خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2023، قام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بزيارة إلى روسيا، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسبق هذه الزيارة رحلة لوزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو إلى كوريا الشمالية، والتقى أيضًا الزعيم الكوري، فيما صرح سفير روسيا لدى كوريا الشمالية، ألكسندر ماتسيجورا، لوسائل الإعلام الروسية أنه “يبدو من المناسب” إشراك كوريا الشمالية في التدريبات العسكرية المشتركة بين روسيا والصين. التزمت بكين الصمت حتى الآن بشأن هذا الاقتراح. وليس هناك أيضًا ما يشير- حتى الآن- إلى أن كيم سيقبل عرض موسكو، الذي سيكون أول تدريبات واسعة النطاق منذ نهاية الحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي، لكن من المرجح أن تتنامى شراكة ثلاثية بين روسيا والصين وكوريا الشمالية.
ترغب كل من بكين وموسكو وبيونغ يانغ في توفير الردع العسكري أمام حملة العقوبات الغربية والتحالفات العسكرية التي توسعها الولايات المتحدة مؤخرًا، ولا سيما في آسيا، وخاصةً مع كوريا الجنوبية، واليابان؛ لذا، فإن التقارب الثلاثي يعتمد على: تاريخ العلاقات الأيديولوجية بين البلدان الثلاثة، لا سيما ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، واختبار جيوسياسي لإعادة تشكيل منطقة شمال شرق آسيا في مواجهة الوجود الأمريكي والتحالفات الخاضعة له. ووجهة نظر كل من فلاديمير بوتين وشي جين بينغ بأن كوريا الشمالية يمكن أن تصبح حليفًا قويًّا في ظل الظروف المناسبة. من جانب آخر، هناك التكتيكات التقليدية التي تتبعها كوريا الشمالية لموازنة النفوذ الصيني مع النفوذ الروسي لكي تكون أكثر استقلالية في القرار، في حين هناك قلق روسي بشأن هيمنة الصين؛ مما يترك روسيا دون فوائد اقتصادية تذكر، أو آفاق للتعددية القطبية في شمال شرق آسيا، خاصةً في ظل إصرار الصين على إخضاع كوريا الشمالية لسياساتها من جانب واحد، مع القليل من الاهتمام بالدور الروسي.
تتداخل أولويات سياسة الصين وروسيا في شبه الجزيرة الكورية تداخلًا كبيرًا، وباستثناء تايوان، لا توجد منطقة أكثر أهمية على طول محيط بكين – وهي المنطقة التي تركز عليها سياستها الخارجية والأمنية منذ فترة طويلة – من شبه الجزيرة الكورية. إن ما يحدث في كوريا يؤثر- مباشرة- في الجهود التي تبذلها الصين منذ فترة طويلة لتعويض التهديد الذي يفرضه الوجود الأمني الأمريكي الضخم على طول الحدود البحرية البالغة الأهمية للصين، ما يعني أن أي اضطراب خطير في كوريا من شأنه أن يخلف تأثيرًا كبيرًا في المقاطعات الصينية المجاورة التي تشكل أهمية بالغة في التنمية الاقتصادية في بكين، ومن شأنه أن يلقي بظلاله على خطط الصين الأوسع للتنمية الاقتصادية؛ لذا، فالنقطة الأساسية بين المصالح الصينية في كوريا هي الحفاظ على الاستقرار، على النحو الأمثل؛ لذا تسعى بكين إلى دعم الدولة الكورية الشمالية المستقلة من خلال الإصلاحات الاقتصادية، والتواصل الدولي، الذي من شأنه أن يحافظ على المزايا التي تراها الصين في تقسيم شبه الجزيرة، بدلًا من المخاطرة بالعواقب السلبية التي قد ينطوي عليها تغيير النظام.
فيما كان ينظر إلى روسيا على أنها لا تملك أسبابًا جيواستراتيجية واقتصادية لدعم النظام الكوري الشمالي، لكن هذا في مرحلة ما قبل الحرب مع أوكرانيا، وسبق أن كانت السياسة الروسية نحو كوريا الشمالية مبنية على تجنب الاحتكاك الخطير مع الصين، لكن العلاقات أخذت منحى تطوريًّا سريعًا خلال الأعوام الأخيرة، لا سيما بعد أن دعمت بينغ يانغ ضم موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014، لتقرر الأخيرة مد كوريا الشمالية بالنفط، دون النظر إلى فكرة العقوبات الدولية التي تفرضها واشنطن عليها.
وفي مواجهة الضغوط من الولايات المتحدة على كوريا الشمالية لإنهاء برنامج الأسلحة النووية، وتطوير الصواريخ الباليستية، تميل الصين إلى التركيز على سبل الحفاظ على الاستقرار الذي يعمل ضد هذه التدخلات التخريبية، وتعزيز المزايا الصينية في العلاقات مع كوريا الشمالية. وفي هذه العملية، رأت بكين- في أوقات مختلفة- أن كوريا الجنوبية أكثر استعدادًا من الولايات المتحدة لدعم مزيد من المشاركة الإيجابية مع كوريا الشمالية. وقد سعت إلى العمل- بشكل أوثق- مع سيول في تلك الحالات، وغالبًا بطرق تفصل بين سيول وواشنطن. ويبدو أن أهمية الأرضية المشتركة قد تضاءلت بسبب التراجع الناجم عن النزاع الحاد بين البلدين بشأن نشر نظام “ثاد” الأمريكي المضاد للصواريخ الباليستية في كوريا الجنوبية عام 2017، والعقوبات الاقتصادية غير الرسمية الضارة جدًّا التي فرضتها الصين على الشركات الكورية الجنوبية.
الآن، وبعد بداية الحلف العسكري الأمريكي- الياباني- الكوري الجنوبي، نحت بكين وموسكو الحلول الدبلوماسية في شبه الجزيرة الكورية جانبًا، وأعطتا مساحة أكبر للحلول العسكرية، حيث التقت وفود رفيعة المستوى من روسيا والصين- مؤخرًا- الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في عرض عسكري للاحتفال بالذكرى السبعين لوقف إطلاق النار في الحرب الكورية عام 1953. وتتولى الصين زمام المبادرة لإعادة رسم السياسات في شبه الجزيرة الكورية، وتؤدي روسيا دورًا داعمًا- إلى حد كبير- فهناك تشابه في وجهات النظر الصينية والروسية بشأن القضايا الدولية، وخاصة معارضتهما المشتركة للنظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ويشير التشابه في تصورات البلدين لمصالحهما الأمنية مع كوريا الشمالية إلى أن تعاونهما الوثيق قد يتحول إلى تحالف. ومع ذلك، أصبح إرسال أسلحة من بيونغ يانغ إلى موسكو احتمالًا جديًّا، وتوسع موسكو في مشروعات اقتصادية- في المقابل- قد يخلق توترًا مع الصين، التي قد تشعر بالقلق إزاء تأثير هذه التطورات على قوتها النسبية في المنطقة.
وتتجنب موسكو بدقة الخطوات التي من شأنها أن تزعج شريكها الإستراتيجي الرئيس، ومن غير المرجح أن تتخذ مبادرات جوهرية في شبه الجزيرة تتعارض مع المصالح الأساسية للصين. وهي تدرك جيدًا أن كوريا تشكل أهمية حيوية لأمن الصين، وتدرك أن مخاطر بكين في شبه الجزيرة أعلى بكثير. وحتى الآن، تحافظ روسيا على طموحاتها في أداء دور قيادي في الأزمة النووية لكوريا الشمالية كجزء من جهودها الشاملة لتعزيز صورتها في شرق آسيا، فيما تحاول- من خلال زيارة كيم جونغ أون- رفع مكانة بوتين الدبلوماسية، لا سيما في ظل حملة الحصار الغربية ضد ممثلي الدبلوماسية الروسية داخل جميع المنظمات الدولية الكبرى.
على مستوى آسيا، فإن احتمالية تشكيل حلف ثلاثي بين كوريا الشمالية والصين وروسيا تطرح على اليابان مخاوف أمنية جادة، وحتى إذا لم تشكل تلك الدول مثلثًا إستراتيجيًّا فعليًّا، فإن التهديد المتمثل في إمكانية توحيدهم بشأن قضايا معينة يظل قائمًا، ويعد “تحالفًا فضفاضًا” لمواجهة مصالح اليابان وحليفتها الولايات المتحدة. إن العلاقة الوثيقة بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية هي بالفعل كابوس إستراتيجي لليابان، فهذا الاتجاه يؤدي إلى تخلي روسيا عن موقفها الحيادي بشأن قضايا جزر سينكاكو، وبحر الصين الجنوبي، والتحرك لدعم موقف بكين صراحة. ولقد تشكلت سياسة اليابان تجاه روسيا بهدف تحييد خطر تشكيل بكين وموسكو جبهة موحدة ضد اليابان، لكن عندما انضمت طوكيو إلى الحلف الغربي في العقوبات على روسيا، والعسكرة ضد الصين، أصبحت هدفًا لهما، ولم يعد حياد موسكو مؤكدًا ضد أي عمل عسكري تشنه الصين في محيطها.
أخيرًا، من الواضح أن كيم جونغ أون يستفيد من العلاقات العدائية المتزايدة بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، ولقد خلقت البنية الأمنية المستقطبة الحالية تحديات إضافية لحل القضية النووية لكوريا الشمالية. وترغب بكين وموسكو- في الوقت الحالي- في جعل تعزيز العلاقات مع بيونغ يانغ أولوية أعلى من نزع السلاح النووي؛ لردع توسع أمريكا وحلفائها في المنطقة. ويخلق هذا النهج مشكلات للولايات المتحدة وتحالفاتها في إثارة الإجماع الدولي بشأن نزع السلاح النووي الكامل لكوريا الشمالية، ويخلق مساحة لكيم جونج أون لمواصلة اختبار التقنيات النووية والصاروخية المتقدمة.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير