية وصفت بأنها تبادلات إستراتيجية “صريحة ومتعمقة وواسعة النطاق” بشأن العلاقات الثنائية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، والمسائل المتعلقة بالتنافس بين الدولتين وسبل منع تصعيدها، ورفع مستوى التعاون في العلاقات الأمريكية- الصينية، ومنع ايران من المضي قدمًا بتطوير برنامجها النووي، والتصدي لانتشار الأسلحة النووية؛ وبهذا تكون الولايات المتحدة قد حددت موقفها من الاتفاقية في إطاره الرسمي، في حين تعمل واقعيًّا على إعادة تقييم الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة، حيث تم الكشف عن التوجه نحو إعادة التموضع في وسط آسيا والشرق الأوسط. وبينما تدرس وزارة الدفاع الأمريكية الخيارات التي تتحقق بها المصالح الأمريكية الفضلى، عادت الولايات المتحدة إلى تحريك ملف العقوبات والبرنامج النووي الإيراني، الذي تُرجِمَ بعودة المفوضات بين إيران والدول الست للعودة إلى الاتفاق النووي.
تُعبّر الاتفاقية الصينية- الإيرانية، في طبيعتها، عن حركة التمدد في الوعي الأنطولوجي للصين “العظمى”، تشق بها الصين طريقها (الحرير) نحو إعادة عولمة هويتها، كما تعيد تشييد السور المنيع في وجه الهيمنة الغربية. في الإطار السياسي، تحقق الاتفاقية، بوصفها أداة لسياستها الخارجية، مصالح الصين الاقتصادية، والجيوسياسية، والدفاعية. وعلى الرغم من الاختلاف في الهوية السياسية، والتباين العام في الغايات الإستراتيجية بين البلدين، فإنّ العلاقات الثنائية بين الصين وإيران جامعة للطرفين من حيث القضايا المشتركة، والمصالح المتوافقة. من هنا، ولدت اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بمبادرة صينية لتعميق التعاون الاقتصادي مع إيران على النحو الذي يؤمن للصين موردًا مستدامًا من النفط الخام الإيراني، إلى جانب مجموعة متنوعة من الأهداف الأساسية لإطلاق مبادرة الحزام والطريق، مقابل ما تقدمه الشراكة من غطاء تحتمي به إيران من العقوبات الأمريكية، ومكانة مركزية ترتقي بها إقليميًّا على طريق الحرير.
ولمّا كانت الصين قد اختارت إحاطة الاتفاقية الصينية- الإيرانية بإطار من الخصوصية، أثار إعلان توقيع الاتفاقية موجة من ردود الفعل المحلية، والإقليمية، والدولية التي ترجع في صلبها إلى ما قد تخلّفه الشراكة الصينية- الإيرانية من تحديات وتهديدات “طويلة الأمد” أمام مصالح الدول الأخرى. ففي حين أثارت الاتفاقية مخاوف الشعب الإيراني والمعارضة الإيرانية من استغلال موارد بلادهم، والتفريط في سيادة أراضيها وأمنها؛ بدت الولايات المتحدة الأمريكية “قلقة” من الصعود الصيني، والتعافي الإيراني، وعبّرت عن الحاجة إلى دراسة الاتفاقية، وإعادة تقييم الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة. وبموازاة ذلك، تخوّفت إسرائيل من الاتجاهات السلبية التي قد ينتجها هذا الالتقاء “بين شريك اقتصادي مهم لإسرائيل وأخطر تهديد خارجي لأمنها القومي”، في حين بقيت الردود التركية والسعودية والروسية متحفظة وحذرة تجاه مصالحها، وأمنها، واستقرارها.
ما ورد في البحث يعبر عن آراء الباحثين ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير