غير مصنف

أصداء القمة الروسية الإفريقية


  • 1 أغسطس 2023

شارك الموضوع

عُقدت في الفترة من 27 إلى 28 يوليو، النسخة الثانية مِن القمة الروسية الافريقية، في مدينة سان بطرسبورغ، حيث استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعماء (17) دولة من أصل (49) دولة مشاركة في القمة، أبرزهم زعماء: مصر، وموزمبيق، وجنوب إفريقيا، وأوغندا، وزيمبابوي، فيما مثل بقية البلدان مندوبين أو سفراء، في انخفاض حاد عن القمة الروسية الافريقية الأولى في سوتشي، عام 2019، عندما حضر (43) رئيسًا إفريقيًّا، وفسر ذلك المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي أعلن أن الدبلوماسيين الفرنسيين والأمريكيين في جميع أنحاء إفريقيا ضغطوا على القادة الأفارقة لعدم حضور القمة.

اتفاقية الحبوب وأثرها في القارة الإفريقية

من الصعب تحديد نتائج القمة، ولكن مع انسحاب موسكو من صفقة الحبوب قبل يومين فقط من تجمع الزعماء الأفارقة، يبدو أن المسؤولين الروس حاولوا توضيح موقفهم، فهم على دراية أن أكثر من نصف الحبوب الأوكرانية تذهب إلى إفريقيا وآسيا. وسبق القمة ضغط مِن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين على القادة الأفارقة للمطالبة بضمانات مِن روسيا، قائلًا: “إنهم (أي القادة الأفارقة) يعرفون بالضبط على مَن يقع اللوم في الوضع الحالي”. وقد وصف وزير الخارجية الكيني كورير سينج الانسحاب الروسي الأسبوع الماضي بأنه “طعنة في الظهر للأمن الغذائي العالمي، ويؤثر بشكل غير متناسب في بلدان القرن الإفريقي المتأثرة بالفعل بالجفاف”.

لذا تعهد الرئيس بوتين في خطابه الافتتاحي بأن تحافظ روسيا على إمدادات ثابتة من الحبوب، وغيرها من المنتجات الزراعية إلى القارة الإفريقية. كما أعلن بوتين أن بوركينا فاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وإريتريا، وجمهورية إفريقيا الوسطى ستتلقى من (25) ألفًا إلى (50) ألف طن من الحبوب الروسية في الأشهر الثلاثة إلى الأربعة المقبلة. ولكن بالمقارنة، فإن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة شحن (725) ألف طن من الحبوب إلى عدة دول، بما في ذلك الصومال، بموجب صفقة البحر الأسود.

رحب القادة الأفارقة بالوعود الروسية، ولكن بتشكك، حيث قال غزالي العثماني، رئيس جزر القمر ورئيس الاتحاد الإفريقي، قرب نهاية القمة الروسية الافريقية : “إنها (أي الوعود الروسية) مهمة، لكنها ربما لا تكفي. ونحن بحاجة إلى تحقيق وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وهذا شئ دائمًا لا يمكن التنبؤ به، وكلما طالت الحرب؛ أصبح غير متوقع”. فيما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته: “لا تتطلع القاهرة إلى حل توافقي عندما يتعلق الأمر بصفقة الحبوب، نُريد حلًا واحدًا يأخذ في الحسبان جميع الجوانب التي يمكن أن توقف الارتفاع المستمر في أسعار الحبوب”. فيما قال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا: “نود أن يكون البحر الأسود مفتوحًا، لسنا هنا للمطالبة بتقديم تبرعات للقارة الإفريقية”. وشدد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه محمد على أن: “الدول الإفريقية بحاجة إلى مزيد من النتائج الملموسة من مثل هذه الاجتماعات. ويجب تحسين الميزان التجاري بين روسيا وإفريقيا، غير المتوازن جدًّا لصالح الطرف الأول”. علمًا بأن في القمة الروسية الافريقية الأولى عام 2019، تعهد بوتين بمضاعفة تجارة روسيا مع القارة في غضون خمس سنوات، لكنها توقفت عند نحو (18) مليار دولار سنويًّا. وفي الواقع، أكثر من (70%) من هذه التجارة مخصصة لأربع دول فقط، وهي مصر، والجزائر، والمغرب، وجنوب إفريقيا.

فيما رد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على تعهد بوتين بتقديم شحنات حبوب مجانية من خلال الإشارة إلى أن هذه التبرعات من الحبوب لا يمكن أن تعوض تأثير قطع موسكو لصادرات الحبوب من أوكرانيا، التي تعد- إلى جانب روسيا- أكبر موردي الحبوب في العالم.

وقال غوتيريش إن الأمم المتحدة على اتصال بتركيا وأوكرانيا وروسيا ودول أخرى؛ لمحاولة إعادة العمل بالاتفاقية التي مضى عليها عام، والتي صدرت أوكرانيا بموجبها أكثر من (32) مليون طن من الحبوب. وقد سمح استئناف الشحنات من مواني أوكرانيا المطلة على البحر الأسود بانخفاض أسعار المواد الغذائية العالمية انخفاضًا كبيرًا عن المستويات التي وصلت إليها مع بداية الحرب الروسية- الأوكرانية.

المبادرة الإفريقية للسلام في أوكرانيا

وتحت الشعار الرسمي ل القمة الروسية الافريقية “من أجل السلام والأمن والازدهار”، سهّل رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا مناقشة خطة سلام أوكرانيا التي قدمتها مجموعة من القادة الأفارقة إلى كييف وموسكو خلال زياراتهم الأخيرة لكلا البلدين. وضمت البعثة رؤساء جنوب إفريقيا، والسنغال، وجزر القمر، وزامبيا، بالإضافة إلى كبار المسؤولين من أوغندا، ومصر، والكونغو.

قال رئيس جنوب افريقيا سيريل رامافوزا: “يجب تسوية هذه الحرب من خلال المفاوضات، ومن خلال الوسائل الدبلوماسية”. وأضاف رامافوزا أن وفده الذي يضم قادة وكبار المسؤولين من سبع دول إفريقية” يود أن تنتهي هذه الحرب”. وتشمل محادثات السلام الإفريقية عدة مبادئ، أهمها: “وقف التصعيد، والاعتراف بسيادة الدول، والضمانات الأمنية لجميع البلدان، وصادرات الحبوب دون عوائق عبر البحر الأسود، وإعادة أسرى الحرب والأطفال إلى بلدانهم الأصلية”، فيما قال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه محمد: “إن هذه الحرب يجب أن تنتهي، ولا يمكن أن تنتهي إلا على أساس العدل والعقل. ويجب أن تتوقف الاضطرابات التي تسببها في إمدادات الطاقة والحبوب فورًا، وهذا لصالح الجميع، وخاصة الأفارقة”.

وقال بوتين إن روسيا ستحلل اقتراح السلام الذي قدمه القادة الأفارقة لأوكرانيا، والذي لم تُنشر تفاصيله علنًا. لكن الرئيس الروسي سأل: لماذا يُطلب منا وقف إطلاق النار؟ لا يمكننا إيقاف إطلاق النار خلال مهاجمتنا. لكن الكرملين اعتبر المبادئ الإفريقية للسلام “صعبة التنفيذ جدًّا”، مع التشديد على رفض كلمة “حرب” لوصف العمل العسكري في أوكرانيا. وبالمثل، استبعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إجراء محادثات مع موسكو. ومن المتوقع أن يشهد شهر أغسطس قمة سلام جديدة تستضيفها المملكة العربية السعودية، علمًا بأن روسيا ليست مدعوة.

دبلوماسية معارض السلاح الروسية في القمة الروسية الافريقية

جابت الوفود الإفريقية المشاركة في القمة معارض الأسلحة الروسية، في تذكير بدور موسكو كأكبر مورد للأسلحة للقارة الإفريقية، وفي ضوء انعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية، وأداء السلاح الروسي الهجومي والدفاعي، وتقييماته المختلفة من سيئ إلى ممتاز، كانت القمة الروسية الافريقية فرصة للكرملين لتأكيد مكانته كشريك دفاع وأمن يمكن الاعتماد عليه. وهناك بالفعل شراكات دفاعية وأمنية كثيرة مع البلدان الإفريقية، كثير منها يعود إلى زمن الاتحاد السوفيتي، وحقبة الاستقلال الإفريقية.

تسلط البيانات الواردة من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) الضوء على أن روسيا كانت أكبر مورد للأسلحة في القارة في الفترة من 2017 إلى 2021 (وثاني أكبر مورد عالميًّا)، حيث شكلت (44٪) من جميع واردات الأسلحة إلى القارة، متقدمة بفارق كبير عن الولايات المتحدة، والصين وفرنسا بنسبة (17٪ – 10٪ – 6٪) على التوالي. وتُعد هذه سوقًا حيوية لتأمين الإيرادات الأجنبية لموسكو وتُريد حمايتها من أثر العقوبات الغربية. ولعل الأهم هو أن مبيعات الأسلحة الروسية غالبًا ما يُنظر إليها على أنها وسيلة رئيسة من أجل ترسيخ النفوذ السياسي واستدامته، وتوسيعه داخل الدول الإفريقية.

كما أعادت موسكو صياغة التعاون العسكري مع قارة إفريقيا من خلال الكيانات شبه العسكرية، مثل مجموعة فاغنر التي يقودها يفغيني بريغوزين، وعلى الرغم مِن تمرد الأخير، وإقامته خارج روسيا، فإن فاغنر تواصل نشاطها في جمهورية إفريقيا الوسطى، وموزمبيق، ومالي، وليبيا، والسودان، وترتبط فاغنر بمجموعة واسعة من النخب السياسية الإفريقية، وتنمي النفوذ الروسي السياسي والاقتصادي، حيث بدأت تحصد كثيرًا من امتيازات التعدين والفرص التجارية.

وفي حين أن مبيعات الأسلحة هي وسيلة روسيا للتأثير السياسي والاقتصادي، فإن صفقات الطاقة والتعدين هي نتيجة لهذه المبيعات، حيث أصبحت احتياجات الطاقة في إفريقيا مسيسة بشكل متزايد، ومؤطرة في مواجهة المعايير المزدوجة الغربية، حيث اعتمدت الأخيرة على تأمين إمدادات الغاز الطبيعي في ظل الحرب الروسية- الأوكرانية، وبينما أوضح الأفارقة حاجتهم الخاصة إلى مزيج من موارد الطاقة الانتقالية (بما في ذلك الغاز)، قوبلوا بالتردد والإنكار؛ ما دفع عددًا من الشركات المملوكة للدولة الروسية إلى المشاركة على نطاق أوسع مع القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة، خصوصًا في عمليات تعدين الألماس في أنغولا وزيمبابوي، والتركيز على التنقيب عن النفط والغاز في نيجيريا ومختلف البلدان الأفريقية الأخرى؛ وكذلك التركيز على تطوير الطاقة النووية في القارة، خصوصًا في مصر. ومع أن الجهود الروسية لم تؤد جميعها إلى مشروات أو استثمارات ملموسة حتى الآن، فإن هناك قيمة رمزية كبيرة في إمكانات هذا التعاون.

خاتمة

تشكل دول القارة الإفريقية، البالغ عددها (54)، أكبر كتلة تصويتية في الأمم المتحدة، وانقسم القادة الأفارقة في رد فعلهم على الحرب – الأوكرانية، وامتنعت (15) دولة إفريقية عن التصويت على قرار للأمم المتحدة في مارس 2022، الذي يدين العمل العسكري الروسي لأوكرانيا، في حين صوتت دولتان ضد القرار.

التاريخ يُساعد روسيا في هذه العلاقات الاستثنائية مع القارة الإفريقية، حيث يعزز ماضي الاتحاد السوفيتي ومساعدته لهذه البلدان على التحرر من الاستعمار حضور موسكو في المُخيلة الشعبية، حيث بدأت الأعلام الروسية وعبارات التأييد تظهر في أغلب اضطرابات القارة وانقلاباتها ضد النخب أو الحضور الغربي عمومًا، والفرنسي خصوصًا. وقد أكدت موسكو في البيان الختامي ل القمة الروسية الافريقية تأييدها للأفارقة في طلب تعويضات عن أضرار الاستعمار، وإعادة القطع الأثرية التي نهبها الغرب.

لكن القادة الأفارقة لا يكتفون بالتاريخ، حيث طلبوا أن يصبح الاتحاد الإفريقي عضوًا دائمًا في مجموعة العشرين، وأن يكون هناك تفهم لأمنهم الغذائي، ورغبة أكبر في توفير الأسمدة لحماية الزراعة في القارة، ونقل الخبرات التكنولوجية وتبادل العلوم. باختصار، إفريقيا لا تُعادي روسيا، كما يرغب الغرب على الأقل؛ ولكنها لن تُحارب بدلًا من روسيا كذلك؛ لإدراك العواصم الإفريقية أن موسكو يمكن أن تمنحهم دبابة، ولكنها لا يمكنها أن تعطيهم نموذجًا اقتصاديًّا يوفر لهم فرص عمل، وبنية تحتية، وظروفًا صحية وتعليمية مناسبة لشعوبهم.

من ناحية أخرى، تُدرك روسيا حدود إمكاناتها الاقتصادية، وقدرتها التكنولوجية والصناعية المحدودة؛ لذا تستهدف أن تشيد علاقاتها مع إفريقيا في ضوء الترتيبات المتعلقة بالزراعة والأمن الغذائي، والدفاع العسكري، ومكافحة الإرهاب، والدعم الدبلوماسي من خلال عضوية موسكو في مجلس الأمن. ومؤخرًا، تظهر قضية الديون على الدول النامية كورقة رابحة في يد الكرملين لحشد دعم الدول الإفريقية؛ لذا أسقط الرئيس بوتين (20) مليار دولار ديونًا مستحقة لبلاده على الجزائر، وإثيوبيا، وليبيا، والصومال، وأنغولا. أخيرًا، ترغب روسيا في أن تضع الأفارقة على الطاولة العالمية لتزيد من فرص نشوء نظام متعدد الأقطاب، يخفف من الضغط الغربي تجاهها.

 

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع