أثارت الأنباء المتداولة حول سعي إيران، الحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مخاوف البعض، حيث من شأن ذلك الأمر (حال حدث) أن يكون محفوفًا بالمخاطر. كما يمكن أن يعيد تشكيل استراتيجية التكامل الإقليمي لروسيا، وطبيعة مؤسساتها ما بعد الاتحاد السوفيتي وعلاقات موسكو مع دول أخرى في الشرق الأوسط وخارجه.
في مطلع فبراير (شباط) قام رئيس برلمان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيد محمد باقر قاليباف، بزيارة موسكو، التي أدلى فيها بتصريح جريء بشكل مفاجئ، مفاده أن بلاده بدأت بالفعل محادثات بشأن الحصول على عضوية دائمة في (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – EAEU) بقيادة روسيا. كما توقع أن يتم الانتهاء من الأعمال التحضيرية لبدء المفاوضات في غضون أسبوعين. لقد كان إعلانًا لافتًا؛ خاصةً أنه جاء من أحد الشخصيات السياسية الإيرانية المؤثرة.
(الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – EAEU)، كتلة تجارية وجمركية تقودها روسيا بشكل أساسي، وقد بدأ أعماله في يناير (كانون الثاني) 2015، وبجانب روسيا، يضم أيضًا: (كازاخستان، وبيلاروس، وأرمينيا، وقيرغيزستان) يمكن القول إن الاتحاد يمثل الإطار التكاملي الإقليمي الأكثر تقدمًا وطموحًا لروسيا في الفضاء السوفيتي السابق.
يبلغ عدد سكان أعضاء الاتحاد حوالي (184) مليون نسمة، بناتج محلي إجمالي تراكمي يبلغ (1.967) تريليون دولار أمريكي، واحتياطيات هائلة من الغاز والنفط، وهو ما يجعله جهة اقتصادية فاعلة وكبيرة في مجال الطاقة. بينما يبلغ عدد سكان إيران حوالي (84) مليون نسمة، وإجمالي الناتج المحلي (628) مليار دولار أمريكي بحسب (توقعات 2020/2021) مع امتلاكها لثاني أكبر احتياطيات الغاز ورابع احتياطيات النفط في العالم. إن احتمال توحيد هذه الموارد الهائلة يمكن أن يكون بالفعل جذابًا للغاية. حيث من المقرر أن يدخل الغاز والنفط والمنتجات البترولية ومشتقاتها السوق المشتركة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بدءًا من يناير (كانون الثاني) 2025. علاوة على ذلك، تتمتع إيران بموقع استراتيجي يجعل منها همزة الوصل بين آسيا الوسطى وبقية دول الشرق الأوسط والمحيط الهندي. لذلك، يمكن أن تكون عضويتها إضافة كبيرة إلى الاتحاد، إذا ما تم قبولها كعضو بشكل رسمي.
عقب تصريحات السيد قاليباف، لم تصدر تصريحات من الجانب الروسي بشكل مماثل. مع ذلك، أوضحت بعض الشخصيات المهمة في وزارة الخارجية الروسية الطبيعة العامة للعضوية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على سبيل المثال، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر بانكين، أن الدول التي قررت الانضمام إلى الاتحاد: “دافعها الحصري الوحيد الاعتبارات الاقتصادية”. على الرغم من التحديات التي شهدها العالم عام 2020، إلا أن المسؤولون الروس، يعتقدون أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ظل قويًّا بالنظر إلى مرونة مؤسساته وطبيعة سياسته التجارية الخارجية، مما يجعله شريكًا جذابًا للعديد من الدول.
كانت إيران، قد أبرمت اتفاقًا مؤقتًا مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، منذ مايو (أيار) 2018 (دخل حيز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الأول 2019). وفقًا لوزير الخارجية سيرغي لافروف، زادت التجارة المتبادلة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران بنسبة 15% في الأشهر الستة الأولى. كما ذكر السيد بانكين أيضًا أنه خلال عام 2021: “سيتم القيام بمزيد من العمل لتحويل الاتفاقية المؤقتة إلى اتفاق كامل”.
في اجتماع ديسمبر (كانون الأول) 2020، لرؤساء الدول الأعضاء، وافق الاتحاد الاقتصادي الأوراسي على مثل هذه الخطوة. وفي مارس (آذار) ناقش وزير التكامل والاقتصاد الكلي في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي سيرغي غلازييف، وسفير إيران في روسيا المزيد من مجالات التعاون بما في ذلك الاستثمار والخدمات والتجارة.
أدت هذه الفكرة المثيرة للجدل حول عضوية إيران المستقبلية، إلى عدة تكهنات حول دوافع روسيا، فضلًا عن التأثير المحتمل لذلك على مستقبل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. لم يوسع الاتحاد عضويته منذ انضمام قيرغيزستان في أغسطس (آب) 2015، وهو نفس العام الذي بدأ فيه الاتحاد رسميًّا. فقط في ديسمبر (كانون الأول) 2020، تمت إضافة أوزبكستان كعضو مراقب إلى جانب كوبا. إن عضوية طشقند النهائية هي ما تريده موسكو حقًّا بالنظر إلى أن أوزبكستان تقع داخل منطقة الاتحاد السوفيتي السابق. كما أنها أكبر جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة من حيث عدد السكان وتتمتع بموقع إستراتيجي هام في آسيا الوسطى. على مدى العقود الثلاثة الماضية حاولت روسيا بشكل أساسي التودد إلى أوزبكستان للانضمام إلى مشاريع التكامل الإقليمي الخاصة بها في الفضاء السوفيتي السابق دون جدوى. كانت فقط ولفترة وجيزة عضوًا في (منظمة معاهدة الأمن الجماعي – CSTO) في الفترة من 2006-2012، و (المجموعة الاقتصادية الأوراسية – EurAsEC) في الفترة من 2006-2008. من المثير للاهتمام أن أوزبكستان ظلت عضوًا في (منظمة شانغهاي للتعاون – SCO) منذ إنشائها في عام 2001. في حين أن روسيا، هي أحد قادة منظمة شنغهاي للتعاون إلا أن المنظمة تعتبر مشروع الصين وأداتها لإدارة علاقاتها مع بلدان الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى.
بالعودة إلى إيران، فإنها تقع فيما تسميها روسيا مناطق مصالحها المتميزة. الأهم من ذلك أنها ليست دولة يمكن لروسيا أن تؤثر عليها بسهولة. على الرغم من وضعها الدولي المعقد للغاية وسنوات من عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن إيران لاعب إقليمي مهم وقوي، مع موارد هائلة من الهيدروكربونات، وماضٍ ثري وهوية مميزة للغاية.
تتمتع روسيا وإيران بتاريخ طويل ومعقد من العلاقات، سواء خلال العصر الإمبراطوري أو في الآونة الأخيرة؛ حيث كانت روسيا واحدة من قوتين أوروبيتين عظميين (بجانب بريطانيا) اللتين تدخلتا بشكل متكرر في الشؤون الداخلية الإيرانية خلال القرن التاسع عشر. أصبحت هذه المناورات والمؤامرات الجيوسياسية شائعة باعتبارها أحد بنود اللعبة الكبرى بين كلتا الإمبراطوريتين، ولكنها كانت أيضًا مصدر استياء لإيران. بعد نهاية الحرب الباردة تحسنت العلاقات الروسية الإيرانية بشكلٍ عام، ولكن حتى في ذلك الحين عانت من لحظات صعبة.
تعتبر أبرز نقاط تلاقي البلدين، الحفاظ على استقرار منطقة القوقاز، وعدم السماح لهيمنة الجهات الفاعلة من خارج المنطقة في آسيا الوسطى وبحر قزوين. لكن قضية البرنامج النووي ظلت إشكالية، حيث دعمت روسيا قرارات مجلس الأمن الدولي التي فرضت عقوبات على إيران. في وقتٍ لاحق أصبحت من الدول الموقعة والداعمة للاتفاق النووي لعام 2015، أو ما يسمى (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA). في لقاء أخير مع وزير الخارجية الإيراني، دعا نظيره الروسي لافروف جميع الموقعين الآخرين على خطة العمل الشاملة المشتركة للعودة إلى الاتفاق، وانتقد مرارًا انسحاب الولايات المتحدة منه. في الشرق الأوسط الكبير، وجدت روسيا وإيران سببًا مشتركًا لمساعدة حكومة الأسد في قتاله ضد تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل الأخرى في الحرب الأهلية السورية. لكن وعلى الرغم من هذه الشراكة السياسية في قضايا معينة تتعلق بالسياسة الخارجية فإن احتمالات عضوية إيران في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، يمكن أن تكون بعيدة المدى.
بينما يشير بعض الخبراء الروس إلى أن الأمر قد يستغرق شهورًا بل سنوات، إلا أنهم لا يستبعدون ذلك. في الأسابيع التي أعقبت إعلان السيد قاليباف رأى بعض المعلقين الروس أن هذه العضوية، ستكون بمثابة انتصار تاريخي في كسر المحاولات الغربية للحد من اندفاع روسيا نحو البحار الجنوبية. كما يعتقد البعض الآخر أن الموانئ الإيرانية ستوفر فرصًا اقتصادية لتصدير أكثر ملاءمة للبضائع الروسية إلى أجزاء أخرى من العالم، بينما يرى بعض المحللين الغربيين أن مثل هذه التطورات يمكن أن تزيد المنافسة الجيوسياسية في منطقة بحر قزوين والخليج.
على الورق لم يكن مشروع الاتحاد الأوراسي، مغلقًا أبدًا أمام الطامحين من جميع أنحاء العالم. في عام 2011، عندما أُعلن عن الاتحاد الأوراسي (الاقتصادي) أكد الرئيس بوتين أن المشروع مفتوح لجميع الدول. لكنه أضاف في الوقت نفسه أن دول الكتلة السوفيتية السابقة ستكون موضع ترحيب خاص. على الرغم من ذلك، فإن العديد من القضايا الهامة تقف في طريق العضوية الإيرانية،
وأريد هنا أن أشير إلى ستة عوائق رئيسية محتملة
أولًا: على المرء أن يتعامل مع التداعيات المحتملة لقرار مثل هذا على علاقات روسيا مع دول الشرق الأوسط الأخرى والولايات المتحدة. التقارب الروسي الإيراني في سوريا حال دون انهيار نظام الأسد وسمح له في النهاية باستعادة السيطرة على جزء كبير من البلاد. في حين أن هذه الشراكة البراغماتية كان لها فوائدها العديدة ومكنت روسيا من ممارسة النفوذ في سوريا وخارجها. إلا أن المزيد من التعاون الوثيق مع إيران وعضويتها في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يُعد أمرًا محفوفًا بالمخاطر. حيث سيكون لها تداعيات سلبية على العلاقات مع إسرائيل وتُضعف مساعي موسكو الحثيثة لتحسين علاقاتها مع العديد من الدول العربية، وبالتحديد دول الخليج. لذلك قد يكون لضم إيران للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، نتائج عكسية.
يوجد لإيران العديد من الخصوم الأقوياء داخل وخارج الإقليم. في السنوات الماضية، اقترب صانعو السياسة في روسيا من بلدان الشرق الأوسط معتقدين أنهم يستطيعون تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية قوية من خلال التوسط مع جميع الأطراف، بما في ذلك تلك التي عادةً ما تكون غير مقبولة للغرب. حققت موسكو نجاحًا ملحوظًا وطورت علاقات بناءة مع جميع الأطراف المعنية تقريبًا، بما في ذلك إيران وجيرانها العرب وتركيا والإسرائيليين والفلسطينيين. ومن ثم، فإن قبول إيران في كتلة اقتصادية تقودها روسيا من شأنه أن يبعث برسالة قوية للآخرين حول توجهها.
حتى النجاحات من الشراكة البراغماتية مع إيران، مثل النجاح في سوريا كان لها بعض التكاليف السياسية، وفي هذا الخصوص، يشير المحلل الروسي أليكسي كليبنيكوف، إلى أن صورة روسيا بين غالبية السكان العرب ربما تضررت بسبب اعتمادها المفرط على شراكة فرضتها الظروف السياسية مع إيران، وكذلك مع دولة أخرى غير عربية – مثل تركيا. مما أوحى بتصور مغاير لطبيعة العلاقات الودية بشكل متقطع والتنافسية بشكلٍ عام بين روسيا وإيران وتركيا. أيضًا، يشير البعض إلى أنه بمجرد أن تصبح إيران عضوًا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، قد تسعى في النهاية إلى الحصول على أسلحة روسية متقدمة مثل صواريخ أرض جو (إس-400 – C-400) وحتى طائرات (سوخوي سو-30 – Су-30) المتطورة، والتي قاومت موسكو حتى الآن ببيعها لها. في حين أنه لا يوجد الكثير مما يوحي بأن روسيا ستكون ملزمة بتغيير موقفها بشأن هذه القضية، بالنظر إلى أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ليس تحالفًا عسكريًّا مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، فإن العلاقات الاقتصادية الأوثق قد تؤدي إلى تحسين العلاقات السياسية، وفي النهاية تفتح الباب أمام العلاقات العسكرية.
ثانيًا: هناك قضية أخرى مؤثرة وطويلة الأمد تتعلق بعضوية إيران المحتملة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهي تلك المتعلقة بالطبيعة التكاملية المحددة للاتحاد. إنه أساسًا المشروع التكاملي الإقليمي الأكثر تقدمًا وطموحًا لروسيا. على عكس الهيئات الإقليمية الأخرى التي تعتبر روسيا الاتحادية مؤسسًا لها وزعيمًا (مشاركًا) فيها مثل (منظمة معاهدة الأمن الجماعي – CSTO) و (منظمة شانغهاي للتعاون – SCO) حيث تركز كلتاهما على المسائل الأمنية الصلبة والناعمة، بينما التصور الذي تم وضعه للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أن يكون أداة في المقام الأول للتكامل الاقتصادي الإقليمي. علاوة على ذلك، على عكس منظمة معاهدة الأمن الجماعي الحكومية الدولية ومنظمة شنغهاي للتعاون، فإن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يجمع ما بين الأطر الحكومية وفوق الوطنية، مثل تصويت الأغلبية داخل هياكل صنع القرار (أي عبر اللجنة الاقتصادية الأوراسية). حتى إن الاتحاد لديه هيئة تسوية للمنازعات مثل محكمة الاتحاد الأوراسي، والتي يمكنها الحكم ضد بعض الدول الأعضاء. قاد هذا علماء مثل ألكسندر كولي، إلى ملاحظة أن تصميم (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – EAEU) وسلفه (المجموعة الاقتصادية الأوراسية – EurAsEC). أشبه ما يكون باستنساخ للهياكل الغربية المماثلة مثل الاتحاد الأوروبي. بينما يعتقد الباحث الروسي يفغيني فينوكوروف، أن الاتحاد الأوراسي يمكن مقارنته مع (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية – NAFTA) أو (السوق المشتركة الجنوبية - Mercosur).
لقد تطلب أمر بناء هذا الاتحاد، بعض الجهد الجاد والرغبة خاصةً من الدول الأساسية الثلاث وراء هذا التكامل الاقتصادي: (روسيا وكازاخستان وبيلاروس). لتحقيق هذا المستوى من التكامل والاستعداد لتفويض بعض السلطات للمفوضية الأوراسية. بينما يسعى الأعضاء عادةً للتوصل إلى إجماع، كما يجب التأكيد على أنه حتى الشركاء المقربين مثل كازاخستان وبيلاروس، متمسكون بشدة بسيادتهم الوطنية ولا يحبذون أي مقترحات حول تحول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إلى الإطار التكاملي السياسي في وقتٍ ما في المستقبل. كان تحقيق هذا المستوى من التكامل فوق الوطني نجاحًا كبيرًا حدث بشق الأنفس. إن مسألة ما إذا كانت إيران، وهي دولة خارج المناطق التاريخية الروسية والسوفيتية، ستكون مستعدة لتقاسم أي من سلطتها تُعد أمرًا مشكوكًا فيه للغاية.
ثالثًا: علاوة على ذلك، يعتبر (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – EAEU). في الأساس نتاجًا لتجربة ما بعد الاتحاد السوفيتي، ومرتبطًا بشكل أساسي به والذي لم تكن إيران جزءًا منها أبدًا. اكتسب تشكيل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي سرعة في أعقاب تراجع الاقتصادات الإقليمية، في محاولة لعكس مسار انهيار الاقتصادات الإقليمية من خلال تحفيز التعاون الاقتصادي والتكامل.
هكذا أصبح الاتحاد استمرارًا للعمليات التكاملية في الفضاء السوفيتي السابق التي بدأت في أواخر التسعينيات وبدأت أولًا من خلال إنشاء (المجموعة الاقتصادية الأوراسية – EurAsEC)، في عام 2000، ثم استمرت مع إعلان إنشاء الاتحاد الجمركي في عام 2009، ثم إنشاء الفضاء الاقتصادي الموحد في عام 2012. علاوة على ذلك، هناك خصوصيات للاقتصاديات الإقليمية بالمنطقة تجعل هذه العملية ممكنة. كما أشار الباحثان ألكساندر ليبمان ويفغيني فينوكوروف، فإن إعادة اندماج اقتصادات دول المنطقة في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي قد سهلها حقيقة أنها كانت ذات يوم جزءًا من الاقتصاد المتكامل للغاية في ظل الاتحاد السوفيتي. حتى في السنوات التي أعقبت انهياره، ظل مستوى الاعتماد المتبادل بينهما مرتفعًا.
بالإضافة لذلك، كما أوضح الرئيس بوتين في مقالته عام 2011، فإن التكامل الاقتصادي الإقليمي في الفضاء السوفيتي السابق قد عجَّل بتطورات اقتصادية محددة أثرت على المنطقة نفسها. على سبيل المثال، أجبرت الأزمة المالية في 2008-2009 دول المنطقة على “البحث عن موارد جديدة للنمو الاقتصادي”.
رابعًا: ما يجعل (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – EAEU) له مهمة شديدة التحديد، هو أنه جزء من رؤية روسيا لعالم متعدد الأقطاب حيث تسعى لتلعب فيه أحد الأدوار الرئيسية. لسنوات عديدة وحتى الآن انتقد السياسيون الروس مرارًا وتكرارًا النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وجادلوا بأن الأحادية القطبية لا تعكس حقيقة العالم. بدلًا من ذلك، افترضت موسكو أن هناك تعددية قطبية متزايدة، أو ما يشار إليه كثيرًا باسم التعددية المركزية ظهر هذا المصطلح في مفهوم السياسة الخارجية لروسيا لعام 2013، حيث اقترح أن العلاقات الدولية تتغير وتتحول إلى نظام متعدد المراكز. وكجزءٍ منها ظهرت الحوكمة الإقليمية، وكان على مراكز القوة الجديدة أن تتولى المسؤولية في مناطقها الخاصة. وقد تم ذلك من خلال التكامل الاقتصادي الإقليمي كوسيلة لدفع عجلة النمو وتوفير الأمن والاستقرار. استندت هذه الحجج جزئيًّا إلى خطط روسيا الخاصة لإنشاء قطب عالمي جديد بقيادة روسيا. كما يوضح الباحث إيغور تورباكوف، “أدركت موسكو أنه سيكون شرطًا مسبقًا للمشاركة الفعالة على قدم المساواة مع القوى العظمى الأخرى في الحوكمة العالمية”. تم تبرير دور روسيا كأحد المراكز أو «الأقطاب» الرئيسية لعالم متعدد الأقطاب من خلال «قدراتها العسكرية والجغرافية والاقتصادية وثقافتها وإمكاناتها البشرية». منظمة مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والتي تتمحور حول الفضاء السوفيتي السابق، يُنظر إليها على أنها أساس لبناء قطب إقليمي تقوده روسيا.
خامسًا: هناك قضية أخرى تتعلق بالجانب الحضاري للهيئات الإقليمية التي تقودها روسيا. في حين أن هذا البند لم يرد ذكره في أي وثائق أو معاهدات رسمية، فقد احتل مكانة بارزة في خطابات بعض المسؤولين الروس. منذ عودة السيد بوتين كرئيس للدولة الروسية في عام 2012، واصل التأكيد على تفرد روسيا المتميز باعتبارها حضارة لها خصوصيتها، وهناك ضرورة تفرض حمايتها. بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وسعى إلى رفع مكانة روسيا إلى مرتبة المدافع عن القيم المحافظة عالميًّا. يوضح الباحث الروسي أندريه تسيغانكوف، أن لهذه السياسة “أهدافًا مرتبطة بالسياسة الداخلية وكذلك آثارًا على السياسة الخارجية”. لقد سمحت لروسيا بتقديم نفسها على أنها حضارة فريدة حقًّا عند تقاطع العالمين الغربي والآسيوي والإسلامي، وبالتالي فهي قادرة على بناء علاقات مع أجزاء مختلفة من العالم والحفاظ عليها، فضلًا عن تلك الدول التي لها خبرة تاريخية مشتركة مع روسيا. المعني بها في الغالب الجمهوريات السوفيتية السابقة، وهو ما اعترفت به روسيا في مفهوم السياسة الخارجية لعام 2013، من خلال التأكيد على أنها تنوي “المساهمة بنشاط في تطوير التفاعل بين الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة.. على أساس الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري المشترك وجعله موردًا أساسيًّا لرابطة الدول المستقلة ككل”.
الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على النحو الذي اقترحه السيد بوتين في عام 2011، سيكون بمثابة «مجتمع متنوع عرقيًّا» بين الاتحاد الأوروبي وآسيا، كما أنه سيعزز تطلعات روسيا كقائد لدولة ذات حضارة متفردة. في حين تم تقليص حجم المشروع في نهاية المطاف (بسبب اعتراضات كازاخستان وبيلاروس اللتين غير مستعدين للتخلي عن سيادتهما التي تم الحصول عليها بشق الأنفس) لصالح الإبقاء على التكامل الاقتصادي بشكل أساسي. لكن يوجد الكثير من الدلائل التي توحي بأن روسيا تخلت عن مزاعمها بالتميز الحضاري. تم بناء الكتلة التي تقودها روسيا في نهاية المطاف حول ما يمكن أن نعتبره العالم الروسي. في اجتماع نادي فالداي الدولي للحوار 2013، حذر السيد بوتين من أن القرن الحالي “لن يكون فقط مُكرسًا لإنشاء مناطق جيوسياسية، ولكن أيضًا مناطق ثقافية وحضارية”. لهذا السبب، فإن الدول في الفضاء السوفيتي السابق والتي كانت وفقًا للرئيس الروسي لها هوية فريدة في تاريخ الفضاء الأوراسي، يجب أن تجعل التكامل أولوية ليس فقط من أجل الفوائد الاقتصادية ولكن أيضًا للحفاظ على الهوية-كونها حضارة متميزة في حد ذاتها. بينما ليس لدى إيران الكثير للبحث عنه في عالم تقوده روسيا. بدلًا من ذلك يمكنها التعاون معها كدولة غير عضو بصفة مراقب.
أخيرًا: حتى لو تم قبول عضوية إيران بناءً على الملاءمة الاقتصادية والاعتبارات الاستراتيجية المحتملة، فقد تجد روسيا والدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي صعوبة في الترحيب بها رسميًّا كعضو كامل العضوية، وهي دولة لا تزال رسميًّا خاضعة لعقوبات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. سوف يحتاجون إلى النظر للتداعيات المحتملة وغيرها من الآثار المترتبة على هذا القرار.
منذ عام 2006، تعرضت إيران لعقوبات الأمم المتحدة (بعضها كانت مدعومة من قبل روسيا) وأصبحت أيضًا أكثر عزلة دوليًّا بل شجبها البعض ووصفها بأنها دولة مارقة نتيجة بعض أنشطتها المثيرة للجدل مثل مصادرة ناقلات النفط قبالة سواحلها. في حين أن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، فتحت الباب أمام إزالة بعض العقوبات، لكن علاقات إيران ظلت مع بعض منافسيها الإقليميين متوترة، وتفاقمت أكثر بمجرد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة وتطبيق استراتيجية «الضغط الأقصى» ضد الجمهورية الإسلامية. بينما بالكاد تحسَّنت علاقات روسيا مع الغرب خلال نفس الفترة، كانت موسكو تحاول جاهدة الحصول على اعتراف وقبول أوسع لمشاريعها التكاملية الإقليمية. وقد حققت بعض النجاح الملحوظ.
على سبيل المثال، في عام 2004، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتحالف العسكري (منظمة معاهدة الأمن الجماعي – CSTO) كمراقب ولديها الآن بروتوكولات تعاون ومذكرات تفاهم موقعة مع إدارة عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة. من ناحية أخرى، أصبح (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – EAEU) شريكًا تجاريًّا جذابًا للدول من جميع أنحاء العالم بما في ذلك: (فيتنام والأرجنتين ومصر والهند وإسرائيل). في حين ستستمر علاقات روسيا مع إيران في الأصل على أساس البراغماتية، وهو أمر واضح في اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بالفعل والمفيدة للطرفين بين الجمهورية الإسلامية والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لا يزال هناك احتمال لخطوات أكثر طموحًا، ومع ذلك فإن منح إيران عضوية كاملة في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، هو اقتراح محفوف بالمخاطر وسيعيد تشكيل استراتيجية التكامل الإقليمي لروسيا، وطبيعة مؤسسات ما بعد الاتحاد السوفيتي، وعلاقات موسكو مع دول أخرى في الشرق الأوسط وخارجه.[1]
ترجمة: وحدة الرصد والترجمة في مركز الدراسات العربية الأوراسية
ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير