تقارير

موقف روسيا من قضية الصحراء الغربية


  • 19 سبتمبر 2023

شارك الموضوع

تمهيد

في ظل التطورات التي يشهدها شمال إفريقيا من حالة تتراوح بين اللاأمن أو الاستقرار النسبي الذي تعيشه دول المنطقة، وما يحدث من متغيرات في دول الصحراء الكبرى، والانقلاب الأخير في النيجر، وكذلك توسع أو انتقال الصراع من أوكرانيا في أوروبا إلى الدول الإفريقية، يطفو على السطح موضوع قضية الصحراء الغربية الذي يبقى بلا حل، رغم المساعي الفردية والجماعية لتسويته؛ بسبب الاستعمال السيئ المستمر للقضية كورقة ضغط حسب مصالح الدول المتدخلة في هذا الموضوع.

 

ما الصحراء الغربية؟

الصحراء الغربية هي المنطقة الواقعة شمال غرب إفريقيا، عاصمتها العيون، ومساحتها (266.000) كم²، تحدها من الشمال المملكة المغربية بحدود (433) كم²، ومن الشرق الجمهورية الجزائرية (42) كم²، ومن الجنوب جمهورية موريتانيا (1560) كم²، أما من الغرب فيحدها المحيط الأطلسي بشريط ساحلي يقدر بنحو (110) كم. تتميز المنطقة بمناخ صحراوي حار جاف. تقدر أعداد الشعب الصحراوي بنحو (588.769) نسمة، أكثر من (170.000) نسمة يعيشون في مخيمات اللاجئين بولاية تندوف الجزائرية الحدودية. أما الموارد الطبيعية، فتحتوي الصحراء الغربية على كثير من المعادن، مثل: (الفوسفات، والحديد، واليورانيوم) كما يسود اعتقاد بوجود احتياطي نفطي ضخم في سواحل المنطقة سنة 2006، بعد قيامها بمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد، وتوصلها إلى اكتشاف خمسة مواقع نفطية[1]، إلى جانب تمتعها بثروة سمكية للصيد المكثف على طول ساحل المحيط الأطلسي.

 

تاريخ تطور القضية

عام 1884، بدأت إسبانيا استعمارها للصحراء الغربية، وفي عام 1912، أكدت فرنسا وإسبانيا حدود الصحراء الغربية. وفي عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته، بدأت مقاومة الصحراويين، وفي عام 1947، اكتشفت إسبانيا الفوسفات في المنطقة. في عام 1958، نصت المعاهدة العسكرية بين إسبانيا وفرنسا (بموافقة النظام المغربي بعد استقلال المغرب 1956) أن تكون: (الساقية الحمراء وريو دي أورو تحت سلطة إسبانيا، وطرفاية للمغرب). في هذه الفترة ظهرت موجة التحرر من الاستعمار التي توجت بإعلان عام 1960 للأمم المتحدة إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.

عام 1963، أُدرجِت الصحراء الغربية في قائمة الأمم المتحدة للدول التي سيُنهَى استعمارها، وفي عام 1966 صدر إعلان الأمم المتحدة الذي يدعو إلى حق تقرير المصير من خلال الاستفتاء.

تواصلت المقاومة الصحراوية حتى عام 1973، وهو العام الذي شهد تأسيس جبهة البوليساريو (كلمة “بوليساريو” هي اختصار لاسم الجبهة باللغة الإسبانية المكون من الحروف الأولى لعبارة “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” بالإسبانية: Frente Popular de Liberación de Saguía el Hamra y Río de Oro).

 

دخول الجزائر في النزاع على الصحراء الغربية وتحولها إلى طرف فاعل

في أكتوبر (تشرين الأول) 1963، تصادمت الجزائر والمغرب عسكريًّا بشأن نزاع حدودي فيما يسمى بحرب الرمال بعد استقلال الجزائر في 5 يوليو (تموز) 1962. قالت الجزائر يومها إنها صدت طموحات المغرب في الاستحواذ على أراضٍ حدودية، في حين قالت الرباط إنها ردت استفزازات حدودية من الجيش الجزائري المدعوم من مصر.

اتخذت الجزائر عدة مواقف ساندت من خلالها حق الشعب الصحراوي في تقریر مصیره، منها الاعتراف بجبهة “البولیساریو” منذ تأسیسها عام 1973، كما رفضت الجزائر معاهدة “مدرید” بین المغرب وموريتانا في 14 نوفمبر (تشرين الأول) 1975، التي سعى البلدان من خلالها إلى اقتسام إقلیم الصحراء الغربیة. أیضًا ضغطت الجزائر على إسبانیا بواسطة دعمها لحركة تحریر جزر الكناري، ودفعتها إلى الاعتراف بجبهة البوليساريو عام 1978، إلى جانب ذلك آوت الجزائر اللاجئین الصحراويين. وفي عام 1979، في إطار انعقاد مؤتمر القمة الإفريقية في مونروفيا عاصمة ليبيريا، تمكنت الدبلوماسية الجزائرية من حشد دعم الدول الإفریقیة لفائدة القضیة الصحراویة، حیث قرر المؤتمرون بالأغلبیة إجراء استفتاء حر وعام بشأن تقریر المصیر في إقلیم الصحراء الغربیة، كما نجحت الجزائر أيضًا، في 22 فبراير (شباط) 1982، في تمكين الصحراء الغربیة من اكتساب العضویة في إطار منظمة الوحدة الإفریقیة، وذلك بعدما اعترفت ست وعشرین دولة إفریقیة بجمهوریة الصحراء الغربیة. من جهة أخرى، فإن الجماعة الدولیة أیدت دعم الجزائر للقضیة الصحراویة، حیث جاء في قرار الأمم المتحدة رقم (2625) ما یلي: “إن على الشعوب عندما تكون بصدد تحقیق تقریر مصیرها أن تبحث وتتلقى الدعم وفقًا لأهداف قانون الأمم المتحدة ومبادئه”، كما أن الأمم المتحدة والمنظمات الإقلیمیة لم تمانع أو تندد باستقبال الجزائر للاجئين الصحراويين.

على جانب العلاقات الجزائرية- المغربية، وقع البلدان عام 1969 و1972- على مرحلتين- معاهدة ترسيم الحدود وحسن الجوار؛ تتويجًا لانتهاء الحرب والنزاع الحدودي. لكن في عام 1976، أعلنت الرباط عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر احتجاجًا على قرار الأخيرة الانضمام إلى عدد من الدول الإفريقية التي تعترف بالقرار الأحادي لجبهة البوليساريو بإنشاء ما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية.

في 26 فبراير (شباط) 1976، تنازلت إسبانيا رسميًّا عن الصحراء الغربية، وانتقل النزاع إلى أطراف جدد في البداية بين جبهة البوليساريو والمغرب وموريتانيا، ومع انسحاب الأخيرة، أصبح بين البوليساريو والمغرب. طوال هذه المدة تراوح النزاع بين المفاوضات أحيانًا والمواجهات المسلحة المتفرقة أحيانًا أخرى، وما بين الطعن في قرارات الأمم المتحدة الصادرة في شأن القضية ورفضها، وقد أدى كل هذا إلى طريق مسدود وتأزيم الوضع.

 

المواقف الدولية من قضية الصحراء الغربية

الأمم المتحدة

لا تعترف الأمم المتحدة بالمطالب المغربية؛ لأن الصحراء الغربية لا تزال مدرجة في قائمتها للأراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963. وقد دعا مجلس الأمن إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، ووافقت على أكثر من 100 قرار يدعم حق تقرير المصير للشعب الصحراوي.

 

المواقف الأوروبية

تتميز المواقف الأوروبية من القضية الصحراوية بحالة “من أزمة وجودية متعايش معها”، فنجد اختلافًا في المواقف بين المؤسسات الجماعية، كمحكمة العدل الأوروبية، ومواقف الدول الأوروبية متفردة. من خلال المعاهدات التجارية والسياسية الرسمية مع المغرب، اعترف الاتحاد الأوروبي- اعترافًا غير رسمي- بالسيطرة المغربية على الإقليم، لكن هذه الاتفاقيات أبطلتها محكمة العدل الأوروبية (ECJ) باعتبارها غير قانونية بموجب القانون الدولي. في عام 2017، وعدت الممثلة السامية للمفوضية فيديريكا موغيريني بأن الاتفاقيات التجارية الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب سيتم دعمها، على الرغم من حكم محكمة العدل الأوروبية عام 2016 بأن هذه الاتفاقيات تنتهك التزامات الاتحاد الأوروبي بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما كررته عام 2018، عندما قضت بأن اتفاقية الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب عام 2006 لا تغطي مياه الصحراء الغربية؛ ومن ثم تمنع سفن الاتحاد الأوروبي من الوصول إلى الساحل الغني بالأسماك في الإقليم. ردًا على الحكم السابق لمحكمة العدل الأوروبية، علق المغرب العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وهو تكتيك أعادت الرباط تطبيقه ردًا على كثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي اعتُبرت أفعالها انتقادات لملكية المغرب للإقليم. لقد ذهبت المملكة إلى حد منع افتتاح سلسلة محلات “إيكيا” للأثاث في مراكش بسبب المعارضة السويدية المتصورة للمطالب المغربية. أدت هذه الإجراءات إلى تأثير مخيف بشكل فعليّ بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ تلاحظ إيرين فرنانديز مولينا وماثيو بورجيس “أن المغرب جعل أي نقاش عام بشأن الصحراء الغربية من المحرمات تقريبًا”.

في العموم، الاتحاد الأوروبي غير راغب في تعريض العلاقات الطيبة مع شريك جوار رئيسٍ مثل المغرب للخطر، ولكنه بالمثل غير راغب في انتهاك التزامه بعملية السلام الجارية تحت رعاية الأمم المتحدة من خلال الاعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم.

 

الموقف الأمريكي

مع أن المغرب كان حليفًا إستراتيجيًّا للولايات المتحدة منذ الحرب الباردة، فإن قضية الصحراء الغربية لم تحظ قط بالقدر نفسه من الاهتمام في السياسة الخارجية للولايات المتحدة مثل النزاعات الدولية الأخرى، كما أن مقاربة الولايات المتحدة للنزاع في الصحراء الغربية خلال الفترة قيد المراجعة، تسمح لنا أيضًا بتتبع تطور العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب. لقد طورت الولايات المتحدة عدة مناهج لحل هذا الصراع. في البداية، أدّت دورًا رئيسًا في العملية الدبلوماسية، مما أجبر إسبانيا على الامتثال لمطالب الرباط، وقبول معاهدة مدريد التي بموجبها تنازلت إسبانيا عن الصحراء للمغرب عام 1975. من الواضح أن الولايات المتحدة مارست بعض الضغط على إسبانيا، التي لم ترغب في التوقيع على الاتفاقيات، موضحة أن عدم الامتثال للمتطلبات الإقليمية المغربية يمكن أن يؤدي إلى الإطاحة بملك المغرب الحسن الثاني؛ الحليف الأمريكي القوي. كما أدّى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر دورًا في هذا القرار، حيث أعرب عن قلقه من إمكانية قيام دولة صحراوية مستقلة، معلنًا في مدريد أن “الولايات المتحدة لن تسمح بأنغولا أخرى على الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي”.

لكن بعد قيام بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، بموجب القرار الأممي رقم (690) لمجلس الأمن، في أبريل (نيسان) 1991، أصبحت الولايات المتحدة تعمل في إطار البعثة الأممية بموقف محايد، مع دفع الطرفين المغربي والصحراوي إلى التفاوض، وإيجاد حل سلمي.

بقيت الولايات المتحدة على هذا النهج حتى فترة حكم الرئيس دونالد ترمب، في عام 2020، من خلال الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل إقامة علاقات دبلوماسية بين المغرب وإسرائيل. سلطت هذه الخطوة الضوء مرة أخرى على الارتباط الجيوسياسي الوثيق الذي كان قائمًا عبر التاريخ بين نزاع الصحراء الغربية والمغرب والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على الرغم من الاختلافات الكبيرة في التاريخ الإقليمي للشعوب المعنية. رافق الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية دعم عسكري ودبلوماسي كبير للمغرب، وجرت مناورات عسكرية في المنطقة بمشاركة من الولايات المتحدة والمغرب. أظهرت مناورات (African Lion 21) التي نُفِّذت في مايو (أيار) 2021، والتي صممتها إدارة ترمب، لكنها نفذت في عهد الرئيس جو بايدن- مرة أخرى- الدور المركزي الذي أدّته الولايات المتحدة في هذا الصراع. في مراسم الاختتام، التقى القائد الأمريكي للقيادة الأمريكية الإفريقية قادة الجيش المغربي، وأعرب عن اهتمام بلاده بمواصلة تعميق العلاقة الأمنية الوثيقة بين الولايات المتحدة والمغرب. الآن، لا يوجد عدو منهجي مثل الاتحاد السوفيتي، ولا يمكن التذرع بأي مصلحة روسية أو صينية. تواصل جبهة البوليساريو الدفاع عن حقها في الوجود، وتواصل الجزائر أداء دورها الرئيس في دعم هذا المطلب.

 

الموقف الروسي من قضية الصحراء الغربية

العهد السوفيتي

حدد الاتحاد السوفيتي، بصفته القائد العسكري والسياسي للكتلة الاشتراكية، التوجه العام للسياسة الخارجية لجميع الدول الأعضاء في هذه الكتلة. دعمت الدول الاشتراكية بنشاط نضال التحرر الوطني للشعوب المحتلة، خاصة أن هذه الحركات نشأت في مستعمرات الدول الغربية. ومع ذلك، ففي حالة الصحراء الغربية، فإن دول الكتلة الاشتراكية لم تقدم أي دعم للصحراء الغربية، باستثناء يوغوسلافيا وكوبا، سوى التعبير عن التعاطف.

أصدر الاتحاد السوفيتي- في كثير من الأحيان- تصريحات عن الحاجة إلى منح شعب الصحراء الغربية الحق في تقرير المصير، وأنه لا ينبغي أن يكون هناك تدخل غربي. في نوفمبر (تشرين الثاني) 1975، لم يستبعد سفير الاتحاد السوفيتي في السنغال إمكانية دعوة جبهة البوليساريو إلى المشاركة في عملية تسوية الأزمة، ومع ذلك لم يكن الاتحاد السوفيتي في عجلة من أمره للاعتراف بالجمهورية الصحراوية، حيث كان هذا يهدد بقطع العلاقات مع المغرب الذي كان له علاقات تجارية وثيقة معها، تطورت بنشاط منذ لحظة إعلان استقلال المغرب حتى الثمانينيات من القرن الماضي. تجدر الإشارة الى أن المغرب، رغم ميله أكثر نحو الغرب، لم يتبع قط مسارًا مناهضًا للسوفيت في السياسة الخارجية، وسعى دائمًا إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الاتحاد السوفيتي، كما كانت دعوات السلطات السوفيتية إلى تسوية سلمية للنزاع من خلال المفاوضات متكررة دوريًّا.

تقريبًا صوَّت الاتحاد السوفيتي دائمًا لصالح تبني قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء الغربية، التي أكدت حق شعوب هذه المنطقة غير القابل للتصرف في الحرية، وأكدت أيضًا الطبيعة القانونية لنضالهم. على وجه الخصوص، صوت الاتحاد السوفيتي لصالح القرار رقم (3458) في عام 1975، وعلى القرار رقم (3646) في عام 1981.

أكد القرار رقم (3458)، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة “قضية الصحراء الغربية”، الحق غير القابل للتصرف لشعب الصحراء الغربية في تقرير المصير، في حين يشير القرار رقم (3646)، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي كان يسمى بالفعل “قضية الصحراء الغربية”، إلى الحاجة إلى إجراء استفتاء بشأن الوضع المستقبلي للإقليم، لكن من المهم الإشارة إلى أنه مع أن الاتحاد السوفيتي صوّت لصالح هذه القرارات، فإنه لم يقدم أي دعم آخر لجبهة البوليساريو. لا يوجد دليل واضح على أن الاتحاد السوفيتي زوّد جبهة البوليساريو بالأسلحة.

أصبحت قضية الصحراء الغربية مزعجة إلى حدٍ ما للاتحاد السوفيتي، الذي كانت له مصلحة اقتصادية في العلاقات مع المغرب. قرر الجانب السوفيتي اتباع أيديولوجيته؛ أي الإصرار على حق تقرير المصير للشعوب، ومنح الاستقلال للمستعمرات السابقة وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومع ذلك، لم يُقدَّم تعريفات واضحة بشأن كيفية التعبير عن هذا الحق، وكيفية تنفيذه فيما يتعلق بالصحراء الغربية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الاتحاد السوفيتي أصر على حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير، والتسوية السلمية للمشكلة، لكنه أصر أيضًا على ضرورة مراعاة جميع أطراف النزاع، وهو ما قد يعني أن الاتحاد السوفيتي قد أعطى ضمنيًا بعض الشرعية للمطالبات المغربية الإقليمية.

 

موقف الاتحاد الروسي

اختلف موقف الاتحاد الروسي عن موقف الاتحاد السوفيتي: “تؤيد روسيا إجراء الاستفتاء، وهي أيضًا دولة عضو في بعثة مينورسو، ولا تعترف بالجمهورية الصحراوية دولةً مستقلة، لكنها لا تعتبر الصحراء الغربية جزءًا من المغرب”. في 29 أبريل (نيسان) 1991، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (690)، الذي ينص على إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، وفقًا لمقترحات التسوية التي اعتمدها المغرب وجبهة البوليساريو، كما نصت خطة التسوية على فترة انتقالية للتحضير لاستفتاء يختار فيه شعب الصحراء الغربية بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب. جُدِّدَ هذا التفويض في أبريل (نيسان) 2015، لمواصلة مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو. منذ هذه الفترة، أصبح وجود الروس في المنطقة حاضرًا بقوة في إطار قوات حفظ السلام، أو البعثة الأممية.

مع أن الموقف الروسي فيما يتعلق بنزاع الصحراء الغربية كان محايدًا تاريخيًّا، فإن مراجعة علاقاتها مع الجزائر وليبيا القذافي تظهر أن الظل الروسي (السوفيتي سابقًا) كان يحوم دائمًا بالقرب من أحلام الصحراويين بالتحرير.

نحو 78% من الأسلحة التي باعتها روسيا للقارة الإفريقية بين عامي (2013 و2017) انتهى بها المطاف في الجزائر؛ حليفها الرئيس في المنطقة المغاربية، في حين زودت الجزائر قوات جبهة البوليساريو بالعتاد العسكري منذ السبعينيات. كان الصحراويون يمتلكون دبابات مختلفة من طراز تي-55 (T-55)، وصواريخ أرض- جو ستريلا-2 (9K32 Strela-2)، وبنادق هجومية من طراز أيه كيه-47 (AK-47)، وقاذفات صواريخ كلها سوفيتية الصنع. إن مشاركة موسكو- بشكل مباشر أو غير مباشر- في الإمدادات العسكرية الصحراوية ليس سرًّا، لكنها حاولت دائمًا الحفاظ على موقف دبلوماسي محايد فيما يتعلق باستفتاء تقرير المصير الذي وعدت به الأمم المتحدة عام 1992.

ينبع اهتمام روسيا بالصحراء الغربية من عاملين؛ الأول: هو ضمان استمرار علاقات جيدة مع المغرب الذي كان أول دولة إفريقية ترسل مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، ونصبت نفسها أيضًا على أنها أكبر حليف للولايات المتحدة في المنطقة المغاربية. الثاني: حشد التأييد في المنطقة المغاربية لصالح السياسات الجزائرية. في هذا الصدد، كان الاجتماع الذي عُقد في يناير (كانون الثاني) 2023، بين الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي والوفد الروسي المشارك في المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو، حيث أبرز نائب رئيس الحزب الشيوعي الروسي فيه “تضامنه غير المشروط مع القضية الصحراوية، واعترافه بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال”، مشددًا بدوره على أنهم “نجحوا في توعية أكثر من تسع وثمانين منظمة روسية بشأن مسألة الصحراء الغربية”، وأن “موقفه سيبقى ثابتًا حتى يفرض الشعب الصحراوي سيادته”.

تفضل روسيا- منذ فترة طويلة- الجزائر بوصفها واحدة من أكبر مشتري الأسلحة، لكنها في الوقت نفسه وسعت مؤخرًا شراكات تجارية ثنائية مع المغرب، وأعادت تنشيط العلاقات الدبلوماسية مع الرباط؛ مما أظهر أن لها مصالح في كليهما.

 

الاستنتاجات

تسعى روسيا في إفريقيا إلى إيجاد الدعم والمواد الأولية مع دول المنطقة؛ لذلك نجدها في موقفها تجاه الصحراء الغربية تستعمل معيار الازدواجية: “تدعم الشعب الصحراوي في حقه في تقرير المصير، وتدخل في علاقات اقتصادية قوية مع المغرب الذي يعتبره الصحراويون الداعون إلى الاستقلال العدو الأول، وهي بهذا تربح نفوذًا في الصحراء، وتضمن شريكًا اقتصاديًّا في المغرب”.

يلاحظ كذلك أن الاتحاد الروسي لا يخشى التصعيد في المنطقة؛ فهو شريك عسكري بالدرجة الأولى للجزائر، وشريك اقتصادي جيد للمغرب- وكلاهما يعتبر قضية الصحراء الغربية قضية مبدأ لا يتزحزح عنه- ويدعم (أي الاتحاد الروسي) في الوقت نفسه الصحراويين في حقهم في تقرير المصير تحت مظلة الأمم المتحدة.

تدعم مساندة الاتحاد الروسي للقضية الصحراوية إستراتيجيتها في محاصرة أوروبا بعد الأزمة الأوكرانية من جنوب البحر الأبيض المتوسط؛ فروسيا موجودة فعليًّا كل دول المنطقة التي تتمتع بفائض ثروات من “الموارد الطبيعية” المصدرة إلى أوروبا: (ليبيا، والجزائر، ومالي، والنيجر)، أما ورقة الصحراء الغربية فهي ورقة مرهونة بدعمها، ويمكن استعمالها إن لزم الأمر في أي وقت.

 

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير

ترحب هيئة التحرير في المركز برد أي طرف من الأطراف المعنية بموضوع التقرير يعرض فيه وجهة نظر مختلفة وتتعهد بنشره


شارك الموضوع