نشرت صحيفة “الشعب اليومية” الصينية الحكومية، مقالًا كتبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مستهل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى العاصمة موسكو، يوم الاثنين 20 مارس (آذار). تعيد «وحدة الرصد والترجمة» في مركز الدراسات العربية الأوراسية، نشر المقال مترجمًا إلى العربية؛ نظرًا إلى ما ينطوي عليه من أهمية.
يسعدني أن تتاح لي الفرصة لمخاطبة الشعب الصيني الصديق من خلال صفحات واحدة من أكبر المطبوعات العالمية وأكثرها موثوقية عشية زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا. يؤكد هذا الحدث المهم الطبيعة الخاصة للشراكة الروسية- الصينية التي قامت دائمًا على الثقة المتبادلة، واحترام سيادة كل منهما ومصالحها.
لدينا توقعات كبيرة للمفاوضات القادمة. ليس لدينا شك في أنها ستعطي دفعة جديدة قوية لمجموعة كاملة من التعاون الثنائي، وأنها أيضًا فرصة رائعة لي أن أرى صديقًا قديمًا تربطنا به أحر علاقة.
التقينا الرفيق شي جين بينغ في مارس (آذار) 2010، عندما جاء إلى موسكو على رأس وفد صيني. كان اجتماعنا الأول عمليًا جدًّا، وفي الوقت نفسه كان صادقًا وودودًا. هذا الأسلوب من التواصل يثير إعجابي شخصيًّا بعمق. أعلم أن الصين تولي أهمية كبيرة للصداقة والعلاقات الإنسانية. ليس من قبيل المصادفة أن يقول الحكيم كونفوشيوس: “كم هو ممتع أن تلقى صديقًا حميمًا لك يأتيك من سفر بعيد!”. نحن في روسيا نقدر هذه الصفات تقديرًا شديدًا؛ فالصديق الحقيقي مثل الأخ لدينا، وشعوبنا متشابهة جدًّا في هذا التقليد.
بعد ثلاث سنوات، في شهر مارس أيضًا، التقينا مرة أخرى في العاصمة الروسية. في ذلك الوقت، قام شي جين بينغ بأول زيارة دولة لبلدنا بعد انتخابه رئيسًا لجمهورية الصين الشعبية. حددت تلك القمة النغمة والديناميكيات للعلاقات الروسية الصينية لسنوات كثيرة، وأصبحت دليلًا واضحًا على الطبيعة الخاصة للعلاقات بين روسيا والصين، وحددت اتجاه تنميتها المتسارعة والمستدامة.
لقد مر عقد من الزمن، وهو مجرد لحظة، وفقًا لمعايير تاريخ بلداننا، المرتبطة بروابط تقاليد حسن الجوار والتعاون التي تعود إلى قرون. لقد تغير الكثير في العالم خلال هذا الوقت، وفي كثير من الأحيان ليس إلى الأفضل، لكن الشيء الرئيسي الذي لم يتغير هو “الصداقة الروسية الصينية القوية”، التي تتعزز باستمرار لصالح بلداننا وشعوبنا. التقدم المحرز في العلاقات الثنائية مثير للإعجاب. وصلت العلاقات الروسية الصينية إلى أعلى مستوى في تاريخها، وتستمر في النمو بشكل أقوى، فهي متفوقة في الجودة على التحالفات العسكرية والسياسية للحرب الباردة، ولا يوجد فيها قائد وأتباع، ولا توجد قيود أو موضوعات محظورة.
أصبح حوارنا السياسي واثقًا جدًّا، وأصبح التفاعل الإستراتيجي شاملًا، ويدخل عصرًا جديدًا من التفاهم. التقيت أنا والرئيس شي جين بينغ، نحو 40 مرة، ووجدنا دائمًا الوقت والفرصة للتواصل في مجموعة متنوعة من الصيغ الرسمية، وفي بيئة غير مترابطة.
من أولوياتنا التجارة والشراكة الاقتصادية. بحلول نهاية عام 2022، تضاعفت التجارة الثنائية القوية بالفعل، ووصلت إلى 185 مليار دولار. هذا رقم قياسي جديد، ولدينا كل الأسباب للاعتقاد أن مبلغ الـ200 مليار دولار الذي وضعناه مع الرئيس شي جين بينغ، لن ننتظر حتى عام 2024 لتحقيقه؛ لأنه سيتحقق بالفعل هذا العام. في الوقت نفسه، من المهم أن تزداد حصة التبادلات بالعملات الوطنية في التجارة المتبادلة، وأن تصبح علاقاتنا أكثر سيادة.
الخطط والبرامج المشتركة الطويلة الأجل تُنفَّذ بنجاح. على سبيل المثال، أصبح خط أنابيب الغاز الروسي الصيني الرئيسي “قوة سيبيريا”- دون مبالغة- بمنزلة “صفقة القرن”. نما حجم شحنات النفط والفحم المحلي نموًا كبيرًا. بمشاركة المتخصصين لدينا، تُبنى وحدات طاقة نووية جديدة في الصين، وتشارك الشركات الصينية بنشاط في مشروعات الغاز الطبيعي المسال، ويتم تعزيز التعاون الصناعي والزراعي. معًا نستكشف الفضاء الخارجي، ونطور تقنيات جديدة.
روسيا والصين قوتان لهما تقاليد أصلية قديمة، وتراث ثقافي ضخم. والآن، عندما رُفِعَت جميع القيود المتعلقة بالوباء على الاتصالات المتبادلة، أصبح من المهم زيادة التبادلات الإنسانية والسياحية في أقرب وقت ممكن؛ ومن ثم المساهمة في تعزيز القاعدة الاجتماعية للشراكة الروسية الصينية. على سبيل المثال، العامان 2022 و2023 مكرسان للتعاون في مجال الثقافة والرياضة، وهو أمر مطلوب بشدة من جانب مواطنينا.
على عكس بعض الدول التي تدعي الهيمنة، وتجلب الخلاف إلى الوئام العالمي، فإن روسيا والصين تبنيان الجسور. في العام الماضي، رُبطت مناطقنا الحدودية عن طريق جسري عبور فوق نهر أمور، الذي أصبح- فترة طويلة- “نهرًا للصداقة”. من بين “الأمواج والرياح العاتية” على هذا الكوكب، نتعاون تعاونًا وثيقًا في الشؤون الدولية، ونقف جنبًا إلى جنب “مثل صخرة وسط تيار مضطرب”، ننسق- تنسيقًا فعالًا- مواقف سياستنا الخارجية، ونكافح التهديدات المشتركة، ونستجيب للتحديات الحديثة. نحن نعمل بنشاط على تعزيز الهياكل الديمقراطية المتعددة الأطراف، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، وبريكس، التي أصبحت أكثر موثوقية وتأثيرًا، وتكتسب شركاء وأصدقاء جددًا. يتحقق الهدف نفسه من خلال العمل على اقتران الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة الحزام والطريق.
جنبًا إلى جنب مع الأشخاص ذوي التفكير المماثل، تدعو بلداننا باستمرار إلى تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، أكثر عدالة، على أساس القانون الدولي، وليس على “قواعد” معينة تخدم احتياجات “المليار الذهبي”. تعمل روسيا والصين باستمرار من أجل إنشاء نظام أمني متساوٍ، ومنفتح، وشامل، غير موجه ضد دول ثالثة في المنطقة والعالم بأسره. وفي هذا الصدد، نلاحظ الدور البناء لـ”مبادرة الأمن العالمي” الصينية، التي تتماشى مع النهج الروسي في هذا المجال.
نرى أن المشهد الجيوسياسي الخارجي يمر بتغيرات جذرية. يتشبث “الغرب الجماعي”، بشكل يائس، أكثر فأكثر، بالعقائد القديمة، وبهيمنته المراوغة، ويعرّض مصير دول وشعوب بكاملها للخطر. إن المسار الذي تتبعه الولايات المتحدة في الاحتواء المزدوج لروسيا والصين، وكذلك كل أولئك الذين لا يخضعون للإملاءات الأمريكية، أصبح أكثر حدة وحزمًا. تُفكَّك بنية الأمن والتعاون الدوليين بعدما أُعْلِنَت روسيا “تهديدًا مباشرًا”، والصين “منافسًا إستراتيجيًّا”.
نحن شاكرون للخط المتوازن لجمهورية الصين الشعبية فيما يتعلق بالأحداث التي تجري في أوكرانيا؛ لفهم خلفيتها، وأسبابها الحقيقية. نرحب باستعداد الصين لأداء دور بناء في حل الأزمة. مثل أصدقائنا الصينيين، نحن ندافع عن التقيد الصارم بميثاق الأمم المتحدة، واحترام قواعد القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني. نحن ملتزمون بمبدأ عدم تجزئة الأمن، الذي يُنتهك انتهاكًا صارخًا من جانب كتلة الناتو. إننا نشعر بقلق عميق إزاء الإجراءات غير المسؤولة والخطيرة، التي يمكن- ببساطة- أن تقوض الأمن النووي العالمي، والعقوبات الأحادية غير المشروعة التي يجب رفعها.
روسيا منفتحة على تسوية سياسية دبلوماسية للأزمة الأوكرانية. ومع ذلك، في أبريل (نيسان) 2022، لم ننهِ محادثات السلام بأي حال من الأحوال. يعتمد مستقبل عملية السلام فقط على الاستعداد لإجراء محادثة جادة، مع مراعاة الحقائق الجيوسياسية الجديدة. لسوء الحظ، فإن الإنذارات الموجهة إلى روسيا تعيش في عزلة عن هذه الحقائق، دون الاهتمام بإيجاد مخرج من الوضع الحالي.
في الوقت نفسه، فإن الأزمة في أوكرانيا، التي أثارها الغرب، وأشعلها بجد، هي الأكثر وضوحًا اليوم، ولكنها- بأي حال من الأحوال- ليست المظهر الوحيد للنيّات الغربية للحفاظ على الهيمنة على الساحة الدولية، ونظام عالمي أحادي القطب. من المستحيل عدم فهم أن الناتو يحاول إعطاء أنشطته نطاقًا عالميًّا، بهدف اختراق منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن بعض القوى تسعى- باستمرار- إلى تقسيم الفضاء الأوراسي المشترك إلى شبكة من “النوادي الحصرية” والكتل العسكرية؛ بهدف كبح تنمية بلداننا، والتعدي على مصالحها. ومع ذلك، لن يتمكن أحد من تحقيق ذلك.
إن العلاقات الروسية الصينية هي التي تعمل اليوم كحجر الزاوية للاستقرار الإقليمي والعالمي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتعمل ضامنًا لأجندة إيجابية في الشؤون الدولية. إنها مثال على التعاون الإبداعي المنسجم بين القوى الكبرى.
إنني متأكد من أن صداقتنا وشراكتنا، القائمة على الاختيار الإستراتيجي لشعبي البلدين، ستستمر في النمو والتعزيز من أجل رفاهية روسيا والصين وازدهارهما. وهذا- بلا شك- ستيّسره الزيارة الحالية لرئيس جمهورية الصين الشعبية إلى روسيا[1].